العرب والمسلمون على شاشة مهرجان برلين.. محمود قاسم محمود قاسم

العرب والمسلمون على شاشة مهرجان برلين.. محمود قاسم

نعم, إنها المرة الأولى في تاريخ المهرجانات السينمائية الدولية التي يعرض فيها هذا الكم من الأفلام التي تدور أحداثها حول أحوال المسلمين. حدث هذا في مهرجان برلين السينمائي, فلا يكاد يخلو يوم دون أن يعرض فيلم أو أكثر, ينطق باللغة العربية, أو إحدى اللغات القريبة من هذه اللغة, وبدا العربي شبه موجود في كم هائل من الأفلام المعروضة في كل أقسام المهرجان.

جاءت هذه الأفلام من كل أنحاء العالم, سواء من الولايات المتحدة, أو أوربا, وإفريقيا, وآسيا, فقد عرض فيلم (سريانا) إخراج ستيفن كاجان في اليوم الثاني للمهرجان, وكان مثيرا للدهشة, باعتباره قد جمع العديد من القصص الحقيقية, ليصنع منها فيلمًا متوازيًا, أما المخرج والممثل الإيطالي الشهير روبرتو بنيني, فقد ذهب إلى مدينة بغداد في فيلمه (النمر والجليد) بينما عرض الفيلم البريطاني (الطريق إلى جوانتانامو) من إخراج مايكل ونتربوتوم ومات وايتكروس وسط زحام شديد, وهو الفيلم الذي نال مخرجاه جائزة أحسن إخراج, وهو يتحدث عن التعذيب الذي تعرض له ثلاثة من الشباب الباكستاني في معسكر الاعتقال الأمريكي الشهير بكوبا.

وفي المسابقة الرسمية أيضًا كان هناك الفيلم البوسني (جربافيكا) إخراج ياسمبلا شابنيش الذي فاز عن جدارة بحائزة الدب الذهبي, وهو يدور حول مصير أطفال السفاح الذين ولدتهم أمهاتهم في البوسنة, عقب حوادث الاغتصاب العمدي التي قام بها رجال الصرب لنساء بوسنيات مسلمات في أوائل التسعينيات بهدف عرقي, وفي المسابقة نفسها كان هناك الفيلم الإيراني (أوفسايد) إخراج جعفر بناهي, الذي تدور أحداثه أثناء مباراة إيران - البحرين التي أسفرت عن صعود الفريق الإيراني للمشاركة في كأس العالم المقام حاليًا بألمانيا.

أما في البانوراما, فإن هناك أفلامًا غير قليلة, منها الفيلم المصري (عمارة يعقوبيان) إخراج مروان حامد الذي ناقش فيه كاتب السيناريو وحيد حامد من جديد صعود التيار الديني في مصر, ولجوء بعض أبنائه إلى استخدام العنف, ثم الفيلم الدانمركي (واحد لواحد), الذي تدور أحداثه في كوبنهاجن حول صداقة بين شادي الفتى الفلسطيني المهاجر, وفتاة دانمركية, وشقيقها, ثم الفيلم الإيراني (قليلاً قليلا) إخراج ميرزا ميري, الذي تدور أحداثه حول مجموعة شباب يعثرون على مسجل في أحد أحياء طهران. وفي البانوراما أيضًا عرض الفيلم العراقي الفرنسي (زمن النرجس) إخراج مسعود عارف صالح وحسين حسن علي.

هذا بالطبع, بالإضافة إلى أفلام روائية قصيرة, منها (أكثر علوا) للإيراني مهدي جعفري, و(اليوم الذي أموت فيه) للإيرانية الأصل مريم كيشافريز, على الرغم من أن الفيلم من إنتاج أرجنتيني. والفيلم الفلسطيني القصير (أغنية ياسمين) إخراج نجوى نجار, ,أما في القسم الخاص ببرلين, فإن الفرنسية آن أندرو قد وضعت أفيش فيلم (المدينة) ليسري نصرالله في خلفية واضحة في مكتب المنتج السينمائي همبير بلسان, الذي أخرجت فيلمًا باسمه كنوع من التكريم.

أما في قسم الفورم المخصص للإبداعات الجديدة, ذات الميزانيات المحددة, فهناك أفلام كثيرة, نذكر منها الفيلم العراقي (موطني) والفيلم التركي (من بعيد جدًا) لتوماس أرصلان الذي يصور وقائع الحياة بين أنقرة واستانبول في يونيو عام 2005, والفيلم الجزائري (بركات) إخراج جميلة شعراوي حول المرأة العربية والعنف الذي تتعرض له, والفيلم الماليزي (الشيوعي الأخير) إخراج أمير محمود, وهو فيلم وثائقي حول آخر من اعتنق الشيوعية في البلاد, ثم الفيلم الإيراني (صباح آخر) لناصر رفاعي حول معاناة رجل في منتصف العمر بعد رحيل زوجته.

يعكس هذا العدد من الأفلام مدى دخول الإسلام والمسلمين دائرة الاهتمام العالمي, للتعرف على حقائق كانت مجهولة بالنسبة لكثيرين, فانتقلت أخبار المسلمين من نشرات الأخبار إلى الشاشات مباشرة.

الحقيقة على شاشة السينما

الكثير من هذه القصص السينمائية, مستوحى من أحداث حقيقية, وإن مزج بعضها بالتخيل, فقصة فيلم (الطريق إلى جوانتانامو) أبطالها حقيقيون, بل إن بعضهم شارك في بطولة الفيلم, وهو يروي قصة أربعة من الشباب الباكستاني - يحملون جنسية بريطانية, باعتبار أنهم يسكنون مستعمرة بريطانية عند الحدود الأفغانية, يذهبون مع واحد منهم للمشاركة في تزويجه, لكنهم يجدون أنفسهم داخل الجبال الأفغانية, إبان دخول قوات التحالف لمطاردة رجال طالبان, وأسامة بن لادن, ويتم أسرهم واستجوابهم, ثم إرسالهم إلى معسكر جوانتانامو حيث يعانون أسوأ أنواع التعذيب, إلى أن يتم اكتشاف براءتهم بعد عامين ونصف العام من المعاناة القاسية.

وعلى الرغم من قسوة الفيلم, ومشاهده البشعة, فإنه صورة مخففة من واقع شاهدنا عنه الكثير في برامج المحطات الفضائية الإخبارية, وعلى الرغم من كل مشاهد الحرب والتعذيب, فإن الفيلم لم يخل من سخرية واضحة, وانتهى بحفل بهيج للشاب عصيف الذي ذهب للبحث عن عروس, فصار أسيرًا مع زملائه في جوانتانامو.

أما فيلم (سيريانا) للأمريكي ستيفن كاجان فهو مأخوذ عن كتاب توثيقي من إعداد روبرت بير باسم (لا تشاهد شيطانًا), وهو فيلم مليء بالقصص المتوازية التي تدور بين مدن عربية, دون تسميتها بشكل مباشر, بينما توغلت الحواديت في مدن أمريكية, وسويسرية, وفرنسية, أما أبرز الحوادث الحقيقية فهي عن أمير عربي ترك عرشه إلى ولديه, فقام أحدهما بتدبير خطة لاغتيال أخيه بمساعدة بعض رجال الاستخبارات, والأعمال في أمريكا, وأيضًا توقف الفيلم عند تحول اثنين من الشباب العامل في بلد عربي, كي يصبحا من بين تنظيم القاعدة, ويقومان بعملية تفجير سفينة عربية أمريكية, مثلما حدث في خليج اليمن منذ عدة سنوات للسفينة كوول.

وقد أضاف الفيلم الكثير من الخيال على هذه الأحداث, بحيث يمكن نسيان القصص الأصلية, أو المقارنة بها, أما الفيلم الإيراني (أوفسايد), فالواقعة فيه حقيقية, أما القصة فمتخيلة, فالفيلم تدور أحداثه أثناء المباراة النهائية بين الفريق البحريني القومي, والفريق الإيراني, للصعود إلى كأس العالم بألمانيا في يونيو عام 2006, وهي المباراة التي فازت فيها إيران, أما الجانب المتخيل, فهو أنه ممنوع على المرأة حضور المباريات, لكن هناك مجموعة من البنات, كل على حدة, قررن أن يرتدين ما يجعلهن أشبه بالصبية, وتسللن إلى الاستاد, لكن تم القبض على ست منهن, ووضعن في مكان خلف المدرجات تحت حراسة مجموعة من الجنود الشباب, واستطعن أن يتتبعن المباراة, من خلال صراخ الجمهور في الخلفية, خاصة مع الحماس الزائد للفوز, وقيام الحرس بشرح ما يدور داخل الملعب من مواقف مثيرة أثناء المباراة.

الواقع في الفيلم هو المباراة, أما المتخيل فيتمثل في رغبة إحدى البنات الذهاب إلى دورة المياه لقضاء حاجتها, لكن هذا النوع من الملاعب يخلو من دورات مياه نسائية, لذا, فإن الحارس يمنع كل المترددين على الدورة من الدخول, حتى تقضي رضا حاجتها, وقد تم إخراج المشهد بشكل كوميدي ساخر, أسوة بأغلب أحداث الفيلم, خاصة أن الفتاة تمكنت وسط (لبخة) الجندي من الهروب, ثم ما لبثت أن عادت حتى لا تسبب له أي أذى.

كما أن المشهد النهائي في الفيلم تم تصويره في الواقع, حين خرج أبناء مدينة طهران إلى الشوارع, يهتفون باسم وطنهم, يحملون الرايات, ويحتفلون بالفوز, يوزعون الهدايا, ويحملون الشموع, ويتبادلون التهاني, وقد اختلطت النساء بالرجال دون أي حواجز, فما كان ممنوعًا في الاستاد, صار مسموحًا به في الشوارع, دون أي رقيب, فالفرحة قد وضعت الجنسين في بوتقة واحدة, واختلط الحرس, بالفتيات تحت التحفظ, بباقي طبقات الشعب.

مأساة البوسنة

كما أن أحداث فيلم (جرابافيكا) مأخوذة من واقعة حقيقية, عرفتها البوسنة في بداية التسعينيات, وصارت الآن واقعًا مريرًا في بلد مسلم, قام فيه رجال الصرب باغتصاب نساء بريئات, شابات, بهدف التلوث العرقي, وذلك ضمن أحداث بشعة دامية, وشديدة العنف, حدثت إبان الحرب العرقية الصربية في البوسنة, والحقيقي أيضًا أن هؤلاء النساء اللائي ولدن سفاحًا عليهن أن يتساءلن مع عام 2002 عن أسماء الآباء.

المتخيل في الفيلم, أن الأم واسمها أسماء, هي واحدة من مئات الأمهات اللاتي لا يمكنهن إعلان الحقيقة المرة إلى الأبناء, وهي تعاني التساؤلات المتكررة لابنتها سارة عن مصير أبيها, لا تملك الأم في البداية سوى أن تخبر ابنتها أن أباها قد مات في الحرب الأهلية, لكن الفتاة تعرف من صديقها سمير, وهو أيضًا مثلها, أنهما سفاحان, فتقرر إعلان تمرّدها, وتقص شعرها على الزيرو, وتتصرف كالصبيان, وتصير بالغة العصبية.

وفي نهاية الفيلم, هناك مشهد يعبر عن مأساة مئات الأمهات, اللاتي تجمعن معًا, ورحن يبتهلن إلى السماء, وقد امتلأت عيونهن بالدموع الحارة.

  • تدور أحداث هذه الأفلام في العالم العربي والإسلامي المعاصر, فلسنا أمام فيلم تدور أحداثه, حتى قبل ثلاث سنوات, مما أضفى على قصص الأفلام معاصرة وآنية, فأفلام (أوفسايد), و(جربافيكا), و(الطريق إلى جوانتانامو), و(سيريانا) تدور أحداثها بين عامي 2004/2005.

في الوقت نفسه, فإن أبطال أغلب هذه الأفلام من الشباب, مثل مجموعة الفتيات اللاتي يذهبن إلى مباراة كرة في الفيلم الإيراني, وأيضًا مثل سارة وسمير في الفيلم البوسني (13سنة), ومثل الشباب الذي لم يصل إلى العشرين, ووجد نفسه يقاسي الأمرين في معسكر جوانتانامو, وأيضًا في الفيلم الدانماركي (واحد لواحد). فالفيلم تدور أحداثه في مدينة كوبنهاجن, مساء يوم جمعة, والأبطال هنا هم ثلاثة أصدقاء دون العشرين, الدانماركي بير الذي أصابته غيبوبة, وتم نقله إلى المستشفى, مما دفع أمه إلى الشعور بالذنب, وأنها وراء ما حدث لابنها, والحي الذي تعيش فيه الأم يسكنه الكثير من المهاجرين. منهم شادي الصبي الفلسطيني, فإنه يحاول مساعدة الشرطة في البحث عن مرتكب الجريمة, ومن ناحيته, فإنه يعلن عن تطوعه للتبرع بالدم لشقيق صديقته (مي).

  • مثلما تدور أحداث هذه الأفلام عن شباب مسلم, فإن المخرجين, والمخرجات أيضًا من الشباب, فالمخرجة ياسميلا شباتش التي فاز فيلمها (جرابافيكا) بجائزة الدب الذهبي مولودة في سراييفو عام 1974 درست في أكاديمية الفنون بالعاصمة البوسنية, ومارست العمل في مسرح العرائس, وعملت في المسرح, وأخرجت الكثير من الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة, ويعتبر فيلمها هذا هو تجربتها الأولى في الإخراج, أما البريطاني مايكل وينتر بوتوم صاحب (الطريق إلى جوانتانامو), فهو مولود عام 1961 في مدينة لانكشاير, درس أيضًا التلفزيون. ويعتبر فيلمه هذا هو أول عمل له في السينما الروائية. وذلك مثل المخرج الأمريكي ستفين كاجن صاحب (سيريانا) المولود عام 1965, والذي بدأ حياته في كتابة السيناريو والمقالات, وحصل على جائزة الأوسكار كأحسن كاتب سيناريو عام 2001 عن فيلمه (المرور), ويعتبر (سريانا) هو فيلمه الثاني بعد فيلم (فراق) عام 2002.

ولعل هنا استثناء في حال المخرج الإيراني جعفر باناهي صاحب فيلم (أوفسايد), ليس لأنه مولود عام 1960, في مدينة بإيران, بل لأنه قدم أفلامًا روائية من قبل, استحق عنها المزيد من الجوائز, في مهرجان فينسيا, مثل فيلم (ديره) عام 2000, أما المصري مروان حامد مخرج فيلم (عمارة يعقوبيان) فهو في السابعة والعشرين من العمر, وقد سبق أن أخرج فيلمًا روائيًا قصيرًا هو (لي لي), أما فيلمه الروائي الأول, فإنه يتتبع تحول شاب إلى أن صار عضوًا في إحدى الجامعات الدينية, فتم اعتقاله, وفي التحقيقات كان الضابط بالغ التوحش, فضاجعه لإذلاله, مما جعل الشاب يتدرب على القتال, في معسكرات الجماعة التي انضم إليها, وعاد إلى المدينة ليصرع الضابط الذي جنى عليه.

والعراق على الشاشة

تلك السمات العامة, أو بعضها, التي يمكن أن نستشفها من خلال مجموع هذه الأفلام. ولاشك أن العراق الذي كان محط اهتمام السينما المصرية عام 2005 من خلال فيلمين هما (معلهش احنا بنتبهدل) لشريف مندور, و(ليلة سقوط بغداد) لمحمد أمين, كان أيضًا موضع اهتمام المخرج والممثل روبرتو بنيني في فيلمه الجديد (النمر والجليد) الذي يدور حول الشاعر الإيطالي آتيليو, وهو محاضر للشعر للطلاب الأجانب في روما, وتدور الأحداث في عام 2003, قبل دخول قوات التحالف إلى العراق, لكن رايات الحرب كانت تلوح في السماء, والشاعر هنا رجل له عالمه الخاص, لا يحب الخروج منه, كما أنه لا يسمع صوتًا آخر غير أصوات الشعراء المفضلين, وكان آتيليو قد انتهى لتوه من نشر ديوانه (النمر والجليد) الذي استقبله النقاد باستحسان ملحوظ.

والشاعر هذا مغرم بامرأة إيطالية اسمها فيتوريا تعشق الأدب مثله. وهي مشغولة في هذه الأيام بكتابة السيرة الذاتية لشاعر عراقي يدعى فؤاد يعيش في باريس ويستعد للعودة إلى بغداد. وبالفعل, فإنه يرجع إلى بلاده, ومن هناك يرسل إلى صديقه آتيليو أن قوات التحالف تضرب المدينة, وأن فيتوريا موجودة في بغداد معه, وأنها بالغة الخوف, لا يتردد الشاعر في الذهاب بسرعة إلى بغداد, وذلك عبر منظمة الصليب الأحمر مدفوعًا بحبه فيتوريا المصابة من إثر القصف, والموجودة الآن في المستشفى.

والمفروض في الفيلم الكوميدي, أن يكون ساخرًا, لكن بنيتي يصف كيف خلا المستشفى من الأدوية والرعاية الطبية, وكيف يرى آتيليو فتاة أحلامه راقدة في ركن مظلم من المستشفى دون أي اهتمام, فالمرأة في حاجة إلى مخدر لتسكن الألم, فيخرج آتيليو إلى المدينة بحثًا عن المخدر, ليجد المدينة وقد صارت أطلالاً, وقد خلت من الأطباء والصيدليات, إلى أن يقابل رجلاً عجوزًا لديه خبرة في مسألة الصيدلة, فيعاونه.

ويصف الفيلم الأيام الأولى لوجود قوات التحالف في بغداد, فما إن يعد آتيليو إلى المستشفى, حتى يكتشف نقصًا في أنابيب الأكسجين. وبالرغم من أن الشاعر العراقي يحاول مساعدة آتيليو, فإن الصعوبات تتراكم حولهما, فهناك مجهولون يقومون بالقبض على آتيليو كرهينة, بينما تعود فيتوريا إلى بلادها.

وقد استعان بينيني بالممثل الفرنسي جان رينو ذي الأصل المغربي ليقوم بدور الشاعر العراقي فؤاد, وهو الممثل الذي شارك في السنوات العشر الأخيرة العديد من الأفلام الأمريكية الشهيرة.

انتخابات العراق

أما الأفلام الغنائية الطويلة التي تجمع ما بين الروائي والتسجيلي, فإن المخرجة الأمريكية لور ابواتراس قد قدمت فيلمًا عن الانتخابات في العراق في يناير من العام الماضي, ويكشف الفيلم مدى صعوبة عمل فيلم في ظل الظروف الحالية التي يعيشها العراق خاصة أذا كان العمل وثائقيًا, وقد تم إخراج الفيلم من وجهة نظر عراقية بالرغم من أن صنّاعه, والشركة المنتجة أمريكيون, فهناك وجهات نظر ينقلها الفيلم من مختلف الطوائف العراقية, والملل, كل يقول ما يتراءى له عن الوجه الجديد في حياة العراقيين, بدخول الديمقراطية, منهم الدكتور رياض, والأب لستة أبناء, حيث يصور الفيلم يومًا من حياته, والذي يرى أن الانتخابات هي جزء من مرحلة طويلة تنتظر البلاد, وأن المهم الانتظار, بينما يتساءل شخص آخر: كيف يمكن عمل انتخابات وديمقراطية, وآليات الاحتلال تستولي على العراق, لا يوجد شخص إلا وعليه أن يتخيل أن هذه الانتخابات مجرد عرض إعلامي كبير.

ويرى الفيلم أن ما يهم الولايات المتحدة هو أنها تود نقل التجربة الديمقراطية على طريقتها, دون مراعاة تحسين المستوى المعيشي والأمني للناس, فلايزال الصراع المسلح موجودًا, وتقول المخرجة إننا نقرأ يوميًا عن عمليات انتحارية بالقنابل, تهاجم الجيش الأمريكي, وهذه القصص ليست فقط عن مقتل جنود أمريكيين, بل أيضًا المزيد من العراقيين أنفسهم.

وبعيدًا عن الحرب, فإن أفلام قسم (الفورم) القادمة من العالم العربي والإسلامي, تصور ملامح الحياة العادية للمسلمين في كل بقاع الأرض, وهي أفلام أرخص من حيث تكلفة الإنتاج, لكن الصالات حين عرضها تمتلئ بالمشاهدين الذين لديهم فضول ملحوظ للتعرف على الجانب الإنساني في حياتنا, مثل الفيلم الروائي الجزائري (بركات) الذي ألفته وكتبته المخرجة جميلة شعراوي, الذي تدور أحداثه في أوائل التسعينيات, من خلال قصة امرأتين, الأولى تدعى أمل, في منتصف العقد الرابع من عمرها, وتعمل ممرضة في إحدى المستشفيات, ثم خديجة الممرضة التي أحيلت إلى التقاعد, لكنها امرأة مليئة بالحيوية, ولا تعرف التوقف عن العمل تنتظر أمل عودة زوجها مراد, الذي يعمل صحافيًا, وهي في هذه الأثناء منشغلة كثيرًا بعملها في قسم الحوادث, حيث تقوم بنقل الطفل بلال إلى المستشفى, وهو ابن جارتها نادية التي تضع على رأسها غطاء رأس أسود, وهي امرأة متزوجة من سائق.

يحدث أن يختفي زوج أمل الصحفي, في ظروف غامضة, ويبدو كريم والد بلال كأنه يعرف بعض الأسرار عن هذا الاختفاء. لذا فإنه يذهب إلى مكامن الإسلاميين الذين اختطفوا الصحفي, ويقومون, فيما بعد, باختطاف المرأتين أمل وخديجة, لكن زعيمهم الحاج سليمان يطلق سراح الجميع بسبب صداقته القديمة لخديجة, التي كانت مناضلة ضد الاستعمار الفرنسي.

صباح آخر

وعن الحياة العادية لزوج في منتصف العمر, فتعرف على كمالي في فيلم (صباح آخر) للإيراني ناصر رفيع, فقد ماتت زوجة كمالي, وصار يعاني مشاكل لإعداد الغداء, والملابس والكي, إنه رجل يعاني الوحدة, وعليه أن يتأقلم مع واقعه الجديد, ينشغل بالعمل السياسي, والاجتماعي, ويعاني أنه أعزب, فقد صار محرمًا عليه أن يزور بيوت أصدقائه القدامى الذين كان يزور بيوتهم بصحبة زوجاتهم, ويجد السلوى في التردد على مقبرة زوجته.

ليست هذه هي وحدها الأفلام التي يمكن من خلالها التعرف على حياة المسلمين في أوطان عدة, سواء من خلال ما يبدعونه عن أنفسهم, أو من خلال وجهات نظر آخرين إليهم, فمهما تغيرت اللهجات, واللغات, فإن هؤلاء جميعًا لديهم عادات وتقاليد مشتركة, وتضمهم خرائط متقاربة, ولاشك أن مهرجان برلين لهذا العام كان بمنزلة مؤشر واضح يعكس مدى اهتمام العالم من حولنا بالتعرف علينا, وهي ظاهرة صحية للغاية, ولعلها المرة الأولى في تاريخ المهرجانات الكبرى التي يحتشد فيها هذا الكم من الأفلام, وسوف يكون هذا بمنزلة فيض أكبر من أفلام أكثر عددًا, وقيمة فنية نشاهدها في مهرجان الأعوام القادمة.

 

محمود قاسم 




فيلم (موطني) من العراق





فيلم (الطريق إلى جوانتانامو) من إخراج مايكل ونتربوتوم





الفيلم المصري (عمارة يعقوبيان) من إخراج مروان حامد