محاصرة السلاح العربي

محاصرة السلاح العربي

قام المشروع الصهيوني منذ مائة عام في ظروف جد مختلفة، وكانت الفكرة القومية سائدة وقوية ومقبولة في المجتمع الدولي، وكان لها الكثير من المبررات الاقتصادية السياسية، وربما كانت الدول الغربية المعنية لا ترى بأسا في التخلص من الجماعات اليهودية في بلادها، فلقد أظهر الانقلاب النازي في ألمانيا إلى أي مدى من الممكن أن ينساق الرجل العادي وراء معاداة السامية، وكيف يمكن أن يستغل السياسيون مثل هذه الانفعالات المريضة إلى أقصى درجة. ومن الناحية الأخرى كانت تصفية الدولة العثمانية دائرة على قدم وساق وكانت تجربة محمد علي في مصر مؤشرا على إمكان قيام دولة فتية جديدة في المنطقة ترث العثمانيين، وكان- بالتالي قيام دولة إسرائيلية في المنطقة مفيدا في عرقلة أي تحرك نحو نشوء قوى بديلة في المنطقة، خاصة وفكرة القومية العربية بدأت تظهر في الساحات الإعلامية في الشرق الأوسط .

المبررات كثيرة في الواقع، ولكن العالم العربي الذي أجهض بقسوة منذ ضرب تجربة محمد علي في مصر، لم يكن قادرا على مقاومة حقيقية ضد مخططات الحركة الصهيونية والمتواطئين معها من الدول الكبرى . ولدى اعتقاد خاص ، من خلال مراجعة للفترة الأخيرة من أربعينيات هذا القرن ، أن الدول الكبرى نفسها كانت تحتاج إلى سند شرعي آخر إلى جوار قرار الأمم المتحدة بإنشاء الدولةالإسرائيلية، وهو حق الفتح أو فرض القوة.

وهناك شبهات كثيرة بأن التحريض على حرب بين الدول العربية والمنظمات الصهيونية في فلسطين كانت خطة موضوعة، فالقوى الكبرى كانت تعلم بدقة نوع السلاح الذي تملكه هذه الدول لأنها هي نفسها كانت مصدر هذا السلاح ، وكان تسليح المنظمات الصهيونية محسوبا ومدروسا بحيث يحقق انتصارا عسكريا تستند إليه الحركة الصهيونية كمصدر آخر للشرعية. وهو ما تم بالفعل . ولقد كان إيقاع الحرب يتماشى مع نتائج المعارك، فعندما يحتاج الأمر إلى وقف القتال ريثما تعود المنظمات الصهيونية إلى تعويض السلاح وتحسينه، يتم ذلك في شكل هدنة كانت الدول العربية نفسها عاجزة عسكريا وسياسيا عن رفضها. ومنذ 1948 والسياسة القائمة هي الهيمنة على السلاح العربي وتحديد حجمه بما يعجزه عن القيام بأي دور فعال ضد قيام الدولة الإسرائيلية.

وكانت سياسة الحد من السلاح العربي سياسة استراتيجية قديمة منذ ضرب جيوش محمد علي فقد تضمنت المعاهدات المفروضة وقتذاك، تخفيض عدد أفراد القوات المسلحة إلى عدد لا يستطيع أن يغير الأوضاع القائمة، وقد ظلت هذه السياسة قائمة إلى أن تمت الصفقة التشيكية الشهيرة، ولكن بعد قليل أمكن التفاهم مع الاتحاد السوفييتي الذي صار مصدر السلاح العربي على مبدأ توازن القوة بني العرب وإسرائيل ، وبالفعل ظلت هذه السياسة قائمة إلى حرب 1973 .

ولقد أحست المجتمعات العربية بحاجتها إلى تغيير النظم المتهالكة التي فرضها الاستعمار في الواقع، وبالفعل قامت عدة انقلابات ثورية ضد بعض الحكومات القائمة، ولكن لم تلبث هذه القوى الجديدة أن أدركت صعوبة المهمة التي اضطلعت بها ، وانغمست هي نفسها في قضية أمنها الشخصي، مما جعل الاستفادة من طاقات الأمة الكامنة محدودا جدا بسبب هيمنة الوازع الأمني ، والإحساس بالتآمرات الداخلية والخارجية على الحكم الثوري القائم.

ومنذ سنة 1948 لم تستطع النظم العربية الثورية أن تقوم بعملية إصلاح حاسمة بسبب هذا الهاجس الأمني وحصر قواها فيمن تثق فيهم فقط من أتباعها.

واليوم يظل إصلاح آلة الحكم في البلاد العربية هو الطريق الوحيد لنشوء أمة قوية قادرة على المواجهة وتحديد الأطماع الصهيونية، ونعني بالإصلاح قيام المجتمع المدني الديمقراطي القادر على اكتشاف وتعبئة الكتل عناصر القوة في المجتمعات العربية وفي عالم الكتل الكبيرة يستطيع عالم عربي متحد أو متضامن على الأقل أن يصون حقوق شعبه ، وأن يضع الأمور في نصابها الصحيح.

ومهما يكن من أمر فإن عامل الزمن في مصلحة المنطقة العربية وشعوبها ولا تستطيع الدولة الإسرائيلية إلا ان تخضع للضرورات الجغرافية التي تدفع بالمجتمعات إلى الإقرار بحقوق الإنسان أيا كان لونه أو عقيدته ، وهي كلها ضد الفكرة الصهيونية التي قامت في الحقيقة على مفاهيم وثقافة نهاية القرن التاسع عشر ، والتي انتهت تماما من خريطة العالم المعاصر .

 

أحمد عباس صالح

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات