أرقام

أرقام

الصغار .. وقانون الصدفة

هل تملك الدول الصغرى والبلاد الأقل سكانا فرصة أفضل للحياة ، وهل يتمتع المواطنون بمستوى معيشي مرتفع ، نظرا لقلة عددهم ؟ وبمفهوم المخالفة هل تكون الزيادة السكانية هي المشكلة الكبرى التي تواجه الأمم ، وتكون الأعداد الصغيرة نعمة لا نقمة ؟

لقد ربط علماء السياسة كثيرا بين حجم الدولة وقوتها بين المساحة والموقع وعدد السكان وبين الأهمية الاستراتيجية والموقع السياسي والاقتصادي على خريطة العالم.

فالصين ذات الألف ومائة مليون تقريبا لابد أن تكون ذا ت ثقل سياسي واقتصادي عالمي ، بل إنها لابد وهي تشكل أكثر من 20% من سكان العالم أن تكون ذات صفة عسكرية.

والهند التي تمثل شبه قارة لابد أن تكون لها مكانة كبرى أيضا ولكن ، ومن وجهة نظر أخرى تتصل بحياة الناس فإن الأمر قد يختلف . يستطيع الصغار سكانيا أن يوفروا لشعوبهم : التعليم والصحة والثقافة والترفيه والمكانة الاجتماعية.

وقد حاولت الأمم المتحدة في عام 97 أن تتابع أحوال أربعين كيانا سياسيا يقل عدد سكان كل منها عن المليون نسمة.

وهذه الكيانات بعضها مستقل وبعضها تابع وبعضها لصيق بالقارات المعروفة ، وبعضها يسبح فوق المحيطات والبحار الكبرى.

تابعت الأمم المتحدة في تقرير "مسيرة الأمم " بلدانا مثل قطر والبحرين وقبرص ومالطا و وغينيا الاستوائية كما تابعت كيانات في أوربا مثل لكسمبرج وجزرا متفرقة مثل : سيشل وجرينادا والبهاما وسليمان والمارشال.

الأغنى والأفقر

في خريطة الكيانات الصغيرة يأتي الأعلى دخلا ، والأقل دخلا وبما يشير إلى أن العنصر السكاني ليس هو العنصر الحاسم في كل الأحوال .

في أعلى السلم تأتي لكسمبورج، ذات التعدد السكاني الذي لم يزد على "407" آلاف نسمة عام "95" ويبلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي في نفس التاريخ "41210" دولارات، والمؤشرات بعد ذلك كلها إيجابية، العمر المتوقع عند الميلاد "76 عاما" ومعدل القراءة والكتابة بين ابالغين "99%" ونسبة القيد في التعليم "58%" وقد انخفض معدل وفيات الأطفال دون الخامسة في لكسمبورج بنسة "43%" بين عامي "80-1995" كما احتلت المرأة 29% من المناصب الحكومية الرفيعة عام 96.

في أعلى السلم أيضا تأتي أيسلندة، التي لا يزيد سكانها على 270 ألف نسمة، ويقترب فيها متوسط نصيب الفرد من الناتج من 25 ألف دولار في السنة، والعرم المتوقع للفرد عند الميلاد "79" عاما، والأماية "1%" والملتحقون بالتعليم "83%" من الشريحة العمرية لكل مرحلة.

ومن الدول العربية تأتي دولة قطر ذات الـ "548" ألف نسمة، ومتوسط دخل الفرد "11600" دولار في العام، ومتوسط عمر متوقع "71" عاما.. ونسبة قراءة وكتابة تصل إلى "79%" للبالغين ونسبة إقبال على التعليم تصل إلى "73%" ولا تبدو هناك نسبة واضحة لمشاركة المرأة في الوظائف العليا وهي أحد المقاييس التي تتخذها الأمم المتحدة كمؤشر لنوعية الحياة والتقدم.

وعلى النقيض من ذلك تأتي بلدان قليلة السكان، قليلة الموارد، وقليلة الحظ في الحياة أيضا.

في أدنى السلم وتحت الأربعمائة دولار كمتوسط نصيب للفرد من الناتج تأتي غينيا الاستوائية بتعدد سكاني يصل إلى "400" ألف نسمة، ورغم أن غينيا قد استطاعت أن تخفض معدل وفيات الأطفال بنسة 28% بين عامي 80-1995 فإن ذلك التحسن- الذي يرتبط بتقدم وسائل العلاج والاكتشافات الطبية- لم يمتد لمختلف أوج الحياة.

في غينيا لا يتوافر الصرف الصحي إلا لثلث السكان، ولا تشغل المرأة من المناصب الحكومية إلا لثلث السكا، ولا تشغل المرأة من المناصب الحكومية الرفيعة سوى "5%" ولا يزيد متوسط العمر المتوقع للفرد عند الميلاد على "6 و 48" سنة.

هناك إذن أوجه للتخلف وأخرى للتقدم في غينيا الاستوائية ذات التعداد السكاني الصغير ودخل الفرد لقليل ومن أوج التقدم: التعليم وانخفاض نسبة الأمية.

ونتيجة لانخفاض مستوى المعيشة يأتي ذلك المتوسط المتدني للعمر.

وبين الأعلى والأدنى تأتي كيانات ذات دخل متوسط، وذات وجود جغرافي متناثر شرفي كثير من الأحيان فوق سطح الماء في المحيط الهادي على سبيل المثال، وعند خط الاستواء توجد مجموعة من الجزر تحت اسم ميكرونيزيا تشكل فيها بينها دوليات صغيرة مستقلة في بعض الأحيان، ويمثل بعضها جزرا تابعة للولايات المتحدة الأمريكية في أحيان أخرى. من الجزر ؟؟؟؟ جزر المارشال، وسكانها خمسة وخمسون ألف فقط، ومتوسط نصيب الفرد من الناتج "1680" دولارا، ومستوى المعيشة مرتفع نسبيا حيث يلتحق بالمدرسة الابتدائية "100%" من االأطفال في سنة الدراسة، وحيث تحتل المرأة 8% من المناصب الرفيعة.

وفي المحيط الهندي تأتي جزيرة سيشل، ويبلغ فيها متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي "6620" دولارا، وعدد السكان لا يزيد على "73" ألف نسمة، وللنساء ثلث المناصب الحكومية الرفيعة، أما العرم المتوقع عند الولادة فهو "72" عاما.

قانون الصدفة

وهكذا ثبت أرقام الأمم المتحدة والتي جاء معظمها تعبيرا عن واقع ساد العالم فلي منتصف التسعينيات لتقول إن قانون الصدفة وحده هو الذي حكم أقدار الكيانات الصغرى في العالم، فالبلدان تحت المليون نسمة تفاوت حظها في الدخل، والعمر، وفرص الحياة المختلفة وفقا للظروف الذاتية لكل كيان، فكان للكسمبورج التي تعيش في مناخ أوروبي حظ وافر، وكان للجزر المتناثرة في البحاثر والمحيطات حظوظ متفاوتة لا يحكمها عدد السكان، وإنما تحكمها الظروف الطبيعية والثروات التي قد تتوافر أولا تتوافر.

وقد يبدو التنقاض واضحا في عصر الكيانات الكبرى ودول الميار نسمة ومستقبل الدول التي ستتخطى مائة مليون نسمة خلال ربع القرن المقبل.

وفي نفس الوقت نشهد أربعين كيانا سياسيا وجغرافيا يقل عدد سكان كل منها عن المليون.

ويبقى القانون الذي نفترضحه صحيحا: المستقبل والامن والثقل السياسي والاقتصادي للكيانات الكبرى، أما الكيانات الصغرى فعليها أن تخضع لقانون الصدفة، أو تعيد النظر في مسيرتها، وأهم ملامح هذه المسييرة "تبقى كيانا صغيرا مستقلا، أم تنضم لكيان أكبر؟".

ذلك بصرف النظر عن مصالح الطبقات الحاكمة، والتحيزات الإقليمية والوطنية الضيقة، المستقبل هو الأهم.

 

محمود المراغي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات