متى نمتلك الإرادة العربية ؟

 متى نمتلك الإرادة العربية ؟

كثيرة هي الدروس المستفادة من النكبة ومن زمنها المر، ولكن عدد الذين يحاولون الاستفادة منها عربيا قليل، غير أن بعض هؤلاء يتناقصون كلما تزايدت الأوهام التي تقتحم الساحة العربية من حين إلى آخر فضلاً عن أن معظم توافر لهم الحد الأدنى من القدرة على استيعاب الأحداث والاستفادة منها لا يملكون السلطان الذي يعمل على تحويل أفكارهم ووجهات نظرهم إلى مواقف وأفعال تخفف من الآثار الفاجعة والمتواصلة للنكبة وما استجد بعدها من نكبات قد تكون محصلتها النهائية أقسى وأمر من محصلة النكبة التاريخية.

ولكي نقترب من الواقع أكثر علينا تفرض الموضوعية والصدق مع النفس أن نقول إن الأعداء الذين يملون علينا دروسهم المؤلمة وحدهم الذين يستفيدون من أثرها علينا ومن ردود افعالها العشوائية بيننا، ولعل الجهل بالتاريخ هو الذي أوقع أمة بكاملها في هذا المصير المحزن والمثال الأقر والأصحعلى الجهل بالتاريخ النسيان شبه التام لوقائع الغزوة الصليبية وكيفية تكونها عبر مراحل بدأت مع المتحمسين لموطن المسيح ثم تطورت إلى احتلال استيطاني استمر مائتي عام وكان على العرب المعاصرين كل العرب المعاصرين أن يدركوا أن الحماسة لأرض الميعاد المزعوم تخفي وراءها خطرا لاحتلال استيطاني جديد قد يطول وقد يلقى مساعدة بلا حدود من الدول الكبرى القديمة والجديدة والطامعة في ثروة المنطقة ومواقعها الطامعة أكثر في إخضاع الوطن العربي وتفككه وإلغاء كل دور له في الحاضر والمستقبل.

وبعد خمسين عاما من النكبة تبدأ الخطوط الأولى في ملامح الاستراتيجية الملائمة والمقترحة من وضع حد للخلافات العربية العربية، وهي خلافات يمكن تجاوزها والتخلص منها لو أدرك حكام الوطن العربي أن الخطر العاجل الذي يهدد قطرا عربيا معينا ماهو إلا خطر آجل يهدد بقية الأقطار العربية، وأن الوجود الاستيطاني الصهيوني خطر عاجل على فلسطين والأقطار المجاورة وخطر آجل لبقية الأقطار العربية. وتكفي فكرة الشرق أوسطية لتدمير الكيان العربي اقتصاديا وسياسيا.

وإذا كان وضع حد للخلافات العربة هو الملمح الأول فإن الملمح الثاني في هذه الاستراتيجية المقترحة يتمثل في محورين اثنين، أولهما ويكون في إحياء فكرة الدولة الفلسطينية الديمقراطية التي تجمع العرب " مسلمين ومسيحيين" واليهود غير الصهيونيينن فاليهود أمة لاتبحث عن وطن، لأنها دين منتشر في مناطق كثيرة من العالم شأن الإسلام والمسيحية وفي حين أن الصهيوني ولو على أشلاء اليهود واليهودية، ولعلم فيما حدث لجنوب إفريقيا نموذج لبناء الدولة الديمقراطية متعددة الأعراق ومن يدري أن الدولة الفلسطينية ستكنون نموذجا رائعا للتعايش بين أبناء الديانات السماوية الثلاثة؟

والمحور الثاني في هذه الاستراتيجية المقترحة يقوم على تضييق الخناق على الكيان الصهيوني بإعادة محاصرته، وتطويقه عربياً وإسلامياً ودولياً. فقد أثبتت سياسة المقاطعة الشاملة التامة أنها السلاح الناجع في مواجهة كل أنواع الاحتلالات الاستيطانية العنصرية، وقد نجح العرب قبل المبادرة المشئومة للسادات في استقطاب دول العالم كله باستثناء الدول الكبرى المستفيدة من الكيان الصهيوني وبعض الدول الدول الهزيلة أو العنصرية الاستيطانية مثل جنوب إفريقيا سابقا. ويلاحظ ان خيارات الحرب واللجوء إلى القوة قد خلت من هذه الاستراتيجية المقترحة لأن الحرب غير واردة إلا في حالة الدفاع عن النفس وهي آخر ما على العربي أن يفكر فيه مادام يمتلك من الخيارات الناجحة ما يكفي للانتصار علماً بأن المدخل الحقيقي لأي انتصار عربي مرجو هو إعادة التماسك للحياة العربية، وتجاوز الخلافات والوصول إلى مرحلة الوعي الحقيقي بطبيعية الأخطار المحيطة بنا، وهي أخطار تستهدف وجودنا، وهويتنا وتسعى إلى تحويلنا إلى كيانات هزيلة ليس لها إلا أن تطيع، وتنفذ ما يراد منهاز

ذلك هو المدخل إلى مرحلة الإرادة العربية الجديدة، التي ترتفع إلى مستوى الأخطار الكبرى من جهة وترتقي إلى مستوى أحلامنا المشروعة من جهة أخرى.

 

عبدالعزيز المقالح