50 عاماً .. صراع لم يهدأ

50 عاماً .. صراع لم يهدأ

مرت هذا العام الذكرى الخمسون على اغتصاب إسرائيل لأرض فلسطين ، ولم نضع نحن العرب هذه الفرصة السانحة للبكاء على الأطلال كعادتنا. وإذا كان البكاء يريح المحزونين فإنه بالتأكيد لا يصلح واقعاً ولا يُعبِّد- عمليا- طريقا لمستقبل وكان الأجدى بنا أن نسأل أنفسنا : بعد خمسين عاما من هذه " النكبة" ماذا تعلمنا؟ ومن ثم : ماذا أعددنا من استراتيجيات تجنبنا ضياع ما بقى لدينا من أرض وعرض وغد؟ إنه سؤال تتعدد روافده، ولقد التمسنا في إجابته أصوات اثنى عشر مفكراً عربياً لبوا الدعوة للإجابة.

محاصرة السلاح العربي
بقلم : أحمد عباس صالح

قام المشروع الصهيوني منذ مائة عام في ظروف جد مختلفة، وكانت الفكرة القومية سائدة وقوية ومقبولة في المجتمع الدولي، وكان لها الكثير من المبررات الاقتصادية السياسية، وربما كانت الدول الغربية المعنية لا ترى بأسا في التخلص من الجماعات اليهودية في بلادها، فلقد أظهر الانقلاب النازي في ألمانيا إلى أي مدى من الممكن أن ينساق الرجل العادي وراء معاداة السامية، وكيف يمكن أن يستغل السياسيون مثل هذه الانفعالات المريضة إلى أقصى درجة. ومن الناحية الأخرى كانت تصفية الدولة العثمانية دائرة على قدم وساق وكانت تجربة محمد علي في مصر مؤشرا على إمكان قيام دولة فتية جديدة في المنطقة ترث العثمانيين، وكان- بالتالي قيام دولة إسرائيلية في المنطقة مفيدا في عرقلة أي تحرك نحو نشوء قوى بديلة في المنطقة، خاصة وفكرة القومية العربية بدأت تظهر في الساحات الإعلامية في الشرق الأوسط .

المبررات كثيرة في الواقع، ولكن العالم العربي الذي أجهض بقسوة منذ ضرب تجربة محمد علي في مصر، لم يكن قادرا على مقاومة حقيقية ضد مخططات الحركة الصهيونية والمتواطئين معها من الدول الكبرى . ولدى اعتقاد خاص ، من خلال مراجعة للفترة الأخيرة من أربعينيات هذا القرن ، أن الدول الكبرى نفسها كانت تحتاج إلى سند شرعي آخر إلى جوار قرار الأمم المتحدة بإنشاء الدولةالإسرائيلية، وهو حق الفتح أو فرض القوة.

وهناك شبهات كثيرة بأن التحريض على حرب بين الدول العربية والمنظمات الصهيونية في فلسطين كانت خطة موضوعة، فالقوى الكبرى كانت تعلم بدقة نوع السلاح الذي تملكه هذه الدول لأنها هي نفسها كانت مصدر هذا السلاح ، وكان تسليح المنظمات الصهيونية محسوبا ومدروسا بحيث يحقق انتصارا عسكريا تستند إليه الحركة الصهيونية كمصدر آخر للشرعية. وهو ما تم بالفعل . ولقد كان إيقاع الحرب يتماشى مع نتائج المعارك، فعندما يحتاج الأمر إلى وقف القتال ريثما تعود المنظمات الصهيونية إلى تعويض السلاح وتحسينه، يتم ذلك في شكل هدنة كانت الدول العربية نفسها عاجزة عسكريا وسياسيا عن رفضها. ومنذ 1948 والسياسة القائمة هي الهيمنة على السلاح العربي وتحديد حجمه بما يعجزه عن القيام بأي دور فعال ضد قيام الدولة الإسرائيلية.

وكانت سياسة الحد من السلاح العربي سياسة استراتيجية قديمة منذ ضرب جيوش محمد علي فقد تضمنت المعاهدات المفروضة وقتذاك، تخفيض عدد أفراد القوات المسلحة إلى عدد لا يستطيع أن يغير الأوضاع القائمة، وقد ظلت هذه السياسة قائمة إلى أن تمت الصفقة التشيكية الشهيرة، ولكن بعد قليل أمكن التفاهم مع الاتحاد السوفييتي الذي صار مصدر السلاح العربي على مبدأ توازن القوة بني العرب وإسرائيل ، وبالفعل ظلت هذه السياسة قائمة إلى حرب 1973 .

ولقد أحست المجتمعات العربية بحاجتها إلى تغيير النظم المتهالكة التي فرضها الاستعمار في الواقع، وبالفعل قامت عدة انقلابات ثورية ضد بعض الحكومات القائمة، ولكن لم تلبث هذه القوى الجديدة أن أدركت صعوبة المهمة التي اضطلعت بها ، وانغمست هي نفسها في قضية أمنها الشخصي، مما جعل الاستفادة من طاقات الأمة الكامنة محدودا جدا بسبب هيمنة الوازع الأمني ، والإحساس بالتآمرات الداخلية والخارجية على الحكم الثوري القائم.

ومنذ سنة 1948 لم تستطع النظم العربية الثورية أن تقوم بعملية إصلاح حاسمة بسبب هذا الهاجس الأمني وحصر قواها فيمن تثق فيهم فقط من أتباعها.

واليوم يظل إصلاح آلة الحكم في البلاد العربية هو الطريق الوحيد لنشوء أمة قوية قادرة على المواجهة وتحديد الأطماع الصهيونية، ونعني بالإصلاح قيام المجتمع المدني الديمقراطي القادر على اكتشاف وتعبئة الكتل عناصر القوة في المجتمعات العربية وفي عالم الكتل الكبيرة يستطيع عالم عربي متحد أو متضامن على الأقل أن يصون حقوق شعبه ، وأن يضع الأمور في نصابها الصحيح.

ومهما يكن من أمر فإن عامل الزمن في مصلحة المنطقة العربية وشعوبها ولا تستطيع الدولة الإسرائيلية إلا ان تخضع للضرورات الجغرافية التي تدفع بالمجتمعات إلى الإقرار بحقوق الإنسان أيا كان لونه أو عقيدته ، وهي كلها ضد الفكرة الصهيونية التي قامت في الحقيقة على مفاهيم وثقافة نهاية القرن التاسع عشر ، والتي انتهت تماما من خريطة العالم المعاصر .

دروس المواجهة
بقلم : الدكتور أسامة الغزالي حرب

عندما وقعت النكبة في عام 1948 ، بقيام دولة إسرائيل ، فوق أرض فلسطين ، فإن المشكلة التي ترتبت على تلك النكبة، كانت مزدوجة:

فهي- أولا- مشكلة اغتصاب أرض فلسطين، وسلب حقوق شعبها ، فضلا عن طرد نسبة كبيرة منه خارج وطنه. وهي ثانياً : مشكلة التهديد الذي مثله وجود إسرائيل في الوطن العربي، خاصة للأقطار العربية المحيطة بها " مصر وسوريا والأردن ولبنان" وهو ما تجسد فعليا في هزيمة 1967 .

ومنذ اليوم الأول للنكبة، أصبحت مواجهة إسرائيل هي قضية العرب الأولى، وانقسمت تلك المواجهة إلى 25 عاماً من المواجهات العسكرية المتقطعة " بين 1948 و 1973 " ثم 25 عاماً أخرى من محاولات الحل السلمي، أعقبت حرب أكتوبر، وإن شابتها مواجهات مسلحة أيضا " 1973- 1998 " وبالرغم من إن إنجازات لا يمكن إنكارها قد تحققت للجانب العربي ، في سياق تلك المواجهة مثل الاعتراف الدولي بالهوية الفلسطينية ، وحق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة، وإقامة الحكم الذاتي الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، فضلاً عن تحرير الأرض المصرية من الاحتلال الإسرائيلي .. إلخ .، فإن المحصلة العامة في الجانب العربي لا تزال سلبية وليست إيجابية، استمر جوهر المشكلة قائماً، أي : إنكار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، فضلا عن احتلال أراض عربية غالية في سوريا ولبنان.

إن تأمل نصف القرن الذي استغرقه الصراع العربي الإسرائيلي من منظور القرن المقارنة بين الأداءالعربي والأداء الإسرائيلي فيه من ناحية، والمقارنة بين مسار ذلك الصراع ومسار صراعات أخرى عرفها العالم في الفترة نفسها، يقودنا إلى استخلاص عدد من الدروس الأساسية.

الدرس الأول ، أن قوة أي مجتمع ، وقدرته على مواجهة التحديات الخارجية، تنبع أساساً من داخله، أي من قوة بنائه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي قبل أي شيء آخر. والقوة هنا تعني الفاعلية والكفاءة والقدرة على التطور والتجديد، والتصحيح الذاتي. ويعني هذا أن قدرة الأمة العربية على مواجهة التحدي الإسرائيلي، بنجاح ترتبط قبل حشد أي قوة عسكرية- بوجود نظم سياسية ديمقراطية، تعبر بحق عن إرادة شعوبها، وقادرة على تقديم أفضل عناصرها للقيادة واتخاذ القرار، وتقديس حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

ووجود نظم اقتصادية رشيدة وفعالة، تستلهم الحقائق العلمية أكثر من المقولات الأيدولوجية، وتتزايد قدرتها على الادخار والاستثمار والإنتاج والتصدير أكثر من قدرتها على الاستهلاك والاستيراد. ووجود مجتمع مدني فاعل يحشد طاقات الأفراد ويوظف قدراتهم لخير مجتمعاتهم ووجود ثقافة لا يمنعها ارتباطاها بجذور وطنها ، من التفتح والتفاعل مع ثقافات الآخرين وإبداعاتهم.

الدرس الثاني : أن النجاح في الصراع ضد الأعداء أو الخصوم يرتبط بالقدرة على استخدام جميع الأساليب، على كل الجبهات. فالأسلوب العسكري ليس هو الأسلوب الوحيد بل أحيانا لا يكون هو الأكثر فاعلية. ولنتذكر هنا فقط أن الإمبراطورية السوفيتية ذات القوة العسكرية والنووية الهائلة سقطت دون طلقة واحدة. ويعني ذلك، أن نجاح العرب في صراعهم مع إسرائيل يرتبط بقدرتهم ليس فقط على حشد الجيوش وتكديس الأسلحة ، ولكن أيضا على المواجهة السياسية والدبلوماسية والإعلامية في العالم كله بوجه عام، وفي داخل القوى المؤيدة لإسرائيل بوجه خاص، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك على استقطاب القوى السلمية المتفهمة للحقوق العربية في داخل إسرائيل نفسها، يهوداً وعرباً.

ولنتذكر هنا أن إسرائيل كسبت حروبها ومواجهاتها مع العرب، في داخل أمريكا وأوربا، قبل أن تكسبها على أرض المعركة العسكرية.

الدرس الثالث : أن الشحن العاطفي والنفسي "الوطني ، والقومي ، والديني " ، للشعوب والجماهير، لا يمكن أن يحل- في سباق المواجهة مع الأعداء والخصوم- محل التقديرات والحسابات العقلانية، والموضوعية، للنخب والقيادات ، كما أن الشعوب تنتخب وتختار وتراقب، ولكن القرار والحكم يجب أن يكون في ايدي النخبة المؤهلة علميا وثقافيا. ويعني ذلك، أن نجاح العرب في المواجهة مع إسرائيل لن يتحقق بمجرد الانسياق وراء أكثر الشعارات حماساً وتطرفا وعاطفية .. ولا بالمجاراة الشكلية " من جانب القيادات الحاكمة " للمزايدات المخدرة لمشاعر الجماهير، وإنما بالتقدير العلمي والموضوعي لعناصر القوة والضعف، ولآليات العمل المختلفة بلا اي تحفظات ، ما دامت محققة للمصالح الوطنية والقومية العليا.

ولا بد أن يرتبط هذا بدرجات عالية- لا مفر منها- من الكفاءة والجدية : الكفاءة بما يمكن من تحقيق الأهداف بأفضل صورة ممكنة ، والجدية بمعنى أن نفعل ما نقول، ونقول مانفعل بلا التواء أو تردد.

الدروس كثيرة .. ولكن هل نستفيد ؟
بقلم : جاسم حمد الصقر

لعل أهم الدروس المستفادة من مرور نصف قرن على النكبة هي :

1- غياب التنسيق والاتفاق والجدية بين بعض الأنظمة العربية وللتدليل على ذلك أورد بعض الوقائع:

بعد ولادة الدولة اليهودية عام 1948 وقيام حرب التحرير اتضح انعدام التنسيق العسكري بين الحكومات العربية، وانفراد بعض الأنظمة العربية واتخاذها خطوات أضرت ضرراً بليغاً بالقضية الفلسطينية.

وفي حرب يونيو 1967- ومع التقدير العظيم للزعيم الفذ الراحل جمال عبدالناصر وإخلاصه وتفانيه- اتضح ان طابع الحماس قد طغى على عنصر التأمل والتبصر ووضحت الصورة بعد الهزيمة بأن هناك خطة ذكية قد أعدت لاستدراجنا واتضح ارتباك وتخلف القيادة العسكرية وعدم الإعداد الجيد للجيش المصري ثم انشغاله بحرب اليمن . ثم جاءت زيارة الرئيس السادات فجأة لإسرائيل دون التشاور مع أشقائه العرب وأكمل مسيرته في اتفاقية كامب ديفيد.

2- عدم التزام أو جدية بعض الأنظمة العربية، ولم تحقق المؤتمرات القمة المتعاقبة الآمال المعقودة علهيا بسبب تناقض المواقف العربية. وكان بالإمكان أن يكون لجامعة الدول العربية دور جاد وفاعل لو كانت الأنظمة العربية داعمة لها الدعم المطلوب وملتزمة بقراراتها.

كذلك فإن الجانب الفلسطيني قبل وبعد قيام منظمة التحرير الفلسطينية ومع التقدير الكبير للشهداء الذين جادوا بأنفسهم والتضحيات الكبيرة من جانب الشعب الفلسطيني، ولمن اغتالته يد الموساد من كرام المناضلين، كان بالإمكان أن يكون للمنظمة دور فاعل ومؤثر ، ولقد ارتكبت أخطاء فادحة ولعل ذروة المأساة اتفاقية أوسلو.

3- موقف الأحزاب والتنظيمات السياسية في الوطن العربي متناقض ولم يكن هناك اتفاق ونهج موحد على ما يجب عمله لقضية العرب الأولى.

4- من نافلة القول الإشارة إلى سلاح الإعلام ودوره الكبير في التأثير على الرأي العام العالمي وأحاسيسه ومشاعره، وفيما يتعلق بقضيتنا لم يكن للإعلام العربي التأثير المطلوب ، وذلك لأن مخاطبة الرأي العام العالمي وإقناعه بعدالة قضيتنا له أسلوبه وطريقته ولم يكن هناك تنسيق بين أدوات الإعلام في الوطن العربي ولأن الولايات المتحدة الأمريكية لها ثقلها وبسبب قوة التنظيمات الصهيونية هناك وتغلغلها في جميع المؤسسات وسيطرتها على كثير من أدوات الإعلام من صحافة وتلفزة ومؤتمرات. كل هذا أدى إلى انحياز الولايات المتحدة انحيازاً شديداً للجانب الإسرائيلي وتجاهل حقوق الجانب العربي. ولو كان الإعلام العربي قد بادر منذ البداية مبادرة جادة موضوعية مدعومة دعماً كبيراً من جميع الدول العربية، ولو تم دعم الجالية العربية والإسلامية في الولايات المتحدة دعماً شاملاً مالاً وراياً لتغيرت الصورة تغيراً كبيراً .

وللإجابة عن وجهة نظري بشأن ملامح الاستراتيجية الملائمة .. أورد الآتي :

بعد مرور خمسين عاماً على النكبة. وبعد أن استعرضنا أهم الدروس المستفادة ، أصبح لزاماً علنيا ونحن نتأمل ملامح الاستراتيجية الملائمة للتعامل مع تحديات الحاضر والمستقبل بشأن قضيتنا الأولى أن نعي جيداً هذه الحقائق .

وحيث إن الصراع العربي- الإسرائيلي صراع بقاء أو زوال وهو صراع أجيال بل ربما قرون، ولنا من التاريخ عظات ولأن الامة العربية بكثافتها السكانية وثرواتها الطبيعية وموقعها الجغرافي- بجانب ما قد يأتي من عون من إخواننا في الأقطار الإسلامية- كل هذه الحقائق تكون أساساً لملامح الاستراتيجية ، وبرأيي أن تجتمع الدول العربية في هيئة مؤتمر ويضم كذلك نخبة من علمائنا أهل الرأي والفكر الاستراتيجي مدنيين وعسكريين ، ويتفرع عن هذا المؤتمر هيئة تضم من أشرت لهم، وبعد أن تقدم تقريرها تتفق الدول العربية ومن يود المشاركة من الدول الإسلامية في صيغة " عهد ميثاق " تلتزم به جميع الأطراف . كذلك تلتزم كل دولة على قدر حالها بدفع نسبة مئوية من دخلها حسبما تحدد الهيئة لصرفه على ما تقرره الهيئة من الناحيتين الإعلامية والعسكرية وغير ذلك . ومن وجهة نظري أرى أن ان يتضمن الميثاق الآتي :

إعادة توحيد الموقف التفاوضي العربي، على قاعدة وقف المزيد من التنازلات وعدم القيام بأي تطبيع إلا إرتباطاً بسلام شامل يتضمن حداً أدنى من المطالب الفلسطينية والعربية لا يجوز النزول تحته، مع ما يتطلبه ذلك من جعل الموارد ذات الطبيعة الاستراتيجية مثل النفط في خدمة هذه الاستراتيجية.

إعادة تفعيل مؤسسة القمة العربية من خلال الاستفادة تحديدا من دروس غزو الكويت وحرب تحريها ، واعتماد قاعدة المصارحة قبل المصالحة، وأن يتجسد هذا التوجه في إعادة تأهيل الجامعة العربية كمؤسسة إقليمية.

الاستعداد لمرحلة ما بعد المواجهة العسكرية مع إسرائيل ، أي مرحلة التنافس الاقتصادي، ما تتطلبه من إعطاء أولوية لموضوع التعليم، وتحديد خيارات التعاون المستقبلي للسوق العربية المشتركة تحديداً" بحيث شمل محيطنا الإسلامي المباشر " تركيا- إيران وإفريقيا الوسطى والشرقية " لكي تكون مجرد أسواق لمشاريع أخرى، مثل الشرق أوسطية أو المتوسطية.

تأييد سياسة تعدد مراكز القرار الدولي بدل أحاديته لأن فيها مصلحة العرب باستمرار لكي يجدوا لأنفسهم مكاناً في هذا العالم، وختاماً يقول تعالى في كتابه العزيزسورة الأنفال آية 53 إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم صدق الله العظيم.

آليات الصراع لم تتغير
بقلم : جاسم عبدالعزيز القطامي

منذ 50 عاما لم تتغر آليات الصراع العربي الإسرائيلي، من تصلب صهيوني عنيد مصحوب بوقاحة نتنياهو، ودعم دائم وأبدي من الولايات المتحدة ، يقابله عجز عربي شامل على جميع المستويات ، إضافة إلى سلطة فلسطينية تائهة بين أمواج متلاطمة ، عاجزة عن اتخاذ قرار بين ما هو ثابت وما هو متغير، ولم تجد أمامها غير الشعارات ترفعها في كل مناسبة.

إضافة إلى نتنياهو مازال مستمراً في ممارساته المعادية لمنطق التسوية، وتتجه الممارسات الإسرائيلية غلى تفريغ اتفاقيات أوسلو من محتواها حتى الآن، والفلسطينيون في النهاية لن يجدوا ما يتفاوضون عليه غير صفر كبير يحول مسيرة هذا الصراع الذي التهم الآلاف المؤلفة من الشهداء إلى سراب ووضع هزيل لن يستمر بل سوف يسحق في وقت قريب تحت أقدام الصهاينة في فلسطين المحتلة.

وعلى أرض الواقع نستطيع أن نلمس الحملات الإسرائيلية العنفية ضد مصر وضد سياسة وزير الخارجية عمرو موسى برغم أن مصر تتبع سياسة مع السلام وتحاول تقريب وجهات النظر والدفاع عن مسيرة التسوية في إطار المبادئ التي تم الاتفاق عليها في مدريد .

وفي نفس السياق نلاحظ ايضا أن حركة الاستيطان ومصادر الاراضي وتدمير منازل السكان العرب وما يوقم به وزير البنية التحتية شارون على الارض يؤكد أن ما يجري ذو طبيعة استراتيجية نهائية، وليس تكتيكيا عابرا، أي انه يستهدف مرحلة الحل النهاي.

وحتى خارج المسار الفلسطيني نلاحظ أن إسرائيل تضغط على الأردن وتحاول توتير الأوضاع الداخلية في الأردن وإثارة المشاكل بني الأردن والسلطة الفلسطينية، وكذلك على المسار السوري اللبناني، تحاول دائما فصل المسارين، بطرح موضوع " لبنان أولا " وعندما فشلت امام التلاحم " السوري- اللبناني " طرحت تطبيق صيغة القرار "425 " بعد إلحاقه بشروط غير مقبولة .

ما سبق يدل على دلالة واضحة على انه لا أمل ف يسلام عادل وشامل في ظل مشروع صهيوني- استيطاني- وفي ظل وجود حاكم عنيد مغرور مثل نتنياهو، لذلك فإنه لا مفر عن استراتيجيات بديلة لتحقيق السلام العادل والشامل.

ولقد أصبح واضحاً بأن الإدارة الأمريكية تتبنى بشكل دائم مواقف وسياسات الحكومة الإسرائيلية، بل وتجتهد في إيجاد الذرائع للسلوكيات الإسرائيلية، وبالتالي فإن هذا يؤكد فساد المنطق الذي يتصور إمكان قيام الإدارة الإمريكية بدور الوسيط العادل النزيه في الصراع العربي- الإسرائيلي.

هذا بالاضافة إلى وقوف الولايات المتحدة ضد المحاولات العربية في الأمم المتحدة لإدانة إسرائيل بسبب نشاطها الاستيطاني واستخدامها حق الفيتو في مجلس الأمن، ويعني ذلك أن الإدارة الأمريكية سعت أيضاً لتغيير إرادة المجتمع الدولي في إدانة التعسف الإسرائيلي ضد الحقوق العربية المشروعة.

ما العمل ؟

والآن ما العمل أمام هذا الوضع المأساوي، وما هي الاستراتيجية الملائمة للتعامل مع تحديات الحاضر والمستقبل؟

في رأينا المتواضع أنه يجب على الأمة العربية ومن حولها الامة الإسلامية القيام بالحركة الدائمة على أكثر من محور واستخدام جميع الوسائل المتاحة دبلوماسيا وعسكريا بالحصار النشاط الإسرائيلي على جميع الجبهات ومساندة الشعب الفلسطيني في الحصول على حقوقه العادلة ويتم ذلك عبر مجموعة من الخطوات نجملها فيما يلي :

1- على العرب جميعا قادة ومنظات شعبية ضرورة طرح مسيرة التسوية برمتها على أوسع نقاش بعد الانهيارات الحادثة على الأرض.

2- دعم خيار المقاومة سواء داخل فلسطين أو في الجنوب اللبناني ودعم كل عناصر العمل المسلح ما دامت تقاوم عدواً يحتل الارض.

3- تقديم كل أشكال الدعم المادي والمعنوي إلى لبنان وإلى سوريا قلعة العرب الأخيرة في صمودها ضد المحتل الإسرائيلي.

4- المطالبة بتجميد كل الاتفاقات التي عقدتها الأطراف العربية مع العدو الصهيوني وإغلاق مكاتب التبادل المفتوحة في أكثر من بلد عربي.

5- التحرك بجدية وفاعلة لمحاصرة كل أشكال التطبيع التي تروج لها جماعات مزعومة لها ارتباطات مشبوهة مثل جماعة كوبنهاجن وجمعية القاهرة للسلام.

6- دعوة جميع منظمات المجتمع المدني والقوى الفاعلة لتبني خطة عمل للتعامل مع الصراع العربي- الصهيوني بجميع أبعاده وجوانبه باعتباره صراع وجود.

7- ضرورة لفت نظر دعاة حقوق الإنسان في العالم إلى الانتهاكات التي تتعرض لها حقوق الشعب الفلسطيني الجماعية والفردية وفضح تلك الممارسات في جميع المحافل الدولية.

8- ضرورة العمل بجميع الوسائل مع قوى السلام على تعزيز صمود الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة والدفاع عن عروبة القدس الشريف وحصار المحاولات الإسرائيلية لتهويد المدينة المقدسة.

9- الدعوة لإيقاف المؤتمرات الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا باعتبارها أدوات تستغلها إسرائيل لتشتيت الجهود العربية.

10- دعوة الانظمة العربية إلى عدم التخلي عن الخيار العسكري في اي لحظة من اللحظات على اعتبار أن العدو لم يتخل عن الخيار العسكري بل إنه يهدد بها يوميا وعلى مسمع من العالم أجمع.

وقبل ذلك فإنه يجب التأكيد على أنه ليس من حق فرد أو جماعة أو حكومة سواء قطرية او قومية مصادرة حق الأجيال القادمة في اتخاذ مواقف مناسبة في الصراع العربي الصهيوني وعدم تكبيل إرادة الإجيال القادمة باتفاقات تؤثر على موقف العرب المستقبلي في هذا الصراع.

وكذلك يجب بأي حال من الأحوال عدم مصادرة حق الجماهير العربية في التعبير عن مواقفها بحرية وجرأة في هذا الصراع، ويجب إتاحة الفرصة أمامها كاملة وتوفير الوسائل الممكنة لتعبر عن رأيها المشروع في هذا الصراع.

غياب الرؤية الاستراتيجية
بقلم : الدكتور جمال سند السويدي

ربما كان من أهم دروس النكبة عدم وضوع الرؤية الاستراتيجية العربية، فالنظرة الشاملة إلى كل الظروف والعوامل التي أدت إلى تأسيس دولة إسرائيل منذ خمسين عاماً واستمرار احتلالها للأرض العربية طيلة هذه الفترة ، تؤكد أنها لم تتغير كثيراً عبراً مراحل الصراع، بل نجدها الظروف والعوامل ذاتها التي نواجهها اليوم والتي لم يتغير جوهرها وإنما الذي تغير هو الشكل وأساليب التعبير وطرق التطبيق، وإذا كان ذلك كله يرجع أساساً إلى دقة التخطيط الصهيوني الإسرائيلي الذي تم وفق أهداف ثابتة وبرنامج محكم الحلقات وتحالفات واضحة المصالحة والأبعاد، فإن الذي ساعد على ذلك أيضاً وبنسبة كبيرة هو استمرار غياب الرؤية الاستراتيجية العربية الواضحة، وما نتج عنه من ضياع الأهداف والتوجهات وتشتيت للقوى العربية في اتجاهات ثانوية . فلا الكفاح المسلح داخل الأراضي المحتلة أو خارجها قد حقق طموحاته، ولا الإجماع العربي المنشود والموقف الموحد الذي نصبوا إليه قد تحقق طوال سنوات الصراع تلك ، ولا الدخول في مشروعات التسوية واتفاقات السلام قد حقق كامل المصالح العربية، مما أدى إلى تراجع ثقل القوى العربية إقليميا ودولياً، وكان هذا كله تكريسا للخلل الواضح في طبيعة وأبعاد المعادلة الاستراتيجية لإدارة الصراع العربي- الإسرائيلي والتي استمرت عبر سنواته الخمسين.

حيث تتمثل هذه المعادلة في أن غياب الرؤية الاستراتيجية العربية الواضحة، إدى إلى فقدان الهدف وتشتت الجهود، فكانت الكثرة العددية العربية الهائلة غير مقترنة باستعداد وحشد عسكري كاف وفعال. وفي المقابل كان هناك وضوح للرؤية الاستراتيجية الصهيونية ، وإصرار إسرائيلي على تحقيق الأهداف الاستراتيجية المحددة، يواكبه استعداد وحشد عسكري كاف ومتفوق يعمل تحت قيادة موحدة ، ولذلك ظل الميزان الاستراتيجي في مصلحة إسرائيل . وبالرغم من ذلك يمكن القول بأن المشروع الصهيوني فشل في تحقيق غايته العليا، حتى الآن، حيث لم تحل بعد المسألة اليهودية لتصبح إسرائيل حصنا لكل يهود العالم ، وتجسيد حلم الأمة اليهودية الكبرى، كما لم تتمكن إسرائيل من إلغاء شعب فلسطين أو تطويع الإرادة العربية ولم تستطع إسرائيل أيضاً أن تصبح النموذج الإقليمي المصغر للقوة الامريكية في الشرق الاوسط. ولذلك فهي تسعى لأن تحقق جوهر إسرائيل الكبرى انطلاقا من المنطقة التي يمكن أن تتحكم بها اقتصاديا أو عسكريا بغض النظر عن المساحة التوراتية، ولذا فهي تحافظ بإصرار على وضوح رؤيتها الاستراتيجية وتحرص على ضمان استمرار الخلل في معادلة توازن القوى الشاملة لمصلحتها ، وامتلاك القدرة على التحكم بمسار التطور المستقبلي لخريطة المنطقة ، وهذا يتطلب منها امتلاك قوة عسكرية كبيرة والتركيز على المعايير الأمنية وفق منظورها التقليدي.

والحل يكمن في قيام العرب بنقد الذات والبحث عن أسباب غياب الرؤية الاستراتيجية الواضحة، منذ الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين وحتى قيام دولة إسرائيل. لذلك لم يكن أمام العرب طوال هذه العقود سوى البحث عن وسائل آليات لاستيعاب اللاجئين العرب ، وبدلا من دعم المقاومة العربية داخل الأراضي المحتلة لمنع استمرار الاستيطان اليهودي وتقويض الأمن الإسرائيلي، انقسم العرب على أنفسهم حول وسيلة المواجهة المثلى. وفي الوقت الذي أكدت فيه الانتفاضة الفلسطينية قدرتها على تقويض القوة العسكرية الإسرائيلية، وإجبار إسرائيل على تغيير أهدافها وآلياتها المرحلية، استمر الانقسام العربي حول الأيدولوجيات والصراعات الداخلية والانكفاء على المشاكل العربية نتيجة لضياع الرؤية الاستراتيجية، وتفاقمت الأوضاع مع وصول حكومة نتنياهو المتعنتة، إلى أن وصلت من التقهقر إلى حد جعل العرب أخيراً يتفقون حول ضرورة صياغة استراتيجية جديدة لمواجهة استراتيجية نتنياهو، التي تتلخص في خلق الأزمات وإغراق المنطقة في زخم لا ينتهي من الأحداث والتقلبات والتسويف في تنفيذ الالتزامات الإسرائيلية تجاه عملية السلام، مما تطلب ضرورة امتلاك العرب لرؤية استراتيجية عربية واضحة وعدم التسليم بأن ما يحدث هو حتمية تاريخية وقدر قد فرض عليهم .

ولن يستطيع العرب الاستفادة من أهم دروس النكبة والقضاء على " حتمية التاريخية " إلا إذا استطاعوا حسم الصراع القائم بين مفهوم الدولة القطرية ومتطلبات الأمة العربية، واتباع عدة مسارات استراتيجية تصوغ الرؤية الاستراتيجية الواضحة وفق قناعات تامة تشمل ما يلي:

- الكف عن لوم الآخرين والتنقيب في شئونهم الداخلية الخاصة، لتشخيص المشكلات القائمة بينهم ، سعيا لحل النزاعات والخلافات البينية والاتفاق على الحد الأدنى من المصالح الحيوية المشتركة وعلى آليات تنفيذها دون مهاترات أو تنصل من المسئولية.

- ضرورة امتلاك العرب للأسلحة المناسبة لإدارة الصراع والتي احتكرتها إسرائيل لمدة طويلة وهي العلم والتكنولوجيا والبحث والتطوير، ولذلك يجب أن يوظف العرب أموالهم لبناء العلم والتكنولوجيا العربية حتى تتوافر لهم القدرة على المواجهة والتغلب على الفجوة مع إسرائيل، وبهذا وحده يتم إثبات الذات العربية.

- ضرورة إقامة جبهة عربية موحدة تتناسى كل الخلافات وتعلو على كل الظروف والحساسيات وتنضج بالقدر الذي يتيح لها التضامن في مواجهة الموقف الإسرائيلي ، حتى تستطيع أن تفرض مصالحها في عالم لا يعترف بالتجزئة ولا يحترم مصالحها في عالم لا يعترف بالتجزئة ولا يحترم فلسطين والاعتراف بها حفاظا على جوهر الصراع وقضيته الأساسية.

- السعي الإعلامي النشط داخل الولايات المتحدة الأمريكية لإقناع الراي العام الأمريكي، بأن إسرائيل لم تعد الدولة الصغيرة الناشئة المحاطة بطوق عربي معاد يتحين الفرصة للقضاء عليها ، وهي الخدعة التي اعتمدت عليها إسرائيل لكسب التعاطف الأمريكي والدولي. وينبغي أن تركز الحملة الإعلامية العربية على ترسيخ حقيقة أن العرب أكثر حرصا على السلام من إسرائيل ، ولكنهم ينشدون السلام العادل والشامل الذي يحترم جميع حقوق الأطراف المعنية، ولن يتحقق هذا السلام إلا إذا أخذ في الاعتبار أمن كل دول المنطقة في معادلة سليمة واضحة المعالم.

- تنشيط الدبلوماسية العربية على المستوى الدولي، سواء في المنظمة العالمية أو على المستوى المجتمع الدولي، حيث ظهر جلياً أن الأمم المتحدة تعاملت مع قضايا الصراع من منطلق ردة الفعل على الأمر الواقع وعدم المصداقية في التنفيذ، كما ساهمت في إضفاء الشرعية الصلف الإسرائيلي واستمراره، ومن المفارقات أن الدول العربية لا تجد سبيلا في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية سوى مناشدة الأمم المتحدة إنصافها ومطالبتها بتنفيذ مئات القرارات الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن دون جدوى، وكل هذا يعكس إحدى النتائج التالية : إما أن الرأي العام العالمي يفهم ولكنه غير قادر على فرض قراراته على أطراف الصراع ، أو أن المجتمع الدولي يفهم ولكنه لا يريد أن يتدخل بصورة فعالة، ولذلك كله فإن الأمر يقتضي بناء دور عربي قوي وفعال لإقناع المجتمع الدولي بالتدخل قبل تشييع عميلة السلام لمثواها الأخير والعودة لمنطقة الصراع.

لاشك أن ما حدث خلال النكبة لم يكن قدراً محتوماً، ومن ثم فإن فرض الإرادة العربية وتحقيق المصالح الحيوية ليس مستحيلا أو ضربا من الخيال، بل هو عمل في متناول القائمين على القرار العربي، ينبغي عليهم إنجازه لحماية مستقبل الأمن العربي بعد استيعاب الدرس ووضوح الرؤية الاستراتيجية.

من النكبة إلى الاسترخاء السياسي
بقلم: السيد ياسين

تعود المثقفون العرب في العقود الأخيرة على استخدام لغة استعارية للدلالة على الأحداث التي تقع في مجال الوطن العربي والمشكلات الجسيمة التي تواجهة الأمة العربية ، من بين ذلك مفهوم النكبة الذي يستخدم للدلالة على الهزيمة العربية في حرب فلسطين عام 1948 ، كما أننا لم نتوان عن ممارسة هذا التقليد بالنسبة لهزيمة 1967 فأسميناها النكسة. بين النكبة والنكسة وقعت أحداث جسيمة وربما كان من أبرز المثقفين العرب الذي أطلقوا مصطلح النكبة على هزيمة 1948 المؤرخ الشهير قسطنطين زريق الذي أصدر كتاب المعروف " معنى النكبة " ، وكان هذا الكتاب في الواقع بداية ما نسمية النقد الذاتي العربي، ومما له دلالة بالغة أن زريق نفسه نشر كتاباً آخر بعد هزيمة يونيو 67 وأطلق عليه " معنى النكبة مجددا " وكأنه يعيد إنتاج خطابه القديم عن أسباب الهزيمة في 48 مضيفا إلى خطابه الأسباب التي تتعلق بما حدث للمجتمع العربي سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعسكريا في الحقبة من 48 إلى 67 زريق في كتابة الأول تبني وهجة نظر ليبرالية- إن صح التعبير- فقد ركز في رصده لأسباب الهزيمة على غياب الديمقراطية عن المجتمع العربي وغياب النظرة العلمية والافتقار إلى التكنولوجيا وغربة الجماهير عن اتخاذ القرار، وإذا مضينا من حقبة 48 والتي كانت الهزيمة فيها أحد أسباب التغيرات السياسية الكبرى في الوطن العربي إلى عام 67 وقرأنا ما حدث خلال الـ19 سنة التي مرت ما بين الهزيمتين، فسنجد أننا أولا ولا نستطيع نسيان أن أحد أسباب قيام ثورة يوليو 1952 هو الهزيمة العربية في حرب فلسطين 48، ثورة يوليو جاءت كما جاء عديد من غيرها من انقلابات عسكرية عجزت عن أن تتحول إلى ثورة وادعت أنها ستقوم بهمة تحديث شامل للمجتمع من شأنها أن تجعل الصراع العربي قبل 48 وأنها ستقوم بمهمة تحديث شامل للمجتمع من شأنها أن تجعل الصراع نديا بيننا وبين إسرائيل، غير أن هزيمة يونيو 67 أثبتت إخفاق هذا المسعى وفشل القيادات السياسية العربية في أن ترقي إلى مستوى الصراع الحضاري الشامل بين الأمة العربية والدولة الإسرائيلية . ومما له دلالة مهمة أن تنشأ بعد هزيمة يونيو 67 حركة نقد ذاتي واسعة المدى أعمق بكثير من تلك التي قادها زريق عقب هزيمة 48 ، ويرد هذا العمق والحدة في النقد إلى أنه كانت قد تبلورت ملامح مشروع قومي عربي ي حمل في طياته إن لم نقل تحقيقا لحلم الوحدة العربية فعلى الاقل التنسيق العربي الشامل وبناء الجيوش العصرية والتحديث الاجتماعي والثقافي. على رأي أدبيات النقد الذاتي للهزيمة كتاب الفيلسوف السوري المعروف د. صادق جلال العظم وعنوانه " النقد الذاتي بعد الهزيمة " حيث تناول بطريقة نقدية رائعة مشكلات التنشئة الاجتماعية والسياسية للمواطن العربي، وفشل هذه العملية في بناء مواطن عربي قادر وفعال، وامتد هذا النقد الذاتي ليعبر عن أصوات من اتجاهات أخرى . غير اتجاه د. العظم ، سنجد الإسلامي عبدالله المنجد في كتابه " أعمدة النكبة السبعة " حيث يقدم تفسيرا دينيا للهزيمة ويركز على دور الدين، كذلك سنجد أديب نصور الذي يعبر عن الصوت المسيحي العربي في كتابة " النكسة والخطأ" .

لو حللنا أدبيات النقد الذاتي سواء بعد هزيمة 48 أو بعد هزيمة 67 لاستطعنا أن نضع أيدينا عى الأسباب التي أدت إلى النكبة بالمعنى العربي المتداول وأهمها سيادة النظم الاستبدادية العربية وتغييب الجماهير عن صنع القرار والمشاركة السياسية والتخلف الاجتماعي والثقافي حيث تبلغ نسبة الأمية في الوطن العربي 60 % وكذلك الفشل في إرساء قاعدة متينة للعلم والتكنولوجيا سواء بالنسبة للدول القطرية أو على مستوى الوطن العربي ككل والعجز عن مجاراة الحداثة الغريبة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

تحدي المستحيل

ولا ينبغي الحديث عن النكبتين- 48 و 67- دون أن نشير إشارة واضحة إلى حرب أكتوبر 73 في هذا المجال، حيث يمكن القول إن الأمة العربية في قطرين من أقطارها المهمة- مصر وسوريا- قد استنهضت الهمم وعبأت القوى العربية واستعدت عسكريا واستطاعت مصر وسوريا أن تتحديا المستحيل كما بدا من اقتحام خط بارليف وإنزال الخسائر الجسيمة بالقوات الإسرائيلية مما أثبت أن العرب- لو استعدوا- يستطيعون مواجهة التحدي.

ولكن بعد حرب 73 وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد والمعاهدة المصرية الإسرائيلية وم تلا ذلك من مقاطعة عربية لمصر لسنوات طويلة ثم عودة الدول المقاطعة لتوافق على الخط السياسي الذي رفضته ، وانعقاد مؤتمر مدريد وتوقيع اتفاقية أوسلو سرا وبعيدا عن المشاركة العربية يمكن القول إنه حدث استرخاء سياسي في الوطن العربي، وفي نفس الوقت أعلنت القوى الصهيونية المتطرفة داخل الدولة الإسرائيلية من صوتها وأعلنت بكل وضوح إلغاء اتفاقية أوسلو وإعادة تجديد موجة الاستيطان الصهيونية في الضفة والقدس. في هذه المرحلة مرحلة اليأس المطبق العربي والتحدي الصهيوني الخطير والذي وصل إلى تحدي الولايات المتحدة نفسها، بينما لا يتقن العرب إلا لغة الكلام وليست هناك أي خطة سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو ثقافية للمواجهة العربية الشاملة ضد الهجمة الصهيونية الجديدة . ومعنى ذلك مع الأسف اننا لم نستفد من دروس النكبتين ولم نستطع أن نمسك بلحظة البرق التي مثلها الإنجاز العسكري العربي في حرب أكتوبر 73 .

التوابع
بقلم : صلاح عيسى

ليست النكبة الحقيقية، هي أن يمر نصف قرن على النكبة من دون أن نزيلها، ولكن أن يمر كل هذا الزمن، من دون أن نتوصل حتى إلى مجرد الاتفاق، حول السبب الرئيسي في حدوثها، وبالتالي إلى تصور مشترك ، حول كيفية التعامل مع نتائجها.

ومع التنوع في الرؤى أمر طبيعي ، فإن التباين الشديد في الخطاب النكبوي العربي، وصل إلى حد لا يمكن أن يصدقه عقل، فخلال نصف القرن الذي انقضى، سادت تفسيرات ، تنوعت بين القول بأن ضعف العرب عسكرياً ، أو تبعيتهم سياسياً أو تخلفهم

اقتصادياً واجتماعياً، أو أنصرافهم عن الدين ، أو افتقادهم للعدالة الاجتماعية، هي سبب النكبة. ورفعت شعارات ، وطبقت سياسات، تنوعت بين القول بأن الطريق إلى تحرير فلسطين، يمر عبر التحرر من الضعف العسكري، أن عبر التحرر من الاستعمار، أو عبر التحرر من الرأسمالية، أو عبر التحرر من العلمانية،

ووصلت إلى حد القول - مرة- بأن الطريق إلى القدس، يمر عبر " طهران " ، ومرة أخرى إلى حد القول بأنه يمر عبر " الكويت " .

وبسبب هذا التباين الشديد في تفسير اسباب النكبة، وفي السياسات التي اتبعت للتغلب عليها، اتسعت مساحتها من 77% من ارض فلسطين الأصلية عام 1948 ، إلى كل ارض فلسطين- فضلا عن أجزاء من سوريا ولبنان- عام 1998، وجرت وراءها كالزلازل توابع لها، لا تقل عنها شدة، بل لعلها بمقياس ريختر أكثر نكبوية منها . فبسبب النكبة، وبسبب العجز عن التوصل إلى " اتفاق قويم" حول تشخيصها وعلاجها- اصبح العرب باختيارهم ورقة في لعبة الأمم ، خلال سنوات الحرب الباردة ، وتوزعوا بين المعسكرين الدوليين، طلبا للمعونة التي تمكنهم من إزالتها، أو تحول دون تحول أقطارهم إلى مناطق منكوبة ، فلم يستفيدوا من ثمار استقلالهم.

وبسبب النكبة، وتذرعاً بها أحياناً، دخل العرب في حروب أهلية وقطرية ضد بعضهم البعض، كما خاضوا حروباً إقليمية، ضد حلفائهم ، خسروا فيهم من الأرواح والأموال ، أضعاف ما خسروه في حروبهم مع إسرائيل.

وباسم إزالة آثار النكبة، زحفت العسكرتاريا العربية على السلطة السياسية في كثير من الاقطار العربية، باعتبارها المؤهلة للقيام بهذا الدور، فتراجع النفوذ الفكري والسياسي للعناصر المدنية، وانمكش ظلمها عن المجتعمات العربية ، وتقلصت الطموحات الديمقراطية، ولم يعد هناك صوت يعلو فوق صوت المعركة، حتى لو كان صوت العقل أو صوت حقوق الإنسان.

أما وقد كانت المعركة تجيئ لتنتهي كل مرة بنكبة إضافية، فقد بدأ الأصوليون الإسلاميون زحفهم للاستيلاء على المستقبل العربي، بدعوى أنهم السلاح الذي لم يجرب بعد، فضلاً عن أنه الاصلح لمواجهة إسرائيل، باعتبارها- هي الأخرى- دولة أصولية. الشيء الذي لم يضعه الجميع في اعتبارهم، هو أن القوى الدولية ، التي زرعت النكبة في المنطقة، وحرصت على بقائها، أرادت أن تجعل منها حاجزاً يعزل مصر عن الأمة العربية ، والمشرق العربي عن المغرب العربي ، لتحول دون توحد العرب، باعتباره خطراً على مصالحها، وأن " إسرائيل " قد بقيت على- الرغم من الاساطير الدينية التي قامت عليها- لأنها دولة ديمقراطية علمانية عصرية. لو أنهم تنبهوا لذلك ، وتصرفوا على أساسه ، لتوقوا كثيراً من توابع النكبة، التي نشأت نتيجة للخلاف حول أسبابها، وحول أسلوب التغلب عليها ، ولادركوا أن اي حل مرحلي، تجبرهم الظروف على قبوله، لا يجوز بأي حال من الأحوال، أن يحول دون اتصال الأرض العربية، وهو ما يعني أن يتمسكوا بتنفيذ قرار التقسيم الذي صدر في عام 1947 وليس أقل منه، وليتأكدوا أن الطريق إلى فلسطين، لا يمكن أن تقود إليه، إلا نظم ديمقراطية عصرية.

فلسطين.. عبر خمسين عاما
بقلم: طارق البشري

منذ بدأت المسألة الفلسطينية في المجال العربي، كانت هي جوهر الحركة الوطنية ، وبوجه خاص منذ نشأت الدولة الإسرائيلية على ارض فلسطين، على مدى النصف الثاني من القرن العشرين. والحركة الوطنية فيما أفهم هي حركة تجمع المواطنين لإزاحة وجود أجنبي عن أراضيهم، ولاستخلاص

إراداهم السياسية من أن تبقى مكرهة على تحقيق الصالح الاجنبي منصرفة عن تحقيق الصالح الذاتي للجماعة الوطنية.

وفلسطين أرض عربية وإسلامية ، صارت ممثلة بالوجود البشري الصهيوني وبالقوات المسلحة الإسرائيلية وبالإرادة الصهيونية الامريكية ، وهذا الوجود لا يجري على حساب الوجود العربي الفلسطيني فقط، ولم يقم لهذا السبب وحده، ولكنه بما يملك من قوى الردع العدواني يرهن إرادة الدول العربية المحيطة ويهدد مصالحها ويستنفذ قواها . قديماً وجدنا الاحتلال الاجنبي يقوم بجنده وعسكره في أراضينا ويسيطر على حكوماتنا أو يحكمنا حكما مباشرا ويتخذ لذلك شكلا دوليا معترفا به وهو " الضم " أو " الإلحاق " وسائر الأشكال الإمبراطورية، فلما فسد هذا الشكل من أشكال التعامل الدولي المشروع، وظهرت بعد الحرب العالمية الأولى عصبة الأمم ومبادئ تقرير المصير ودعاوى الاستقلال السياسي، واستنبط أشكالاً جديدة تسوغ شرعية بقائه، ابتدع شكل الانتداب الذي خضعت له سوريا ولبنان وفلسطين وغيرهم خلال فترة ما بين الحربين من 1918 . فلما انتهت الحرب العالمية الثانية في 1945 ونشأت هيئة الأمم المتحدة وظهرت حركة استقلال المستعمرات على مدى آسيا وإفريقيا كلها عبر الخمسينيات والستينيات بدأ الاحتلال يحور من شكله الدولي والقانوني ليتخذ شكل المعاهدات والأحلاف والقواعد العسكرية. وانحصر الوجود الأجنبي المسلح في معسكرات محددة ولكن ضغطه على الإرادات الوطنية كان معروفاً . وقد لاقت سياسة الأحلاف ما تستحق من مقاومة ومعارضة الحركات الوطنية . وتخلل هذه الفترة ظهور شكل جديد، وهو اصطناع دول تتخذ شكل وحدات سياسية يعترف بها دوليا ولكنها تفتقد أهم مقوم من مقومات الدولة الحقيقية وهو وجود شعب مستقر يشكل جماعة سياسية نشأت تاريخيا ويضمها شعور بالانتماء المشترك وتقطن إقليميا محدداً، وصار الاعتراف بها بوصفها دولة يعطيها ضمانات القانون الدولي وشرعية الوجود والبقاء والعصمة من القيام عليها. وصار اصطناع الشعب يجري إما بالهجرة وفق أي دعوى عنصرية أو دينية، وهذا ماحدث في إسرائيل، أو منطقة خليط ومجتزأة من وحدات أخرى كما حدث في بعض البلدان إفريقيا وأمريكا الوسطى.

ما أريد قوله أن " الدولة " في حالة إسرائيل هي شكل فقط يغطي الوجود الاجنبي والشعبية المصطنعة ويمنحها ضمانات القانون الدولي وعصمة أشخاصه. وهذا لا يخل بأن حركة الشعب الفلسطيني ومقاومة الشعوب العربية والإسلامية هي مما يشكل حركة وطنية مقاومة للوجود الأجنبي. على مدى السنوات الخمسين الماضية واجهت الحركة الوطنية الوجود الأجنبي في فلسطين بطرق شتى ، سواء في المجال العربي أو في المجال الفلسطيني أما المجال العربي فقد عرفنا مرحلتين، الأولى منهما من 1948 إلى 1977 ومدتها ثلاثون سنة. كالصراع خلالها يتخذ شكل الحروب التي تقوم بها الدول العربية المجاورة لفلسطين بواسطة جيوشها النظامية وكان أرعبة حروب، أولاها في 1948 انتهت بهزيمة العرب وثانيتها في 1956 كانت من هزائم العرب الكبرى التي لا تزال آثارها الباقية، ورابعتها انتهت بانتصار عربي جئي بتحرير سيناء مع بقاء الجولان في سوريا والضفة الغربية من الأردن تحت الاحتلال. والمرحلة الثانية في المجال العربي تبدأ بالصلح الذي أجرته مصر مع إسرئيل، وتبدأ بزيارة الرئيس المصري أنور السادات للقدس في 1977 ثم ما تلا ذلك من عقد اتفاقية كامب ديفيد ، وأن متابعة أوضاع السياسة العربية الإسرائيلية

على مدى السنوات العشرين الأخيرة، تكشف بوضوح أن أياً من المعاهدات التي أبرمت مع إسرائيل، سواء من مصر أو من الأردن أو من منظمة التحرير لم تفطن إلى تصفية الصراع العربي الإسرائيلي ولا أفادت إمكان ذلك في المدى المنظور .

لقد مرت عشرون سنة على المعاهدة المصرية، ولكن الوضع الشعبي وشبه الرسمي لا يزال غير منفك، والبيوسة واضحة التوتر حال. وما يمكن الجزم به أن السلام لم ينشأ وأن الصراع لم ينته.

إنما تحول الصراع من أسلوب الحرب تجريها الجيوش النظامية للدول إلى صراع من نوع آخر هو صراع جماعات لا صراع حكومات فقط، وهو يتخذ قضاياه من رفض التطبيع وإذكاء روح المقاطعة المادية والثقافية ورفض التعاون ورفض التعامل، أي المقاطعة ، وهذه الأساليب للصراع عرفتا حركاتنا الوطنية من قديم متخذة تلك الوسائل، ومن أمثلتها أساليب الصراع ضد الاحتلال الإنجليزي سواء في مصر أو في الهند أو كثير من بلاد العرب.

أما في المجال الفلسطيني فقد عرفت مرحلتان ، أولاهما بنشأة منظمة التحرير الفلسطينية . ونحن نعلم أن سمات الحركة الوطنية الفلسطينية على عهد المنظمة أنها قامت وقوتها الأساسية من الفلسطينيين خارج فلسطين، وأملي عليهم ذلك أدوات عمل سياسي وأساليب تحرك سياسي ترتكن في المحل الأول على الرأى العام العربي ثم الإسلامي وضغوط هذا

الرأي العام على حكوماته، وجدت المنظمة كما كانت تشخص في المهجر الجماعة الفلسطينية. استمر هذا الوضع حتى بدأت حركة فلسطين الداخل تلفت نظر العالم منذ 1987 ومن وقتها صار فلسطينيو الداخل هم من يحركون الإرادة الفلسطينية التحريرية، واستند جهادهم إلى استخدام أساليب العنف تارة وأساليب شبه العنف تارة أخرى مثل " حركة الحجارة " وأضاف هذا العمل الداخلي أساليب جديدة إلى حركة المقاومة العربية بشكل عام، ثم أضيف غلى ذلك ما يصنعه مواطنو جنوب لبنان من أساليب الجهاد العنيف.

لذلك فإن ما صنعته منظمة التحرير لم يعد استسلاما لأن فلسطين لم تعد بالأمر الواقع مشخصة فيها وحدها، كما أن المعاهدات لم تفد إنهاء الصراع والأمر كله أمر استبدال أساليب بأساليب، وامر استبدال قوى سياسية بقوى اخرى.

ونحن لم نتعلم من التاريخ قط أن هناك حركة وطنية انتهت أو أنها صفيت دون أن يظهر بدليل لها من جنسها بوظائفها.

بقي أمر أساسي هو القدس، ونحن- مسلمين- ومسيحيين- مسئولون في هذا الشأن ، مسئولون أمام الله سبحانه ، وعلى كل منا أن يفكر كيف يتخيل في آخرته أن يكون رده على هذا السؤال " ماذا صنعت للقدس ؟" وليس دون المهج والأرواح ما يبرئ ذمة المسئول عند الحساب- لن يبرئه أقل من أين يكون بذل نفسه.

والحمدالله .

متى نمتلك الإرادة العربية ؟
بقلم : الدكتور عبدالعزيز المقالح

كثيرة هي الدروس المستفادة من النكبة ومن زمنها المر، ولكن عدد الذين يحاولون الاستفادة منها عربيا قليل، غير أن بعض هؤلاء يتناقصون كلما تزايدت الأوهام التي تقتحم الساحة العربية من حين إلى آخر فضلاً عن أن معظم توافر لهم الحد الأدنى من القدرة على استيعاب الأحداث والاستفادة منها لا يملكون السلطان الذي يعمل على تحويل أفكارهم ووجهات نظرهم إلى مواقف وأفعال تخفف من الآثار الفاجعة والمتواصلة للنكبة وما استجد بعدها من نكبات قد تكون محصلتها النهائية أقسى وأمر من محصلة النكبة التاريخية.

ولكي نقترب من الواقع أكثر علينا تفرض الموضوعية والصدق مع النفس أن نقول إن الأعداء الذين يملون علينا دروسهم المؤلمة وحدهم الذين يستفيدون من أثرها علينا ومن ردود افعالها العشوائية بيننا، ولعل الجهل بالتاريخ هو الذي أوقع أمة بكاملها في هذا المصير المحزن والمثال الأقر والأصحعلى الجهل بالتاريخ النسيان شبه التام لوقائع الغزوة الصليبية وكيفية تكونها عبر مراحل بدأت مع المتحمسين لموطن المسيح ثم تطورت إلى احتلال استيطاني استمر مائتي عام وكان على العرب المعاصرين كل العرب المعاصرين أن يدركوا أن الحماسة لأرض الميعاد المزعوم تخفي وراءها خطرا لاحتلال استيطاني جديد قد يطول وقد يلقى مساعدة بلا حدود من الدول الكبرى القديمة والجديدة والطامعة في ثروة المنطقة ومواقعها الطامعة أكثر في إخضاع الوطن العربي وتفككه وإلغاء كل دور له في الحاضر والمستقبل.

وبعد خمسين عاما من النكبة تبدأ الخطوط الأولى في ملامح الاستراتيجية الملائمة والمقترحة من وضع حد للخلافات العربية العربية، وهي خلافات يمكن تجاوزها والتخلص منها لو أدرك حكام الوطن العربي أن الخطر العاجل الذي يهدد قطرا عربيا معينا ماهو إلا خطر آجل يهدد بقية الأقطار العربية، وأن الوجود الاستيطاني الصهيوني خطر عاجل على فلسطين والأقطار المجاورة وخطر آجل لبقية الأقطار العربية. وتكفي فكرة الشرق أوسطية لتدمير الكيان العربي اقتصاديا وسياسيا.

وإذا كان وضع حد للخلافات العربة هو الملمح الأول فإن الملمح الثاني في هذه الاستراتيجية المقترحة يتمثل في محورين اثنين، أولهما ويكون في إحياء فكرة الدولة الفلسطينية الديمقراطية التي تجمع العرب " مسلمين ومسيحيين" واليهود غير الصهيونيينن فاليهود أمة لاتبحث عن وطن، لأنها دين منتشر في مناطق كثيرة من العالم شأن الإسلام والمسيحية وفي حين أن الصهيوني ولو على أشلاء اليهود واليهودية، ولعلم فيما حدث لجنوب إفريقيا نموذج لبناء الدولة الديمقراطية متعددة الأعراق ومن يدري أن الدولة الفلسطينية ستكنون نموذجا رائعا للتعايش بين أبناء الديانات السماوية الثلاثة؟

والمحور الثاني في هذه الاستراتيجية المقترحة يقوم على تضييق الخناق على الكيان الصهيوني بإعادة محاصرته، وتطويقه عربياً وإسلامياً ودولياً. فقد أثبتت سياسة المقاطعة الشاملة التامة أنها السلاح الناجع في مواجهة كل أنواع الاحتلالات الاستيطانية العنصرية، وقد نجح العرب قبل المبادرة المشئومة للسادات في استقطاب دول العالم كله باستثناء الدول الكبرى المستفيدة من الكيان الصهيوني وبعض الدول الدول الهزيلة أو العنصرية الاستيطانية مثل جنوب إفريقيا سابقا. ويلاحظ ان خيارات الحرب واللجوء إلى القوة قد خلت من هذه الاستراتيجية المقترحة لأن الحرب غير واردة إلا في حالة الدفاع عن النفس وهي آخر ما على العربي أن يفكر فيه مادام يمتلك من الخيارات الناجحة ما يكفي للانتصار علماً بأن المدخل الحقيقي لأي انتصار عربي مرجو هو إعادة التماسك للحياة العربية، وتجاوز الخلافات والوصول إلى مرحلة الوعي الحقيقي بطبيعية الأخطار المحيطة بنا، وهي أخطار تستهدف وجودنا، وهويتنا وتسعى إلى تحويلنا إلى كيانات هزيلة ليس لها إلا أن تطيع، وتنفذ ما يراد منهاز

ذلك هو المدخل إلى مرحلة الإرادة العربية الجديدة، التي ترتفع إلى مستوى الأخطار الكبرى من جهة وترتقي إلى مستوى أحلامنا المشروعة من جهة أخرى.

الذكرى والاستراتيجية المفقودة
بقلم : علي عقلة عرسان

بداية أود ان أقرر أنه لم يكن نضالنا على طريق فلسطين خطأ أو عدواناً أو مكابرة أو أنسياقاً وراء أسطورة أو وهم ، بل كان النضال الحق من أجلالوطن والعدل والكرامة، وكانت تضحياتنا تولد التضحيات وتسوّغ بذلك الجهد في الجهاد من أجل الحرية والتحرير. ففلسطين لنا عبر التاريخ، وفلسطين لنا مدى التاريخ ، ولكن هذه الحقيقة المزدوجة تحتاج إلى قوة تحميها وتقيم قوامها، والحق من دون قوة همس يضيع بين ضجيج القوى التي تكرس حقائق على الأرض . إننا نحتاج لذلك الوعي بحقائق التاريخ وبحقائق الحياة لنقيم على أساسه نظرة واقعية، وواقعية تفاؤلية- إيجابية تمتح من واقعنا ومن معطيات أمننا وإمكاناتها وقدراتها وطاقات أبنائها، واقعية تضع الأمور في نصابها، وننظر إلى الصراع العربي- الصهيوني من منطلقاته المبدئية والحقا التاريخية، لنواجه حقيقة أنه لا يختزل إلى صراع بين الواقع والمثال ليحكم عليه وعلى أطرافه بمقاييس منطق التسوية والتنازل والمقايضة والقبول بما يحقق إرادة القوة ويفرضها، بل يتأسس ويتجدد تأسيسه بمقاييس : الخلقي العادل والإنساني والمضاد لذلك ليحكم له أو عليه بمقاييس الحق والباطل وما يمليه صراعهما من مبدئية قيمية، واقعية تكرس الأمل وتقيم صروحه على أساس من بناء الواقع بناء يحقق نهضة شاملة تقوم على العلم والإيمان والعمل بهما، واقعية توظف طاقة الأمة وقدراتها وإمكانياتها كافة في خدمة برامج التنمية والتطوير على أساس المعرفة وتطبيقات العلم، لامتلاك القوة من كل نوع وف يكل مجال من مجالات الحياة، لينشأ بذلك ومنه واقع مغاير للسائد في ميادين النفس والعمل والحياة والإنتاج.

إن قمة عربية- مثلاً- تعقد لتكون مظلة لتنازلات سلطة الحكم الذاتي ولما يفرضه نتنياهو بأساليب وأدوات أمريكية على العرب ، لن تكون إلا في خدمة الاستسلام والتطبيع اللذين يرتديان عباءة السلام ومن تجاربنا المرة مع العدو الصهيوني منذ نيف وخمسين سنة نفيد بأنه : صاحب المشروع الاستعماري الاستيطاني العنصري المستمر، القائم على القوة والعدوان من خلال زحف الاحتلال .

- هل نستطيع أن نبني إرادة المقاومة لمشروع العدو بمشروع قومي يقوم على العلم والإيمان والعمل بهما، مشروع تضمر أو تزول من أجله : المصالح الضيقة والأنانيات القطرية والحزبية، ويتقدم الناس فيه ويتراتبون بالأداء الموضوعي المقتدر، حسب معيار سليم وهدف سليم في كل مجال، وليس بالجهد الغوغائي والافتراءات وأشكال الفساد التي ، تكاد تغرق الحق والصدق والإبداع والإخلاص والقيمة في كل مجالات حياتنا؟

هل نقيم على الأرض، وفي مواقع المواجهة مع الأعداء: قرى الثغورن وخنادق المواجهة؟ وهل نصقل الإرادات بالقتال والثبات على المبدأ، وتحقق فرزاً موضوعياً لمن هو مع فلسطين والأمة ومن هو ضدهمان من خلال معايير أساسها خدمة المعركة مع العدو، والتقدم في مجالات العلم والعمل اللذين يحققان بعداً حيوياً لها، ودعماً عملياً لاستمرارها وتصاعدها.

هل نستطيع أن تقول : القدس .. القدس .. القدس كل صباح، ونعمل لها ومن أجلها في كل يوم، وأن نقيم صلة بينها وبين الأجيال الصاعدة على المستوى المعرفي والروحي.

إن الشباب يؤرقني ، وأتمنى أن أكون مخطئاً، ولكني أرى من وما يفترس طاقته وإراداته وإبداعه أمام أعيننا ويحوله إلى كم من الرغبة والشهوة والنزوة، وإلى أحلام متهالكة متهافتة، ونزوع محبط أو مريض، وأفكار سقطت لأنها قامت على أركان متداعية من منطق وعلم وتربية ورؤية ، وفتكت في ذلك الشباب ولا تزال سياسات عربية قاصرة ، وأيدولوجيات الغرب والشرق، والصهيونية من خلفهما.

نحن أما صهيونية ترتبط عنصريتها بالعقيدة التلمودية، وأمام قوة كبرى في العالم تعتنق الصهيونية وتعمل لها، ومازال في مجتمعنا من يعمل للتقدم بتدمير الهوية والقيم والبنى التي قام عليها مجتمعنا والتي ما زالت صحيحة وخبرة وصالحة.

هذه ليست مناسبة للتفجع والتوجع وتكريس الانهزام في نفوس الأنام من أبناء الأمة العربية ، بل مناسبة لتجديد الذاكرة وتعميق معطى الوجدان القومي على الصعيدين الفردي والجمعي، بمعطيات قضية العرب المركزية : قضية فلسطين ، وبمجريات الصراع الذي دار من أجل حسمها لمصلحة العرب، مناسبة للتعمق في معرفة أسباب النكسات والهزائم التي حلت بناء ، واستخلاص الدروس منها، تلك التي أهمها بنظري :

أننا لم نضع ، في يوم من الأيام ، استراتيجية عربية للتحرير ونخدمها بإيمان خدمة متواصلة ، ولم نحارب موحدي الهدف، بله الصف، في معركة واحدة نعد لها العدة، ولم نتخلص من تبعية قتالة للأجنبي في قرارنا ومشروعنا المنفذ في هذا المجال ولم نحترم حقنا وإنساننا الاحترام الواجب، ولم نحدد نوع المشروع الذي نواجهه، والعدو الذي يفرض علينا إرهابه الممتد عبر المذابح البشعة من دير ياسين وكفر قاسم حتى حريق المسجد الأقصى ومذبحتي : الحرم الإبراهيمي وقانا.

هذه مناسبة لنرى فيها البعد القومي للقضية الفلسطينية بانعاكسات غيابه والتزامات حضوره وما يفتحه من آفاق مستقبلية، وأهمية استعادة ذلك البعد من أجل وضح حد للتفريط بالقضية ولجم المفرطين اليائسين، الذين يعولون في كل مناسبات بطلب بدائل عن الاستسلام لتثبيت معطيات " واقعية انهزامية " منافية لحقائق الحياة والتاريخ والمنطق، واقعية استسلامية توحي بأن معطيات الوضع العربية والدولي الراهنة هي معطيات أبدية، وليس من سبيل مع استقرارها واستمرارها على هذا النحو، إلا القبول بما يقدمه لنا سدنتها من فتات موائدهم ، مما يعني أن يملأ بعض أصحاب الكروش كروشهم ونفقد كلنا الكرامة والأرض والأمل في مستقبل أفضل هذه مناسبة نحيي فيها ذكرى الشهداء ، ونعلي شأن المضحين من أجل القضية والصابرين السائرين على طريق التحرير، والعاملين لتثبيت عروبة فلسطين في الأداء الفكري والسياسي والنضالي، وعلى حماية الكرامة واستعادة المبادرة والثقة والإرادة من أجل أمة واحدة قوية عزيزة ترد عنها أنواع الإرهاب والعدوان والاحتلال، كما ترد طمع الطامعين بها وبأهلها والمعادين لهويتها وعقيدتها، ومناسبة للتأكيد على أنه لن يقيم تلك الأمة الإ وعي معرفي بالذات والآخر وإيمان برسالتها وانتماء لها وتضحية من أجلها وعلم نعمل به وننطلق منه.

إنها نتاج نكبة عربية أخطر
بقلم : الدكتور محمد جابر الأنصاري

وقعت نكبة فلسطين عام 1948 والمجتمعات العربية في لحظة تاريخية حرجة كانت أثناءها احوج ما تكون إلى الاستقرار لمواصلة مسيرة التنمية والتطور والتحديث، فأصابت النكبة تطور هذه المجتمعات في مقتل، وذلك بما جلبته مضاعفاتها من عدم استقرار وتقلبات وانقلابات وانجراف نحو التسييس الانفعالي والأيديولوجي قبل أو أن النضج وقبل بلوغ سن الرشد السياسي الذي لا يبلغه أي مجتمع إلا عندما يجتاز الحد الأدنى من بناء المجتمع المدني / الوطني القائم على اندماج العناصر السكانية في بنية مدينية تتجاوز البنى التقليدية من طائفية وعشائرية .

هكذا أجهضت تفاعلات النكبة في العمق العربي التكون الجنيني للمجتمع التعددي الليبرالي والتوجهات الديمقراطية المدنية التي تنامت منذ بدايات القرن واكتسبت الانقلابات العسكرية " شرعية " جماهيرية وتم الاندفاع نحو " عسكرة " المجتمعات العربية و "أدلجتها" عن طريق الحركات الشمولية الكلية ذات النهج شبه الفاشين وتم الإجهاز على التراكم الحضري والتعليمي المتفتح الذي شهدته المجتمعات العربية- قبل النكبة- في العقود الأربعة الأولى من القرن العشرين.

في مجتمعات عربية تقليدية ذات تشكيلات مجتمعية متخلفة تركيباً وقيماً وثقافة وإنتاجا- كانت الأولوية- للتنمية والتطوير والتحديث في ظل أوضاع مستقرة نسبياً تساعد على التراكم الحضاري واستيعاب المتطلبات الأساسية للعصر الحديث من دينامية اجتماعية وتطور سياسي وإنتاجه اقتصادية عن طريق استيعاب العلم والتقنية والتفكير العلمي ، التحليلي والنقدي. " لخلفيات هذه المسألة يراجع كتاب المؤلف : تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية وغيره من مؤلفاته في هذا الموضوع ".

غير أنه في ظل الأوضاع المتوترة التي أحدثتها تفاعلات النكبة في صميم المجتمعات العربية تمت التضحية بتلك الحاجة المصيرية التطويرية فلم تعد لها الأولوية، بل صارت في درجة ثانوية، أن لم يتم التغافل عنها ، وأصبحت الأولوية القصوى للتعبئة العسكرية والاحتشاد السياسي الآني والمرحلي، وتم القفز على أوجه القصور الذاتي في المستويات الحضارية والإنتاجية والعلمية والفكرية للمجتمعات العربية ، وسيطرت- إلى حد الهاجس العُصابي المتضخم- فكرة المؤامرة " الإمبريالية- الصهيونية " التي لا تنكر بطبيعة الحال، ولكن ما كان لها أن تحدث آثارها المتفاقمة إلى اليوم، لولا القابلية العربية الذاتية لمفعولها المدمر في معظم البنى المجتمعية- السياسة العامة سواء على صعيد السلطات أو المعارضات وعلى الصعد الرسمية أو الشعبية، وبذلك تحولت المعركة من المعركة ضد التخلف إلى المعركة ضد وجه من أوجه ذلك التخلف وعرض من أعراضه، أعني : تمكن القوى الصهيونية والقوى الاستعمارية المساندة لها من إقامة إسرائيل على أرض فلسطين.

ولا يوجد حل سحري للخروج من هذا المأزق التاريخي، إلا بالعودة إلى استئناف مسيرة التطور الحضاري الشامل، بمشروع نهضوي متكامل ، وبنفس طويل، لا يحرق المراحل ، ولا يحرق نفسه بالطفرات والمغامرات والحلول المرتجلة الآنية سلماً أو حرباً.

ولن يحدث هذا إلا بتحرير الوعي العربي الإسلامي العام من كثير من الأوهام والتصورات المغلوطة وإعادة تأسيسه على التفكير المستقل، الناقد، الحر، المنفتح لكل معطيات الحقيقية، أيا كانت، حيث لا يصح إلا الصحيح . بعد هزيمة يونيو، من الدروس المستفادة، وخاصة في مصر العربية- جبهة العرب الأولى والكبرى- كان التنبه أنه لا يمكن خوض حرب عصرية بجنود وضباط ينتمون إلى تكشيلات مجتمعية تقليدية متخلفة، فالحرب التكنولوجية الحديثة تحتاج إلى كوادر متعلمة، متدربة، واعية من صميم المجتمع المدني المتحضر .

وهكذا كان بالنسبة للإعداد الحرب أكتوبر و " ملحمة العبور " وأثبت الفرد العربي المتعلم والمتدرب كفاءته العالية في الحرب الحديثة. هكذا فإن كانت قضية فلسطين هي قضية العرب الأولى فإن التخلف العربية الراهن هونكبة العرب الأولى ن وأي محاولة لإنكاره بأي عذر من الأعذار والمبررات ، لن تؤدي بنا إلا إلى المزيد من الضياع، بل إلى فقدان الوجود والحضور في هذا العصر .

الخرائط التي تنقصنا
بقلم : محمد عودة

بعد 50 سنة من الصراع مع إسرائيل يجب أن ندرك أن أي معركة نخوضها سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو عسكرية لابد أن تقوم على خرائط للواقع الذي نواجهه، هذه الخرائط الاساسية لا تزال تنقصنا مع الأسف بعد مرور كل هذه السنوات،

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات