مساحة ود

مساحة ود

المصيدة

إنني أعرف سرها وسأضغط عليها حتى تنفجر، يجب أن يكون للنضج اليد الطولى رغم كل شيء.

إنها تحبه (ومن لا يفعل؟) تلك الماكرة وتُخفي، وتتوارى بالخجل، لكني أرى داخلها وأعرف أنها حين تشخَص فهي تفكر فيه، وحين تضحك فلأنها تذكرت إحدى كلماته، وحين تبكي فهي تبكي حبًا، لكنها لا تستطيع أن تبوح ويكويها الكتمان، فلتحترق.

أتعمد أن أتحدث عنه أمامها لأرى التماع عينيها واختلاج شفتيها، استدعيه ليأتي وتراه فتنازعها فرحة اللقيا وخوف الانكشاف، أعلم أنها تتحين الفرص لتصادفه في الممرات، وتفكر في الذهاب لحجرته آلاف المرات، لكنها تغالب طوفان الشوق وتجلس. وهو مثلها، الصغير الأحمق، يجيء ليسأل عن لاشيء ويتكلم في أي شيء، يتكلم معي بالذات، وينظر إلي بكليته وإليها بطرف عينيه، الخبيث، نفس ما كنت أفعله معه، ما كنت أقوى على النظر لعينيه حتى شجعني الانتقام، وددت لو أسوطهما معًا، لا ليس معًا، لن أجمعهما حتى في العذاب، سأبدأ به ثم بها، وسأستمتع بالتأوه والصراخ. شاهدت على الطريق أمس عاشقين شابين يشبهانهما تمامًا، بُهتُ، هل يسخر القدر مني أم أن احتلالهما لعقلي قد استحال ظهورًا عفريتيًا في كل الأماكن، هل سأجن؟

يالبراءتها السخيفة، تجلس قبالتي وتحدثني عن ذكريات الجامعة وشلة الأصدقاء ومشروع التخرج وأغاني الحب، وكيف أن أجمل الحب هو ما يأتي مفاجأة وبعد الخصام، يا سلام، وتظنني لا أفهم أنها تقصد المشاجرة التي نشبت بينهما قبل شهر حين غاب يومين في إجازة بعد أن أغلق على أوراقِها خزانتَه، يا لله أكان لابد أن تكون معي لتذكرني دائما بحجم ابتعادي عن عالمهم، لا أستطيع أن ألوى مسارات عمري لأنضم إليهم، ولا أستطيع حمله على قفز الجسور إليّ، لقد تقررت حدود عوالمنا وهي جد بعيدة لذلك سأتحمل، لكنها لو استمرت في الكلام سأنكل بها. أفكر أن أجمعه مع فاتن في المشروع الجديد، أعلم أنها تخشى فاتن لأنها الأكثر إبهارًا بشعرها الذهبي وبسمتها العذبة، أغيظها حين أحكي عن فاتن، وأقول في حضرته إنها هاربة من قصص الجنيات الساحرة فيضحك، وتذوب كمدًا، وأسعد بالمفارقة.

أعترف أنني أضعف عندما أرى دموعها المعلقة، فأسألها عن والديها وصحتهما، عن المسلسل اليومي، عن العطر الذي تضع، أتمادى فأدعي أن فاتن مرتبطة بصديق في لندن، تهدأ، يسري في بدنها ارتخاء راحة أستطيع أن أميزه في عينيها وزوايا فمها وميل كتفيها وحركة ركبتيها، طفلة هي في كل شيء، أقول في نفسي لا بأس فلتنته اللعبة الآن وغدًا جولة جديدة، لكنها تعود فتسألني عن الحب فأتمنى أن أصفعها، ثم أتمالك وأغادر، وفي المصعد ألومني من جديد: ما ذنبها؟ إنها تمارس حقًا طبيعيًا توفره لها الحياة بكل أريحية، إن وجودي هو الشاذ، والغل في صدري يعميني، هي لا تنافسني ببساطة لأني لم أكن مشارِكة، تذاكر لعبة الحب لا تباع لمن هم مثلي، وليس لي إلا المراقبة، أما التدخل فمحظور، أفكر الآن أن أعود إليها وأفعل ما تقتضيه مكانتي منها؛ أضمها وأسمح لها بالبكاء على صدري وأهمس لها ألا تخافي ياصغيرة فهو يحبك، لكني أجبن من أن أفعل، أو ربما أكثر شرًا..

كنت أقف في ركن المصعد أجاهد غثياني وأتماسك كي لا أسقط، ذلك حين شعرت بيد تقبض كفي وأنفاس دافئة خلف أذني، رفعت إليه عيني، فمه الجميل يورق ابتسامة وشفتاه تتحركان ببطء لترسم «أحبك» دون أن تنطقها، وأنا يؤرقني السؤال: أهو هو؟ أم هي خيالات عشقي؟.

 

هند مصطفى