إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي

البحث عن بطل!

صدمني أن اكتشفت مصادفة أننا لا نملك بطلاً يمكن أن نلتف حوله، ولا علاقة للأمر ها هنا بأن البطولة شيء نسبي عند الكثيرين، فقد يكون بطلي فارساً عربياً لا يشق له غبار، بينما بطلك لاعب كرة أو زعيم سياسي أو حتى شخصية تاريخية، إنما للأمر علاقة بجفاف المنبع من الأساس، أو ربما لأننا كشعوب عربية لم نعد مهيئين للالتفاف حول فكرة واحدة وبالتالي بطل واحد يعبر عن هذه الفكرة.

قد يكون من الصعب تحديد مواصفات البطل الذي نطمح إليه، فالتراث الشعبي على سبيل المثال لا يقدم لنا هذا الأمر، ففي قصص التراث الفلكلورية الشهيرة يتحرك معظم الأبطال وفق قيم سلبية كاغتصاب أراضي الغير مثل ما حدث في (السيرة الهلالية) أو النصب والسرقة مثل علي الزيبق، أو على الازدواجية الشديدة في البطل كقصة علي بابا الشهيرة والأربعين لصاً، حيث يقوم علي بابا بسرقة ما هو موجود في المغارة فيصبح بطلاً بينما في الأساس قد تحول إلى لص هو الآخر، وهو ما يذكرني بالقصة البديعة للكاتب المصري الساخر أحمد رجب (محاكمة علي بابا).ولكن هناك قصة عنترة بن شداد التي تقف ضد التفرقة العنصرية بسبب اللون، ولكن لا يمكن لهذه القصه أن تنتهي نهاية سعيدة في زمننا هذا بسبب ظروف الحياة، وهو ما حاكاه القاص السوري المتميز زكريا تامر في قصته (عنترة النفطي)، وحتى القصص التي نقلناها من العالم لم تعد تصلح الآن لنرويها لأطفالنا لأن الأبطال فيها يثيرون السخرية أكثر مما يثيرون الرغبة في اعتبارهم نماذج لأبطال نبحث عنهم. خذ عندك مثلاً قصة سندريلا التي حكاها أحد أصدقائي لابنته الصغيرة فلم يلفت نظرها سوى السؤال عن رائحة جورب سندريلا بعد أن خلعت حذاءها، فضلا عن سؤالها المنطقي والمربك في الوقت ذاته عن مقاسات الأحذية التي يمكن أن تتشابه مع أكثر من فتاة، وصولاً إلى السخرية من الأمير الذي ترك كل شيء ليبحث عن مجرد صاحبة حذاء.

حتى في السينما العربية أدعوك لتبحث عن نماذج البطل الذي يقدم من خلال أفلامنا لتصدمك حقيقة أن البطل في الأفلام العربية منذ ما يناهز ثلاثين عاماً وحتى يومنا هذا هو في الغالب سكير أو مقامر أو لص أو نصاب أو زير نساء، ولا عزاء للقيم التي صدعوا رءوسنا بها منذ الصغر.

الأمر لا يخلو من بعض المحاولات كالتي قام بها المجلس العربي للطفولة و التنمية مثلاً قبل سنوات عدة لابتكار شخصية كارتونية عربية يلتف حولها الجميع، وكانت المفاجأة أن الجائزة الأولى حجبت، وأن باقي الشخصيات ذهبت أدراج الرياح، كما أن هناك بعض التجارب في مصر - على سبيل المثال - مع كاتب الشباب و المراهقين الأشهر هناك (نبيل فاروق) الذي ابتكر شخصية (رجل المستحيل) لضابط مخابرات مصري يجيد كل الفنون القتالية ومعظم اللغات الحية ويجيد التقليد والتنكر بصورة مذهلة، ويقاتل في سبيل الحق في محاولة لتغيير التفاف الشباب هناك حول جيمس بوند،في روايات حققت أعلى المبيعات طيلة 25 عاماً، خلاصة القول أنه لا يوجد حولنا بطل ، سواء في رجال السياسة أو الفكر، لكن يظل السؤال قائماً : أين هذا البطل من الواقع؟..، وهل ستثمر رحلتنا للبحث عن بطل أم سنظل شعوباً بلا أبطال؟!.

 

محمد فتحي