صدام الحضارات مسعود ضاهر

صدام الحضارات

ارتباك الخائفين وصلابة القادرين

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق والكتلة الاشتراكية التي ارتبطت به، حفلت الساحة الأيديولوجية على المستوى الكوني بنشاط فكري ذي طابع أيديولوجي محموم لإثبات "موت الاشتراكية والشيوعية" و"الانتصار النهائي للرأسمالية العالمية".

ولا يتسع المجال لإبراز مئات المقولات التي رافقت هذا النشاط الأيديولوجي والكتب الكثيرة التي صدرت في هذا المجال إبان السنوات القليلة الماضية. لذلك سنكتفي هنا بالإشارة إلى مقولة مفكر أمريكي من أصل ياباني هو فرنسيس فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" الذي ترجم عن الإنجليزية إلى عدد كبير من اللغات الحية، وتعرض لانتقادات قاسية حتى دخل في عالم النسيان. ونشير كذلك إلى المفكر الأمريكي الآخر صامويل هانتنجتون في مقالته التي صدرت في مجلة Foreign Affairs في ربيع 1993 تحت عنوان "صدام الحضارات" وأثارت ردود فعل حادة في عدد ديسمبر من المجلة نفسها لعام 1993 مع رد المؤلف على منتقديه.

ليست مصادفة أن تكون الولايات المتحدة التي باتت الزعيم الوحيد للنظام العالمي الجديد في العقد الأخير حتى القرن العشرين، مصدر هذه المقولات الأيديولوجية التي تحاول أولاها أن توقف التاريخ عند انتصار النظام الأمريكي الراهن على نظيره النظام السوفييتي السابق، في حين تحاول الثانية القفز على مقولة "أرنولد توينبي" العلمية المعروفة حول "التحدي والاستجابة" في مجال تفاعل الحضارات. إن قراءة متأنية لمقالة "صدام الحضارات" تؤكد أن الأفكار الجديدة التي حاولت الترويج لها تنطلق من مقولة فوكوياما غير العلمية حول نهاية التاريخ.

انقسامات ثقافية

يقول الباحث في مطلع مقالته: "تدخل السياسات العالمية مرحلة جديدة لم يتردد المثقفون إزاءها في تقديم رؤى لما ستكون عليه نهاية التاريخ. وعودة النزاعات التقليدية بين الدول / الأمم، وانهيار الدول / الأمم من جراء الدوافع المتعارضة للنزعة القبلية والنزعة العالمية". وهو يرى تبعا لذلك: أن المصدر الأساسي للنزاعات في هذا العالم الجديد لن يكون مصدرا أيديولوجيا أو اقتصاديا في المحل الأول. فالانقسامات الكبرى بين البشر ستكون ثقافية، والمصدر المسيطر للنزاع سيكون مصدرا ثقافيا.. وسيسيطر الصدام بين الحضارات على السياسات الدولية، ذلك أن الخطوط الفاصلة بين الحضارات ستكون هي خطوط المعارك في المستقبل، وسيكون النزاع بين الحضارات هو المرحلة الأخيرة في تطور النزاع في العالم الحديث.

هكذا يستعير هانتنجتون كامل سمات المنهج الأيديولوجي الذي طبقه فوكوياما في "نهاية التاريخ". فقد استند إلى الأيديولوجيا لنفي العلم في اختيار عنوان مقالته.

وأبدل الصراع الاقتصادي الاجتماعي على أرض الواقع بهدف التسلط والغلبة بصراع أيديولوجي على مستوى صراع الأفكار أو الثقافات. وجعل الحدود الفاصلة بين سيطرة الشركات العملاقة التي تسيطر على العالم حدودا ثقافية لا حدود مصالح اقتصادية. وجعل النزاع بين الحضارات المرحلة الأخيرة في التاريخ الحديث، وهي شبيهة بمرحلة الإنسان الأخير عند فوكوياما.

بعبارة موجزة يمكن القول إن هاتين المقولتين حول نهاية التاريخ وصدام الحضارات لا يمكن أن تحظيا بأي احترام نظري يجعلهما قابلتين للنقاش لولم يعبرا عن أهداف سياسية أيديولوجية ذات ارتباط وثيق بالسيطرة الأمريكية الراهنة على العالم.

ارتباك الخائفين

يرى هانتنجتون: "إن الحرب العالمية القادمة، إن حدثت ستكون حربا بين الحضارات". فهو إذن لم يجذم بحدوث حرب عالمية ثالثة ولا بحتمية الصدام بين الحضارات. وفي رده على منتقديه طرح مسألة تفكك الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وإمكان نزع الطابع الغربي عنها دون نزع الطابع الأمريكي الذي ميزها وسيظل سمة أساسية لديمقراطيتها ذات الجذور الأو ربية. ويؤكد أن حضارة عالمية شاملة في العقود القادمة لا يمكن أن تكون إلا نتاج سلطة عالمية شاملة. ونفى عن نفسه تبنيه لمقولة نهاية التاريخ حين أكد: "أن التاريخ لم ينته، والعالم ليس واحدا، والحضارات توحد الجنس البشري وتقسمه وسيستعين على كل حضارة أن تتعلم التعايش مع الحضارات الأخرى".

أما عن مصير الصراع العربي - الصهيوني فيؤكد هانتنجتون استمراره بأشكال أخرى غير الحروب العسكرية. "وفي حين أن النزاع بين اليهو د والعرب قد يمكن تطويقه، فإنه سيظل مستمرا".

هذه الإيضاحات التي رافقت الردود الحادة ضد مقولة "صدام الحضارات" أفقدت مقالة هانتنجتون الزخم الأيديولوجي الذي انطلقت منه، فعاد إلى أحضان مقولة توينبي المعروفة عن "التحدي والاستجابة أو الرد على التحدي" في مجال دراسة الحضارات. فالحضارات لا تهزم لأنها لا تحارب ولا تتصادم بل تتفاعل. لقد أحسن مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق صنعا حين ترجم مقالة "صدام الحضارات" والردود التي انهالت عليها، ثم اتبعها بعدة مقالات تبرز وجهات نظر مفكرين عرب وإيرانيين، وصدرت جميعها في كتاب عام 1995. لكن اللافت للنظر في الردود العربية والإيرانية، وفي تقديم الكتاب بالذات، إن هذه الردود تشدد على الجانب الأيديولوجي فقط لمقولة هانتنجتون، وترى فيها قرارا سياسيا أمريكيا لتعميم المبادئ الديمقراطية والليبرالية الغربية على ما كان يسمى سابقا بالعالم الثالث، وأن تعميم تلك المبادئ بالقوة سيثير بالضرورة ردود فعل سلبية، نظرا لما ينطوي عليه ذلك التعميم القسري من نزعة إمبريالية جديدة. وأن المقصود في نشر هذه النزعة القديمة - الجديدة هو الترابط الإسلامي - الآسيوي الذي تشكل للوقوف في وجه المصالح والقيم الغربية.

وبما أن الغالبية الساحقة من الدول العربية اختارت طريق التفاوض مع إسرائيل تحت إشراف مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية، فإن مقدم الكتاب يرى أن السياسة الأمريكية تخطط لضرب إيران بالدرجة الأولى بهدف احتوائها. لذلك يقول: "إن الإدارة الأمريكية فرضت عملية التسوية السلمية على العرب وإسرائيل بعدما صارت تعتبر أن "الخطر الرئيسي" على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة مصدره إيران التي تطبق عليها وحدها سياسة الاحتواء، باعتبار أنه لم يعد لدى العراق ما يستدعي الاحتواء".

لكن مقولة "صدام الحضارات" لا تقف عند حدود دولة إسلامية بعينها وهذا ما أكده هانتنجتون بقوله: "إن للإسلام حدودا دامية". وبالتالي، ليس من الحكمة في شيء اختصار هذه المقولة بموقف سياسي قابل للتبدل في أية لحظة. ويرى باحث عربي آخر أن هذه المقولة هي "رد الفكر الغربي الآن على "أصوليات" دينية يدعوها هانتنجتون بكثير من التسرع والخفة "حضارات". و"أن العرب والمسلمين اليوم لا ينتجون وسائل الحضارة الإنسانية الحديثة ولا علومها ولا فلسفتها. وأما العودة إلى معالم الحضارة الإسلامية إبان ازدهارها فهي عودة إلى التاريخ واسترجاع لذاكرة أو دراسة لمرحلة.. إن الشعوب الإسلامية تبحث عن مشروع حضاري جديد لا يمكن للإسلام إلا أن يكون في قلبه، ولا يمكن للمعطيات الحضارية إلا أن تكون مادة اقتباس وتوليف وهضم له".

لقد حدد هانتنجتون في مقالته وجود سبع أو ثماني حضارات قادرة على التفاعل في المستقبل مفردا لليابان مكانة خاصة. "وفي ما عدا اليابان، فإن الغرب لا يواجه أي تحد اقتصادي، وهو يهيمن على المؤسسات السياسية والأمنية والدولية، ويهيمن مع اليابان على المؤسسات الاقتصادية الدولية، وتتم تسوية القضايا السياسية والأمنية العالمية بطريقة فاعلة بواسطة مجلس إدارة مكون من الولايات المتحدة وألمانيا واليابان". ثم يضيف في مكان آخر: "لقد أقامت اليابان لنفسها وضعا فريدا كعضومنتسب إلى الغرب، فهي في الغرب في بعض النواحي، لكن من الواضح أنها ليست من الغرب في أبعاد مهمة".

لا شك أن اليابان دولة عصرية استفادت إلى الحدود القصوى من الحضارة الغربية دون عقد ومركبات نقص، لكنها حافظت على أصالتها وتراثها، إذ عرفت كيف تميز بين الحداثة Modernization والتغريب Westernization فتبنت كل المقولات التي تدفع بالمجتمع الياباني من مجتمع تقليدي إلى مجتمع عصري، دون أن تسقط في فخ التقليد ونسخ تجارب الغرب أي التغريب.

وقد اعترف هانتنجتون لليابانيين بهذه القدرة على استيعاب حضارة الغرب دون أن يتحولوا إلى غربيين، وذلك على قاعدة الشعار المشهور الذي رفعه الإمبراطور المصلح ميجي Meiji في القرن التاسع عشر: "الحقوا بالغرب وتجاوزوه". لذا نجحت اليابان وحدها حيث فشل الآخرون، كما يقول هانتنجتون: "فالحضارة الغربية غربية وحديثة في آن معا. وقد حاولت الحضارات غير الغربية أن تصبح حديثة من دون أن تكون غربية، لكن اليابان فقط هي التي نجحت في هذا المسعى، وستواصل الحضارات غير الغربية محاولة الحصول على الثروة والتكنولوجيا والمهارات والآلات والأسلحة التي تشكل جزءا من الحداثة، كما ستحاول التوفيق بين هذه الحداثة وثقافتها وقيمها التقليدية". لكن الباحث هنا يخلط عمدا بين الحضارات والقوى الاجتماعية المسيطرة. فليست الحضارات هي التي تسعى وراء الثروة والتكنولوجيا المسماة بالغربية بل القوى السائدة على امتداد العالم باعتبار أن الغرب شكل موقعا متقدما لأنماط من الإنتاج وعلاقات الإنتاج والتكنولوجيا يمكن الاستفادة منها.

وغني عن التوكيد أن نمو ذج اليابان لم يعد فريدا في مجال الاستفادة من علوم الغرب وتقنيته مع المحافظة على القيم الحضارية السابقة، فقد انخرطت في النمو ذج التحديثي دول عدة في جنوب شرق آسيا منها كوريا الجنوبية، وتايوان، وسنغافورة، وأندونيسيا. أما الصين فتعمل على تطوير قدراتها الذاتية انطلاقا من تجربتها الاشتراكية المستمرة التي أدخلت عليها تعديلات أساسية لتصبح أكثر قدرة على حماية الصين من المؤثرات السلبية الدولية الناجمة عن غياب الاتحاد السوفييتي والكتلة الاشتراكية السابقة.

نشير هنا إلى أن الباحث الأمريكي المعروفدافيد هيتشكوك، أصدر كتابا مهما في أو اخر عام 1995 مناقشة مدى تأثير مقولة "صدام الحضارات" في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في جنوب شرق آسيا والصين.

بدأ هيتشكوك دراسته باقتباس أرنولد توينبي عن مقالة بعنوان " العالم والغرب The World and The West" ، وخلاصتها: ".. أنها لأخوة مثالية تلك التي تنهي صراع الثقافات".

لقد ناقش الباحث أكثر من مائة شخصية ثقافية في دول جنوب شرق آسيا، ومنها الصين، واليابان، وماليزيا، وسنغافورة، والفليبين، وأندونيسيا، وكوريا، وتايوان وغيرها. وقد تمحور النقاش حول مصداقية مقولة "صدام الحضارات"، التي يتفق فيها الباحث مع مطلقها في بعض الجوانب ويختلف في جوانب أخرى.

ولا يتسع المجال لإبراز المقولات الأساسية لتلك الردود لأنها تحتاج إلى دراسة مطولة. لكنها شددت على أن "زمن آسيا هو على طريق البروز على المستوى الكوني". فقيم الآسيويين الاجتماعية والأخلاقية والسلوكية والفلسفية والدينية لا تقل أهمية عن قيم الحضارة الغربية إن لم تتفوق عليها في جوانب عدة. وأن التحديث ليس تغريبا، وإذا كان هناك من صدام بين الحضارات - كما يدعي هانتنجتون - فإن الآسيويين سيلتفون حول حضاراتهم القديمة، وسيعملون بكل قواهم على تحويل "آسيا للآسيويين". وينتهي الباحث إلى القول إن مقولة "صدام الحضارات" تضر كثيرا بالمصالح الأمريكية بشكل خاص، والغربية بشكل عام في جميع بلدان جنوب وشرق آسيا التي تعيش مرحلة نهو ض اقتصادي عارم في مواجهة الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالاقتصاد الأمريكي.

بعض الملاحظات الختامية

لا شك أن مقولة "صدام الحضارات" لم تكن جديدة من حيث المضمون لأنها تستعير مقولة أرنولد توينبي عن "التحدي والاستجابة" لتطلقها من جديد بأسلوب أيديولوجي فج ينبع من وهم الانتصار في الحرب الباردة وزوال الاتحاد السوفييتي السابق، ونشر روح الإحباط لدى الشعوب المذعورة بأن التاريخ شارف على نهايته بإعلان الولايات المتحدة قائدة منفردة للعالم، وإعلان الديمقراطية الليبرالية الغربية التي بشر بها هيجل بالفلسفة الوحيدة القابلة للحياة بعد انهيار منافستها التي عرفت عن نفسها باسم الاشتراكية العلمية.

نتيجة لذلك سارعت فئات واسعة من المثقفين، خاصة في البلدان النامية، إلى إعلان توبتها عن الاشتراكية، والمشاركة بحماس في عملية دفنها التي تتم يوميا على صفحات الصحف والمجلات، وعبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وإمعانا في إظهار البراءة من تهمة الاشتراكية انخرط بعض تلك الفئات، خاصة من المثقفين العرب، في التيارات الأصولية الدينية والمذهبية على قاعدة أن المعركة القادمة ستكون حتما صداما بين الحضارات فعليهم بالتالي أن يعززوا مواقعهم في التيارات الدينية ويعززوا تلك التيارات بمثقفين عفويين - على طريقة غرامشي - قادرين على معرفة ما يرسم في معسكر الخصم من مخططات للنيل من الحضارة العربية الإسلامية من جهة، وعلى رسم مشروع تحديثي توليفي جديد يكون الإسلام في قلبه لكنه يستمد غذاءه الثقافي من حضارات الغرب وغير الغرب، من جهة أخرى.

بعبارة أخرى، لقد أعطت مقولة هانتنجتون غير العلمية عن "صدام الحضارات" مفعولها الإيجابي في جميع البلدان الخائفة على تراثها وحضارتها من التحديات المستقبلية والتي لم تستطع حتى الآن أن تجد لها مشروعا تحديثيا قابلا للحياة رغم مرور أكثر من قرنين من الزمن على بداية التحدي الحضاري الذي مثلته حملةنابليون بونابرت على مصر. واللافت للنظر أن الكثير من المقولات الثقافية السائدة الآن في الوطن العربي هي أقل جذرية وعلمية من بعض المقولات التي أطلقها جيل الرواد من النهضويين العرب لمواجهة تحدي الحضارة الغربية.

بالمقابل، فهم المثقفون اليابانيون وغيرهم من الداعين إلى الرد على التحدي الغربي بالأسلوب عينه أن كل مجتمع قادر على تحديث نفسه بنفسه إذا توافرت له القيادة الصالحة والإمكانات المادية. وإن التطور البطيء وغير القابل للارتداد هو الأسلوب الأفضل في مواجهة تحديات الغرب. فالتحديث عملية ذاتية تنبع من ضرورات التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي والإداري نفسها. وهي ضرورات تفرض الاستفادة من النماذج المتوافرة في العالم دون نسخها أو تقليدها. لأن التقليد ينتفي مع الحداثة أولا ويقود إلى التغريب ثانيا، وقابل للارتداد في أي لحظة ثالثا، ويقود إلى تدمير الأصالة أو الذات بدل أن يحملها رابعا.

إن مقارنة ما أحدثته مقولة "صدام الحضارات" في العالم الإسلامي، خاصة العربي، من جهة، وفي جنوب شرق آسيا من جهة أخرى تؤكد بالملموس أن اليابانيين والصينيين والكوريين قد عرفوا كيف يردوا على الأيديولوجية بالعلم، أي بالإيغال في عملية التحديث الذاتي وليس التغريب، وذلك على قاعدة اللحاق بالغرب أولا لتجاوزه ثانيا. في حين أن تلك المقولة أحدثت ذعرا في العالم العربي والإسلامي فانهالت عليها الردود العاطفية والأيديولوجية التي تفند بطلانها، وتظهر زيفها، وهي زائفة أصلا لأنها غير علمية. فقد أثبت باحثون غربيون عدم جدية مقولة "صدام الحضارات"، وتراجع عنها صاحبها في العدد اللاحق من المجلة نفسها، التي أصدر فيها مقالته الأولى وذلك بعد ثلاثة أشهر فقط. والسبب في ذلك ليس الرفض الأيديولوجي لها كما ظهر في دول العالم الثالث، بل الدعوات التي ظهرت في الدول المتطورة في جنوب شرق آسيا، وعلى لسان قادة سياسيين ومفكرين بارزين وهي توصي بضرورة تطبيق شعار "آسيا للآسيويين"، و"الحضارة الآسيوية في مواجهة الحضارة الغربية"، و"آسيا أولا". وهي دعوات تضرب المصالح الأمريكية في الصميم في تلك المنطقة التي تسعى اليابان إلى تحويلها إلى منطقة تحتل فيها المصالح اليابانية دورا بارزا، وذلك على حساب المصالح الأمريكية والأوربية.

وعلى عكس الكلام الأيديولوجي الذي لا تحميه قوى اجتماعية وسياسية ذات مصداقية على أرض الواقع كما هو الحال في الدول العربية والإسلامية، فإن دعوات القادة السياسيين والمثقفين الوطنيين في جنوب شرق آسيا ذات مصداقية كبيرة ولها فاعلية تهديد المصالح الأمريكية مباشرة. فاضطر هانتنجتون، كما أخطر فوكوياما من قبله، إلى سحب مقولته الأيديولوجية من التداول في مواجهة القوى القادرة على التحدي، لتبقى فاعلة في البلدان التي تكثر من الكلام تعبيرا عن النقص الهائل في الأفعال.

 

مسعود ضاهر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات