الدول الفاشلة وأخطار الغد

الدول الفاشلة وأخطار الغد

من الملاحظ على الصعيد الدولى أنه فى الوقت الذي تتراجع فيه الحروب بين الدول عما كانت عليه الحال فى القرون السابقة يزداد الصراع الدموى والحروب الداخلية فى كثير من أنحاء العالم وبخاصة فى دول العالم الثالث - وفى إفريقيا بالذات - بل ولم تسلم من هذه الظاهرة بعض المجتمعات التقليدية ذات الحضارات القديمة والتراث الثقافى الطويل والعميق. وقد أفلحت المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن هذه الصراعات والحروب الداخلية فى أن تفرض نفسها على المجتمع الدولى بأسره، إذ يعيش الآن ما يزيد على بليونى نسمة فى مجتمعات تعانى من هذه الصراعات وتتعرض للانهيار، نتيجة لاستفحال المخاطر التى تهدد كيانها من الداخل وتشكك فى فرصة استمرار وجودها كمجتمعات متكاملة لها هوياتها الخاصة المتمايزة. فقد وصلت مؤسسة الدولة فى تلك المجتمعات إلى درجة من الضعف أفقدتها القدرة عل التصدى بقوة وفاعلية لهذه الاضطرابات الداخلية، وما يترتب عليها من ازدياد حالات العنف وانتشار الجرائم والفقر والفساد ونمو الحركات الإرهابية والجريمة المنظمة وانتشار الأسلحة فى أيدى الأهالى العاديين وتعرض البلاد لأعاصير التطرف السياسى والدينى والعرقى ولكثير من تيارات الفكر المناوئة، التى تمثل تهديدا ليس فقط لوحدة مجتمع الدولة/الأمة ولكن أيضا خطرا على استقرار وأمن وسلامة المجتمع الدولى ككل. ولذا تسمى هذه الدول العاجزة عن أداء وظائفها سواء فيما يتعلق بالسلامة الداخلية أم أمن العالم بالدول الفاشلة. فالدول الفاشلة تفتقر إلى القدرة على السيطرة على أرضها والدفاع عنها ضد أى عدوان، كما تفتقر إلى وجود قوة شرعية تستطيع الاعتماد عليها فى تعبئة الرأى العام لتأييد ومساندة قراراتها، وتعجزعن توفير الخدمات العامة الأساسية لشعوبها. ومع ذلك فإن المشكلة الحقيقية ليست هى غياب قوة الدولة أو عجزها عن الفعل بقدر ماهى غياب حقوق الفرد وعدم وجود قاعدة وقوانين تكفل حماية أفراد الشعب من الإجراءات التعسفية التى كثيرا ماتلجأ إليها الأجهزة الحكومية والفئات المتسلطة فى نظم الحكم الاستبدادية.

وتقدر بعض البحوث التى أجريت عام 2005 عدد الدول الفاشلة فى العالم بنحو ستين دولة حسب ما جاء فى تقرير نشرته مجلة «السياسة الخارجية» «Foreign Policy» فى 8 سبتمبر 2005.. وقد أثارت هذه الدراسة كثيرا من النقاش والخلاف والجدل حول مفهوم «الفشل» خاصة أن التقرير ينظر إلى ذلك المفهوم من منظور واسع جدا يعتبر الفشل مرادفا لغياب أو عدم كفاءة النظم والمؤسسات فى أى مجال من مجالات الحياة, وعدم فاعلية أو جدوى القوانين القائمة بالفعل فى الدولة. وفى مقال نشرته جريدة الإندبندنت البريطانية بتاريخ 19 أغسطس 2004 عن مفهوم الدولة/الأمة يقول الكاتب آدريان هاملتونAdrian Hamilton إنه على الرغم من أن مصطلح «الدولة الفاشلة» شديد الانتشار والتداول فإنه لايساعد كثيراعلى فهم الأوضاع فى العالم المعاصر بل إنه كثيرا مايساء استخدامه. فبعض رجال السياسة على سبيل المثال يعتبرون إفريقيا كلها (قارة فاشلة) بسبب الاضطرابات التى تعم أجزاء كثيرة منها والعجز عن التصدى بنجاح للفساد وتهريب الأموال للخارج وانتشار تجارة المخدرات، وغيرها من الممارسات السلبية التى تمنع الاستقرار الداخلى وتسيء إلى العلاقات مع الآخرين.. فثمة إذن أسباب كثيرة تؤدى إلى الحكم على دولة ما بأنها دولة فاشلة Failed State.

الدولة الفاشلة

وخلال حوار أجراه إيمى جودمان وخوان جونزاليز مع المفكر الأمريكى الكبير نوعام تشومسكى ونشر فى Democracy Now بتاريخ 31 مارس 2002 يقول تشومسكى إن «الدولة الفاشلة» مصطلح صاغه الأمريكان بعد تراجع استخدام بعض المصطلحات الأخرى مثل الدولة الإرهابية والدولة المارقة وما إليها من عبارات صاغها الأمريكيون أيضا بقصد تعبئة الآراء والجهود ضد الدول التى لا تتفق فى سياساتها مع وجهة النظر الأمريكية، ويتهم أمريكا ذاتها بأنها مثال للدولة الفاشلة لعدة أسباب تتصل بالوضع الداخلى من ناحية وبسياسة أمريكا الخارجية ونظرتها إلى دول العالم الأخرى من الناحية الأخرى. فأمريكا لاتعترف أو هى تتغافل عن القوانين الدولية إذا تعارضت مع مصالحها الخاصة، كما أنها تلجأ إلى استخدام قوتها العسكرية الفائقة فى التدخل فى شئون الدول الأخرى دون مبرر غيرما تعتبره خطرا محتملا ضد أمنها وسلامتها الخاصة فتتخذه ذريعة لتشن ما تسميه حربا وقائية أو استباقية تكفل لها الأمن والسلامة دون أن تهتم فى ذلك بالرأى العام العالمى، بل إنها تقف أحيانا ضد هذا الرأى فى بعض المسائل الحيوية التى تهدد بقاء العالم ككل كما هو الحال بالنسبة لمشكلة الاحتباس الحرارى، وذلك إلى جانب التجائها إلى فرض القيود المحددة لحرية الأفراد المواطنين بحجة المحافظة على الأمن القومى وهى الذرائع نفسها التى تلجأ إليها الدول الاستبدادية التى تصفها أمريكا بأنها فاشلة.

يزيد من خطورة الوضع فى كثير من الدول الفاشلة تعرضها للانقسامات الداخلية التى تهدد وحدة كيانها القومى، إذ تندلع فيها النزعات الانفصالية عن الحكومة المركزية وتتفجرحركات التمرد والثورات وبخاصة فى الأقاليم والأطراف البعيدة عن السلطة المركزية، مما يؤدى إلى سيطرة الجماعات الدينية والعرقية بل واللغوية المتطرفة التى لاتعترف بمبدأ التعايش بين الثقافات المختلفة وبحقوق الأقليات الثقافية وقبول الآخر داخل المجتمع الوطنى الذى يفترض أنه يقوم على مبدأ المواطنة. وقد يؤدى ذلك الصراع إلى الانزلاق والسقوط فى مهاوى الحرب الأهلية. وربما كانت أكبر المخاطر التى تتعرض لها الدول الفاشلة هى الصراع الدينى الناجم فى كثير من الأحيان عن فرض القيود على حرية العقيدة والعبادة، التى تعتبر فى نظرالدول الناجحة أحد الأسس التى يرتكز عليها المجتمع الديمقراطى المستقر، الذى يؤمن بفلسفة الانفتاح على كل التيارات والاتجاهات الفكرية بغير تمييز ويعترف بحق الإنسان/المواطن الفرد فى الاختيار. وعلى العموم فإن التفاوت الشديد بين أقاليم الدولة الواحدة فى أسلوب ونوعية الحياة يعتبر فى نظر كثيرين معيارا مهما للحكم على أي دولة بأنها دولة فاشلة وذلك علاوة على سوء الأوضاع الاقتصادية وتدهور مستويات المعيشة لدى الأغلبية العظمى من أفراد الشعب وجشع الحكام وحرصهم على تحقيق مصالحهم الخاصة والتجاء السلطات فى الدولة إلى أساليب القمع والقهر وعدم السماح بإبداء الرأى المعارض، وباختصار انعدام التجانس والانسجام بين الحكومة والشعب من ناحية وبين مختلف الفئات والطوائف والشرائح الاجتماعية داخل المجتمع من الناحية الأخرى, وانتشار الانطباع العام بأنها تمثل خطرا على الاستقرار العالمى من ناحية ثالثة. فالفشل هو أحد مقدمات وشروط سقوط الدولة ومقدمة لاختفائها ككيان فاعل, ولذا كان لابد من إيجاد الوسائل التى تكفل تقوية الدولة الفاشلة والمحافظة عليها من الانهيار الكامل لضمان استقرار العالم كله.

وتسود فى أمريكا بوجه خاص بعض الآراء التى لاتخلو من التعسف والجموح بأن الدول الفاشلة ليس لها الحق فى الوجود ليس فقط لانعدام قدرتها على أداء وظائفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولكن أيضا لاحتمال أن تدفع هذه الأوضاع المتردية إلى قيام الحركات الإرهابية التى تستهدف الدول الناجحة والمتقدمة وتساعدعلى انتشار العنف وتهديد السلام العالمى. وتعطى بعض القوى الكبرى نفسها الحق فى التدخل السياسى بل والعسكرى فى شئون الدول الفاشلة بحجة تأمين سلامتها وأمنها هى ذاتها ضد ذلك الخطر المحتمل حدوثه فى أى وقت، وهذا اتجاه خطيرسياسيا وأخلاقيا ولكن يبدو أنه أصبح أمرا واقعا قد تكون له عواقب سيئة فى المستقبل لأنه قد يدفع إلى مزيد من العنف والإرهاب ضد هذه القوى الكبرى ذاتها ويزيد بالتالى من التوتر بين الشعوب. وصحيح أن الظروف العامة القاسية التى تحيط بتلك الدول وفساد الحكام أو صفوة المجتمع وسلبية الشعوب ذاتها هى المسئولة فى المحل الأول عن فشل الدولة, ولكن هناك بغير شك عوامل أخرى خارجية تسهم فى ذلك الفشل ليس أهونها وأقلها شأنا الاستعمار الغربى الذى استنزف قوى تلك الشعوب ماديا وبشريا ومعنويا، ثم هناك القيود الشديدة التى تفرضها الدول المتقدمة الآن على تداول المعرفة لتضمن عدم وصولها إلى الدول المتخلفة واتباع سياسة حجب المعلومات المتقدمة الحديثة وعدم نشرها على نطاق واسع والإفادة من التقدم العلمى والتكنولوجي وغير ذلك من المعوقات التى ترمى فى آخر الأمر إلى الإبقاء على الدول الفاشلة فى مستوى الفشل الذى ترسف فيه وعدم السماح لها بتجاوزه، وذلك على الرغم من كل دعاوى تلك الدول المتقدمة وتظاهرها بعكس ذلك ولكن يبدو أن الدول (الفاشلة) انتبهت إلى ذلك وأخذت تعمل على التغلب عليه بمختلف الطرق بما فيها القرصنة العلمية بعد أن انعدمت ثقتها فى الغرب وفى أهدافه ومراميه.

نُذُر الزَّوال

هذه الأوضاع تثير قلق المجتمع الدولى بعامة والدول المتخلفة التى تؤلف العالم الثالث بوجه خاص نظرا لأن بقاءها على حالة الفشل ينذر بزوالها نتيجة للتقدم الذى تحرزه وتحققه الدول المتقدمة باستمرار ودون توقف، مثلما يزيد خطورتها على السلام العالمى، ففى تقرير ظهر بمجلة السياسة الخارجية (يوليو/أغسطس 2007) عن The Failed States Index 2007 تقول المجلة إن أشد الدول ضعفا يمكن أن تكون مصدر خطر حقيقى على العالم كله، وأن عدم الاستقرار لن يكون محدودا أو محصورا فى نطاق ضيق بل قد يتجاوز كل الحدود السياسية والجغرافية إذ لم يعد البعد المكانى عامل أمن فى ذاته من الأخطار التى يمكن أن تنتقل بسهولة عبر الكرة الأرضية كلها فى زمن وجيز للغاية. وهذا يثير التساؤل عن مدى إمكان التوصل إلى استراتيجية لتدعيم الدول الفاشلة والانتقال بها خارج نطاق الفشل وكيف يمكن إنقاد وتقوية الدول التى على وشك الانهيار والتى يهدد انهيارها التوازن الدولى والنظام العالمى كله؟

الإجابة عن هذه التساؤلات تتوقف على مدى إدراك أصحاب القرار فى الدول الفاشلة ذاتها لحجم الأخطار التى تحيط بها وبالعالم كله من جراء الأوضاع السيئة السائدة فى الداخل والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى قــــد تدفــــع بـهــا إلــى حــــافة الانـهـيـار والـــســقوط، وكذلك مدى الرغبة المشفوعة بالقدرة على استعادة التوازن الداخلى المفقود والتغلب على كل هذه المتاعب دون الاستعانة بأي قوة أجنبية وبخاصة القوة العسكرية، والاعتماد على الذات فى التصدى للأوضاع السلبية التى تؤدى إلى الفشل بالمعنى الذى سبقت الإشارة إليه.

وليس ثمة شك فى أن الأوضاع المتردية السائدة فى الدول الفاشلة تدعو وتشجع على التدخل الأجنبى الذى يرحب بتلك الفرصة ويقدم عليها تحت ستار المحافظة على سلام العالم وتمكين الشعوب والأفراد من الحصول على حقوقهم المشروعة ضد السلطات الاستبدادية. وقد تكون هناك صعوبات داخلية تحول دون تحقيق ما قد تقضى به تلك الاستراتيجية على أيدى الشعوب الفاشلة ذاتها، إما نتيجة العجز عن التصدى للقوى الحاكمة الفاسدة والمستبدة، وإما نتيجة لعدم الخبرة بشئون الحكم وإدارة شئون الدولة وتحقيق التفاهم والتعاطف بين الفئات والاتجاهات والنزعات المختلفة والمتعارضة داخل المجتمع، والتغلب على النزعات المتطرفة التى تثير القلاقل والاضطرابات وتدفع إلى التمرد والثورة على السلطات الرسمية، ولكن هذا لايستدعي فى رأى كثيرين تدخل القوى الأجنبية تحت أى ستار أو دعوى خاصة أن شعوب تلك الدول الفاشلة ذاتها ترفض هذا التدخل وترى فيه لونا جديدا من الاستعمار المستتر. وثمة على أي حال قدر كبير من الشك حول قدرة التدخل الأجنبى على إقرار النظام والأمن الداخلى والارتفاع بمستويات المعيشة وتقوية سلطة الحكومة واسترداد هيبتها وترسيخ قوة القانون وفرض احترامه، إزاء مقاومة الشعوب لهذا التدخل واحتدام المشاعر ضد شبهة الاستعمار، بل إن هذه الشكوك تحيط فى كثير من الأحيان بنوايا المنظمات الدولية التى لا تظهر على الساحة إلا بعد أن تكون الأمور قد أفلتت ويصعب التحكم فيها. والأمثلة كثيرة من واقع الحياة التى نعايشها بالفعل. وعلى أي حال فإن التدخل الأجنبى تحت أي صورة وأي هيئة كثيرا ما يؤدى إلى ازدياد العنف والخروج على قواعد القانون وأخلاقيات التعامل والتفاعل الاجتماعى واستفحال الصراعات وتبادل الاتهامات وتفاقم النزاعات المسلحة التى قد تصل إلى حد الإبادة الجماعية والتصفية الجسدية المتعمدة والمذابح البشرية الجماعية للقضاء على الجماعات المناوئة.

والواقع أن المجتمع الدولى يفتقر إلى الموارد المادية وإلى المؤازرة السياسية والدعم الأدبى والمعنوى من الرأى العام العالمى لكى يتدخل بقوة وفاعلية لوقف التدهور، كما أنه لايوجد حتى الآن اتفاق شامل حول شكل وأبعاد ذلك التدخل وأسلوبه وحدوده ومراميه، أو تقدير دقيق وإدراك سليم لنوع وطبيعة الاستجابات المتوقع صدورها من السلطات الحاكمة ومن الشعوب ذاتها، التى قد يسهل التغرير بها فى مجتمعات العالم الثالث بتأثير الدعايات المغرضة التى تهدف إلى تحقيق مصلحة خاصة لاتتفق مع المصلحة العامة للدولة ولا تساعد على التخلص من أسباب وملابسات الفشل وتهيئة الظروف المناسبة لتحقيق النجاح وتوفير الشروط اللازمة لكى تسهم هذه الدول بقدر ولو ضئيلا فى بناء عالم حر يقوم على التفاهم والحوار الفكرى واحترام الآخر على كل المستويات، الأفقى والرأسى فى العالم ككل، بدلا من الغوص فى مستنقعات العنف والصراع الدموى والحروب الأهلية والنزاع العرقى والطائفى وإهدار حقوق الفرد فى التمتع بحياة كريمة فى وطن آمن ونظام حكم مستقر وقانون عادل وعلاقات خارجية تقوم على الاحترام المتبادل. فليس ثمة مايمنع من أن تنتقل المجتمعات الفاشلة من حالة التردى التى تعيش فيها إلى وضع أفضل يقوم على توجهات إيجابية من أعضاء المجتمع أنفسهم وإن تكن هناك عقبات كثيرة تحتاج إلى بذل جهود جبارة ومتواصلة لتحقيق هذا التحول. فالتمرد والعنف والعصيان والصراعات الداخلية المسلحة التى ترزح تحت وطأتها شعوب العالم الثالث التى تعيش فى دول فاشلة إنما تصدر عن رفض الواقع الذى تعيش فيه هذه الشعوب والرغبة فى تغييره, لأنه لايحقق مطالبها وتطلعاتها وهى أمور خليقة بالتقدير والمعالجة الواعية المستنيرة القائمة على الحوار والتفاهم. والترفع عن رغبات الهيمنة ومشاعر الاستعلاء والابتعاد عن سياسة تجاهل المطالب والالتجاء إلى أساليب القمع والقهر والصدام التى لن تؤدى إلا إلى الدمار.

بين الخنافس والبشر

فى كتابه «الدول الفاشلة» يقول نوعام تشومسكى إنه مما يؤلمه وهو فى العقد الثامن من عمره أن يعلن أن أمريكا هى مثال الدولة الفاشلة, لأنها عبارة عن هيمنة خالصة وجامحة تفترض أن لها وحدها الحق فى شن الحروب على العالم بدعوى الدفاع المسبق عن النفس، فالولايات المتحدة تتبع فى ذلك مقولة آدم سميث الشهيرة عمن يعتبرون أنفسهم سادة البشر: «كل شيء لنا نحن ولا شيء للآخرين». فأمريكا تنظر إلى الإرهاب على أنه إرهاب الآخرين لها وليس إرهابها هى للآخرين وأن من حقها استخدام أسلحة الدمار الشامل ضدهم ولكن ليس من حقهم هم استخدامها ضدها. ولإرنست ماير Ernst Mayr عبارة طريفة تقول إن ارتفاع ذكاء الجنس البشرى ليس ضمانا لاستمرار بقائه فى الوجود. فالخنافس والبكتريا أكثر قدرة ونجاحا على البقاء من البشر. والطريف أن تشومسكى يعتبر الجنس البشرى هو النوع الوحيد من الكائنات الذى يعمل جاهدا وعن قصد على تدمير نفسه بنفسه عن طريق الأسلوب الذى يتعامل به مع نفسه ومع الآخرين ومع كوكب الأرض, وقد يكون فى هذا الأسلوب من التعامل الخلاص الذى تتلهف إليه الكائنات الأخرى للاستمرار فى الوجود مادمنا نحن نعمل على تدمير أنفسنا.

فهل تعى الدول الفاشلة فحوى ومغزى هذه الأقوال فتعمل على تلافى أسباب تدهورها وإنقاذ تفسها وشعوبها من حالة التردى التى قد تؤدى إلى سقوطها واختفائها تماما ؟ وهل يعى العالم أيضا النتائج التى يمكن أن تترتب على أسلوبه الحالى فى التعامل ونظرة الاستعلاء التى تنظر بها القوى الكبرى إلى تلك الدول الفاشلة؟ وأنه ليس من حقها البقاء فى الوجود حسب مايرى بعض مفكرى الغرب؟ ثم ألا يمكن أن يؤدى هذا الأسلوب وتلك النظرة إلى مزيد من الاحتقان فى العلاقات داخل الدول الفاشلة ذاتها من ناحية وبينها وبين الدول «الناجحة» من الناحية الأخرى مع احتمال أن يؤدى ذلك إلى ظهور «عالم» فاشل على غرار وصف إفريقيا بالقارة الفاشلة؟.

 

أحمد أبو زيد