جيرار تيربورش زيارة طالب القرب

جيرار تيربورش زيارة طالب القرب

جيرار تيربورش هو واحد من الفنانين الهولنديّين الذين تأرجحت شهرتهم صعودا وهبوطا للسبب نفسه أكثر من مرة. فما كان يبدو جذَّابا في لوحاته للزبائن الكثيرين الذين تهافتوا عليها في القرن السابع عشر، كان موضوع نقد حاد حطَّ من قيمة هذه اللوحات. ثم عادت قراءات أخرى لتفيها حقها وحق الرَّساَّم من التقدير.

يندرج موضوع هذه اللوحة ضمن مواضيع الأعمال التي طغت على المدرسة الهولندية في القرن السابع عشر، والتي تميَّزت بالتقاط لحظة هاربة من لحظات الحياة اليومية المتحرِّكة وتجميدها.

في هذه اللوحة التي رسمت نحو العام 1658م، نرى مشهدا متكاملا من خلال نافذة مفتوحة على مسرح الحدث بكامله. العريس، طالب القرب، يدخل من الباب، وعروسه تستقبله، وخلفها والدها يتطلَّع إلى الاثنين من فوق، وأختها (أو صديقتها) تتمرن على العزف على العود، من دون أن ننسى الكلب الصغير رمز الوفاء، وهو يقف بين طالب القرب والفتاة.

هناك حدث متحرِّك، وهذا الحدث هو قصير العمر جدا، إنه لحظة، بدليل أن الشاب لم يزل منحنيا وهو يحيي فتاته. التقاط هذه اللحظة وتسجيلها وتجميدها بحيث تبقى في اللوحة إلى الأبد، كما كانت لحظة وقوعها، شكَّل السمة الرئيسيّة لمعظم أعمال تيربورش.

كل ما في هذه اللوحة يَغرق في تناغم لونيٍّ وشكليٍّ، ماعدا الفتاة. فبسترتها الحمراء وثوبها الأبيض، تبدو منسلخة عن محيطها. والإضاءة في الغرفة لا تبرر أبدا الشكل الذي يكاد يصدم البصر، ويُعتبر وفق معظم المقاييس المتعارف عليها سقطة فنِّيَّة.

ولكن المفارقة هي في أن الزبائن عندما كانوا يتهافتون على لوحات تيربورش، كانوا ينجذبون بالدرجة الأولى، إلى براعته في رسم قماش الساتان والمخمل، والإحساس بحقيقة المواد وملمس كل واحدة منها. وهذا ما نراه واضحا في هذه اللوحة، بدءًا بثوب الفتاة، ومرورا بالسجَّادة التي تغطّي الطاولة، وانتهاء بشعر الكلب ومخمل قبعة الرجل.

ولكننا في هذه اللوحة، ومهما أشدنا ببراعة الفنان في التعبير عن نوعيَّة الأقمشة في ملابس الفتاة الرئيسيةَّ فلا بد من الاعتراف بأنها تعكِّر وحدة المزاج واللون فيها، وتفقد المشهد ككل شيئا من صدقيَّته. هذه الصدقيَّة التي صنعت شهرة العشرات من الرسامين الهولنديين بدءًا بجان فان إيك وصولا إلى فيرمير.

فهل هي سقطة تعود إلى نقص في الكفاءة؟ الجواب هو حتما: لا. فالأمر لا يتعدّى الرشوة التي اضطر الفنان على الأرجح إلى تقديمها إلى زبائنه للإقبال على الاقتناء. وهذه الرشوة، وإن كانت تزعج كثيرين، تبقى في نظر كثيرين آخرين أقلُّ شأنا  من أن تقلِّل من قيمة اللوحة ككل، ومكانتها كمثال لما كان عليه اختيار المواضيع في المدرسة الهولنديّة خلال ذلك العصر. هذا الاختيار

الذي أشاع اتجاها عالميا عند كل مقتني اللوحات المهمة والأقل أهمّية، إلى تزيين بيوتهم بلوحات تروي شيئا معيَّنا مستمدا من الحياة اليومية التي تثير في وجدانهم فصولا من حياتهم اليوميَّة الخاصة بهم. وهذا ما رد في العصر الحديث إلى هذه اللوحة كثيرا من الاعتبار الذي كانت قد فقدته سابقا.

 

عبّود عطيّة 





جيرار تيربورش (1617-1681م) «زيارة طالب القرب»، (80 × 75 سم)، حوالى العام 1658م، ناشيونال غاليري واشنطن