فرانز هالز.. صورة شاب أرستقراطي عبود عطية

فرانز هالز.. صورة شاب أرستقراطي

كان فرانز هالز (1580 - 1666م) معاصراً لأنتوني فان ديك (1599 - 1641م), والاثنان ينتميان إلى المدرسة الهولندية نفسها. ولكن في حين أن فان ديك حظي بشهرة عالمية آنذاك بالرغم من عمره القصير, وأصبح أعظم من أي لورد في البلاط الإنجليزي وصديقاً للملوك, فإن فرانز هالز مات بعده بنحو ربع قرن في بيت فقير. فلماذا?

ننطلق من هوية صاحب هذه الصورة. إنه شاب ينتمي إلى عائلة أرستقراطية بدليل الشعار الموجود على الحائط بقربه, ويتألف من صورة رأس بقرة مكرراً ثلاث مرات, شعار عائلة (كويمانز) التي تعني حرفياً (مربو الأبقار).

وفوق تاريخ رسم اللوحة (1645م), هناك إشارة إلى أن هذا الشاب كان عند رسمه في الثانية والعشرين من العمر, وتوصل المؤرخون المدققون إلى تحديده: فيلام كويمانز المولود سنة 1623م.

إنه ابن عائلة أرستقراطية وثرية. ولكننا لانرى الكثير من هذا الثراء في هذه اللوحة. فبدلاً من التركيز على المكانة الاجتماعية وتعظيمها مثلما كان يفعل فان ديك, نجد الرسام يركز اهتمامه على إظهار حيوية الشباب والروح المعنوية العالية. ويزيد الطين بلة بإضافة قبعة عادية من قبعات أبناء الطبقة المتوسطة إلى صورة هذا النبيل, الذي صار يبدو كبحّار أو كتاجر صغير يستريح في مكان لا دلالة له.

يقول البعض إن في لوحة واحدة من لوحات فرانز هالز من الصدق ما يفوق الموجود منه في كل متحف فان ديك. وعلى الرغم من أن الأمر صحيح, فلا بد من الاعتراف بأن هذا الصدق هو سطحي. والأرستقراطية الهولندية مثل غيرها لم تكن تبحث عن صورتها الصادقة, بل عن الصورة التي تحلم بالظهور بها.

كان فان ديك (الذي سبق أن تناولنا في (العربي) لوحته (صورة المركيزة غريمالدي)) ساحراً قادراً على استخراج كل الطموحات والأماني من النفس ووضعها على لوحة تمثل ماهو أرقى من الواقع. أما هالز فقد كان خيميائياً معاكساً. يحوّل ذهب النفس والطموحات إلى تراب. ولذا, نجد هالز يبقى بعيداً عن البلاط الفرنسي الذي كان زبوناً بارزاً عند روبنز (مجموعة لوحات كاترين دي مدسيس), والبلاط الإنجليزي حيث أصبح منافسه فان ديك رسام الملك الذي منحه لقب (سير). حتى الأرستقراطية الهولندية نفسها أشاحت بنظرها عنه.

ولكن مقابل كل ذلك, فإن عبقرية هالز الفنية تبقى فوق أي شك, فبقيت ضربات فرشاته خاصة ومميزة, وعجز تلامذته من أمثال سارجنت ودوفنيك عن اللحاق بها. ضربات فرشاة سريعة ومستقيمة تبدو كأنها ضربات سيف. وهذا ما يدفع الكثيرين من متذوقي فن الرسم بحد ذاته إلى الشعور بمتعة أمام كم قميص فيلام كويمانز أو ياقته, تفوق المتعة التي توفرها كل أعمال فان ديك.

 

عبود عطية 





فرانز هالز: (صورة فيلام كويمانز), 77 × 64سم, 1645م