مولى الضرتين: الصحافة والتجارة!

  • في المملكة المغربية الشقيقة, شهدت أمرًا له العجب بالنسبة إلي كمشرقي يردد ساسته وأحزابه وكتّابه, ومن لف لفهم في الرأي قولة (لا يفسد الخلاف بالرأي العلاقة الإنسانية), أو أن الاختلاف لا يفسد للود قضية!

حضرت معارك انتخابية لمرشحين يمثلون كل ألوان الطيف السياسي هناك, فثمة حزب شيوعي سوفييتي, وآخر ماوي (نسبة إلى زعيم الصين ماو) وحزب الاستقلال العربي الإسلامي الذي خرج من عباءته أبرز الأحزاب السياسية الحاضرة في الحياة السياسية المغربية. وثمة أحزاب إسلامية مختلفة الاجتهادات. باختصار: ثمة أحزاب حقيقية متجذرة وشديدة الحضور بين المريدين, وثمة أحزاب نخبوية وعرقية قومية أمازيغية بربرية: وهي تسمية خاطئة نحتها الفرنجة للتقليل من شأن الأقوام والشعوب, والأمم التي تخالفهم في كل شيء!

الشاهد أني عاينت المختلفين في الرأي والاجتهاد يجلسون معًا, عشية النهار الذي كان, كل واحد منهم يلعلع بالرأي...والرأي الآخر. ومن يظن أني أقدم دعاية مجانية (أو مدفوعة الثمن) فليرجع إلى مقالاتي في (السياسة) بداية, ومن ثم في (الوطن) إبان خلافة معلمي وشيخي الأستاذ (محمد مساعد الصالح) طال عمره الساخر!

أو ليدع ذلك كله, ويتابع جلسات البرلمان المغربي الذي يجتمع يوميًا - وليس مثل ربعنا! - وتبث جلساته على الهواء مباشرة ليتأكد من صحة ما ذهبت إليه آنفًا.

  • نرجع إلى محور حديثنا - بالإذن من الممثل الفنان الجميل: محمدالصيرفي: بطل برنامج (صادوه) الرمضاني ما غيره.
  • في مطلع السبعينيات, كتبت في صحيفة (السياسة) الكويتية استطلاعات ومقالات عدة عن (المغرب المزيان بالزاف) وكان هذا هو عنوان مسلسل المقالات المصوّرة (بعدسة الفنان الفوتوغرافي الفذ الأخ: صالح عباس). كان (أبو مشعل: أحمد عبدالعزيز الجار الله هو ناشر الصحيفة ورئيس تحريرها في ذلك الوقت - ولايزال -, وكانت الصحيفة في عقدي الستينيات والسبعينيات, تضم كل ألوان الطيف السياسي الموجود في الساحة السياسية الكويتية, وبحكم صداقتي القديمة بأبي مشعل, فضلاً عن قرابتي له, فقد كنت أشعر بأن دار السياسة هي داري. وقبل الاستطراد عن (الجار الله) والسياسة وربعها من الزميلات والزملاء, من واجبي تحذير القارئ بأن شهادتي في السياسة ومولاها, وما ومَن فيها: مجروحة! كان (أبو مشعل) في عقد السبعينيات: شاغل الدنيا وحديث الناس! في غمضة عين صار صاحبنا أشهر من (نانسي بنت عجرم) مثلاً! اسمه وصورته يتصدّران نشرات الأخبار, في التلفزيون والصحف والمجلات. وقامت قيامة الكويت والديار العربية على أحمد الجار الله ولم تقعد! بعد أن صار صاحبنا أشهر صحفي خليجي, لأنه صرح في منتدى إعلامي دولي عقد في بيت مري - فندق البستان بلبنان: أنه لا يجد غضاضة في زيارة (إسرائيل)! وزاد الطين بلة حين أضاف: أنه مستعد الآن للطيران إلى إسرائيل بمعية مصور لمعرفة العدو من الداخل بعيوننا نحن! وانهالت على أخينا معلقات الشجب والتنديد, وتكومت عليه عقوبات الطرد من جمعية الصحفيين واتحاد الصحفيين العرب. وتصدت له مجلة الطليعة بضراوة حادة وغضبة مضرية تفوق الوصف! وحين وصل الكويت, اقتيد مخفورًا, وأوقف, بل حبس في المخفر بضعة أيام. والمدهش بحق أن (الجار الله) لم يتأثر بكل ما جرى له ألبتة. امتثل للتحقيق, وخرج بعدها بكفالة, وحُكم وبُرئ من كل التهم التي ألصقت به. وخرج حرًا كما تخرج الشعرة من العجين! وأحسب أن هذه الواقعة المزلزلة لو أنها حدثت لصحفي آخر لاحترق من ساعته, وفي أحسن الحالات لا تروى في مكان قصي يجتر مشاعر الخيبة, ويكابد محنة التخوين, وفرية التبشير بالتطبيع مع الصهاينة. كيف يكون كذلك وفنان الكاريكاتير العظيم (ناجي العلي) رحمه الله, طايح في إسرائيل - برسومه الكاريكاتورية في (السياسة) - فضحًا وتعرية بسبب أطماعها التوسعية, وكل ممارساتها الإرهابية الإجرامية, التي مازالت متواترة إلى اليوم وغدًا...حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً!

إن الجريدة التي تحتضن مناضلاً نادرًا فذًا كـ (ناجي العلي), لا يمكن التشكيك في وطنية صاحبها وعروبته!

ولم يسلم (أحمد) من بعضنا. وكان يسمح بنقده والاختلاف معه على صفحات جريدته. وعلاقتي به تبدأ من الطفولة فالصبا والشباب...ثم توقف عمر بو مشعل لا العلاقة عند سن الشباب! بينما العبدالله: سار به قطار العمر, فمر بمحطة الكهولة, وفي سبيله إلى محطة الشيخوخة...يا الله حسن الختام!

وبمناسبة دعوته إلى زيارة إسرائيل, وحين سأله القاضي الذي كان ينظر في قضيته عن سبب هذه الدعوة: قال للقاضي بنزق شديد: لكي أحقق الشهرة فقط لا غير, واقتنع القاضي برده ومنحه صك البراءة والشهرة معًا! ومن يومها صار علمًا يقابل ملوك ورؤساء الدول, بل صار صديقًا لبعضهم!

  • فالرئيس السادات - الله يرحمه - كان يخصه بأحاديث عدة في السنة, ولعل (السياسة) هي الصحيفة الوحيدة التي لم تقطع علاقتها بالنظام المصري إثر (تعليق) عضوية جمهورية مصر في جامعة الدول العربية, كما أن (بو مشعل) حافظ على علاقته بالسادات إبان المقاطعة العربية. فإذا بأحمد الجار الله يزداد شهرة جراء (تغريده) خارج السرب العربي!

ويبدو لي أن صديقنا وقريبنا مولع بالشهرة الناشئة عن تفرده بموقف فردي يخالف رأي (الأغلبية) التي كانت تنعت أنظمتها بالتقدمية, ودول الصمود والتصدي. ما علينا, فالمهم أن تدهور النظام العربي, وتشرذمه في ظل سيادة دول حكومات الطوائف, تحول -بقدرة قادر - لمصلحة رهانه على السادات, الذي كنت أسمّيه في (السياسة) ذاتها بـ (الشاه دات) في عشرات المقالات, التي كتبتها ضده, إثر استقباله (شاه إيران) وزيارته للقدس الشريف في فلسطين المحتلة!

  • وأحمد إنسان عصامي بامتياز. بدأ من القاع, وعلم نفسه بنفسه, يتحدث الإنجليزية والفرنسية والنجدية! ومن موظف بسيط...إلى صحفي مبتدئ في صحيفة (الرأي العام), فشرب أسرار مهنة الصحافة حتى الثمالة. ومن هنا: حين جاءته الفرصة ليكون بموقع أحسن في (السياسة) الأسبوعية حين كان ناشرها السيد يوسف السيد هاشم الرفاعي.

ودون الخوض في تفاصيل لا أذكرها صارت الجريدة الأسبوعية ملك (بو مشعل)! وبعد مدة ليست طويلة, تمكن من إقناع وزارة الإعلام - أو زير الإعلام بالتحديد بتحويل الامتياز إلى يومي...وهكذا كان.

  • ومع أن الصحافة - كما الفريك - لا تحب أن يكون لها شريك...إلا أن أخانا استطاع أن يحمل (رمانتي) الصحافة و(البزنس) بيد واحدة, وينجح فيهما معًا! ولا أعرف كيف... ولا أريد. حسبي أن أكتب ما أريد, حيثما أريد. مثلا تراودني رغبة استحواذية مرضية تكمن في الكتابة في المجلة الرسمية (الكويت اليوم), حيث أضمن قراء كما الرز في عددهم, وأصنافهم شتى, يمثلون كل المجتمع الكويتي. وأحمد ليس - مثلي - بحاجة إلى قراء المجلة المذكورة, لأن قراءه كثيرون في جل العواصم والحواضر العربية في المشرق, فضلا عن المملكة المغربية الشقيقة.

أما في لبنان: فإن (السياسة) وشخصية أحمد الجار الله أشهر من مغارة جعيتا, وصخرة الروشة, وكازينو لبنان (والعياذ بالله)! وهممت بأن أتهور وأشطح في توصيف شهرته, فأزعم أنه أشهر من شخصية القيادي الحزبي, والزعيم الجماهيري في جمهورية (لبنان الشقيق!). الشاهد أن صاحبنا تمكن طوال العقود الأربعة الماضية من ممارسة التجارة والصحافة معًا بنجاح ملحوظ يغبط عليه. أحيانًا تستغرقه هموم وشئون وشجون المال والاستثمارات حتى تظن أنه نسي الصحافة, لكنه يفاجئ القارئ بسبق صحفي مدوٍ يعيده إلى سابق عهده المترع بالأحاديث الصحفية مع رؤساء الدول وأعلام السياسة والاقتصاد وغيرهما.

هذا هو (أحمد الجار الله) على عجالة, الإنسان الصحفي القادر على أن ينجح في الصحافة بحضور ضرة فاتنة جذابة اسمها التجارة والاستثمار, دون أن تطغى إحداهما على الأخرى- ربما لأنه يعدل بين الضرتين, باستجابة ذكية تحقق له النجاح والتوفيق فيهما معًا على حد سواء. لكنه في الحياة الزوجية لم يحاول أن يكون هناك ضرة لـ (أم مشعل) زوجه وأم عياله وقريبته. ربما لأنه يحبها بشدة تغنيه عن إقحام الضرة في حياته الاجتماعية!

هذا (بورتريه) جانبي لصاحبنا, الذي بدأ حياته العملية في مطلع شبابه موظفًا بسيطًا في دائرة الجوازات, وانتهى الآن ناشرًا لثلاث صحف, ورجل أعمال ميسورًا, اللهم زد وبارك.





أحمد الجارالله رئيس تحرير جريدة السياسة