متاحف قطر .. جامعات مفتوحة للثقافة

متاحف قطر .. جامعات مفتوحة للثقافة

تصوير : حسين لاري

جانب ثلاثة استرعت إنتباهنا ونحن نتجول بين متاحف قطر وآثارها لعل أولها ذلك الاهتمام الجاد به1ذ الجانب الذي يحكي تاريخ هذه البلاد، ووثانيها انتشار المتاحف التراثية والعلمية في مدن قطر ، وثالثثها أن قطر قاطبة تبدو بآثارها ومتاحفها وكأنها متحف كبير.

لم تكد الطائرة تقلع ونستوي على مقاعدنا نتناول الوجبة الخفيفة ونرشف بعض القهوة حتى ارتفع صوت قائد الطائرة طالبا ربط الأحزمة وتعديل المقاعد استعدادا للهبوط, إنها بضع مئات من الكيلو مترات تفصل الكويت عن قطر, وبينما كانت الطائرة تتهادى فوق أجواء قطر وكأنها حمامة تحلق فوق وكرها بدت شبه جزيرة قطر تمتد في الخليج العربي كاللسان, تأملت ذلك اللسان الكبير وأنا أتساءل: تراه لو نطق ماذا يقول? أيتحدث عن ماض عريق أم عن حاضر مشرق ومزدهر.

حططنا رحالنا أنا وزميلي المصور في المكان الذي خصص لإقامتنا, وبعد سويعات قضيناها ليس للاستراحة وإنما هربا من الحرارة المرتفعة والرطوبة العالية التي شهدها مطلع أغسطس توجهنا ميممين شطر إدارة الآثار والمتاحف, الوقت قبيل العشاء, حدة الحرارة انكسرت ولكن الرطوبة كما هي, وجدنا مدير إدارة الآثار والمتاحف محمد جاسم الخليفي بانتظارنا وقد نضد أمامه مجموعة كتب ومجلدات عن ماضي قطر المتمثل بالآثار وحاضرها المتمثل ببعض مقتنيات المتاحف وبالاهتمام الذي أولي للمتاحف أخيرا, أكبرت اهتمام الرجل وعلمت أننا في حضرة خبير بهذا المجال, دار الحديث حول المتاحف الإقليمية ودورها التثقيفي المساند للمتحف الكبير.. متحف قطر الوطني, حديث ودي استمر خلال ارتشاف القهوة الخليجية المعطرة بالهال, سرقنا الوقت, وبعد أن انفضت جلستنا التي حملت طابع التعارف, خرجنا بجولة مسائية في أرجاء مدينة الدوحة, المدينة الخليجية الجميلة بشوارعها ومبانيها, بحدائقها ودوارات شوارعها التي تتوسط المفارق, وبين المباني التجارية والسكنية الحديثة تبرز المباني التقليدية القديمة كمعالم تذكر بتاريخ البلاد قبل النفط, وتعبر هذه المباني عن نمط الحياة القطرية.

متحف قطر الوطني... آثار وعلوم

صباح اليوم التالي كنا نجوب أرجاء متحف قطر الوطني برفقة يعقوب سرور أحد موظفي المتحف الظرفاء.

المتحف مؤلف من خمسة أقسام (القصر القديم- القصر الحديث- المتحف المائي- حديقة المتحف- البحيرة), ويشاهد الداخل دون عناء ذلك المنخفض المائي الطبيعي (البحيرة),وقد أعيدت إليها الحياة بعد أن جددت وأصلحت وملئت بالماء من الخليج, وفيها تعرض نماذج من السفن وقوارب الصيد التي كانت مستخدمة في مياه الخليج,وهي نماذج أصلية وكذلك تحتوي على أنواع من الأحياء المائية الكبيرة, وأما الحديقة فإنها تتوسط مباني القصر, وفيها من مختلف أنواع النباتات المعروفة في قطر.

ومقابل القصر القديم شيد مبنى عرف بالقصر الحديث وروعي في بنائه انسجامه مع القصر القديم إذ بني في مستوى منخفض عن أسوار القصر القديم كي لا يؤثر على المنظر العام للقصر, وفي هذا المبنى تابعنا جولتنا بدءا من قسم الكرة الأرضية والتي لا تزال مجهولة العمر والمنشأ ولا يزال العلماء يجتهدون ويقدمون النظريات حول عمر الأرض, وفي المتحف أيضا مصورات جغرافية (خرائط) منها الخريطة الشاملة لدولة قطر والمصورة بوضوح بواسطة الأقمار الصناعية, ويقول مرافقنا إن طائرات (الأواكس) التي ساهمت في حرب تحرير الكويت 1991 لم تكن مجرد مراقبة لحركات القوات العراقية وإنما كانت لها أهداف أخرى كدراسة تربة الجزيرة العربية, وفي المتحف خرائط ترصد جغرافية المنطقة منذ ملايين السنين.

ويحس الزائر الذي يتجول في متحف قطر وكأنه يحلق راحلا نحو أعماق الماضي حيث الفئوس اليدوية والرقائق الحجرية والمدى وما شابه ذلك من أدوات تعود إلى العصر الحجري, ومن بين هذه الأدوات (الوسم )وهي بمنزلة ختم كانت تطبع بها جلود البهائم, ولكل قبيلة ختمها الخاص الذي تطبع به أنعامها لكيلا تختلط بأنعام الآخرين.

وتتوزع بين أجنحة المتحف أجهزة التلفزيون التي تبث برامج عن القهوة العربية وكيفية إعدادها, وعن صناعة السدو وبناء بيت الشعر وبرنامج عن الصقور وتربيتها, في قسم الفنون والحرف الإسلامية قسم خاص بنسج السدو وهناك مجسم أيضا عن بيت الشعر وبنائه ومحتوياته من أدوات الضيافة, وأواني صنع اللبن والزبد ولعل أبرز هذه الأشياء (الشكوى) أداة الحصول على الزبد ومن ثم السمن وأمام البيت الهودج وهو يوضع على ظهر الجمل لتجلس عليه سيدات المجتمع أثناء السفر قديما, ومن ينسى غزليات عمر بن أبي ربيعة بحبيبته التي كانت على هودجها مسافرة بين حراسها هو يراقبها بحرقة قلب, إنني كنت أحس وأنا أتأمل الهودج بنبضات قلوب أولئك الشعراء المعذبين.

ولو ارتحلنا متتبعين إحدى الحسناوات على هودجها في براري قطر القديمة لاستوقفتنا مناظر بعض الطيور الجذابة كالهدهد والحمامة والكروان وبعض الحيوانات كالقنافد والعقارب والثعالب والغزلان وبعض الحشرات التي تطير أو تدب على الأرض ساعية وراء رزقها كالخنافس والصراصير والفراشات والنحل والجراد, وكل هذه الحيوانات محنطة في المتحف وموضوعة فيما يماثل أجواءها ضمن خزائن زجاجية تتيح للزائر رؤيتها, ولو تابعنا رحلتنا في براري قطر فإن الصقور لافتة للانتباه وهي تحلق متباهية بقوتها وكأنها ملكة الفضاء, ويبقى الإنسان الأقوى, فقد استطاع أن يصطادها وأن يدربها ليكسب من صيدها أو ليجعل منها هواية محببة.

ومتحف قطر الوطني يحتوي على صور جميلة للصقور وإلى جانبها أمتعتها وبعض اللوحات التي تعرف بتربيتها والعناية بها, فالصياد يقدم للطير وجبة واحدة يوميا تسمى (العشاء) متى ما كان تقديمها, ولكن غالبا ما يقدمها له بعد العصر وقبيل الغروب أي بعد فترة التدريب وذلك لكيلا يصاب الطير بالخمول بعد تناول طعامه ولأن الجو يكون مائلا للاعتدال, ومن الأمتعة الخاصة بالصقر البرقع الذي تغطي به عيونه لكي تقل حركته فلا يصاب بأذى فيما لو تحرك في النطاق الضيق الذي هو محبوس فيه, والرحلة البرية التي أثارتها في مخيلاتها مقتنيات متحف قطر تقتضي التوقف في جناح جيولوجي جمع صخورا وأحجارا لا تقتصر على مافي قطر أو الدول التي تجاورها, بل جمع أشكالا مختلفة صفها تحت عنوان (من كل قطر حجر), كانت بعض هذه الحجارة شبيهة بالكائنات الحية من حيوانات وزهور, حتى أن بعضها عرف بزهور الصحراء, ومع هذه الصخور التي تحكي مجريات حقبات غائرة في أعماق القدم وضعت الأحجار الكريمة وهي أيضا متعددة الأشكال والأنواع والمصادر فهناك الكهرمان والعقيق, ومجموعة أحجار كريمة أهدتها رئيسة وزراء باكستان إلى المتحف بعد أن زارته, وفي المتحف أيضا صخور متنوعة منها البللورية والرسوبية والنارية والمتحولة.

وضم المتحف من التاريخ المعاصر أول جهاز للتنقيب عن النفط في دولة قطر فقد اكتشف البترول في قطر بمنتصف الثلاثينيات وفي 1939 نشبت الحرب العالمية الثانية فأهمل حتى وضعت الحرب أوزارها لتصدر قطر أول شحنة نفط في 1949 .

كل ما تحدثنا عنه يمكن وضعه في كفة والكفة الأخرى من الميزان لنتركها للنقود والمسكوكات, فما يحتويه متحف قطر من مسكوكات ونقود إسلامية لو جمع مع ما يقتنيه اثنان من الهواة المشهورين القطريين لعادل نصف المسكوكات الإسلامية في العالم, ويكفي أن مجلدين ضخمين جدا اهتما بهذا الشأن وسيتبعهما مجلد ثالث

عمارة ونفحات إسلامية

وتستوقفنا ونحن نتجول في أرجاء المتحف نفحات إسلامية تهب علينا, فقد شاهدنا الرسالة التي وجهها النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوي حاكم قطر آنذاك يدعوه فيها للدخول مع قومه في الإسلام, وقد استجاب المنذر وأسلم مع قومه, وأما الرسالة العطرة فقد جاء فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوي سلام عليك, فإني أحمد الله الذي لا إله غيره وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله, وأما بعد فإنني أذكرك الله عز وجل فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه, وإنه من يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني ومن ينصح لهم فقد نصح لي, وأن رسلي قد أثنوا عليك خيرا, وإني قد شفعتك في قومك فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه, وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل منهم, وإنك مهما تصلح فلن نعزلك عن ملكك ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية.

ومما يذكره المؤرخ اليوناني هيردوتس إن أول من سكن قطر هم القبائل الكنعانية الذين اشتهروا بفنون الملاحة وأما من العرب فقد سكنتها قبائل العرب البائدة من طسم وجديس النازحة من اليمامة جنوب شرق نجد كما استوطنتها العرب العاربة, من قحطانية وعدنانية كبني تميم وعبدقيس.

ومتحف قطر الوطني لا تنبع أهميته من قيمة مقتنياته فحسب وإنما من قيمته المعمارية أىضا ففيه القصر القديم الذي استخدمت في تشييده المواد التقليدية المتاحة من حجر ورمل وحصى, وطلي بالجص الابيض وصمم بحيث يتكيف مع المناخ والمتطلبات اليومية للحياة الاجتماعية, وطبقا لهذا الأسلوب كان القطريون يقيمون منازلهم, وقد زينت جدران غرف هذا القصر بلوحات منقوشة بدقة وتجاور هذه اللوحات طاقات أو أبراج هوائية حرصـا على التهوية الطبيعية حيث لا مكيفات ولا سواها من مصادر التكييف الطبيعي.

وقد شيد هذا القصر كمسكن ودار للحكم الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني سنة 1901 وسكنه في منتصف الثلاثينات ومن ثم تركه لينتقل إلى الريان وبقى القصر على حاله حتى سنة 1972 حيث أولته الحكومة شيئا من العناية فأعادت تحديثه ليكون متحفا تراثيا.

ويكاد هذا القصر يحكي مسيرة العصر الحديث في قطر,وفي مسكن مؤسسة الشيخ عبدالله بن جاسم كانت الأمتعة كالصناديق الخاصة بالنقود المعدنية و(الصندوق المبيت) وهو خشبي مزخرف وبمنزلة خزانة ملابس, وفي المسكن كرسي متحرك, قالوا: إنه هدية من الملك سعود رحمه الله إذ إنه عندما زار قطر أراد أن يسلم على صاحبه الشيخ عبدالله بن جاسم ولكن هذا الأخير كان مقعدا لكبر سنه فأهداه الملك سعود الكرسي المتحرك وكان هدية مميزة في ذلك الزمن.

وإذا كانت العبرة ليست بالشيء بل يما يختبىء وراءه من قصص وأحداث مهمة تركت صداها حتى وقتنا الحاضر, كان لابد من الوقوف أمام بعض المقتنيات بتمهل, فعلى جدران غرف مساكن القصر القديم صافحت أبصارنا صورا لكل من الشيخ عبدالله بن جاسم وابنيه الشيخ حمد والشيخ علي وقد حكم هذا الأخير قطر لأكثر من عشر سنوات وفي عهد هذا الرجل بدأ استثمار البترول ومن بصماته التي تركها في حياة القطريين ذلك المرسوم الذي أصدره آمرا بمجانية التعليم والكهرباء والماء والعلاج ولا يزال ذلك المرسوم ساريا حتى اليوم, ويقول الأخ يعقوب: ولذلك نحمد الله أننا نحن القطريين لا نحسب في آخر الشهر لهذه الخدمات حسابا ولا نحمل هم فواتيرها.

وبين غرف القصر المهمة غرفة المجلس وقد بدا على كراسيها وخزنها ومحتوياتها الفخامة وقد أثثت في عهد علي ابن عبدالله بن جاسم.

العرس القطري والحلي

ومن الجميل في هذا القصر القديم غرفة (الخلة) التي طالعتنا ببهجتها العرائسية فهي غرفة العروس, وجدران هذه الغرفة مغطاة باللون الأخضر, وعليها علقت اللوحات التشكيلية الجميلة, وأيضا صفت المرايا المتلاصقة على نسق واحد, وسمعنا أن للزواج في قطر عاداته المميزة فبدل أن تزف العروس إلى بيت العريس يحصل العكس, ويزف العريس إلى بيت أهل عروسه, وهناك يقيم سبعة أيام, ولهم من هذه العادة غاية وهي أن تأنس الفتاة لعريسها, وفي ثالث الأيام تقام ليلة البنات حيث تأتي رفيقات العروس بهداياهن ويلتففن حولها في حفل عشاء ومسامرة وفي سابع الأيام تقام حلفة عشاء لها في منزل أهل زوجها, وتكون هذه الدعوة أبدية لا تعرف إلى بيت أهلها سبيلا إلا في الزيارات.

وخصصت إحدى غرف القصر لأدوية التطبب بالأعشاب وزينت جدرانها بصور عن الحجامة والعلاج بها, كما شملت الغرفة بين محتوياتها أدوات الكي, وفي هذه الغرفة (قطيع) أي زاوية مقطوعة عن الغرفة بمنزلة مغسلة أو مكان للاستحمام.

وللحلى نصيبها في إحدى قاعات المتحف أىضا, فقد جمعت الأنواع التي تتحلى المرأة الخليجية بشكل عام والقطرية بشكل خاص, ومن هذه الحلي, المرية والقلادة والحلق وطاسة السعد والنكلس والمرتعشة والعميلة وهذه الأخيرة هي خيوط ذهبية أو سلاسل تزين العباءة, وبين خزائن الحلي جمعت أىضا أدوات صياغة الذهب, وتناسقت الأوسمة أىضا في خزائن علقت على جدار إحدى القاعات لتحكي مكانة قطر وحكامها عند زعماء العالم وزياراتهم الودية للدول العربية الشقيقة والأجنبية الصديقة, وهذه الأوسمة والنياشين مهداة إلى حكام قطر من قادة تلك الدول.

ويحتوي القصر القديم أىضا على قاعة الكتّاب وأدواتها التي تستخدم قديما مثل الكتابة على الجلود والنقش على الحجارة وإلى جانبها الأقلام القديمة والحبر, وهذه القاعة تؤدي دور المدرسة قديما, ومن إحدى القاعات تطل الدلال بأشكالها وأحجامها, فالقهوة هي الضيافة الأساسية, وإلى جانب الدلال أواني وأدوات إعداد القهوة العربية كالمهابيج والمواقد وأواني التحميص.

وختام زيارتنا للقصر كانت مسكا بالفعل, فقد توقفنا في قاعة خاصة بالعطور كعطر الورد والمسك وعنبر الحوت والزيوت العطرية, وإلى جانبها الكحل وأدوات صناعته وتخزينه, والاهتمام سواء بالعطور أو بالكحل أو بالأحجار الكريمة, عادات عربية قديمة بالفعل ولو لم تكن مصادرها قطرية فقط, ومن يتصفح تاريخنا يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه وروى عنه علي بن أبي طالب أنه صلى الله عليه وسلم قال : تختموا بخواتيم العقيق فإنه لا يصيب أحدكم غم ما دام عليه ذلك, وجاء في المستظرف من كل فن مستطرف أىضا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: أطيب الطيب المسك.

المتحف والتاريخ البحري

وخلال تجوالنا في متحف قطر تجاوزنا مقتنياته التي تخص عالم البحر, والبحر دوره أساسي في حياة القطريين وما في المتحف من السلاح, وذلك عن قصد لأن لكل من هذين المجالين متحفا خاصا به, فالقسم الثالث من متحف قطر الوطني هو القسم البحري أو ما يعرف بالمتحف المائي, وهو مؤلف من طابقين, العلوي فيه أسماك كبيرة محنطة مع بعض السلاحف والحيوانات الصدفية, وبجوار هذه الحيوانات المائية قسم للتعريف ببناء المراكب أو صناعة السفن قديما, وهي من الصناعات التي نشطت في دول الخليج, والطريف أن صناعها لم يستخدموا المسامير فيها وإنما كانوا يشدون ألواحها ويشبكونها بربطها بخيوط ألياف النخيل أو جوز الهند, ومن المراكب المعروفة في عصر ما قبل النفط السنبوك والبتيل والشوعي والجلبوت والبقارة,

ولمهنة الغوص وصيد اللؤلؤ التي سادت قطر وجاراتها أهمية خاصة في المتحف المائى , فقد خصص قسم للتعريف بكيفية تصنيف اللآلئ وفق أحجامها وأنواعها وأوزانها وما يحتاج إليه الغواصون من أدوات كالمغارف والسكاكين التي تفتح بها المحارات وأكياس الغواصين والأثقال التي تشدالغواص إلى جوف البحر.

وبعد هذه الجولة السريعة في الطابق العلوي هبطنا إلى الطابق السفلي وهو تحت الأرض وفيه الأحواض أو الخزانات المائية المضاءة والتي تعيش فيها الحيوانات المائية كأسماك السولي والشعري والهامور والحياسة والسوس والبياح والصافي والشنينوه, وعلى حيوانات أخرى مثل قنفد البحر ونجمة البحر وخيار البحر والربيان والقشريات وأم الربيان وسرطان البحر ولخمة البحر, وقد خصصت بعض الخزانات لنوع معين خاصة إذا كان هذا النوع مؤذيا لغيره.

ويضم المتحف هذا ستة عشر خزانا أوحوضا مائيا واجهتها المطلة على ممرات الزوار زجاجية وأحجامها مختلفة تتراوح بين 500 و5000 جالون تقريبا وتضخ المياه إليها من الخليج مباشرة ولكن تتم تصفيتها من البكتريا الضارة قبل وصولها, وتتم تغذية هذه الحيوانات المائية ثلاث مرات أسبوعيا على حد قول محمد أبو هندي مدير القسم البحري, وحددت الوجبات لكيلا تصاب الحيوانات بالتخمة, وتحتوي الأطعمة على العناصر اللازمة من دهون وبروتينات وما إلى ذلك ويتم تصنيعها في قطر وهذا مما يخفف أعباء الاستيراد وتكاليفه الباهظة.

في المتحف مختصون يقومون برصد الحالة الصحية للحيوانات المائية وتبدو حالتها الصحية من خلال حركتها فإن زادت الحركة بشكل غير طبيعي فإن مشكلة ما طرأت على المياه وإن بدأت السمكة تحك جسدها بأطراف الحوض فإن طفيليات ضارة تكون قد التصقت بحراشفها, وهناك أمراض خطيرة يجب تلافيها قبل أن تنتقل إلى باقي الحيوانات.

وتفحص الخزانات بشكل دوري ويتم ترميمها وطليها لكيلا يحدث أي تسرب منها كما يتم تنظيفها بشكل دوري وفق خطة محددة لكل خزان, وإن ماتت سمكة ما فإن فحصا دقيقا يجري عليها, ليعرف سبب موتها لكيلا ينتقل المرض الذي أصابها إلى مثيلاتها.

وعندما افتتح المتحف المائي في 22/10/1977 كان أول متحف من نوعه في منطقة الخليج ومنذ ذلك الحين يفتح أبوابه للزوار, ويتعاون المتحف المائي مع جهات مختصة مثل إدارة الثروة السمكية ومركز البحوث العلمية والتطبيقية وإدارة حماية البيئة في قضايا تخدم البيئة وتحد من تأثير التلوث.

متحف خاص للسلاح!

وتجاوزنا الوقوف أمام بعض الأسلحة القديمة أو مساند الأسلحة النارية في المتحف أيضا نظرا لوجود متحف خاص بالسلاح قمنا بزيارته, ويشغل ذلك المتحف ثلاثة مبان كبيرة كل واحد منها مؤلف من طابقين, تأملت الأسلحة متعجبا من طبائعنا نحن بني البشر نحتفظ بهذه الأسلحة رغم أنها أدوات قتل وتدمير ولكن فيما يبدو أن الوفاء لها آت من كونها ضرورية في بىئة العرب الصحراوية القاسية التي عرفت السيوف والنبال والرماح المستوردة والمصنوعة محليا, وكذلك الدروع والدرقات والخوذات التي تتوزع اليوم في جنبات المتحف وقد كان الفرسان يرتدونها لتقيهم ضربة سيف أو طعنة رمح, ومع إطلالة القرن السادس عشر عرف السلاح الناري بأنواعه, وقد كان الرجل المتسلح ببندقية أو بمسدس مثار إعجاب الآخرين وتتغزل به الحسناوات في أغانيهن ليس في قطر وإنما في معظم بلداننا العربية.

رتبت الأسلحة على مناضد وفي خزائن وعلى مساند بحيث يتاح للزائر رؤيتها, ولهذه الأسلحة سواء كانت تقليدية مما عرف في صحراء العرب أو نارية تواريخها وأنواعها التي كتبت على بطاقات بجانبها, ويمكن للباحث أن يرصد تطور السلاح من خلال هذا المتحف, ومما يسترعي الانتباه حقا دور الصانع الفني منذ القديم, فكثيرة هي السيوف والخناجر المنقوشة والتي كان لقبضتها أشكال عديدة كأن تكون القبضة على شكل رءوس الجوارح أو على شكل رأس نمر أو حصان, ورسمت على بعض السيوف مطاردات الوحوش والغزلان أو كتبت عليها آيات قرآنية أو أبيات شعر أو عبارات تدل على الإباء والحمية, والفنان الذي ينقش النصال والقبضات ينبغي أن يتميز بقدرات وبراعة لأن أمامه نصلا طويلا ضيقا غير منتظم السعة ورغم ذلك استطاع أن يزخرفه, وبعض السيوف لها قبضات بديعة من العاج أو الخشب النفيس المحلى بالنقوش الدقيقة, وجميل أن يشاهد الواحد منا السيف وقد زين به مكان أو وضع داخل المتحف أو حمله شاب ليـؤدي به رقصة العرضة بعدما مر عليه زمن لا يراه أحد إلا مشهورا على الرقاب أو يقطر الدماء, وأتقن صناع السيوف صنعتهم فجاءت السيوف متعددة النصال منها ذات شعبتين وبعضها مسننة وبعضها ذات حدين, ويضم المتحف السيوف التي أهديت إلى حكام دولة قطر ومعظمها يعود إلى مطلع هذاالقرن, ومع السيوف اجتمعت البيارق وبعض الخناجر وأبرزها خنجر الشيخ أحمد بن علي بن عبدالله آل ثاني ويعود لمنتصف القرن العشرين.

ويعد متحف السلاح والذي اشترته الدولة من الشيخ حسن بن محمد بن علي آل ثاني وفيه أكثر من 2315 قطعة بيت للثقافة العسكرية وتجتمع فيه البنادق الخليجية والعربية ومجموعة الأسلحة النارية وملحقاتها والتي تشمل بنادق فتيل وجرح ومقمع ومارتيني وبنادق عثمانية تعود لبداية القرن العشرين, كما يحتوي على أحزمة طلقات بعض البنادق والرشاشات وقذائف مدافع وقنابل, وحوى المتحف مجموعة من رءوس سهام وحراب وفئوس تعود للعصر البرونزي, ومن لايعرف قيمة هذه القطع قد لا يحملها من أرضها لو وجدها كما يقال.

وتزين جدران المتحف صور بعض الفرسان والأبطال وصورا لبعض المعارك, وتتنوع البنادق من حيث أشكالها أو أشكال حرابها وسبطاناتها وأخامصها ويظهر جليا تطور البندقية عبر العصور.

من متحف التقاليد إلى قلعة الكوت

ووسط مدينة الدوحة يقوم متحف التقاليد الشعبية وهو بيت قديم يعود بناؤه إلى القرن الرابع عشر الهجري, تم ترميمه وافتتح كمتحف للتقاليد الشعبية في 1985 لتعرض فيه النشاطات الحياتية في قطر قبل النفط, وهو البيت الوحيد في قطر الذي لا يزال البرج الهوائي (البادجير) قائما فيه, وقد وقفت تحت البادجير فشعرت بالهواء يتوزع في أرجاء الغرفة رغم الحرارة والرطوبة الشديدتين, والقاعة المميزة في هذا المتحف قاعة الألعاب التقليدية, كلعبة الدحرور, القلينة والمطوى, والصقلة, وللقرقيعان الذي يعبر عن فرحة الطفولة في رمضان مكان في هذه القاعة كما أن للفخاخ التي يصطادون بها الطيور خزانة خاصة, وإن كان البيت تتم تهويته بالبادجير فإن تهوية المجلس الموجود فيه من خلال النوافذ والفتحات في الجدران, وبيت التقاليد فيه 13 غرفة منها غرفة العروسين وغرفة المطبخ وركن المقهوي والمجلس الصيفي وغرفة نشأة الصبي وتحكي عن المراحل التي يمر بها الولد قبل سن الرجولة.

ومن بيت التقاليد توجهنا نحو قلعة الدوحة (الكوت) والتي لا تزال واقفة بأسوارها العالية وأبراجها الركنية المربعة والمستديرة, وفي كل برج (الكوت) ثقوب عديدة منها كانت تمتد فوهات بنادق المدافعين والحراس, تقف هذه القلعة لتحكي تاريخا يعود إلى 1925 حيث بنيت في عهد المغفور له الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني لتكون سجنا للخارجين على القانون, وفي 1985 افتتحت القلعة رسميا كمتحف للحرف والفنون الجميلة وفيها صناعات يدوية كما اهتمت بالغوص وصناعة السفن والأبواب الخشبية, وبالإضافة إلى بعض إنتاج الفنانين التشكيليين القطرين, واللوحات التشكيليكة المعلقة على جدران أول قاعتين تتحدث عن مهارات وعادات وتقاليد محلية ومناظر طبيعية أي أنها واقعية تصور الحرف, وتضم إحدى القاعات نسيج السدو وبيت الشعر, وتحتوي القلعة على أشياء كثيرة تراثية مثل السرير القديم الهندي الصنع والأبواب القديمة واللوحات الجصية المزخرفة وآلة ندف القطن والحبال وصناعة السلال وغيرها من جريد النخل وقد عرفت بالخوص وصناعة القلافة (الأبوام) ونسج شباك الصيد, وفي حقبه ما قبل النفط سادت القلافة أو صناعة السفن عن طريق خرز الألواح الخشبية وربطها بالليف وطليها بالقار في دول الخليج وعرفت بها بعض العائلات, وإلى جانبها صناعة الحدادة, والحداد يقدم للقلاف ما يلزمة, ويقدم للأهالي أدوات بسيطة كمزاليج الأبواب والمسامير والشبابيك ونصلات الفئوس وما إلى ذلك.

ومن أهم الصناعات التي عرفتها قطر ولا تزال قلعة الكوت توليها الاهتمام كإرث له تاريخه الثياب القطرية التي تصبغ باللون الأحمر وتصدرها قطر, والبرود القطرية من أقدم المنسوجات, ويقال إن النبي صلي الله عليه سلم, وزوجته عائشة والخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب استخدموا ثيابا برودا قطرية, وتحتوي القلعة على صناديق الميت الخشبية المزخرفة التي كانت أساسية في أثاث البيت وجهاز العرائس, وذلك بالإضافة إلى دلال القهوة وملابس العرس والنراجيل والمباخر, وهناك غرفة خاصة بالغوص تحكي قصة القطريين مع صيد اللؤلؤ التي ظلت حرفتهم بشكل عام حتى اكتشاف النفط, وقد أغرتهم مياه الخليج النقية وقاعه الرملي النظيف الذي وفر بيئة مثالية للأصداف التي وجدت بأعداد تكفي لإعالة العديد من قرى صيادي اللؤلؤ على طول سواحل قطر.

متاحف إقليمية في الخور والوكرة

وإذا كانت قلعة الكوت في أحد الأيام سجنا فإن متحف الخور كان مقرا للشرطة وصار متحفا إقليميا يعرض أسلوب حياة أهل الخور قديما بالإضافة إلى المكتشفات الأثرية التي تعود للعصر النيوليتي والبرونزي الوسيط التي تم العثور عليها في منطقة ما حول الخور وخصصت القاعة الأرضية لقسم الدراسات البشرية الأنثروبولوجيا وما يتعلق بالعادات والتقاليد الخاصة بالصيد والغوص وصناعة السفن التقليدية.

والقصة الجميلة في ذلك المتحف هي التي تحكي أسطورة (غيلان ومي) ويعتقد أنها من بلدة الخور, وقد دخلت (مي) المرأة في منافسة مع الرجل (غيلان) وظهرت في البداية أكثر كفاءة حتى في قيادة السفن والبحث عن محار اللؤلؤ, وكأن هذه الأسطورة تعبر عن مكانة المرأة القطرية في مجتمعها.

وفي القاعة العلوية تعرض بعض المكتشفات الأثرية التي نجمت عنها التقنيات في الخور, وكيف كانت الأصباغ الأرجوانية تستخرج من القواقع البحرية, وفيها شيء من مكتشفات العصرين الحجري الحديث والبرونزي المتوسط, وما دمنا خرجنا من الدوحة وزرنا الخور التي تبعد عنها 57كم فمن الأولى أن نتوقف بالوكرة ومتحفها الإقليمي القريب جدا من الدوحة, وهذا المتحف بيت تقليدي أىضا مبني على النمط الذي كان شائعا في الوكرة ويعود إنشاؤه إلى أوائل القرن العشرين وبناؤه كان من الحجارة والطين وجدرانه مكسوة بالجص ومكون من خمس غرف وغرفة علوية الواقف أمامها يستمتع بمنظر مياه الخليج الجميل, وفي 1988 افتتح هذا المبنى كمتحف رسمي لتعرض فيه جوانب الحياة القديمة في الوكرة.

قطر.. متحف كبير

وقطر لا تهتم بالمتاحف فقط وإنما بمجملها تبدو متحفا جميلا يحكي تاريخها, فأىنما سرت تطالعك الأوابد فإما قلعة أو برج وإما بناء قديم أو موقع أثري وفي كل الأحوال فهذه الآثار تفتح صفحات من التاريخ العريق, وأما المتاحف القطرية فإنها في غالب الأحيان تؤدي إلى دورين الأول أنها خزائن لمقتنيات أثرية ثمينة والثاني أنها تحف معمارية لها مكانتها في التراث المعماري, والمتاحف بذاتها لم تعد مجرد خزائن للآثار والمقتنيات فحسب وإنما تضم بين محتوياتها وسائل ثمينة ومقتنيات قد تكون موجودة في وقتنا الحاضر ولكن هيهات أن تكون مجتمعة كما هي في المتاحف القطرية وخاصة متحف قطر الوطني, وبعض المتاحف كقلعة الكوت ومتحف الخور انتقل طابع بنائها من القسوة للرقة ومما يبث الخوف بالنفس إلى ما ينشر فيها الفخزوالاعتزاز فقد كانت القلعة سجنا والمتحف مقرا للشرطة وصارا متحفين فيهما تراث الآباء والأجداد.

وزيادة في الاستيضاح واستقاء الحقيقة من ينبوعها التقيت مدير إدارة الآثار والمتاحف محمد جاسم الخليفي ثانية ليحدثنا عن القطعة الأثرية متى تصير تحفة, فقال: تصير تحفة بعد أن يزيد عمرها على 200 سنة ونحن في قطر نطمح إلى ترميم القلاع الموجودة خارج الدوحة ونحرص على آثارنا لأننا نراها جزءا من هويتنا ولا نريد أن تغزونا العمارات العالية التي شبهها المرحوم حسن فتحي بعلب الكبريت, ونرجو أن نستطيع مواكبة المتاحف العالمية.

ولادة المتحف الإسلامي .. متى ?

وعن ولادة المتحف الإسلامي الحدث المهم في مسيرة الآثار والمتاحف بقطر يقول الاستاذ الخليفي: نأمل في أن يري هذا المتحف النور عام 2000 وسيحتوي معروضات إسلامية من البلاد العربية والإسلامية ونتوقع بأن يكون متحفا رائدا في الوطن العربي, ومن خلال هذا المتحف سنبرز آثار الحضارة الإسلامية وهدفنا الأول التعريف بهذه الحضارة, وستقام مدرسة خاصة بالتذوق الفني للفن الإسلامي بجانب هذا المتحف ليتخرج منها جيل لديه المقدرة على التذوق الفني.

وبعد أن تجولنا في متاحف قطر وبين آثارها التي تحكي عظمة القطريين وجدنا أن المتاحف والآثار الموجودة في قطر تعكس صورة صادقة للماضي العظيم وللحاضر المزدهر وتبشر بمستقبل مشرق بإذن الله, وكما هي متاحف قطر رائعة بمبانيها ومقتنياتها كذلك هي الدوحة والخور والوكرة والمسيعيد جميلة بطبيعتها وتناسقها وبمبانيها وخدماتها ولكن هذا الجمال لا يتجلى للزائر في أوائل أغسسطس إلا من وراء الزجاج حيث تخف حدة الحرارة والرطوبة.

 

 

جمال مشاعل

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




متحف قطر جامعات مفتوحة للثقافة





برج أثري في أم صلال محمد بقطر





اللؤلؤ.. وقد كان القطريون يحترفون الغوص من أجله قبل النفط





أثاث بيت الشعر ومنه السدو وأدوات الضيافة والشكوى والهودج





أدوات القهوة والضيافة العربية الأصلية





من الصخور البللورية في متحف قطر





السلاحف حيوانات محنطة في متحف الخور





في البحيرة المجاورة للمتحف وهي متحف للسفن





للسلاح متحف خاص في قطر





قلعة الدوحة والعروفة بقلعة الكويت أيضا





مدير إدارة الآثار والمتاحف





في الأقسام العلمية بمتحف قطر الوطني





مدير المتحف البحري





من الأبوام القطرية المشهورة في رحلات الغوص





من المساجد الأثرية في دولة قطر





علاقة متينة بين القطريين والأماكن الأثرية





الجرار الخزفية وقد كانت مخصصة للمياه





الخوص من الصناعات التقليدية في قطر والتي خلدها التشكيليون





المتحف المائي وفيه الخزانات المائية





الخوذ والألبسة العسكرية التراثية من مقتنيات متحف السلاح





الأزياء العسكرية في متحف السلاح





حيوانات مائية في متحف الخور والمائي





قطر متحف كبير بقلاعها وآثارها





ساحات رائعة في قطر