عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

نصف قرن

في هذا العدد ملف كامل عن نكبة ضياع فلسطين وسقوطها في القبضة الصهيونية, ولم يكن همنا في هذا الملف أن نبكي على الأطلال كما هي العادة المنتشرة في زمن الهبوط العربي, بل كان الاهتمام أن نسأل أنفسنا ماذا تعلمنا من درس النكبة. فكما الألم, يعلمنا أن هناك خللا ينبغي إصلاحه, فإن آلام النكبة ينبغي أن تكون قد أعلمتنا بمواضع الاختلالات العربية التي ينبغي إصلاحها.

الألم نعمة كبيرة لمن يعرف كيف يحول معاناته إلى درب جديد يفتح أفقاً لا يتكرر فيه هذا الألم ذاته أو ما يشابهه. وهو أيضاً ـ أي الألم ـ يغدو نقمة مضاعفة إذا مرّت آلامه الحادة تاركة في الجسد ذلك الألم المزمن الذي يشير إلى أعطاب تتعمق وكلما مرّ عليها الزمن يعسر إصلاحها.

نصف قرن من عمر الألم ليس بالشيء الكثير في أعمار الشعوب, لكنه عندما يتحول إلى بداية لاستدراج نصف قرن جديد, تليه أنصاف قرون أخرى من الألم, فإن النذير ينبغي أن يكون ساطعاً, ومن ثم كان لابد أن نطرح السؤال عما تعلمناه من هذه الأعوام الخمسين من عمر الصراع. وتوجيه السؤال في حد ذاته صرخة ألم أخرى, تقول: كفى تناسياً للأسباب التي قادت العرب إلى هذا المأزق المرير.

بالطبع كانت لدينا إجابات, لكننا آثرنا أن نترك اثنى عشر كاتبا ومفكراً عربياً معروفاً ليعالجوا السؤال بما يرونه ناجعاً ومفيداً, سواء كان السؤال يفتح على أسئلة أخرى, أو يرشد إلى المتاح من المخارج والحلول. أما نحن ـ كمطبوعة ثقافية عربية ـ فإننا سنظل نرى ـ وهي رؤية لا يختلف حولها أغلب إن لم يكن كل المفكرين العرب ـ أن المخارج تتجسد فيما ينقصنا: حرية التفكير والديمقراطية, والتشبث بأسباب العلم والتقنية الحديثة, والروح العملية لا الإنشائية. بعد ذلك يكون البون بيننا وبين خصمنا شاسعاً, بل يتحول هذا الخصم إلى قزم ضئيل, بلا عمق تراثي روحي أو ثقافي أو جذور في الزمان والمكان حيث البحر العربي.

تلك الشروط, أو الإشارات الهادية إلى المخارج المتاحة من المأزق العربي, ثمة إيماءات إليها وإن لم تكن زاعقة في مواد (العربي) التي ظلت على مدى أربعين عاما تتمسك بقيم التنوير الثقافي كجزء من ضرورات التنوير العربي العام.

وفي هذا العدد استمرار للسعي الذي بدأته العربي منذ أربعة عقود, أي بعد وقوع النكبة بعقد واحد.

في هذا العدد يقلب رئيس التحرير في أحشاء عطب كبير يهدد حياتنا المعاصرة, عبر إضاءة للرحم المظلمة التي تخرج منها جحافل الإرهاب, وهي رحم السرية, التي وإن لم تكن عربية بمنطق الثقل التاريخي, إلا أننا متهمون بها, وهناك من بيننا من يبررون للكارهين تسويغ هذا الاتهام الظالم الذي يفنده حديث الشهر في هذا العدد. أما مرفأ الذاكرة فهو يستضيف مبحراً عربياً من مرتادي محيطات العلم ليحدثنا عن ذاته العالمة وعن أبعاد الوطن والحضارة عبر هذه الذات.

وتستمر إسهامات العلم, والأدب, والفن, في هذا العدد, والتنوير غاية لا تكل من السعي إليها هذه المطبوعة التي ستكمل في الشهر القادم عامها الأربعين, على أمل متواصل في التنوير.

وإلى لقاء متجدد.

 

المحرر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات