عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

شيوخ وجهاد

يعرف شهر يوليو عالميًا بشهر الثورات, ويبدو أن أنفاس الصيف الساخنة تتحول إلى شواظ من الاحتقان تدفع بالنفوس التي سكنت طويلاً إلى التمرد والاحتجاج. وتنشر (العربي) في هذا العدد ملفًا خاصًا حول ثلاثة من الثوار العرب, ولكنهم من نوع خاص, فقد كانوا شيوخًا وأئمة ومتفقهين في الدين, ولكن الظلم الأجنبي الواقع على بلادهم جعلهم يخرجون من أروقة المساجد إلى ساحات النضال, بعضهم حاول أن يغير بالسلاح, والبعض الأخر رأى أن الوسيلة المثلى هي الإصلاح, لكن الهدف كان واضحًا تمامًا, هو الدفاع عن الأرض والهوية, وكان العدو واضحًا أيضًا, هو الاستعمار, سواء كان إنجليزيًا أو فرنسيًا أو يهوديًا, إنه الوجه الإيجابي للنضال تحت راية الإسلام, صورة من فريضة الجهاد ـ ليست غائبة ـ ولكنها موجودة ومتمثلة في الوجدان. إن هذه الفريضة الواجبة قد جرى تشويهها وتحريفها الآن, فهي تستخدم أحيانًا كغطاء لعمليات إرهابية, أو لتصفيات جسدية, أو لترويع الآمنين والساكنين, والإسلام بريء من كل هذه الأفعال. ويحاول هذا الملف أن يعيد الأفعال إلى أصولها.

ويحفل العدد أيضًا بالقضايا الساخنة التي تستثير العقل و تشحذ التفكير, فيتعرض رئيس التحرير في افتتاحيته إلى كتاب مهم حديث بعنوان (الإنسان المهدور) ونعني به المواطن العربي المحاصر بالقهر, غير المعترف بآدميته, المهدر دمًا وعقلاً وفكرًا, ويكشف الكتاب عن واقع عربي يزداد تدهورًا في كل وقت, إذا لم نسارع بإجراءات سريعة لإسعافه, قبل أن يتسبب هذا الهدر في سحق الحاضر وإلغاء المستقبل.

وتستكمل (العربي) رحلتها خلف واقع الآثار العربية, تلك التي بدأتها انطلاقًا من الجزائر, إلى القاهرة الإسلامية التي تعاني آثارها العديد من المشاكل التي تراكمت بفعل سنوات من الإهمال, إلى أن جاءت صحوة إنقاذ هذه الآثار التي نتمنى ألا تكون قد تأخرت طويلا. وتحتل السينما مكانًا لها, ففي محور خاص تقدم (العربي) صورة العرب والمسلمين على الشاشة من خلال عدة أفلام, كما يحتفي هذا العدد بمقالة من وزير الثقافة اللبناني حول الصحوة الدينية التي يشهدها العالم, وهو يكشف عن الوجه الثقافي الذي يمكن أن تخفيه ممارسة السلطة أحيانًا, وهو الشيء نفسه في الحوار الشائق, الذي تقدمه المجلة مع الفنان والممثل نور الشريف, ويكشف عن المثقف الراقد في أعماق الممثل, الأمر الذي يضفي على الشخصيات التي يجسدها عمقًا إضافيًا. وتقدم (العربي) في هذا الشهر أيضًا, باقة عطرة لذكرى واحد من رواد التنوير في الكويت, هو  الأستاذ عبدالعزيز حسين, الذي تمر علينا الذكرى العاشرة لرحيله, وهو الذي ساهم في إنشاء المشروع الكويتي الثقافي الذي تخطى بإشعاعاته حدود الكويت, إلى بقية العمق العربي. إنه عدد حافل ودسم نتمنى أن يستمتع به كل محبي الفكر والمعرفة.

 

المحرر