البيئة تتدهور في قطاع غزة.. د. كامل خالد الشامي

البيئة تتدهور في قطاع غزة.. د. كامل خالد الشامي

هل تأتي عروس البحر إلى غزة.. أم أن البحر الملوث سوف يمنعها ولا يحمل لأهل غزة سوى الموت؟

عندما شاركت في مطلع العام 2007، في ندوة تتعلق بالبيئة في إحدى مدارس البنات الإعدادية, أناقش مع طالباتها هموم تلوث البيئة الفلسطينية, وإمكان تلافي التلوث أو التقليل منه, خاصة على ساحل البحر والمناطق الملاصقة له, حتى يتسنى لنا العيش في بيئة طبيعية نظيفة, نستطيع أن نستجم فيها, وحتى ننسى ولو للحظات قليلة متاعبنا اليومية ونشعر بقليل من الراحة, دون أن نعرض حياة أطفالنا وحياتنا لخطر الإصابة بالأمراض الناجمة عن التلوث, أخذ النقاش طابع الجدية على الرغم من أنهن ما زلن في عمر الزهرات، وفى سياق الأسئلة والرد عليها, نهضت فرح, وهى طالبة في الصف الثامن, ولا يمكن للناظر إليها أن يتجاهل بريق الذكاء في عينيها, ثم قالت «إذن عروس البحر لن تأتى إلى بحر غزة»، كانت فرح تتكلم بصوت تغلب علية خيبة الأمل بعد أن عرفت أن البحر ملوث ولا يصلح للسباحة, كأنها كانت على موعد مع عروس البحر في ليلة من ليالي الصيف الهادئة والـــنادرة, وجئـــت أنا بحكايـــاتي عـــن البـــيـــئة المـــلوثة كي أخرب عليها حلمها الجميل، وكأنها فهمت أن عروس البحر لا تأتي إلى البحار الملوثة، لم يكن لدي الكثير من الوقت لكي أفكر فيما قالته فرح, ولكنى أيقنت أن الظروف الاستثنائية التي يعيشها سكان قطاع غزة لاتمنع الناس من الحلم، ومازلت أتذكر البيئة في قطاع غزة في ستينيات القرن الماضي, كانت وكأنها لوحة مليئة بأشجار البرتقال واللوز والجميز, وفي حقولها تنتشر شقائق النعمان تتمايل فرحة بنسيم البحر, وعلى أسيجة مزارعها ترتاح البلابل الزرقاء وطيور الهدهد, والكناري, من رحلة طويلة, من مكان بعيد من بلاد الله الواسعة، لوحة رسمها فنان كبير ثم غادر، ومع مرور الزمن تبدلت الصورة, فازداد عدد السكان بصورة مذهلة, ولم يستطع قطاع غزة تلبية احتياجات سكانه من الخدمات المختلفة, وأصبح الناس في حاجة إلى المزيد من المباني, فاجتثوا حدائق البرتقال وكروم اللوز وحولوها إلى مبان سكنية, وتطايرت أوراق شقائق النعمان وذهبت مع الريح، وتحولت البيئة في قطاع غزة من لوحة فن تشكيلي إلى لوحة سريالية، ولم يكن الاحتلال الذي جثم على صدر قطاع غزة منذ العام 1967 يكترث بما يحدث للناس وللبيئة, وغرق الناس في الفقر, وحرموا نعمة التنمية, فانعكس ذلك تدهوراً على البيئة.

خدمات ناقصة

يصل عدد سكان قطاع غزة إلى نحو 1.4 مليون نسمة يعيش معظمهم في 8 مخيمات للاجئين, وفي 4 مدن, و8 قرى, بالإضافة إلى بعض التجمعات السكانية العشوائية, وتبلغ مساحته حوالي 365 كلم2, وتصل الكثافة السكانية في بعض المخيمات إلى 100000 نسمة في الكيلو متر المربع الواحد, مثلما هي الحال في مخيم الشاطئ الذي يقع في غربي مدينة غزة على البحر مباشرة، هنا ترتص مبان مكونة من طابق وطابقين, تقع مساحة المبنى الواحد بين 40و50 مترا مربعا, يسكنه مابين 7و9 أفراد، وهذه الصورة تتكرر في قلب المدن حيث الأزقة والحارات والشوارع الضيقة التي تختلط فيها المباني السكنية مع الورش ومحلات البقالين, والأسواق الشعبية.

وتفتقر أغلب المدن والقرى والمخيمات في قطاع غزة إلى خدمات البنية التحتية التي تساعد في الحفاظ على البيئة, مثل شبكات, محطات تنقية المياه العادمة, ما عدا مدن غزة, وبيت لاهيا, ورفح, حيث يوجد بها محطات للتنقية لها مشكلاتها, كما أن الطرق والوسائل المتاحة للتخلص من النفايات الصلبة ليست فعالة بالشكل المناسب, وقد تتراكم النفايات في المدن وفي كل التجمعات السكانية لفترات طويلة, حيث تنتشر في الشوارع والأزقة, والحارات, وفي الأسواق, وعلى مداخل العيادات الطبية, والمحال التجارية, وحتى الحاويات تطفح بالنفايات، ويشعل السكان النار فيها كوسيلة للتخلص من النفايات, ولتقليل الروائح التى تنتج عنها. بشكل عام تظهر صورة النفايات وكأن أناساً من كوكب آخر جاءوا ليلاً وبعثروا القمامة في كل أرجاء قطاع غزة, ولم يستثنوا منه أي مكان ولا حتى المناطق الزراعية أو الكثبان الرملية, أوشاطىء البحر, ثم ذهبوا بعيدا.

يزداد مع الوقت استهلاك المياه لدى السكان, ومن ثم يزداد إنتاج المياه العادمة, ولم تعد الأرض قادرة على امتصاصها,فطفح الكيل, وأصبحت المياه العادمة تجري في كل الأماكن التي يمكن أن تصل إليها، ويعتمد السكان في التخلص من المياه العادمة المنزلية, والمياه العادمة الناجمة عن الصناعة على القنوات المكشوفة أو الحفر الامتصاصية, وهي في حالة فيضان دائم لعدم تمكن السكان من دفع تكاليف اكتساحها، ملوثةً بذلك الطرقات والشوارع, والحقول, كما تسبب الحفر الامتصاصية المملوءة بالمياه العادمة تلويث المياه الجوفية, من خلال تسربها إلى باطن الأرض ومن ثم إلى مكامن المياه الجوفية التي تعتبر المصدر المائي الوحيد في قطاع غزة, والذي يستخدمه السكان في كل مناحي الحياة، ويعانى أكثر من نصف سكان قطاع غزة مشكلة الحفر الامتصاصية الدائمة الفيضان, لما ينتج عنها من روائح كريهة, وانتشار للقوارض والبعوض, وما تسببه من نزاعات عائلية يسقط فيها جرحى, وتكسر فيها عظام, وتغلق فيها طرق وحارات وأزقة لفترات تطول وتقصر طيلة مدة النزاعات، وفى بعض الأوقات لايمكن للشخص أن يمشي على الأرض بخطوات الإنسان العادية, في شوارع قريته, أو مدينته بل عليه أن يقفز على قنوات المياه العادمة إذا أراد ألا يقع فيها.

البحر. مستودع للقمامة

قطاع غزة بمجمله سهل ساحلي يقع على الساحل الشرقي للبحر المتوسط, ويصل طوله من الشمال حتى الجنوب إلى 40 كم, وعرضه يتفاوت بين 6-12كلم, يمتاز بطبوغرافية هادئة, ويتكون من ساحل شبه مستقيم, خال من التعرجات والخلجان, إلا في منطقة خان يونس, حيث ينحني الساحل قليلاً, ثم يعود وينفرج مرة أخرى في شكل مستقيم حتى الحدود النهائية لقطاع غزة مع الشقيقة مصر، وهو منطقة خالية من الجبال والأنهار والعيون, وتتكون معظم وحداته الطبيعية من كثبان رملية بيضاء اللون, بحرية وحديثة النشأة, تسير بمحاذاة الشاطئ, شكلتها الرياح بأشكال مختلفة مثل: الهلالية, والبرجان, والسيوف, وتستقر بمحاذاتها وفي نفس اتجاهها الكثبان الرملية القديمة أو ما يسمى بكثبان الكر كار, وهي أقدم من الكثبان الحديثة, قذف البحر إليها أصدافاً تحللت مع الزمن وكونت مادة لاحمة أدت إلى تماسكها وجعلتها صلبة.

عندما تقود سيارتك من شمال غزة متوجهاً إلى جنوبها على الطريق الساحلي الذي أنهكته سنوات الإهمال الطويلة فأصبح غير مريح للسفر عليه لكثرة الحفر فيه, ولكنه الطريق الساحلي الوحيد الذي يشق سلسلة الكثبان الرملية القديمة التي مزقتها عوامل التعرية, وأصبحت تشكل جرفا قارياً يرتفع عن مستوى سطح البحر ما بين 20و30 متراً, وعندما تطل بطرف عينك بإتجاه الغرب يصبح البحر في موقع منخفض بالنسبة إليك, فترى شاطئاً طويلاً, تنعكس فيه أشعة الشمس على مياه البحر الزرقاء, وترى الأمواج الضعيفة مكسوة بزبد أبيض، ترتطم بالشاطئ فتنكسر وتتلاشى لتحل محلها أمواج أخرى تواجه نفس النهاية، تشعر للحظة أنك في نزهة تخفف فيها عن نفسك هموم الحياة التي لا حصر لها, ولكن سرعان ما يتبدل هذا المشهد, وهذا الشعور عندما تبدأ الأرض في الانخفاض, وتصبح قريباً جداً من مياه البحر الشاطئية, تجد نفسك فجأة محاصراً بأنابيب خرسانية أو من الحديد الصلب تصب المياه العادمة الآتية من مسطحات المدن والمخيمات في البحر, ولا حرج من القول إن أكثر من 30 أنبوباً تصل إلى البحر لتفريغ نحو 20 مليون متر مكعب من المياه العادمة فيه في العام، وتنتشر هذه الأنابيب في نطاق طوله نحو 40 كلم, وتؤدي إلى تغيير لون مياه البحر من الأزرق إلى اللون الأسود القاتم, وعندما يهب نسيم البحر على اليابسة تمتزج فيه رائحة البحر مع غاز الأمونياك الناتج عن المياه العادمة فتشعر بالضيق, وتظل هذه الرائحة تلازمك مادمت تسير على الطريق الساحلي, تشتد تارة, وتضعف تارة أخرى، وفى وادي غزة الذي خطط له أن يكون محمية طبيعية, تكونت في جزئه الغربي القريب من البحر, بحيرة للمياه العادمة, تصب فيها نحو 6 ملايين متر مكعب في العام, مصدرها التجمعات السكانية في المنطقة الوسطى التي حرمت من شبكات ومحطة تنقية للمياه العادمة, ومازالت تستخدم بكثافة القنوات المكشوفة, والحفر الامتصاصية للتخلص من المياه العادمة, تنساب إلى البحر، وقد بينت الدراسات المخبرية تلوث مياه البحر بالبكتيريا البرازية, وعدم صلاحية مياهه للسباحة.

تنقية المياه أم تلويثها؟

يوجد في قطاع غزة 3 محطات لتنقية المياه العادمة, وهذه المحطات تخدم بيت لاهيا وجباليا في الشمال, ومدينة غزة, ومدينة رفح في الجنوب, أما بقية المدن والمخيمات والتجمعات السكانية الأخرى فلا تحظى بهذه الخدمة, ولا توجد بها محطات لتنقية المياه العادمة، وهذه المحطات هي ليست محطات بالمفهوم الكلاسيكي لمحطات تنقية المياه العادمة كما رأيتها في إحدى المدن الهولندية يتنزه الناس بين مرافقها بعد غروب الشمس, بل هي عبارة عن أحواض ترسيب, تصل إليها المياه الداخلة من المدن ثم تخرج منها مباشرة إلى البحر, أو إلى الكثبان الرملية, فتذهب هباء منثوراً، وطاقتها الاستيعابية لاتكفي لاستقبال المياه الداخلة من المدن والقرى والمخيمات المربوطة بها, وتنقيتها غير صحية, فلا يمكن الاستفادة من مياهها الخارجة, لحقن الخزان الجوفي لسد العجز المتنامي فيه, أو إعادة استخدامها لأغراض الزراعة, التي تعتبر المستهلك الرئيسي للمياه الجوفية، وفي جملة صريحة تعتبر محطات التنقية الملوث الرئيسي لخزان المياه الجوفية، فقد بينت الدراسات التي أجرتها منظمة الصحة العالمية في العام 2005 على مصادر مياه الشرب في قطاع غزة, أن 700 مصدر (المقصود بالمصدر بئر ماء) ملوثة ببكتيريا ناجمة عن المياه العادمة مثل: البكتيريا البرازية, والبكتيريا الانتهازية, والبكتيريا الآدمية والحيوانية، كما بينت الدراسة أن أغلب مصادر المياه الملوثة تقع في المحيط المباشر لمحطات التنقية, فضلا عن تلوث المياه الجوفية في أغلب مناطق قطاع غزة بالنترات لنفس السبب.

في صباح يوم من أيام شهر مارس من عام 2007, استيقظ سكان قرية أم النصر, تلك القرية التي يقطنها الفقراء الذين قست عليهم الدنيا, ولم تجد عليهم الحياة إلا بمساحة صغيرة من الأرض وهي مسطح القرية الذي يلتصق مباشرة بأحواض تنقية المياه العادمة في بيت لاهيا, فوضعوا كل ما يملكون من إمكاناتهم ومدخراتهم لكي يحصلوا على بيت صغير من بضعة أمتار مربعة, مكون غالباً من الصفيح والقش, وبعض الحوائط القليلة يريدون العيش فيه بكرامتهم، وفجأة ودون سابق إنذار تهشم حوض المياه العادمة الذى أنشئ للطوارىء, ولم يستطع مقاومة ضغط المياه العادمة الداخلة بسبب رداءة بنائه, فانفلت منه نحو 3000 م3 من المياه العادمة دوت وكأنها بحر هائج فلت من عقاله, فوقعت أغلب منازل القرية ومرافقها تحت تأثير المياه المندفعة إليها بسرعة, وقد أدى ذلك إلى وفاة 4 أشخاص كانوا نياماً لم يتمكنوا من إنقاذ أنفسهم وجرح 8 آخرين، وأدى تهشم حوض الطوارئ إلى تدمير 75 منزلاً, وفقد الكثير من سكان القرية أمتعتهم المحدودة بسبب ارتفاع المياه المتدفقة من الحوض المنكوب إلى أكثر من مترين عن مستوى ارتفاع المنازل.

حتى الرمال تنزح رمالها

تتسع مساحة الكثبان الرملية في جنوب قطاع غزة, وتضيق كلما اتجهنا شمالاً, وهذا يعود لعامل الترسيب البحري, وتعمل الرياح الغربية, والشمالية, والقبلية على تغيير شكل الكثبان باستمرار، ومنظرها الطبيعي يعطي صورة جميلة يظهر فيها مزيج من الرمال البيضاء ذات الأشكال المختلفة, تقترب من البحر تارة, وتبتعد عنه تارة أخرى, ولكنها في كل الأحوال تبقى في كنفه, تتبادل معه جمال الشكل والموقع، وقد تم تثبيت جزء من هذه الكثبان عن طريق زراعة بعض أنواع الأشجار التي منعت زحف الرمال باتجاه المناطق الزراعية والمناطق السكنية, ونجحت هذه الطريقة إلى حين, ولكن في الفترة الأخيرة نظراً لنقص أخشاب الوقود, وعدم توافرها من أماكن أخرى في غزة, وبسبب العوز والفقر المدقع الذي أصاب غالبية السكان, فلا خجل من القول إن نحو 80% من سكان قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر, لجأ الناس إلى اجتثاث ألأشجار المثبتة للكثبان الرملية, فمنهم من اجتث الأشجار ليعتاز بها, ومنهم من يبيعها وقوداً للتدفئة ولاستخدامها في الأفران الشعبية المنزلية كوقود لعمل الخبز البيتي, ومنهم من يخزنها ليستخدمها في فصل الشتاء, وهكذا اعيدت الحركة إلى الكثبان الرملية, وأصبحت تزحف باتجاه المناطق الزراعية والعمرانية, ولا توجد في الوقت الحالي أي طريقة لوقف هذه الأعمال بسبب نقص كادر التفتيش والمراقبة على الكثبان الرملية.. والأكثر صعوبة هنا هو عملية نزح الرمال من الكثبان الرملية, فالرمال تنزح دون خطة وبشكل عشوائي, تستخدم لأغراض البناء، وتساهم هذه العملية في تخفيض مستوى الكثبان الرملية, وتغيير أشكالها, وتخريب المناظر الطبيعية فيها، وتعتبر الكثبان الرملية في قطاع غزة التي تقدر مساحتها بنحو 110 كيلومترات مربعة المكان الذي يقع تحته الخزان الجوفي للمياه الجوفية, والكثبان الرملية هنا تلعب دور المصفاة للمياه السطحية الناجمة عن الامطار, التى تتسرب إلى الخزان الجوفي, والاستمرار في نزحها سوف يقلل من جودة المياه الجوفية ويعرضها بشكل مباشر للتلوث, والتي هي أصلاً متدهورة, وتختلط معها في بعض الأماكن مياه البحر, فترفع من ملوحتها، وفي نفس السياق عندما قرر الاحتلال الاسرائيلي ترك قطاع غزة, وكانت له 19 مستوطنة سكانية, وعسكرية, وزراعية مقامة على الكثبان الرملية في قطاع غزة, قام بتدمير هذه المستوطنات, فأصبحت مثل هيروشيما بعد إلقاء القنبلة عليها, مهدمة، وينتشر ركامها على مساحات واسعة من الأرض لا تصلح لشيء, وما زال ركام هذه المستوطنات مبعثراً في كل أرجاء الكثبان الرملية حتى اللحظة,

ولا يعتني قطاع غزة بالآثار, فلا متحف هنا يذكر بالماضي البعيد أو القريب, ولا أطلال يجلس الناس في ظلالها, وتاريخ غزة محفور فقط في عقول عدد قليل من سكانها, والمدارس, والجامعات تمر عليه مرور الكرام، مايحدث للمواقع الأثرية والتاريخية يحدث للمناطق الطبيعية في قطاع غزة, فقد تلاشت إلى حد كبير النباتات الطبيعية, وتم قطع الأشجار المعمرة, واستولى نفر من السكان على الأراضي الحكومية, وأنشأوا عليها المبانى العشوائية, ونصبوا الأفخاخ والشباك, فوقعت فيها الطيور المهاجرة والمقيمة, وهاجرت الحيوانات البرية إلى خارج قطاع غزة ربما إلى مناطق أكثر أمناً, وبدأت المعالم الطبيعية لبعض المحميات القليلة الباقية في قطاع غزة تزول عنها صفات المحمية الطبيعية, وأصبحت تأخذ طابعاً سريالياً, تختلط فيه الفوضى مع الخراب، فوادي غزة الذي تمنى أهل غزة أن يكون محمية طبيعية هوى اليوم إلى أكبر مكب للنفايات الصلبة والسائلة, وأصبح مصدرا للحشرات والبعوض والقوارض.

هل يتحول القطاع إلى أطلال؟

تشير كل الدلائل على الأرض إلى أن البيئة في قطاع غزة تتدهور عاماً بعد عام, وتختلف نسبة التدهور البيئي من مكان إلى آخر, وتساهم الممارسات الحالية للتعاطي مع البيئة فى تسريع التدهور البيئى, ليصل إلى كل الأماكن, ويعتبر شاطئ البحر, والكثبان الرملية المحاذية له الأكثر عرضة للتدهور البيئي, كما تعتبر مصادر المياه الجوفية, وهي المصدر المائي الوحيد في قطاع غزة مهددة بالتدهور الناجم عن التلوث بالنفايات الصلبة والسائلة، في كثير من مدن وبلدان العالم يتم حل المشكلات فيها مع الوقت إلا في قطاع غزة فهنا تتراكم المشكلات وتزداد تعقيداً, ولا بوادر لفرج بعد ضيق, والخشية كل الخشية أن يستمر التدهور في التعاظم حتى نصل إلى مرحلة الانهيار, ويتحول قطاع غزة إلى أطلال فيهجره سكانه قسراً, فيتحسر الناس على عين الماء بعدما تجف.

نظرة مستقبلية

عندما لا يتسع الموروث الثقافي لشعب ما لحل مشكلاته فليس عيباً أن يفتش الناس في دفاتر الآخرين للحصول على وصفة أو حتى على حجاب لحل مشكلاتهم, فعلى الرغم من أن الوضع البيئي في قطاع غزة ينذر بالخطر وأصبحت الساعة تدق خمس دقائق قبل الثانية عشرة, ما زال بالإمكان عمل الكثير لوقف التدهور البيئي في قطاع غزة.

يجب رفع المستوى البيئى لدى السكان, من خلال حملات توعية مكثفة, يشارك فيها الجميع, من أفراد ومؤسسات, وهيئات, ومنظمات غير حكومية, وإعلان منطقة قطاع غزة منطقة طوارئ بيئية, ودعوة الإخوة الأشقاء العرب وغير العرب للمساهمة في عملية التوعية وإعادة التهيئة البيئية لقطاع غزة، والعمل على إنشاء نظام صرف صحي ونظام فعال لجمع النفايات الصلبة, والتخلص منها وإعادة تدويرها, وإعادة استعمالها وذلك من خلال الدعم الدولي, والإقليمي والمحلي, كما يجب تشجيع العمل على إصدار اللوائح والتشريعات وتطبيقها, يجب العمل على إنشاء مخططات بيئية وتحديد وتصنيف المناطق المتدهورة, وإعادة تهيئتها بيئيا.

 

كامل خالد الشامي 




تراكم النفايات من أكثر الظواهر شيوعا فى مدن قطاع غزة





السوق الشعبى فى مدينة خان يونس، ملوث بالمياه العادمة والحمأة الناتجة عن محلات البقالين





المناطق الريفية فى قطاع غزة تتحول الى أكبر مكب للنفايات المنزلية والزراعية





يشعل السكان فى قطاع غزة النار فى حاويات النفايات المنزلية للتخفيف من الروائح الكريهة التى تنجم عنها





يقفز سكان قطاع غزة عن قنوات تصريف المياه العادمة المكشوفة التى تنتشر فى أغلب قرى ومخيمات قطاع غزة لتلافى الوقوع فيها