إشكالية الثقافة العربية

إشكالية الثقافة العربية

قرأت في العدد (586) سبتمبر 2007م، من مجلتنا «العربي» موضوعا فكريا مهما لرئيس التحرير الدكتور سليمان العسكري، يناقش إشكالية تهم الأمة العربية ومستقبلها بعنوان «هويتنا وثقافة الاختلاف»، يقول الدكتور سليمان العسكري أن ثمة رياحًا عاتية تريد اقتلاع خصوصية الثقافة العربية لغرس نمط مغاير من الثقافات بذريعة «العولمة»، وبالتالي إلغاء الهوية العربية أو مسخها لمصلحة هوية عالمية «الثقافة الغربية»، وهذه حقيقة لا غبار عليها وكارثة عظمى بالنسبة للأمة العربية، خصوصًا أنها الآن تعاني من الإشكالات المركبة والمعقدة في جميع نواحي الحياة المختلفة، فإذا كانت هذه الرياح الغربية العاتية تتربص بأمتنا من كل حدب وصوب، فقد ساعدنا نحن بشكل أو بآخر هذه الرياح على زعزعة هويتنا، وغرس الشكوك فيها بانغلاقنا المحكم على ثقافتنا ورفضنا التلاقح الفكري مع الآخر، ولكن هناك ملاحظة شديدة الأهمية حول موضوع الثقافات البشرية هي أن لهذه الثقافات قدرات هائلة على الرسوخ والثبات والديمومة في وجه الثقافات الأخرى، أي أنها محكومة تمامًا بقانون القصور الذاتي، فلا تتزحزح ولا تتطور إلا بتغذية خارجية أو اجتياح كامل من ثقافة أخرى، فالثقافات الإنسانية «المنغلقة» على العموم هي مقيدة لتقدم البشر ومكبلة لإمكانات العقل الإنساني وكابحة لمحاولات التغيير لأنها تحرمه من التغذية من الخارج، وتبقيه خارج النسق المعاصر لأنها تظل تذكّره بذكرياته التي يعتز بها، وتوهمه بالأفضلية والسمو على الآخرين، ولهذا ظلت البشرية آلافًا من السنين، وهي تقبع تحت سقف معين لا تتجاوزه أبدًا، فما إن تشرع أي حضارة في الظهور وتبدأ الرقي في سلم الحضارة الإنساني حتى تصطدم بهذا السقف الذي نسميه في التاريخ «قمة المجد الحضاري» ومن ثم تبدأ بالنزول والهبوط ثانية كموجة تصحيحية للصعود السابق، وهكذا. إلا أن الحضارة الغربية الأخيرة كانت استثنائية، فقد وعت إشكالية الثقافة وتجاوزتها، فتمكنت من اختراق هذا السقف، ومازالت مستمرة في سبيلها لأنها علمت، وبعد تجارب مريرة، أن سبب انهيار الأمم متعلق بأمرين اثنين هما الانغلاق الثقافي والاستبداد السياسي، ولذا سخرت كل قواها في صناعة الآليات التي تمكنها من الانفتاح على الثقافات الأخرى بالتلاقح الفكري والترجمة والاستفادة من الغير وغير ذلك من نظم الانفتاح وصنعت آليات البرامج الديمقراطية، التي تكبح الاستبداد السياسي، وتصد الإقصاء الفكري، وأوجدت النظم التي تستوعب الجميع حتى غدت التعددية بجميع أشكالها سمة إيجابية لمصلحتها وليست إشكالية كما هي الحال في أمتنا، وغياب هذين الحلين في ثقافتنا العربية وتغييبهما شكلا جبهة أخرى ساهمت مع بعض المخططات في الغرب في محاولات سلب الهوية العربية أو تغييبها على الأقل مما حدا البعض منا، كما يقول الدكتور العسكري، على التمسك بالخصوصية ولو كانت مفتقرة إلى التعقل العلمي والانفتاح على ثقافات العالم، ولعلنا نأخذ العبرة من تجربة دول شرق آسيا التي ابتدعت أنظمة تحديثية نابعة من ثقافتها المحلية دون أن تدير ظهرها لمتغيرات العالم من حولها.

عبدالله أحمد الباكري
خميس مشيط - السعودية