الثقافة.. وإشكالية النهوض

 الثقافة.. وإشكالية النهوض

طالعت مقال د. عبدالله الجسمي في مجلة العربي العدد (640) مارس 2012 تحت عنوان «الثقافات التقليدية عائق أمام نهوض ثقافي عربي».

والتساؤل المطروح: الثقافة التقليدية مِن صنع مَن؟ الجواب: من ضعف مجالات التعليم العربي، وضعف البرامج الثقافية في الإعلام الفضائي العربي، بالإضافة إلى الضعف السياسي والاجتماعي، وعدم المواءمة بين الأصالة والمعاصرة، والتبعية الثقافية، والغزو الثقافي..إلخ.

بين هذا وذاك تنتشر الثقافة التقليدية، وهي تضعف ولا تبني، ووقف البعض أمام مقولة أن الآخر يعمل جاهدًا لاستمرارية ضعف وتخلف بلدان الأمة، وهو اتهام إن وجد الأنصار والأعوان في الداخل الذين ترتبط مصالحهم مع الآخر.

العرب طيلة عقود مضت في سبات عميق من التخلف الثقافي والفكري والعلمي والحضاري، أي أن العرب عالميًا لم يحققوا النجاح العلمي والثقافي، حتى أصبح الآخر ينظر للعرب برؤى أنهم:

1 - مصدر رئيسي للمواد الخام خاصة البترول.

2 - سوق رائجة لتوزيع منتجاته.

والعرب أنفسهم ساهموا في إضعاف أنفسهم بالتخبّط الاجتماعي والتعليمي والثقافي وغياب التنمية المستدامة، وارتفاع المديونية العربية، وغياب التنمية البشرية. وثقافة المحاكاة، أو التقليدية لا تحقق النهوض الثقافي، والثقافة أصبحت أسلوب حياة بالقيم والاتجاهات التي تحكم سلوك الفرد والمجتمع.

والثقافة أصبحت ترتبط بشكل إعداد المأكل والملبس، وصولاً إلى مفهوم العلم ومنهجه وتطبيقاته، والسلوك الثقافي له ارتباط بنمط الإنتاج، والقيم والعلاقات الاجتماعية.

والثقافة في الإعلام الفضائي العربي أصبحت مجالاً لنشر الاستهلاك من إنتاج الآخر، وأصبح الإعلان يدخل في المضمون الثقافي والحواري بلغة «فاصل ونعود»، وغاب التثقيف والوعي، حتى أصبحت الثقافة التقليدية تستخدم لتزييف الوعي، وابتعاد الإنسان عن القضايا المجتمعية الملحّة، ولا تساعد على تحقيق الابتكار والإبداع.

كما أن مفتاح التقدم لبلدان الأمة العربية يتشكل من العلم والثقافة والتعلم، كما أن التعليم العربي يعاني من غياب التواصل مع علوم العصر خاصة في المجال التكنولوجي.

والتساؤل المطروح: ما قيمة الثقافة التقليدية إن أردنا تحقيق الوعي والانتماء والانفتاح وتحمل المسئولية؟

الثقافة الجادة هي التي تقوي قيمة العمل والإنتاج وهي صناعة للانطلاق نحو آفاق المستقبل، ومادة تلك الصناعة تثقيف الإنسان في أي زمان ومكان، وأي مجتمع ينشد مواجهة المتغيرات العالمية عليه بتطوير قدرات الإنسان ومعارفه ومهاراته.

وللثقافة الجادة أبعاد اقتصادية واجتماعية، والعقل العربي لا يستطيع أن يحقق هدفه ويؤدي وظيفته دون امتلاك لغة ثقافية، كي تعطيه رؤية إيجابية نحو كيفية التعامل مع سنن الكون.

الابتعاد عن الثقافة التقليدية وسيلة لكيفية التعامل مع الآخر، والفكر الثقافي المعاصر أصبح يتطور يومًا بعد يوم، مثلما الحال مع الفكر التكنولوجي المعاصر، ولذلك علينا امتلاك نقاط، منها:

1 - الاهتمام بالثقافة العربية بسمة الأصالة والمعاصرة.

2 - تواصل النخبة الثقافية مع جمهور الثقافة.

3 - السعي إلى عودة أبناء المجتمع إلى ثقافتهم وهويتهم، بعد التقلبات الاجتماعية والفكرية في حركة المجتمع، لأنه يجب أن نعلم أن الثقافة هي الحركة الحيوية للحياة، ولها موروث ثقافي وتاريخي يسهم في بناء شخصية الإنسان.

خطورة الثقافة التقليدية، أنها تحقق الركود في شتى مجالات الحياة، ولذلك ما مدى استجابة الثقافة التقليدية كي تلحق بمستوى التطور والإبداع؟ نحن بحاجة لثورة ثقافية جادة، لأن الإنسان حامل ثقافة، فكيف يرى الإنسان ثقافته؟ والإنسان لا يحيا بتوفير الغذاء فقط، وإذا اهتم الإنسان بالغذاء فقط، فإنه يتحرك بلا وعي، وربما بانحراف سلوكي، ويجب أن نعلم أن الثقافة هي التي تهذب الإنسان وتسمو به.

ولو نظرنا إلى شكل التبادل الثقافي العربي، لوجدنا المحصلة صفرًا، مثلما الحال في ضعف التبادل التجاري العربي. والتبادل الثقافي يحقق انتقال الأفكار والقيم النبيلة، ويساهم في تحقيق التطور العلمي والفكري والوعي الإنساني.

والفارق شاسع ما بين الثقافة الجادة والتقليدية في المجتمع العربي الذي يمتلك توحد اللغة مثلما الحال ما بين الإنسان الحضاري المعاصر ، والإنسان البدائي، واللغة ليست مجرد وعاء يحمل الأفكار والعواطف، وينقل الأخبار والمعلومات، وإنما هي وعاء يحمل الأفكار والعواطف، والأخبار والمعلومات، والنظريات والمعارف العلمية.

النهوض الثقافي العربي قائم، في ظل تحديد طبيعة ومكونات النظام الثقافي وآليات حركته، وكيفية تحقيق تجديده، كي نبتعد عن أشكال الثقافة التقليدية. ومن هنا يجب الاهتمام بدور المجتمع المدني للحفاظ على الهوية، لتحقيق ثقافة التغيير، لأننا عربيًا تعايشنا مع ثقافة التبرير التي تخدم النظام السلطوي العربي، وتعايشنا مع مثقفي وكتّاب السلطة.. ولذلك لم نحقق عربيًا التغيير والتحديث المنشود، ووقعنا في دائرة التخلف والتبعية والاستلاب الثقافي والتغريب.

إذن كيف نصحح الخلل القائم؟ وعلى كل المستويات، للوصول إلى لغة الإنتاج والإبداع، كفانا تحركًا بالثقافة التقليدية التي كرّست التخلف وقتلت روح الإبداع.

يجب على الأمة امتلاك ثقافة التغيير كمدخل لا غنى عنه، وثقافة التغيير هي نتاج المجتمع المدني، وهي التي تستطيع خلق ثقافة جادّة تتلاءم مع متطلبات العصر لمواجهة التحديات المستقبلية.

وعلينا رفض كل أشكال الثقافة التقليدية، بالاهتمام بمجال الإبداع، كما أن الموروث الثقافي يمكن توظيفه في خدمة المشروع الثقافي الحضاري العربي. والثقافة لغة حوار، وفعل تغيير للواقع المعاش، والثقافة الجادة مثل العلم والتكنولوجيا سلعة قابلة للتبادل والاستيراد.

لذلك، الثقافة مجال توظيفي لغرس ملكات الإبداع في نظم ومؤسسات المجتمع لأن النظرة كمثال إلى امتلاك التجهيزات المستوردة دون امتلاك قدرات محلية لا تحقق النجاح المرجو، والعلم لا ينمو في مجتمع إلا بسعيه للنهوض الحضاري.

عربيًا نحن بحاجة لثورة ثقافية علمية وإعلامية، لأن الإنسان ينتج في إطار من الوعي والحرية، والله عز وجل خلق الإنسان ومنحه حرية التفكير من أجل اكتشاف سنن الكون، والنشاط الإنساني هو الذي يحقق الغاية، والإنسان نشاط وتواصل نحو البناء والإبداع والتنمية، والإنسان نتاج مجتمعه وهو يعيد إنتاج ذاته بشكل مستمر وعلى نحو متطور، ويجب أن نتفاءل من أجل المستقبل.

يحيى السيد النجار - مصر