القوى الخفية تقود الأسواق إلى المجهول

القوى الخفية تقود الأسواق إلى المجهول

تقول طرفة أخرى: إن خبيراً اقتصادياً في سوق الأسهم كان يعلق على باب مكتبه حدوة حصان، فسئل: لماذا الحدوة وأنت عالم وخبير، فقال: إنها تجلب الحظ الحسن لتوقعاتي، وسئل: هل تؤمن فعلاً بهذه الخرافات، فأجاب: بالطبع .. لا. وسئل ثالثاً: لماذا تعلقها فوق باب مكتبك إذن؟ فأجاب: إنها تجلب الحظ الحسن، سواء آمنت بها أم لم تؤمن.

وعلى مدى 80 يوماً هزت العالم، مابين يوليو وأكتوبر الماضي، تحولت عبارات من نوع: القوى الخفية، والحيوية اللاعقلانية والدخول في المجهول إلى مصطلحات اقتصادية، وعندئذ تساوى حامل جائزة نوبل في الاقتصاد مع عالم الفلك المالي وصندوق النقد الدولي مع فاطمة البصّارة وصار التنجيم أقصر طريق إلى الثروة.

هنا حكايات مازالت مستمرة

النبوءة المالية

"علم الفلك المالي" اسم تقرير فصلي يصدر في هونج كونج ورسم الاشتراك السنوي فيه هو 395 دولاراً أمريكيا، التقرير يتنبأ بأحوال البورصة وأسعار الأسهم والعملات في 20 بلداً، ويحدد كذلك التغييرات التي سوف تطرأ على أسعار المعادن الثمينة من ذهب وفضة وسواهما في خلال الشهور الثلاثة بعد صدرره، ويعلن التقرير عن إنجازاته في كبريات الصحف والمجلات الدولية. ويرفق هذه الإعلانات برسرم بيانية تقارن بين "التنبؤات" التي زود بها المشتركين وبين واقع الأسواق وأسعار الأسهم، وتبدو التنبؤات متطابقة تماما مع الواقع، ويؤكد "علم الفلك المالى" أنه عضو يشارك بفعالية في "الفيدرالية الأمريكية للمنجمين الماليين" وهي تضم ثلاثين ألف عضو.

الملياردير يحتاج إلى منجم

يشرف على تحرير التقرير وإصداره السيدة الأمريكية رييكا نولان، وهى كانت أستاذة للرياضيات على مدى عشرين عاماً قبل أن تتحول إلى علوم الفلك المالية، وهذه السيدة، كما تقول عنها صحيفة "أسيان وول ستريت جورنال" سيدة محترفة في التنبؤ بحركة أسواق الأسهم، وتضيف الصحيفة: لاتخلطوا بين نشرة أحوال الأسواق التي تصدرها السيدة نولان وبين "الهوكاس بوكاس" أعمال الشعوذة، إذ إن نصائحها الاستثمارية تعتمد على تقنيات رياضية أمضت السيدة نولان عشرين عاماً وهي تقوم بتطويرها".

أما السيدة نولان نفسها فتكشف أن من بين عملائها "عددا من رؤساء الدول ومستثمرين أثرياء ورجال أعمال معروفين".

أما عن أسلوبها في قراءة التقلبات في مؤشر "داو جونز" قبل ثلاثة أشهر من وقوعها فتصفه بأنه (غير تقليدي) ولكنه بالتأكيد يتفوق على الأساليب التقليدية التي يستخدمها المحللون الماليون. وتستشهد بعبارة أطلقها واحد من أبرز رجال المال في العالم وهو " جي" ي مورغان"، وهي تقول: "إنه من السهل أن تصبح مليونيراً ولكن أن تتحول إلى ملياردير فأنت تحتاج إلى منجم". وفي الإعلانات عن تقريرها تقول: هناك اليوم مديرون ماليون ومتعاملون في أسواق العملات الذين يستخدمون التنجيم، بهدوء وبعيداً عن الأضواء، للتنبؤ بذبات السوق المالية وأسعار العملات.

وينسب الإعلان إلى مدير بارز في مؤسسة مالية كبيرة في اليابان قوله إن شركته حققت أرباحاً كبيرة في خلال العام الماضي عبر اللجوء إلى التنجيم المالي، ويضيف: إن مايزيد على 70% من توقعاتنا حول أسعار العملات جاءت مطابقة لما حدث في الواقع.

نصحتنى البصّارة

وحكاية ثانية من بريطانيا، بطلها المليونير مارك غولدبرغ، صاحب نادي (كريستال بالاس) لكرة القدم، والمدير السابق في شركة "إم. إس. بي انترناشيونال" للمعلومات التكنولوجية، تقول الرواية، كما نقلتها الصحف البريطانية: إن غولد برغ باع في 30 أبريل العام الجاري مليونين ونصف المليون سهم كان يملكها في شركة "أم. أس. بي "، وكان سعر السهم في تلك الفترة 950 بنساً "الجنيه 1000 بنس" وحصل بذلك على مبلغ 23 مليوناً و 750 ألف جنيه إسترلينى، واشترى بالمبلغ 85% من أسهم نادي كريستال بالاس الرياضي، وفي يوليو من العام نفسه باعت زوجة المليونير 350 ألف سهم من الشركة نفسها، وكان سعر السهم قد انخفض إلى 710 بنسات، وفي مطلع أكتوبر من العام الجاري أيضاً انخفض سعر السهم في الشركة فوصل إلى 372 بنساً، فلو أن المليرنير لم يبع أسهمه قبل الهبوط المريع في سعر السهم لكان حصل على مبلغ تسعة ملايين و300 ألف جنيه إسترليني فقط، وكان قد خسر مبلغ 14 مليوناً و 450 ألف جنيه إسترليني، ولكن المليونير لم يخسر، لماذا؟ تقول الحكاية إن زوجة المليونير هي من نصحه بالبيع بناء على "تنبؤ" عالمة فلك مالية، نصحتها بأن "تركب الموجة عالية قبل أن تبتلعها الرمال على الشاطئ ".

خطأ بـ 600 مليار دولار

وبالمقابل فإن الملياردير برونو شرودر وعائلته، وقد احتلوا المرتبة الثامنة في قائمة الأغنياء هذا العام في بريطانيا خسر في خلال ثمانين يوماً فقط مبلغاً يصل إلى 890 مليون جنيه إسترليني، فقد انخفض سعر البنك الذي تملكه العائلة من 1,80 مليار إسترليني في يوليو الماضي إلى النصف في أكتوبر، كانت هذه الخسارة هي جزءا فحسب من مبلغ يصل إلى حوالي 2000 مليار دولار خسرتها البورصات العالمية في الفترة نفسها نتيجة تهاوي الأسهم، وفق تقديرات صحيفة صانداي تايمز".

المفارقة أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وفي خلال مؤتمرهما السنوي خلال العام الماضي في هونج كونج أصدرا توقعات مبنية على الأرقام تقول: إن نسبة النمو خلال العام الحالي سوف تصل إلى 4% على مستوى العالم، أي حوالي 1200 مليار دولار، ولكن هذه النسبة تغيرت في خلال الاجتماع الذي عقده ممثلو البنكين في واشنطن في أكتوبر الماضي، إذ لم تزد تقديرات النمو على 2%، في أحسن الأحوال، أي أن توقعات أعلى سلطتين ماليتين في العالم لم تخطئ إلا بنسبة 2%، أي حوالي 600 مليار دولار فقط!.

الحاخام يحلم من أجلك

وحكاية ثالثة نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عام 1984 عن رجل أعمال يهودي كان يتعاطى تجارة الألماس، وأسس لهذا الغرض شركة حصلت من حكومة جنوب إفريقيا العنصرية في ذلك الوقت على حق التنقيب في مساحة واسعة من الأرض بحثاً عن الألماس والذهب، ولكن بعد مرور عامين على إنشاء الشركة لم يتم اكتشاف أي منجم وهبط سعر السهم فيها إلى أقل من دولار، وذهب رجل الأعمال اليهودي إلى كبير الحاخامات في نيويورك يطلب مشورته ويسأله عن حل، وطلب منه كبير الحاخامات أن يعود إليه في اليوم التالي ، وعندما فعل استقبله كبير الحاخامات بالسؤال التالي: هل هناك نهر في الأراضي التي تقومون بالتنقيب فيها؟ فأجاب رجل الأعمال: نعم، وهو نهر كبير يعج بالتماسيح، فقال الحاخام: نقبوا على ضفته اليمنى، فقد أبصرت أمس حلماً كان فيه نهر عظيم يشع بريق هائل من ضفته اليمنى. وقفز رجل الأعمال اليهودى طرباً بعد أن سمع ما حلم به الحاخام، ولكن سأله إذا كان يستطيع أن يحصل منه على رسالة مكتوبة حول هذا الحلم، واستجاب كبير الحاخامات إلى طلبه، وكتب ما حلم به، فحمل رجل الأعمال الرسالة وطار بها إلى " وول ستريت" وبين ليلة وضحاها ارتفع سعر السهم إلى 18 دولاراً، وليس من المعروف ما إذا تم اكتشاف الألماس على الضفة اليمنى من النهر، ولكن الصحيفة الاقتصادية قالت إن حركة أسعار الأسهم لايحكمها الاقتصاد وحده، وأن العوامل النفسية، برغم صعوبة قياسها، تلعب دوراً مهما، فالإشاعة أحياناً تكون أقوى من الأرقام.

عرّافان في البيت الأبيض

لعل الفلكية الرياضية السيدة نولان لاتبالغ عندما تزعم أن من بين عملائها رؤساء دول، ذلك أن العلاقة بين السلطة وبين المنجمين تاريخية، فالرئيس بشارة الخوري، أول رئيس لبناني بعد الاستقلال، اقترن اسمه مع "فاطمة"، البصّارة، وكان يستشيرها في شئون الحكم والمال وفي علاقاته مع زعماء الدول.

وقد بلغت هذه العلاقة بين السلطة وعلم الفلك ذروتها خلال حكم الرئيس رونالد ريجان وزوجته نانسي في البيت الأبيض الأمريكى، إذ كان لكل منهما فلكي خاص به، وعلى ما تروي المؤلفة الأمريكية كيتي كيلي في كتابها عن "نانسي ريجان: مذكرات غير رسمية" ، فقد كانت نانسي تعتمد على عرافتها جوان كويغلي ليس في قراءة مستقبلها فحسب ، بل في قرأءة مستقبل زوجها الرئيس أيضا، وبعد تعرض ريجان لمحاولة اغتيال باتت نصائح البصارة كريغلي أهم لدى السيدة نانسي من توصيات مكتب التحقيقات الفيدرالي المكلف بحماية الرئيس، وعلى ماتزعم كويغلي فإنها هي من اقترح الموعد المحدد لأول قمة تعقد بين الرئيسين ريجان وجورباتشوف.

غير أن المؤلفة كيتي كيلي تطرح شكوكاً حول مدى نفوذ كويغلي في البيت الأبيض، إذ كان للرئيس عرّافه الخاص وهو "إيدهيلين" وتنقل عنه في مقابلات أجرتها معه فى العام 1990 ما يأتي: كان الرئيس يستدعيني مرة أو مرتين فى الشهر إلى منتجعه في كامب ديفيد.

ويضيف هيلين الذي يعمل مدرباً في معهد كارول رايتر لعلم الفلك في لوس أنجيليس: إننى أعمل مع الرئيس منذ العام 1949 عندما التقينا أثناء تمثيله في أحد الأفلام، ولكن هذه العلاقة توطدت من خلاد كارول راينز، وبعدما مرض السيد رايتر مرضاً شديداً وصار عاجزاً عن "القراءة" أخذت مكانه وأصبحت أقوم بمهمة "القراءة" للرئيس.

ورداً على سؤال حول المواضيع التي كان يطلب الرئيس منه قراءتها، يجيب: كان ريجان مهتماً بشكل أساسي بتوقيت الأحداث، ومدى انعكاس أفعال معينة على شعبيته، لقد استدعاني لمعرفة التوقيت الأفضل لغزو غرانادا، ولقصف ليبيا، ولإطلاق المكوك الفضائي تشالنجر، وأحداث من هذا القبيل.

وتسأله المؤلفة ما إذا كان الرئيس يدفع أتعابه فيقول: كان الدفع يتم عبر ممثل محلي للجنة الوطنية للحزب الجمهوري، كان يأتي إلى منزلي كل شهر تقريياً ويسلمني ظرفاً فيه نقود "كاش".

وبالطبع لن أذكر اسم الشخص لأنني مازلت أعمل فلكياً لدى اللجنة الوطنية الجمهورية".

سادة العالم

"سادة العالم" هو اللقب الذي أطلقته وسائلى الإعلام الأمريكية، ومعها البريطانية على كل من البروفيسور في العلوم المالية روبرت موتون، 54 عاماً، الأستاذ في جامعة هارفارد، والبروفيسور في القانون مارين شولز "57 عاما" الأستاذ في جامعة ستاتفورد، حيث اشترك الاثنان في تأليف كتاب عن أسواق الأسهم، استخدمه رجال المال والأعمال على مستوى العالم باعتباره النموذج الوحيد والأمثل لاستقطاب الاستثمارات، وتنظيم العلاقة بين الأسواق والمستثمرين.

وكما هو معروف فإن قيمة جائزة نوبل هي حوالي مليون دولار تقاسمها الاثنان معاً، ولكن لم تكن القيمة المالية للجائزة هي وحدها ماجعل العالمين يحملان لقب سادة العالم ، إذ إن "صندوق إدارة رءوس الأموال طويلة الأمد" في الولايات المتحدة وهو من أكبر "صناديق التحوط" في العالم، طلب من العالمين ترك مهنة التدريس النظري والانتقال إلى العمل ميدانياً، على رأس قيادة الصندوق، وفي وضع الخطط الاستراتيجية للاستثمارات، ولكي نعرف مدى أهمية هذا العرض نشير إلى أن الصندوق بدأ العام 94 برأس مال قدره أربعة مليارات دولار، جذبت إليه قروضاً للاستثمار بقيمة "120" مليار دولار، ولكن كانت تلك المرحلة الأولى فقط، إذ إن الصندوق الذي كان يقدم أرباحا عالية على النقود التي يجتذبها مالبث أن استقطب مبلغ تريليون دولار، أي مليون مليون، وكان من بين المساهمين بنك الاتحاد السويسري " 500" مليون دولار، والبنك المركزي الإيطالي " 250" مليون دولار، وبنك باركليز البريطاني "500" مليون دولار ، وكان لدى الصندرق قائمة انتظار طويلة من مودعين ينتظرون إشارة منه كي يقبل ملايينهم، وبالطبع فإن العالمين حاملي جائزة نوبل دفعا بالمليون دولار، قيمة الجائزة، كي تتكاثر بسرعة قياسية على أيديهما، ووفقاً لاستراتيجيات أثبتت أنها قادرة على تحويل القوى الخفية تقود الأسواق إلى المجهول. الاستثمار إلى حمى جماعية عالمية لاتوفر حتى الرءرس الباردة في مجالس إدارات البنوك، بما فيها البنوك المركزية التي تتولى مراقبة وتنظيم البنوك التجارية ومنعها من المغامرة أو المقامرة بأموال المستثمرين .

وكما هو معروف، فقد هبت رياح الشرق على الصندوق ومزقت أشرعته، وباعتباره أبرز سفن القيادة المالية، فقد طاول التهديد الأسطول كله ، وهنا سارع رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي آلان غيرنسبان إلي ضخ ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار في الصندوق لإنقاذه من الغرق. وليس من المعروف ما إذا كان الفائزان بجائزة نوبل قد خسرا وظيفتيهما في الصندوق، ولكن من المؤكد أنهما لم يستعيدا مبلغ المليون دولار وربما يستحقان جائزة نوبل مرة ثانية لأنهما كشفا أن العالم كله هو كازينو كبير، وأن قواعد الاقتصاد والقانون لاتختلف عن قواعد التنجيم وعلم الفلك وكشف الطالع، باستثناء أن ضحايا الأولى تصل إلى أرقام فلكية .

لم أشاهد في حياتي

ونقرأ هذا الوصف لنشاطات الصندوق كما يراها الأستاذ في جامعة شيكاغو جيري. إس. بيكر الحائز بدوره على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1992، يكتب بيكر: لقد حقق الصندوق في عام 95، أي بعد عام واحد على إنشائه أرباحاً على الأسهم بنسبة 43%، وفي العام 96 لم تنقص هذه النسبة عن 41%، وقد أرجع الصندوق مبلغ ملياري دولار لأصحابها لأنه شعر بعدم وجود فرص استثمارية كافية لهذا المبلغ.

ويضيف بيكر: لقدحافظ الصندوق على سرية استراتيجياته لأنه لم يرغب في أن يشاركه آخرون في الاستراتيجية .

وتعلق إحدى الصحف البريطانية على هذه الأرقام فتشير إلى أن الصندوق كان يعرض عملياً خمسة أضعاف ماتعرض البنوك الأخرى أرباحاً على الأسهم، أما هذه السرية التي أحاطت عمليات الصندوق فهي أقرب إلى "طقوس في الظلام"- العنوان هو للمؤلف البريطاني كولن ويلسون- وهي طقوس، كما نعرف اليوم، لم تكن مبنية على أساس عقلي أو رياضي أو منطقي، بل على أوهام يخترعها أصحابها ويصدقونها ويكونون طليعة ضحاياها. ولعل هذه اللاعقلانية هي مادفع رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي آلان غرينسبان، وهو أعلى سلطة مالية في العالم لإطلاق الصرخة، قال: "لم أشاهد في حياتي كلها مثل مايحدث اليوم، إن هذه الحيوية اللاعقلانية تشق الطريق أمام قوى خفية تودي بالأسواق إلي المجهول". غرينسبان عمره 72 عاماً، عندما يستخدم مصطلحات من نوع اللاعقلانية والقوى الخفية والمجهول لوصف حالة السوق فإنه يفتح البوابة على اتساعها أمام علم الفلك المالي وفاطمة البصّارة و... أحلام الحاخام. ونختم هنا ببعض الإشارات الكاشفة لما سبق أن ذكرناه.

إنه الاقتصاد ... ياغبي "!"

دخل الرئيس بيل كلينتون المعركة الانتخابية ضد الرئيس جورج بوش تحت شعار "إنه الاقتصاد .. ياغبي" ، ونجح كلينتون ولكن المفارقة هي أن فضيحة مونيكا غيت أطاحت الاقتصاد مع السياسة، ولم يكن مصادفة أنه فور بث اعترافات لوينسكي على الإنترنت فإن أشهر برنامج تلفزيوني في أمريكا وهو البرنامج الذي يقدمه لاري كينج استضاف اثنين من رجال الكنيسة ليسألهما إذا كانت "التوبة" التي أعرب عنها كلينتون سوف تكون مقبولة في السماء، رد الاثنان بالإيجاب ومنحا الرئيس صك الغفران. وعندما تصبح علوم الآخرة جزءا من الحياة السياسية الأمريكية فليس كثيراً بالتأكيد أن تصبح علوم الفلك والتنجيم جزءاً من اقتصاد السوق.

"تكثير" المال

قالت الفتاة العمانية: أعطيته عشرة ريالات "حوالي 3 دولارات" أخذها بيده، وكورها بين أصابعه، وتمتم فوقها، ودار بها الحجرة متجها إلى النافذة ثم أعادها إليّ 250 ريالاً، فرحت ولم أصدق ، ولكن الريالات كانت في يدي، تكاثرت خلال دقائق، وقبل أن أغادر قال لي: كل ما تعطينني أياه يتكاثر 25 مرة، أليس لديك مصوغات وجواهـر ؟

هذا ما روته الفتاة العمانية لرجال الشرطة ، في أثناء التحقيق عن عصابة من السنغال امتهنت "تكثير" الأموال والاحتيال على الضحايا، وغنمت مبالغ كييرة قبل أن تقع في قبضة الشرطة. ومع أن الاحتيال يختلف عن التنبؤ والتوقع فإن كليهما يلتقيان حول مايسميه حامل جائزة نوبل في الاقتصاد جيري بيكر "الربح السريع" ويضيف: كلما كان الربح أكبر كانت المخاطر أعظم، ولكن عليك أن تفكر خمس مرات قبل أن تدفع بأموالك لشخص يعدك بمضاعفتها خمس مرات، وفي فترة قياسية.

كشف الطالع والثروة

يميز المؤلف عبدالأمير المؤمن في كتابه "مكانة الفلك والتنجيم في تراثنا العلمي" بين الفلك وهو علم وبين التنجيم وهو خرافة، ويقول إن علم الفلك يعتمد على الرياضيات والهندسة، وحول ارتباط المستقبل بالنجوم، يورد المؤلف نصاً مسمارياً قديماً يتضمن قراءة طالع طفل ولد فى 29 أبريل من عام 263 قبل الميلاد، وجاء فيه:

" في السنة 48 "من العهد السلوقي" في شهر مارس ليلة الثالث والعشرين، ولد الطفل، وكانت الشمس في ذلك الوقت في درجة 30، 13 في برج الحمل، والقمر في درجة 10 من برج الدلو، والمشتري في بداية برج الأسد، والزهرة مع الشمس، وعطارد مع الشمس، وزحل في برج السرطان ، ستنقصه الثروة، وسوف لن يكفي طعامه جوعه، وسوف لن تستمر ثروة شبابه. ومن خلال هذا النص يمكن اكتشاف أن العلاقة بين علم الفلك وبين الثروة .. تاريخية "!".

 

شوقي رافع

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات