قصص على الهواء

قصص على الهواء

تنشر هذه القصص بالتعاون مع إذاعة بي. بي. سي العربية
أصوات شابة في القصة العربية
لماذا اخترت هذه القصص؟
-----------------------

في عدد شهر أغسطس 2007 من مجلة العربي، شكا الصديق الروائي يوسف القعيد من «كثرة الجيد، وزحام الممتاز» في النصوص المرشحة للفوز في مسابقة مجلة العربي وإذاعة بي.بي.سي العربية.

ولما قيّض لي أن أقف موقف يوسف، حسدته، وأطلقت شكواي بعكس شكواه، لأن القصص المتسابقة التي عليّ أن أحكم فيها، يندر فيها الجيد، ويتدافع الرديء والمتوسط. أما العلامة الكبرى لهذا التدافع فتتعلق بالمجزرة اللغوية، إن على مستوى النحو أم الإملاء أم العبارة أم علامات الترقيم!! حتى في القصص الأربع التي اخترتها للنشر، كان عليّ أحيانًا أن أنهض بدور المدقق اللغوي وأحيانًا بدور المحرر. ولقد شكوت منذ سنوات من مثل هذا الاستسهال اللغوي في الرواية التي تصدر للأصوات الشابة بخاصة، ولسواهم بعامة. ومع الشكوى أطلقت النذير الذي أكرره الآن بصدد الاستسهال اللغوي في كتابة القصة القصيرة.

بين القصة القصيرة والقصة الطويلة أو الرواية القصيرة (النوفيللا) ما فتئ المصطلح النقدي العربي يضطرب، بقدر ما يعوّل على الحجم (عدد الكلمات). وقد بلغ ذلك منذ أكثر من عقدين حول القول بالقصة القصيرة جدًا (ق.ق.ج)، والتي اختلط أمرها مع الخاطرة والطرفة، وبات لها - بفضل الجري خلف المودة - الصرعة - منظروها.

في هذه الباقة من القصص، وجدت عددًا من القصص القصيرة جدًا لنواف خلف السنجاري ولخالد خميس السحاتي. وقد اخترت للأول ثلاثًا وللثاني خمسًا، وتجاوزت الباقي لافتقاده الالتماعة الحاسمة التي يتطلبها هذا اللون من القصّ. في (رحلة رقم 1028) للكاتب يوسف فضل يتخذ الكاتب من العطل في كمبيوتر المطار تكأة ليرسم مشاهد الارتباك والاضطراب مما يواجه المسافرين، ومنهم الراوي الذي لا يوفر أحدًا من سخريته وانتقاداته، ابتداءً مما يعيش ويعاين في المطار، وانتهاء بما يستطرد إليه، من السياحة العربية في إسبانيا إلى حالة الفلسطيني أينما كان، لتكون القصة في النهاية واحدة من القصص الساخرة بامتياز.

أما قصة (صوان لحمة) لمحمود حسن الفرغلي فهي ترسم ببراءة مشهد توزيع أضاحي الست صدقية الرايق، ابتداء من تعليق الذبائح في الصوان الهائل الذي تقيمه الست أمام برجها السكني. وتتدفق القصة بصور الجزارين وعمال الفراشة وحشود الناس وقطعان الكلاب وفنيات الست صدقية، بينما تتكشف سيرة الست صدقية قبل توبتها وبعدها، عن السيرة الاجتماعية المستنبطة للفساد. وقد ضاعف إيثار الكاتب للفعل المضارع من دينامية المشهد، كما وفّر إيقاع المطرب الشعبي نكهة خاصة ولفحة من السخرية المبطنة التي تسري في مواطن شتى من القصة. وأما قصص السنجاري والسحاتي، فأحسب أنه قد توافر لها قدر كاف من الاقتصاد اللغوي، ومن دقة (اللقطة) وحساسيتها.

ولعل اختياري لهذه القصص (القصيرة جدًا) أن يفسح لتجربة مختلفة ومحفوفة بالمزالق.

رحلة رقم 1028
يوسف فضل - مصر

في رحلتي الأخيرة إلى مكة المكرمة استغلت الشركة التي أعمل لديها وجودي في جدة فقامت بتكليفي بأعمال خارج حدود الإجازة القصيرة.

لقد زرت جدة مرات كثيرة وبصراحة لم أحبها. فسخونتها ورطوبتها العالية تجعل الملابس الداخلية تلتصق بجلدى.

كانت صالة المغادرة مزدحمة بالمسافرين، والمطار دائم الازدحام طوال العام، كنت حاصلاً على رقم حجز مؤكد، وعلى بطاقة صعود الطائرة من ماكينة إصدار التذاكر الذاتية، حتى أنني قمت بتقديم المساعدة لآخرين في كيفية الحصول على تذاكرهم من هذه الماكينة التي لا تتذمر مثل موظفي المطار.

بقيت ساعة على موعد إقلاع الطائرة فهيأت نفسي بتناول كوب من الشاي لممارسة عادة القراءة، وجلست في صالة الانتظار أقرأ ما تيسر لي مما أحمله من مواد (تسمم) الأفكار.

سمعت النداء بالتوجه للبوابة رقم خمسة للذاهبين إلى الرياض، ولم أنتبه إلى رقم الرحلة، فخلت أن النداء موجه لي، لملمت أغراضي وحشوتها داخل المحفظة اليدوية وأخذت مكاني في طابور المسافرين. وعندما وصلت لموظف المطار فاجأني بقوله:«هذه رحلة رقم 1028». أجبت : «أعرف أنها رحلة 1028 أليست الرحلة متجهة إلى الرياض؟». فأوضح لي أن الرحلة المتجهة إلى الرياض حالياً هي برقم 1030 والتي كان موعد إقلاعها الساعة السابعة والنصف صباحاً، بينما رحلتك هي التي بعدها. ثبتني موظف المطار على حالة من اليقين بأن رحلتي سوف تتأخر، ولم يعلمني عن موعد الإقلاع الجديد.

الآن أدركت سبب الازدحام في صالة الانتظار، إذ إن كمبيوتر المطار كان معطلا مما جعل إدارة المطار تلغي كافة الرحلات، فعجت الصالات بأعداد المسافرين الذين تاهوا مثل الغنم لافتقارهم لخطة بديلة وعدم معرفتهم كيفية الانتظار.

لم يكن أمامي من بد غير التصبر والانتظار مع هذا الحشد من الكرنفال الذكوري في صالة الانتظار إذ إن لباس الرجال من كل لون وطراز وبيئة، أما النساء فكن متشحات بالسواد.

خاطبني مسافر تائه: «هل هذه الرحلة متجهة إلى اسطنبول؟». أشفقت عليه بالرد: «أنت في صالات الرحلات الداخلية، اذهب إلى الدولية». ودعني بقوله شكراَ. سمعت طرفاً من حوار بنبرة صوت عالية بين موظف المطار ومسافر متأخر عن رحلته المتجهة إلى الرياض والموظف يقول: «يا أخي أقلعت الطائرة متأخرة عن موعدها بثلاث ساعات، ومع ذلك تأتي متأخراً؟! شكل المسافرون حلقات ليناقشوا ما يودونه في حوارات ارتجاليه عفوية لتمضية الوقت، على حين غفلة مني دفعت امرأة رضيعها لي: «يا خوي احمله شوي حتى أسوي الحجاب». حملت الرضيع وشكرتني المرأة.

استفسر أحد المسافرين مني ما إذا كانت هذه الرحلة لخطوط سما، وعندما أجبته بأنني «لا أعرف» رد: أنت مسافر مع سما؟ سؤاله المكرر رفع ضغطي فزممت شفتيّ ورفعت لساني إلى بداية سقف حلقي وأصدرت صوت: «تشك».

اشتكت امرأة من طول الانتظار فطلبت من ابنها ذي السنوات الثماني: «خذ شيل أخوك ومشيه. امسك ظهره كويس وروح اسأل موظف المطار عن موعد طيران الدمام؟» امتثل الولد لأمر أمه.

شنفت أذنيّ لحوار ضاحك حين قال مسافر: «طيب من أحسن بريده والا الدوادمه؟» أجاب متلقي السؤال: «بريده» لكنه بدوره رد بسؤال آخر: «مين أحسن الإسكندرية والا شرم الشيخ؟» جاء الجواب المتذاكي الضاحك: «الإسكندرية. الإسكندرية ما فيهاش حرام. شرم الشيخ كلها حرام».

في الركن بالقرب من البوفيه كانت محادثة طويلة لمسافر: «أهلا وسهلا أبو مالك. البيت بيتكم. أنا بانتظاركم. ما زلنا في المطار. اعمل لي معروفا. افتح الفايل (الملف) وابحث في الاوفرز (العروض) لأن الكستمر (العميل) يريد أن يركب الديفايز (الجهاز) قبل ما يرسل الدروينجز (الرسومات) وطلبت منه أن يرسل الدروينجز فول ديتيلز (كامل التفاصيل) أرجو الاتصال به واعمله فولو أب (متابع ) إحنا ون تيم (إخوة).

عدت أدراجي إلى البوفيه وجلست على كرسي وأمامي طاولة، وتناولت القلم ورحت أكتب على سجيتي. مر الوقت كالسهم وسمعت النداء رحلتي، قفزت على عجلة من أمري، تذكرت حالة الفلسطيني في داخل السلطة الفلسطينية الذي يضيع ربع عمره في استخراج وتجميع المعاملات الحكومية للسلطة والدول العربية، والربع الثاني من عمره في انتظار اجتياز الحدود العربية التي هي رجس من عمل الشيطان، والربع الثالث يتركه للجيش الإسرائيلي ليقرر ما يشاء أن يفعله به ما بين نهايتين: السجن أو الموت، والربع الرابع يوزعه في اكتشاف قيادته، لأنه منذ وجود المشكلة الفلسطينية لاتوجد له قيادة.

حسدت نفسي التي تتذمر من تأخر إقلاع الطائرة مدة ساعتين، ومع ذلك احتسيت الشاي داخل صالة مكيفة واستمتعت بوقتي، ولم يكن الوضع بذاك السوء، فإذا سارت أمور الرحلة على خير ووصلت بالسلامة فلن أضيف كلمة واحدة بعد هذه النقطة.

صوان لحمة
محمود حسن فرغلي - مصر

يشد عمال الفراشة قطع الخيامية بين الاعمدة الخشبية المثبتة بطول خمسمائة متر على جانب الشارع الطويل، وتتدلى الخطاطيف الحديدية بين كل متر وآخر لتحمل الكباش المذبوحة والتى تبلغ المائتين والخمسين على كل جانب تقدمها الست صدقية الرايق كأضحية للعيد الكبير فى كل عام. يتم تعليق مكبرات الصوت التى تحمل صوت المطرب الشعبى يكرر: ياحاسدين الناس مالكم ومال الناس. تنكسر سهام الحاسدين مع موجات الهواء قبل ان تصل الى الاضاحى.. ينتظر الفقراء داخل الصوان الذى تقيمه الست صدقية أمام برجها السكنى الكبير، ويطول الانتظار حتى يخرج صغار الجزارين غارقين فى دم الذبائح يحمل كل واحد منهم كبشا ليعلقه فى خطافه الذى سيقف بجانبه حتى يفرغ من تسليم آخر لفة لمن تحدده الست صدقية ومازال المطرب الشعبى يكرر نفس المقطع من الاغنية، والذى تم تسجيله مكررا أكثر من مائة مرة حتى لاتصيب سهام الحاسدين الطائشة صدقية أو أضحياتها أو واحدة من فتياتها المقربات.

يواصل عمال الفراشة تثبيت اللوحات الفوتوغرافية بالبللور الشفاف الخاصة بالست صدقية وهى فى صحبة الصفوة من سادة المجتمع لتشارك فى افتتاح العديد من المشروعات الخيرية، وبين كل لوحة ولوحة توجد لوحة بيضاء تحمل أصوات الجماهير التى تعلو بالهتاف لحياة الست صدقية فى ظل أغنية المطرب الشعبى ياحاسدين الناس. يشتد لمعان بدل فتيات الست صدقية المطرزة بالترتر المتناثر على وجوههن البراقة مع خروجهن من البرج السكنى يحملن المباخر التى تعمي عيون الحاسدين فيغطي الدخان سماء الشارع حتى لايرى المارة مواضع أقدامهم لتخرج الست صدقية ترتدى فستانا فضفاضا أبيض فى أبيض ويعلو رأسها غطاء حريرى تم استيراده من الشام مساء أمس لتبدو صدقية عروسا فى ليلة زفافها.. يغطي الصفاء وجهها من دون أصباغها القديمة.. تقلب صدقية بين أصابعها الناعمة حبات عقد من الاحجار الكريمة على صدرها المنخفض باللون الازرق لتطفىء نيران الحسد المنطلقة من عيون حسادها وتواصل طقوس عادتها التى حرصت عليها منذ تقاعدت وقررت البعد عن الاضواء التى أدمت عينيها.. يكرر الحاسدون: اللهم لااعتراض ولامانع.

يعدون مئات البيوت التى تفتحها الست صدقية اللولبية للعاملين معها فى الفرقة قبل قرار الاعتزال وآلاف الفقراء الذين يدأبون على المرور عليها فى أول كل شهر ليتلقوا إعاناتهم، ويمصمصون الشفاه ولاينظرون الى مقدار المشقة التى أبعدت صدقية عن فنها الذى تعشقه وأصيبت بعد تركه مباشرة بحالة من الاكتئاب استمرت لشهور عدة لم يخرجها منها إلا حب الخير للغير. أغرق لعاب المارة الشارع الذى يحمل اسم الست صدقية الرايق فأسرعت الى توزيع النفحات قبل الطوفان وبدأت بعمال النظافة فأعطت كل واحد لفة تزن خمسة كيلوجرامات وغادروا المكان ليتسابق أهل الحى والاحياء المجاورة فى الحصول على أنصبتهم من لحم الكباش ويتخيروا الاجود ليلقي صغار الجزارين بالبقايا والعظام الى قطعان الكلاب التى تزاحمت تنظر بامتنان وحب شديد للست صدقيه التى لا تترك مناسبة إلا وتمد يدها للصغير قبل الكبير فلا ينقطع الدعاء لها طوال العام.

تدير صدقية ظهرها للحاسدين وتمضى فـتعوى بطونهم حزنا على مافاتهم من عطاياها وتصيب عيونهم الزرقاء الاعمدة الخـشبية بعد خلوها من لحم الكباش فتسقط ليغادروا المكان ومازال صوت المطرب الشعبى يكرر من خلال السماعات الملقاة على الارض : ياحاسدين الناس مالكم ومال الناس فى قلب صوان لحمة الست صدقية الرايق.

اكتشاف
نواف خلف السنجاري - العراق

في غرفة فقيرة كانت تتلوى بين يدي القابلة، دخل زوجها كعفريت غاضب صائحاً:

- إذا أنجبتِ هذه المرة بنتاً أقسم أني سأطلّقكِ وأتزوج بأخرى..

امتزجت دموعها مع قطرات العرق المتصبب من جبينها، رفعت رأسها متضرعة إلى السماء وأغمي عليها...

بعد أكثر من عشر سنوات وبينما هي جالسة تحلب بقرتها، اقترب منها بحنان هامساً في أذنها:

- حمداً للرب لأنكِ أنجبتِ البنات أولاً، وإلاّ لأصبح أبناؤنا الأربعة وقوداً لهذه الحرب القذرة!!

قانون القبيلة

من بين الجموع الهائجة سُمِعَ صوتها وهي تستجدي: «ارحموني أطلقوا علي الرصاص».. لكنهم استمروا في ضربها بالعصي والهراوات وأعقاب البنادق.. مزّقوا ملابسها.. سحلوها من شعرها الطويل ورجموها بالحجارة، انقضوا عليها كما تنقض الوحوش على فريستها.. فقد ذكرتهم بخطاياهم وعهرهم وعقدهم وكبتهم المقيت.. نظرت إلى والدها المنزوي ووجهه يختلج بعنف من شدة الذهول.. أغمضت عينيها لتتحوّل في لحظة إلى طفلةٍ صغيرة تركض بفرح وراء الكرة الملّونة التي اشتراها لها والدها ذات يوم ليس ببعيد.

أرباع

كان مولعاً (بالأرباع).. يشرب (ربع قنينة)، يأكل (ربع خروف)، يستيقظ في (العاشرة والربع)، يحمل في جيبه دائماً (ربع دينار) كتعويذة! ضاجع (ربع) نساء القرية! وعندما بلغ من العمر (ربع) قرن تربّع على العرش لأربعة عقود و(ربع)!!

خالد خميس السحاتي - ليبيا
أقنعة

ذات صيف التقيا صدفة في حديقة عامة، تحول اللقاء العابر إلى صداقة، تطورت العلاقة بسرعة مذهلة، باع لها كلمات معسولة فاشترت بأبخس الأثمان، توغل في قلبها الخالي دون أن يمنعه أحد، فكر في ماضيه المؤلم، عادت لذاكرته سنوات الغـربة والضياع والحرمان، وتذكرت هي والدها المريض، ولحظات عمرها التي مضت سريعاً، رسمت له خطة محكمة، ومضت في تنفيذ مراحلها حتى النهاية، عله ينتشلها من مستنقع الرتابة القاتل، وفي اليوم التالي انتظرته طويلاً في ذات المكان الذي التقيا فيه لأول مرة، لكنه لم يأت، عادت إلى شقتها فوجدتها خالية تماماً، وزهرة الياسمين التي أهدتها له ملقاة على الأرض، دخلت غرفة والدها مسرعة، فأدركته يلفظ أنفاسه الأخيرة، ويتمتم بكلمات لم تفهمها. خلعت قناعها الرخيص، وقررت أن تفترس أول رجل يقابلها في الطريق!.

حلم

في تلك الليلة الحالكة الظلام كقطعة فحم متحجرة، بدا الحب المنهك منتحباً على قارعة الطريق، يستجدي عطفاً من رواد الزيف المزركش بخواء الذاكرة، يشتكي العزلة القاتلة بين جنبات النسيان، يحاول الإبحار بلا زاد إلى الضفة الأخرى، حيث لا يختبئ السراب في قلوب ميتة، ولا يتدثر الهذيان بثوب النزاهة. فجأة، استيقظ الحب فزعاً، من هذا المشهد المزعج، وحاول أن يغفو قليلاً، ليحجز مكاناً في حلم جديد.

انتظار

القمر يشع بنوره على الكون، ويمنع الغيوم قاتمة السواد أن تحجب ضوءه عن عيون الحالمين والبائسين والعاشقين، الحديقة تخلد إلى النوم، والليل يجلس على ناصية الطريق في انتظار الرحلة القادمة، بعد لحظات قليلة سيفرح الجميع، القمر والغيوم والحديقة وحتى الليل؛ لأن الحديقة نامت قبل أن تخبر القمر بقصة انتظار الليل لموكب شوق لن يأتي أبداً.

ندم

سألت نبتة الزعتر شجرة الكرز بعفوية: هل يريد هؤلاء لنا الخير أو السلام؟ أم أن نومنا في هدوء يزعجهم؟ أجابت شجرة الكرز بصوت خافت: اسألي تلك الدبابة القابعة هناك عند سفح الجبل... حملقت الدبابة في شجرة الكرز بشزر واضح، ثم أطلقت قذيفتها المثرثرة لتجيب عن السؤال بطريقتها الخاصة، تحول الحقل إلى أشلاء ممزقة من الفروع والأغصان المحرومة من الحياة والأمل والتراب، عرفت نبتة الزعتر الإجابة لكنها حتما ندمت على ذاك السؤال اللعين!

نهاية الحكاية

في دار المسنين أخرج صور أولاده، تأملها بعناية ولمسها بيده، انهمرت دموعه بغزارة، اختلطت مشاعره، لم يعد قادراً على التحكم فيها، ذكريات ودموع ووحدة.. محبة وشقاء وغربة، وقف بصعوبة متوجهاً صوب النافذة. نظر إلى الصور للمرة الأخيرة. (تحسس قلبه) ثم مزقها ورمى بها بعيداً، أكملت الريح الباقي، سقط عكازه الخشبي الهرم، توقف قلبه المتعب عن النبض، خر على وجهه صريعاً. انتهت الحكاية، أسدل الستار، صفق الجمهور بحرارة باردة، ثم ذهب كل في طريقه.

أَبكي إِذا سَخِطتْ حَتّـى إِذا رَضيَـتْ بَكَيتُ عِندَ الرِضا مِن خَشيَـةِ الغَضَـبِ
أَتوبُ مِن سُخطِها خَوفـاً إِذاسَخِطَـتْ فَإِن سَخِطـتْ تَمـادَت ثُـمَّ لَـم تَتُـبِ
فَالحُزنُ إِن سَخَطَتْ وَالخَوفُ إِن رَضيَتْ أَن لا يَتِم الرِضـا فَالقَلـبُ فـي تَعَـبِ


العباس بن الأحنف

 

نبيل سليمان

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات