الدروس كثيرة .. ولكن هل نستفيد ؟

الدروس كثيرة .. ولكن هل نستفيد ؟

لعل أهم الدروس المستفادة من مرور نصف قرن على النكبة هي :

1- غياب التنسيق والاتفاق والجدية بين بعض الأنظمة العربية وللتدليل على ذلك أورد بعض الوقائع:

بعد ولادة الدولة اليهودية عام 1948 وقيام حرب التحرير اتضح انعدام التنسيق العسكري بين الحكومات العربية، وانفراد بعض الأنظمة العربية واتخاذها خطوات أضرت ضرراً بليغاً بالقضية الفلسطينية.

وفي حرب يونيو 1967- ومع التقدير العظيم للزعيم الفذ الراحل جمال عبدالناصر وإخلاصه وتفانيه- اتضح ان طابع الحماس قد طغى على عنصر التأمل والتبصر ووضحت الصورة بعد الهزيمة بأن هناك خطة ذكية قد أعدت لاستدراجنا واتضح ارتباك وتخلف القيادة العسكرية وعدم الإعداد الجيد للجيش المصري ثم انشغاله بحرب اليمن . ثم جاءت زيارة الرئيس السادات فجأة لإسرائيل دون التشاور مع أشقائه العرب وأكمل مسيرته في اتفاقية كامب ديفيد.

2- عدم التزام أو جدية بعض الأنظمة العربية، ولم تحقق المؤتمرات القمة المتعاقبة الآمال المعقودة علهيا بسبب تناقض المواقف العربية. وكان بالإمكان أن يكون لجامعة الدول العربية دور جاد وفاعل لو كانت الأنظمة العربية داعمة لها الدعم المطلوب وملتزمة بقراراتها.

كذلك فإن الجانب الفلسطيني قبل وبعد قيام منظمة التحرير الفلسطينية ومع التقدير الكبير للشهداء الذين جادوا بأنفسهم والتضحيات الكبيرة من جانب الشعب الفلسطيني، ولمن اغتالته يد الموساد من كرام المناضلين، كان بالإمكان أن يكون للمنظمة دور فاعل ومؤثر ، ولقد ارتكبت أخطاء فادحة ولعل ذروة المأساة اتفاقية أوسلو.

3- موقف الأحزاب والتنظيمات السياسية في الوطن العربي متناقض ولم يكن هناك اتفاق ونهج موحد على ما يجب عمله لقضية العرب الأولى.

4- من نافلة القول الإشارة إلى سلاح الإعلام ودوره الكبير في التأثير على الرأي العام العالمي وأحاسيسه ومشاعره، وفيما يتعلق بقضيتنا لم يكن للإعلام العربي التأثير المطلوب ، وذلك لأن مخاطبة الرأي العام العالمي وإقناعه بعدالة قضيتنا له أسلوبه وطريقته ولم يكن هناك تنسيق بين أدوات الإعلام في الوطن العربي ولأن الولايات المتحدة الأمريكية لها ثقلها وبسبب قوة التنظيمات الصهيونية هناك وتغلغلها في جميع المؤسسات وسيطرتها على كثير من أدوات الإعلام من صحافة وتلفزة ومؤتمرات. كل هذا أدى إلى انحياز الولايات المتحدة انحيازاً شديداً للجانب الإسرائيلي وتجاهل حقوق الجانب العربي. ولو كان الإعلام العربي قد بادر منذ البداية مبادرة جادة موضوعية مدعومة دعماً كبيراً من جميع الدول العربية، ولو تم دعم الجالية العربية والإسلامية في الولايات المتحدة دعماً شاملاً مالاً وراياً لتغيرت الصورة تغيراً كبيراً .

وللإجابة عن وجهة نظري بشأن ملامح الاستراتيجية الملائمة .. أورد الآتي :

بعد مرور خمسين عاماً على النكبة. وبعد أن استعرضنا أهم الدروس المستفادة ، أصبح لزاماً علنيا ونحن نتأمل ملامح الاستراتيجية الملائمة للتعامل مع تحديات الحاضر والمستقبل بشأن قضيتنا الأولى أن نعي جيداً هذه الحقائق .

وحيث إن الصراع العربي- الإسرائيلي صراع بقاء أو زوال وهو صراع أجيال بل ربما قرون، ولنا من التاريخ عظات ولأن الامة العربية بكثافتها السكانية وثرواتها الطبيعية وموقعها الجغرافي- بجانب ما قد يأتي من عون من إخواننا في الأقطار الإسلامية- كل هذه الحقائق تكون أساساً لملامح الاستراتيجية ، وبرأيي أن تجتمع الدول العربية في هيئة مؤتمر ويضم كذلك نخبة من علمائنا أهل الرأي والفكر الاستراتيجي مدنيين وعسكريين ، ويتفرع عن هذا المؤتمر هيئة تضم من أشرت لهم، وبعد أن تقدم تقريرها تتفق الدول العربية ومن يود المشاركة من الدول الإسلامية في صيغة " عهد ميثاق " تلتزم به جميع الأطراف . كذلك تلتزم كل دولة على قدر حالها بدفع نسبة مئوية من دخلها حسبما تحدد الهيئة لصرفه على ما تقرره الهيئة من الناحيتين الإعلامية والعسكرية وغير ذلك . ومن وجهة نظري أرى أن ان يتضمن الميثاق الآتي :

إعادة توحيد الموقف التفاوضي العربي، على قاعدة وقف المزيد من التنازلات وعدم القيام بأي تطبيع إلا إرتباطاً بسلام شامل يتضمن حداً أدنى من المطالب الفلسطينية والعربية لا يجوز النزول تحته، مع ما يتطلبه ذلك من جعل الموارد ذات الطبيعة الاستراتيجية مثل النفط في خدمة هذه الاستراتيجية.

إعادة تفعيل مؤسسة القمة العربية من خلال الاستفادة تحديدا من دروس غزو الكويت وحرب تحريها ، واعتماد قاعدة المصارحة قبل المصالحة، وأن يتجسد هذا التوجه في إعادة تأهيل الجامعة العربية كمؤسسة إقليمية.

الاستعداد لمرحلة ما بعد المواجهة العسكرية مع إسرائيل ، أي مرحلة التنافس الاقتصادي، ما تتطلبه من إعطاء أولوية لموضوع التعليم، وتحديد خيارات التعاون المستقبلي للسوق العربية المشتركة تحديداً" بحيث شمل محيطنا الإسلامي المباشر " تركيا- إيران وإفريقيا الوسطى والشرقية " لكي تكون مجرد أسواق لمشاريع أخرى، مثل الشرق أوسطية أو المتوسطية.

تأييد سياسة تعدد مراكز القرار الدولي بدل أحاديته لأن فيها مصلحة العرب باستمرار لكي يجدوا لأنفسهم مكاناً في هذا العالم، وختاماً يقول تعالى في كتابه العزيزسورة الأنفال آية 53 إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم صدق الله العظيم.

 

جاسم حمد الصقر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات