الخرائط التي تنقصنا

الخرائط التي تنقصنا

بعد 50 سنة من الصراع مع إسرائيل يجب أن ندرك أن أي معركة نخوضها سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو عسكرية لابد أن تقوم على خرائط للواقع الذي نواجهه، هذه الخرائط الاساسية لا تزال تنقصنا مع الأسف بعد مرور كل هذه السنوات، مثلا تنقصنا خريطة للمصالح الأمريكية في الوطن العربي، هذه المصالح بلا حدود منها مثلا مشتريات الأسلحة الأمريكية التي يدفعها العرب وكذلك الودائع والاستثمارات العربية الخرافية في الولايات المتحدة والتي تقدر بحوالي تريليون دولار، هذه الوادئع لو استمر نصفها أو ربعها في الوطن العربي لتغير واقعنا العربي، أيضاً لا يوجد ميزان تجاري مختلف كالذي بين الولايات المتحدة والدول العربية، وأخيرا ستجد أن البترول العربي دعامة للرخاء الغربي، 50 % من استهلاك أمريكا معتمد على البترول العربي وأرباح أهم الكارتلات الأمريكية معتمدة على البترول العربي، حتى الموقع الذي تملكه الدول العربية نستطيع استغلاله. كل هذه الأوراق في أيدينا ولم نستطع أن نساوم عليها الأمريكان قائلين لهم " كل هذا لدينا .. والمصلحة هي فلسفتكم وفلسفتنا" ، فشلنا بالرغم من كل هذا في أن نتعامل جيدا مع الأمريكان، على العكس من ذلك ستجد أن أمريكا تعطي إسرائيل حوالي 8 بلايين دولار سنويا وتضمن التفوق النوعي لإسرائيل منذ عهد ترومان وحتى الآن، وهي قاعدة تعتبر الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات الدولية ، هذا بالإضافة إلى إمداد الولايات المتحدة لإسرائيل بتكنولوجيا القنبلة النووية وهو ما كشف عنه مردخاي فانونو الذي لا تزال إسرائيل تعتقله حتى الآن دون ان يتحدث أحد عن حقوق الإنسان، ولا أدري كيف يعقل أن يكون لدولة عندنا كل هذه المصالح الكبرى ولا نستطيع استخدام هذه الأوراق لمصلحتنا. تنقصنا أيضا خريطة حقيقية للواقع الدولي، فقد تسرع مفكرونا وباحثونا وتبنوا نظرية القوة الدولية الوحيدة مع أن الموازين الدولية متشابكة، والدبلوماسية الحقيقية هي التي تسخر التناقضات الدولية لمصلحتك، ومع الأسف ستجد أن مفكرينا المنحازين للغرب يضللوننا بنظرية أحادية القوة مع أن الميزان الدولي الآن متعدد الأقطاب، وستجد أننا نسلك دبلوماسية قاصرة وغير ديناميكية وعاجزة عن تسخير المتناقضات الدولية لمصلحتنا. كذلك تنقصنا خريطة إقليمية حقيقية للواقع العربي بمشاكله وإمكاناته ومصالحنا المشتركة كعرب ، هل يمكن أن يكون حجم التجارة المشتركة لـ22 دولة عربية 6% فقط من حجم تجارتهم؟ نمتلك الأراضي الخصبة القادرة على إطعام العالم الثالث كله، نمتلك القوى العاملة، نمتلك كل مقومات الصناعة الوسيطة والثقيلة والخفيفة والاستراتيجية، نمتلك أهم الطرق التجارية التاريخية وأهم المناطق السياحية في العالم وأهم مادة في الحضارة الحديثة وهي البترول، كل هذا لدينا دون أن تضمه خريطة حقيقية واقعية لإمكاناتنا ومشاكلنا وتحدياتنا. كذلك ليس لدينا خريطة جيولوجية حقيقية لإسرائيل هو اللوبي اليهودي في أمركيا والذي يسيطر على أمريكا، هذه الأسطورة استفاد منها الموالون لأمريكا ليو همونا أن أمريكا ضحية لليهود مثلنا وان علينا مساعدة أمريكا على التخلص من هذه السيطرة، وهو كلام لا أساس له من الصحة ، فإسرائيل هي صناعة أمريكية من الألف إلى الياء، واستشهد هنا بأشهر معلق سياسي أمريكي في فترة الحرب العالمية الثانية وولترليبمان الذي كان يشارك في تخطيط السياسية الأمريكية، والذي كتب قائلا : " لقد اقامت الولايات المتحدة إسرائيل لأنها أرادت أن تكون موجودة مباشرة في الشرق الأوسط وألا توجد هناك عبر بريطانيا " ، إسرائيل نفسها ولدت في مؤتمر صهيوني عقد بفندق بلتيمور وكان منطق الأمريكان في مخاطبة اليهود " إنه إذا كان الإنجليز قد أعطوكم وعد بلفور فسنعطيكم نحن دولة كاملة"، واليهود أنفسهم يعترفون أن دور ترومان في بناء إسرائيل أهم من دور بن جوريون نفسه، إذن يجب إلا نخدع أنفسنا وندرك الأمور على حقيقتها وأن نعلم أن إسرائيل هي أداة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط ولابد أن ندرك أننا عندما نقاوم إسرائيل فإننا لابد أن ننطلق من مركز قوة مؤكدين للأمريكان أن مصاحلهم معنا ، لكي لا تصل الجرأة بأحد وزراء خارجيتهم- وارين كريستوفر- إلى أن يقف في بيروت ليقول إن مصالح أمريكا في الشرق الأوسط هي ضمان تدفق البترول العربية ثم ضمان حماية أمن إسرائيل "!"

كل هذه الجوانب يجب أن ننتبه إليها ونحن ندير صراعنا مع إسرائيل لكي لا يتكرر ما حدث في الماضي.

 

محمد عودة

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات