اعتدال أم تطرف

اعتدال أم تطرف

اعتدال أم تطرف؟
تأملات نقدية في تيار الوسطية في الإسلام
عرض: عبد الرازق البصير

تعد جماعة الإخوان المسلمين أكبر الجماعات الإسلامية فهي منبثة في الأقطار العربية في المشرق والمغرب وقد نشأت أول ما نشأت في مصر على يد المرحوم حسن البنا سنة 1982.

ولا يستطيع أن يناقش أحد في أنها أقوى الأحزاب الإسلامية التي استطاعت أن تحقق كثيرا من المكاسب والانتصارات.

وقد ألف الباحثون في هذه الجماعة كتبا وصدرت بيانات لا تحصى عددا, ولست أبالغ إذا قلت إن هذا الكتاب الذي نعرض له من أفضل الكتب التي أرخت لهذه الجماعة الإسلامية ذات الأثر الكبير في العالم الإسلامي, ذلك أن مؤلفه أنفق جهودا كبيرة في تأليفه.

ولقد عرف خليل حيدر بالجد والتوثيق فيما ينشر من بحوث ومقالات, وقد رأى المؤلف أن يبحث تاريخ هذه الجماعة بحثا علميا موثقا بالصفحات والسطور, اعتمد الإخوان على النظام السري في مقاومتهم لأنظمة الحكم فأنشأوا جهازا من أعضاء مستعدين للتضحية عند صدور الأمر إليهم, على أن نظام الإخوان رأى أن يخصص بعضهم في التنظيم السري الأمر الذي مكن جماعة الإخوان من أن يقوموا بنشاط كبير, وقد امتد نشاط جماعة الإخوان السري العسكري إلى الشرطة والجيش, وبهذا كانت لهم أسلحتهم وجيشهم ومصانعهم وشركاتهم ومدارسهم ومستشفياتهم ولم يبق سوى القفز على السلطة.الأمر الذي مكن هذه الجماعة من القيام بأحداث تتمثل في اغتيال القاضي المصري أحمد الخازندار, كما قاموا باغتيال محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء في مصر, عندها ازدادت مخاوف السلطة من حركة الإخوان وعرف نظام الحكم في مصر أن وراء الأكمة ما وراءها, فحلت جمعية الإخوان بقرار من وزير الداخلية (واعتقل جميع الأعضاء), وبقيت جماعة الإخوان تكابد المحنة إلى أن حدثت ثورة 23 يوليو عام 1952 فانفرجت المحنة ذلك أن الرئىس عبدالناصر تصور أن العلاقة بينه وبين الإخوان ستكون سمنا على عسل, فقد قامت جماعة الإخوان بالتعاون مع وحدات الجيش للسيطرة على طريق السويس لصد أي هجوم محتمل من القوات البريطانية المرابطة حول قناة السويس على القاهرة.

الإخوان وعبدالناصر

وأيد الإخوان عبدالناصر عندما حل سائر الأحزاب وأبقى على تنظيمهم, مرتكبين في ذلك بموافقتهم على تصفية ركن مهم من أركان الديمقراطية, خطأ تاريخيا فادحا, إذ إن ما حدث لغيرهم من الأحزاب لابد وأن يحدث لهم.

وهذا ما حصل حيث صدر قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين واعتقل 450 عضوا من أعضاء الحركة بمن فيهم مرشد الحركة حسن الهضيبي الذي أفرج عنه بعد أشهر ليعاد اعتقاله إثر محاولة اغتيال عبدالناصر.

وهكذا أصبحت جماعة الإخوان عرضة للاعتقال وللإفراج حسب ما تقع من أحداث يكون للإخوان يد فيها.

وقد أوضح المؤلف أسباب التطرف الذي اتخذه الإخوان طريقة لنشر أفكارهم وهذه الطريقة تعود إلى ما كتبه المرحوم سيد قطب في كتابه (معالم في الطريق) وغيره من مفكري هذه الجماعة.

ويمضي المؤلف في رواية ما قام به المشهورون من جماعة الإخوان أمثال السيدة زينب الغزالي وعبدالفتاح إسماعيل وغيرهما من المتحمسين.

وكم كان المؤلف موفقا حينما ذكر بعض ما قيل من تعريف للتطرف لغويا واصطلاحا, ولنقتصر على ذكر التعريف الاصطلاحي حيث يقول د.علي الدين هلال إن التطرف يبدأ بالعقل ثم ينتقل إلى السلوك, ويعرفه بأنه ظاهرة عالمية من سماتها (توهم احتكار الحقيقة والتفكير القطعي ورفض الاختلاف والتعددية, واستخدام الألفاظ والمصطلحات السياسية الغليظة كالخيانة والكفر والفسوق... الخ وعدم التسامح).

ولا يبعد عن الصواب من يقول إن المتطرف يحمل فكرا ضيقا يجعل صاحبه لا يرضى عن أي فرد إلا إذا شاركه في عقيدته, بل ربما رأى المتطرف وجوب إسكات غيره بأي شكل من الأشكال.

وهذا السلوك يدفع أصحابه إلى القيام بأعمال لا تعتمد على العقل وإنما تعتمد على العاطفة لأن العقل هو الذي يفتح باب الحوار مع غيره, بل يكون مستعدا لقبول أي فكر من الأفكار حين تكون الحجة مقنعة له.

نهج التطرف

ومن المحقق أن اتخاذ جماعة الإخوان المسلمين نهج التطرف وسيلة لنشر أفكارهم يعتبر من أهم المآخذ التي يأخذها عليها خصومهم, فالحوار هو أفضل الوسائل لنشر الأفكار والآراء, فالإنسان اذا أتاك مقتنعا بما أبديت له من آراء وأفكار أفضل بكثير من أن يأتيك خائفا أو متقربا أو طالبا لمنفعة مادية.

وكم كان من الأفضل لو أن دعاة الإخوان المسلمين كانوا واقعيين في آمالهم لأن ذلك هو الذي يمكنهم من تحقيقها, أما الإغراق في الخيال فأنه لا يؤدي إلى نتيجة, فهل من المستطاع أن تلاحق هذه الجماعة حضارة الغرب في عقر دارها وتغزوها في أرضها للقضاء عليها؟ صدر هذا القول عن المرحوم حسن البنا وليس لهذا الكلام تفسير إلا أن داعية الإخوان يريد أن يجتذب إلى دعوته سائر الناس, وإلا فهو يعلم أن غزو الغرب للقضاء على حضارته من الأمور المستحيلة, لأن معظم حضارة الغرب ملائمة لحاجات الإنسان في الحياة ولايعني ما ذكرته أن حضارة الغرب بريئة من الأخطاء وإنما الذي أعنيه أن على داعية الإخوان أن يقول إننا سنأخذ ما يلائمنا من حضارة الغرب.

ويقال مثل ذلك في هذا الكلمة التي يصعب تحقيق ما فيها وهو أمر معروف لدى الجميع, يقول المرحوم حسن البنا: (نريد أن نعلن دعوتنا على العالم وأن نبلغ الناس جميعا, وأن يعم بها آفاق الأرض وأن نخضع لها كل جبار حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله, ولكل مرحلة من هذه المراحل خطواتها وفروعها ووسائلها, وليقل القاصرون الجبناء إن هذا خيال), وما من مسلم إلا ويتمنى أن يكون في الإمكان تحقيق ما جاء في هذا الكلمة.

وإذا أراد القارئ مزيدا من التمنيات الخيالية فيلعد إلى هذا الكتاب الذي نعرضه ص 107.

والحق أني أشفق على نفسي عندما أرى دعاة مثقفين يغرقون في مثل هذه الأحلام التي لا يمكن تحقيقها بأي حال من الأحوال, كمثل قول المرحوم حسن البنا (الأندلس وصقلية والبلقان وجنوب إيطاليا والجزائر وبحر الروم), كلها مستعمرات إسلامية يجب أن تعود إلى أحضان الإسلام, ويجب أن يعود البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر بحيرتين إسلاميتين.

وليس المرحوم حسن البنا بالعضو الوحيد الذي يغرب في هذا الخيال الذي لا يمكن أن يتحقق بأي شكل من الأشكال وأنما يأتي سيد قطب ليقول (إن للمسلمين حق شن الحروب التي يقرها الإسلام, أي القتال, لتكون كلمة الله هي العليا, وحتى لا تكون فتنة, ويكون الدين كله لله).

ويضيف إن الإسلام قد جاء (لتحقيق العدالة في الأرض قاطبة, ويقيم القسط بين البشر عامة, العدالة بكل أنواعها: العدالة الاجتماعية, العدالة القانونية, والعدالة الدولية).

وقد نشأت عن هذا الفكر أحداث ذهبت فيها أرواح وسفكت فيها دماء في حين أن الإسلام يدعو إلى التعامل بالحكمة فقد قدمها القرآن على الموعظة الحسنة وعلى الجدال في قولهسورة النحل آية 125 ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (النحل, 125).

وتعني الحكمة فيما تعنيه تغليب العقل فلا يصح أن يعتمد الداعي على خياله أو عواطفه وإنما ينبغي أن يعتمد على العقل والمنطق, ومن يتخذ هذا النهج فإنه يسعى لإقناع الناس بما يدعو إليه مبتعدا عن العنف, فالحوار هو النهج القويم لكل داع لأي فكرة من الفكر.

وهنا يفصل المؤلف في حديثه حول هذه القضية المهمة, انظر ص 112.

ويروي في هذا الصدد قول المرحوم حسن البنا (إننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية فكل بقعة فيها مسلم وطن عندنا).

الأمنية لا تغير الواقع

ولقد قلت فيما سبق إن كل مسلم يتمنى أن يكون الوطن الإسلامي بحدوده الواسعة وطنا واقعيا, ولكننا إذا أردنا أن تكون حياتنا حياة واقعية فلننتبه إلى أن الوطن الإسلامي وطن أمم تعد بعشرات الملايين, ولكل أمة وطنها ولغاتها ولعل بعض الأمم الإسلامية لا يعرف كثيرا من إخوانه المسلمين.

وفي هذا الخصوص يقول المؤلف: (قد يغفر القارئ المسلم الناضج لحسن البنا مثاليته واندفاعه وقلة إدراكه للتوازنات الدولية أو على الأقل عدم بروز أسلحة الدمار الحديثة في أيامه..., ولكن كيف يغفر لإبراهيم غانم وهو يعيش في التسعينيات من هذا القرن, حيث يرى أن قوى الاستكبار الدولي تعرقل اتحاد المسلمين, وكيف يغفل باحث مثله وقد كتب كتابه لنيل درجة في العلوم السياسية لعلها الماجستير؟

هنا يورد المؤلف أقوالا لبعض المفكرين المشهورين الإسلاميين أمثال الدكتور وهبة الزحيلي والدكتور البوطي, وهي في جملتها ترديد لأفكار المرحوم حسن البنا.

وتواجه حزب الإخوان المسلمين قضية سياسية في غاية الأهمية وهي قضية المواطنة, وهذه قضية نشأت عند ظهور مفهوم الدولة التي أطلق العلماء تعريفات كثيرة لها, وربما كان من أهم هذه التعريفات ذلك التعريف الذي يقول إنها الدولة التي تخضع الهيئات الحاكمة فيها للقانون, بحيث تصدر كل تصرفاتها وفقا لقواعد قانونية عامة سابقة على الحوادث التي تطبق عليها, وبذلك تكون السيادة أو الكلمة العليا في الجماعة للقانون.

أما المواطنة فإنها تعني البقعة التي ولد فيها الإنسان وتربى وتعلم فيها فكانت مهوى صباه ومرتع هواه نشأت له فيها علاقات واسعة تجاوزت أقاربه إلى أصدقائه وأترابه, يقول ابن الرومي:

ولي وطن آليت ألا أبيعه

وألا أرى غيري له الدهر مالكا

عهدت به شرخ الشباب ونعمة

كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا

فقد ألفته النفس حتى كأنه

لها جسد إن بان غودرت هالكا

وحبب أوطان الرجال إليهم

مآرب قضاها الشباب هنالكا

إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم

عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا

وفي المأثورات المعروفة بين الناس آثار كثيرة أشهرها (حب الأوطان من الإيمان), على أن لفظة الأوطان أخذت أمورا سياسية كثيرة في العصور الحديثة فإن لكل وطن حدودا معينة لا تكون راسخة إلا إذا اعترفت بها الهيئات الدولية , فلا بد لكل وطن من أن ينتظم في هذه الهيئات, ومعنى ذلك أن لفظة الوطن أصبحت تعني الدولة, فلا يمكن أن ينتمي الانسان إلى وطنه إلا اذا ولد في تلك البقعة وتربى فيها وقد ينتمي الإنسان إلى أحد الأوطان اعتمادا على هجرته أو هجرة آبائه إلى تلك البقعة, ولو أردنا أن نفصل القول في لفظة الوطن لخرجنا عن القصد كلما أردنا أن نستوضحه, هنا سؤال يقول ما موقف جماعة الإخوان المسلمين بل الجماعة الإسلامية من هذا التطور الذي حدث للفظة الوطن وهو مخالف بطبيعة الحال لما تذهب إليه جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم من أن الوطن الإسلامي وطن واحد, فالمرحوم الشيخ حسن البنا يقول:

(إننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وهم يعتبرونها التخوم الأرضية والحدود الجغرافية فكل بقعة فيها مسلم وطن عندنا).

أرجو أن أكون منصفا متجردا في عرضي لهذا الكتاب الذي بذل فيه مؤلفه جهودا مضنية كثيرة.

وأود أن أشير إلى أن هذا الكتاب يحتوي على أمور مهمة جدا لم أعرضها خشية الإطالة.

فقد تحدث المؤلف عن أن الجماعة الإسلامية تعتمد الدين أساسا للمواطنة كما تحدث عن تخوف الجماعة من نيل المرأة حريتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وهذا أمر أصبح مغايرا للواقع فإن المرأة في الدول الإسلامية قد تأصل في ضميرها أنها يجب أن تكون مشتركة في مختلف الأعمال المادية والمعنوية كالطب والتدريس والصيدلة وعلم النفس وغيرها من الأعمال.

وعلى كل حال فإن على الجماعات أن تكون واقعية في دعوتها لكي تكون هذه الدعوة مقبولة لدى الجماهير الإسلامية.

 

خليل حيدر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




غلاف الكتاب