المفكرة الثقافية

المفكرة الثقافية

الكويت

مكتبة البابطين صرح ثقافي للشعر العربي

نحن والشعر لحظة ودهور فالغياب البعيد فيه حضور!!
وحكياه احتضار المرايا أنجم كلنا إليها نُشير


كلمات شعرية جادت بها قريحة الشاعر العراقي جواد جميل محملة بهموم وأنات الشارع العراقي, مثقلة بعناء السفر من أجل المشاركة في العرس الثقافي للشعر العربي الذي حط رحاله في العاصمة الكويتية متوجًا بمكتبة عبدالعزيز سعود البابطين المركزية للشعر العربي, الأمر اللافت أن كلمات جواد أكملت صورة الأمسية العربية بمشاركته في الكويت فقد أذابت الجليد الشعري الذي تجمد منذ سنين وأحيت التواصل بين الشعراء العرب على الرغم مما كنته طيات الأحداث القديمة.

في احتفالية أقيمت بمناسبة افتتاح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي شهدت حضور ممثل سمو أمير البلاد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشئون مجلسي الوزراء والأمة محمد ضيف الله شرار, وجمع غفير من الأدباء العرب وممثلين عن دول العالم, وكانت القصائد العمودية والشعراء الشباب عنوانًا بارزًا لأولى الأمسيات التي شهدها مسرح المكتبة, الأمر الذي أعطاها طابع الحداثة والانفتاح وتشجيع المواهب على الرغم من عراقة محتوى المكتبة.

استطاع عبدالعزيز البابطين إعادة دور الكويت إلى الخريطة الثقافية الذي تميزت به وكانت السباقة فيه منذ خمسين سنة, في الوقت الذي لاتزال فيه المكتبة الوطنية الكويتية تحت وطأة الترميم والتأهيل والتأجيل, وعلى الرغم من الحيرة التي سبقت الاستقرار على مكان المكتبة من الإسكندرية إلى القاهرة إلا أنه أحيا أرضًا خصبة في العاصمة الكويتية ضمت صرحًا معماريًا ضخمًا تجسد بصورة كتاب مفتوح حديث الهيئة وعريق المضمون, يضم من الكتب ما تجاوز عددها 72 ألف كتاب ويعبق برائحة نوادر المخطوطات والرسائل الجامعية والدوريات التي تعد شاهدًا على حقبة تاريخية من أواخر القرن 19 وهي مجموعة مما جاد به السيد عبدالكريم البابطين شملت العديد من الكتب النادرة في طبعاتها القديمة وخصص لها طابقًا خاصًا في المكتبة.

من منطلق اهتمام البابطين بالشعر العربي ورعايته لكل المهتمين به, ومن أجل خلق جيل مطلع على تراثنا الشعري, سعى إلى خلق تناغم تكنولوجي تقني متطور إلى أبعد الحدود مع القديم من الشعر العربي يجذب الجيل الجديد, فالزائر للمكتبة على اتصال دائم بشبكة الإنترنت منذ لحظة دخوله سواء من خلال حاسبه الشخصي أو ما توفره المكتبة من حواسيب تتميز بالاشتراك في بنك المعلومات الذي يمكن الباحثين في الأدب العربي من الوصول إلى المواد المطلوبة بسهولة ويسر, وتضم المكتبة 600 كتاب إلكتروني.

ولم يغفل البابطين المهتمين بالشعر من ذوي الاحتياجات الخاصة, فهناك لفاقدي وضعاف البصر (برنامج إبصار) برنامج ناطق لكل ما هو موجود على شاشة الحاسوب إضافة إلى كتب شعرية مطبوعة بطريقة (برايل), والزائر المعاق يجد في توافر الأماكن المخصصة للمعاقين ما يسهل حركته وتنقله بين طوابق المكتبة. إن عطاءات عبدالعزيز البابطين في الشعر العربي نهر لا ينضب, واحتضانه للشعراء العرب لا يتوقف, وحبه للكويت دافع لمزيد من الإنجازات الثقافية لتكون الكويت مركزًا لكل الإنتاجات الشعرية في الوطن العربي.

هذايل الحوقل

ندوة (رقمنة وتطوير المحتوى العربي)

كان شعار (نحو ثقافة جديدة) هو الأساس الذي اعتمدته جلسات ندوة (رقمنة وتطوير المحتوى العربي) التي نظمها معهد الكويت للأبحاث العلمية بالتعاون مع مؤسسة الكويت للتقدم العلمي, والنظم العربية المتطورة, ومؤسسة الخطوط الجوية الكويتية.

رئيس اللجنة التنظيمية والعلمية للندوة فريال الفريح قالت في كلمتها في افتتاح الندوة: (إن شعار ثقافة التجديد الذي تتبناه احتفالية الكويت, جاء لتسليط الضوء على التحول الكبير في مفهوم الوثيقة, الذي تأثر بشكل كبير, وواضح بتطبيقات واستخدامات التكنولوجيا, لاسيما تلك المرتبطة بالمعلومات).

تضمنت الندوة محورين كل محور احتوى على جلستين, وأكثر. وكان المحور الأول لمعالجة قضية (الاقتصاد المعرفي والإنتاج الفكري), وترأس الجلسة الأولى فيها وكيل ديوان الخدمة المدنية محمد الرومي, وتحدث فيها المستشار الإقليمي في العلم والتكنولوجيا في الأسكوا د.محمد مراياتي عن الأبعاد الاقتصادية للتوثيق الرقمي باللغة العربية, مؤكدًا أن اللغة العربية من اللغات الخمس أو الست في العالم, ولاستغلال ذلك اقتصاديًا لابد من تبني سياسة لغوية توثيقية تدعم وجود المعرفة الرقمية باللغة العربية, وتدعم التداول بها من قبل القوى العاملة في كل القطاعات.

واحتوت ورقة نائب المشرف العام لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة في المملكة العربية السعودية د.عبدالكريم بن عبدالرحمن الزيد على موضوع يتعلق بالاهتمام بالوثيقة العربية لتطوير المحتوى العربي, موضحًا أن الضبط الببليوجرافي يمثل ركيزة مهمة للاهتمام بالوثيقة العربية, وتطوير محتواها, إذ تعد الفهارس والأدلة والببليوجرافيات وقوائم الاستناد رءوس الموضوعات, وقوائم المؤلفين والهيئات من الأدوات الرئيسية لتطوير الوثيقة العربية, وتحقيق سبل الاستفادة منها.

وتضمنت ورقة نائب رئيس مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي في مصر إجلال بهجت عنوان (توثيق ورقمنة التراث الحضاري) متحدثة عن المركز الذي شهد اهتمامًا كبيرًا نتيجة حصوله على جوائز عالمية عدة آخرها في نوفمبر من العام 2005 من خلال جائزة القمة العالمية للمعلومات لأفضل محتوى إلكتروني لموقع (مصر الخالدة).

أما رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية د.عبدالله يوسف الغنيم فقد تحدث عن جهود المركز الذي يترأسه في حفظ الوثائق التاريخية ونشرها, مع التركيز على وثائق أسرة الخالد نموذجًا, وأنه في سبيل تحقيق أهداف المركز فقد اهتم بشكل خاص بجمع الوثائق التاريخية المتعلقة بالكويت وإدخالها في الحاسب الآلي لتسهيل استرجاعها.

وترأس الجلسة الثانية وكيل وزارة التربية في الكويت د.حمود السعدون, وفيها أشار مساعد المدير العام في معهد الكويت للأبحاث العلمية د.يوسف يعقوب السلطان إلى دور الوثيقة في مجال البحوث العلمية, مؤكدًا أن البحث العلمي من أهم المرتكزات الأساسية لعملية التنمية الاجتماعية, والاقتصادية والعلمية للمجتمعات, كما يعد إحدى السمات المميزة للدول المتقدمة.

وأخصائي المعلومات الجغرافية في معهد الكويت للأبحاث العلمية د.حمدي الجميلي طرح ورقة عنوانها (توثيق المعلومات في نظام المعلومات الجغرافية), موضحًا أن هذا النظام يمتاز عن غيره من النظم بإضافة البعد المكاني للمعلومات أو الوثائق المحفوظة في قواعد البيانات.

وأشار د. عبدالله المعطاني من البنك الإسلامي في السعودية إلى جهود البنك الإسلامي للتنمية في نشر الثقافة العربية والإسلامية في العالم. وجاء المحور الثاني من الندوة بعنوان (التكنولوجيا في حفظ المحتوى العربي) وذلك من خلال الجلسة الأولى التي ترأسها نائب المدير العام للأبحاث في معهد الكويت للأبحاث العلمية د.نادر العوضي, وتحدث فيها المدير العام المساعد لنظم المعلومات في غرفة تجارة وصناعة الكويت سعود الزيد عن تجربة الغرفة في مجال تكنولوجيا المعلومات والإنترنت.

وكشف د. نبيل علي - المتخصص في مجال الكمبيوتر ونظم وبرمجة المعلومات في مصر - عن دور محرك البحث العلمي في نشر الوثيقة العربية, بالإضافة إلى الجلسة الثانية برئاسة عميد كلية العلوم الاجتماعية في الكويت د. يعقوب الكندري, والتي ألقى فيها أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة بني سويف المصرية د. حسام الدين لطفي ورقة عنوانها (الملكية الأدبية والفنية في مجال بنوك المعلومات), أما د. رشيد العنزي أستاذ القانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة الكويت, فقد تحدث عن (دور الوثيقة العربية في مجال القانون الدولي).

وتناولت رئيس قطاع المكتبات في مكتبة الإسكندرية د.سهير وسطاوي دور المكتبات في حفظ تراث وذاكرة الأمة العربية, في حين ترأس الجلسة الأخيرة الدكتور سعد عكاشة من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي. لتشير مدير دائرة الخدمات التقنية في معهد الكويت للأبحاث العلمية د.غنيمة نظر إلى (الميتاداتا) لتوثيق المعومات الرقمية, ومن ثم تطرقت د.حسانة محيي الدين أستاذ علم المعلومات والاتصالات في الجامعة اللبنانية إلى حفظ التراث العربي وتوثيقه رقميًا على الإنترنت. وتحدث رئيس دار الوثائق القومية في مصر د.رفعت هلال عن التحول الرقمي للوثائق العربية.

مدحت علام

دبي

توزيع جائزة
سلطان بن علي العويس الثقافية

لعلّ أول ملاحظة يخرج بها المرء وهو يشارك في حفل توزيع جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في دبي بدولة الإمارات, هو إصرار القيّمين عليها على متابعة مسيرتها وضخّ مزيد من الحيوية فيها. فقد ذكر رئيس مجلس أمنائها د.خليفة بخيت الغلاسي, أن الجائزة ستستمر, ومن دبي بالذات, لتؤكد عروبة هذه البقعة الطيبة في بلاد العرب التي لا يخفى على أحد أن طابعها الكوسموبوليتي بات يشغل بال الكثيرين, ويعيد إلى الذاكرة بيت المتنبي الشهير وهو يمر بشعب بوان ببلاد فارس. فبعد أن وصف المتنبي مغاني الشِعْب هذه بأنها لفرط جمالها بمنزلة الربيع من الزمان, لاحظ أن الفتى العربي فيها غريبُ الوجهِ واليدِ واللسان.

ومما ميّز هذه الدورة أنها فتحت أبواب بلدان المغرب العربي, وأزاحت وهمًا كان متفشيًا مؤداه أن الجائزة مشرقية في هواها وتوجهاتها. فقد أكّدت عندما منحت كاتبًا في تونس, وآخر من المغرب, أنها عربية شاملة لكل الأقطار دون تميز أو انحياز, وحققت جانبًا من مصداقيتها وحياديتها. كما أثبتت أن لا سلطة في منح الجوائز إلا سلطة الإبداع التي يمتلكها المبدع ذاته.

خمس جوائز فاز بها خمسة مبدعين عرب من شرق الوطن العربي ومغربه هم:

- الدكتور ثروت عكاشة (من مصر) وقد منحه مجلس أمناء المؤسسة جائزة (الإنجاز الثقافي والعلمي).

- الشاعر السوري محمد الماغوط الذي منح جائزة الشعر.

- الكاتب المسرحي التونسي عزالدين المدني الذي منح جائزة الإبداع الأدبي (حقل المسرحية).

- الناقد المغربي د. محمد مفتاح الذي منح جائزة الدراسات الأدبية والنقدية.

- الباحث الفلسطيني د. أنطوان زحلان الذي منح جائزة الدراسات الإنسانية والمستقبلية.

ما يجدر ذكره أن لجنة تحكيم الجوائز للدورة الأخيرة كانت مكونة من عدد من المحكمين يفوق العدد الذي كان مقررًا للمحكمين من قبل.

فبعد أن كان يحكم الجائزة ثمانية محكمين وأربعة مستشارين, قرر مجلس أمناء الجائزة زيادة عدد المحكمين إلى 12 محكمًا, وعدد المستشارين إلى ثمانية موزعين على معظم الأقطار, وممثلين للعديد من الاتجاهات والمناهج النقدية.

والفائزون الخمسة بالجوائز يمثلون في الواقع نخبة متميزة من الأدباء والمفكرين والباحثين, فلا يشك أحد في أن د.ثروت عكاشة أحد الرموز الثقافية الفاعلة في الحياة الثقافية العربية والعالمية, نظرًا للإنجازات التي حققها لمصر والوطن العربي والحضارة الإنسانية بوجه عام, خاصة فيما يتعلق بما أنجزه في إنقاذ آثار النوبة في مصر, وتحمله المسئولية المباشرة قوميًا ودوليًا في هذا الإطار. وهذا التراث هو في جوهره تراث إنساني مشترك بين كل الشعوب. وقد اهتم ثروت عكاشة بالبعد التاريخي لمدينة القاهرة فنظم الاحتفال الألفي بواحدة من أعرق العواصم العربية وحقق على هامش الاحتفال عقد ندوة دولية لعمارة القاهرة, والمؤتمر الدولي للموسيقى, ولثروت عكاشة مبادرات شتى شملت قطاعات التعليم والآثار والفنون والآداب جعلته في موقع الريادة ولعبت دورًا إيجابيًا في تحقيق مكانة وأهمية مصر في الثقافة. وقد سعد كثيرون بمنح جائزة الشعر إلى الشاعر محمد الماغوط الذي أسهم في الحداثة الشعرية العربية, وفي تطوير قصيدة النثر بالذات, وهو واحد من روادها الكبار. فقد كانت هذه القصيدة قبله مشروعًا غير واضح المعالم, إلى أن أعطاها بجهده شكلاً شعريًا له أسئلة فكرية وفنية خاصة به. لذا لا يمكن النظر اليوم إلى هذه القصيدة التي اكتسبت موقعًا واسعًا في المشرق العربي ومغربه دون التوقف أمام دور الماغوط الريادي.

وبوجه عام تشكل أعمال الماغوط الشعرية والنثرية, وآخرها ديوانه (البدوي الأحمر), ومسرحياته التي أرادها قصائد أخرى, وحدة فكرية متجانسة تنقد الكتابة العربية السائدة بكتابة مغايرة, وتنقد واقعًا يحاصر الإبداع والحرية معًا.

وقد مُنحت جائزة الإبداع الأدبي (حقل المسرحية) إلى عز الدين المدني لما تميزت به تجربته في الكتابة المسرحية من غنى وعمق, والعمل على بناء مسرح عربي يستفيد من تجارب المسرح الغربي ويؤكد الخصوصية العربية, وقد حقق المدني مشروعه موائمًا بين ثقاقة نظرية بتاريخ المسرح وقضاياه وخصوصيته من ناحية, وتجريب مسرحي مجتهد من ناحية ثانية. وقد فعل كل هذا باحثًا عن جماليات ممكنة لمسرح عربي يجمع بين الحداثة والتأصيل, ويقيم بين المتفرج والعرض المسرحي علاقة ألفة لا غربة فيها, ولعل تضافر الأصالة والتحديث هو في أساس قراءته للتراث العربي التي انتهت إلى عدد من المسرحيات المتميزة.

أما الناقد المغربي د.محمد مفتاح الذي منح جائزة الدراسات الأدبية والنقدية, فيعد من ألمع النقاد العرب سواء من حيث هو أكاديمي متميز, ومحلل نصوص متمرس, ومفكر يضع كل شيء موضع المساءلة والحوار. وتعدّ إنجازاته في هذا المجال إضافة نوعية لخطاب النقد العربي الراهن نظرًا لتنوعها وعمقها ونزوعها نحو التأصيل والابتكار. فالناقد يمتلك دراية واسعة بالتراث العربي, ومتمثل بشكل واع للنظريات النقدية الحديث. وكان لمنح جائزة الدراسات الإنسانية والمستقبلية للعالم الفلسطيني د.أنطوان زحلان وقع خاص في الندوة. فهي لفتة معبرة نحو عالم وباحث عربي كبير وهب حياته للبحث العلمي ولقضايا الوطن العربي العلمية والمستقبلية. وهو من أوائل الباحثين والعلماء العرب الذين اهتموا بدراسة المستقبليات ومجتمع المعرفة. كما يُعتبر أحد مؤسسي هذا النوع من المعرفة والدراسة في المنطقة العربية, ومن أوائل الأكاديميين العرب الذين عملوا على تأكيد دور المعرفة العلمية في التقدم التقني والاقتصادي. وهو بحق رائد في مجال دراسته, ومؤسس لحقل معرفي جديد استمر وجدّد فيه وأضاف إليه دون انقطاع.

جهاد فاضل

القاهرة

جدل حول المعجم التاريخى
بين الخالدين

بدأت حيوية الشاعر الكبير فاروق شوشة تنعكس على أداء مجمع اللغة العربية بالقاهرة بعد أن كاد يصاب بتصلب الشرايين وهو يقترب من احتفاله بعيده الماسي بعد شهور. وقد صرح شوشة, من فوق منصة مجمع الخالدين وهو يلقي كلمته كأمين عام له فى افتتاح مؤتمر دورته الثانية والسبعين, بتخوفه على اللسان العربي, وليس على المجمع فقط, عندما قال : (دعونا نتأمل الواقع من حولنا لنرى أن ما يتهدد لغتنا الجميلة هو نفسه ما يتهدد الوجود العربي والإنسان العربي والمصير العربي, وأن ما نلمسه من صور الضعف والتدني والركاكة على كثير من الألسنة والأقلام, هو نفسه من أعراض الضعف في التعليم والثقافة والإعلام, وأن ألوانا كثيرة من صور السخرية والتندر والتهكم والنقد المسف والتطاول بغير علم, الموجهة إلى اللغة ورموزها- كما يحدث أحيانا بالنسبة لمجمع اللغة العربية- لم تكن لتكون لو أن نظرتنا إلى لغتنا أخذت بعدها القومي, فلم تعد مقصورة على جهود المعنيين بها في وزارات التعليم, أو من يعلمونها في المدارس والجامعات, أو من يمثلون صفوة العاكفين عليها من علماء المجامع اللغوية, وإنما أصبحت- كما ننادي دائما- مسئولية المجتمع كله).

كما يستعرض مشوار الحلم المجمعي القديم (المعجم التاريخي للغة العربية) الذي راوده مع بداية ممارسته لمسئولياته وانعقاد دوراته, مشيرا إلى أن المبادرة جاءت من المستشرق الألماني أوجست فيشر, عضو المجمع الراحل, ولكنها لم تكتمل نتيجة لانقطاع الصلة بينه وبين المجمع مع قيام الحرب العالمية الثانية وحتى رحيله, وعندما عاد المجمع إلى حلمه لم يكن وحده بل كان معه اتحاد المجامع اللغوية والعلمية العريية ليبدأ البحث والدراسة والنظر في المعاجم التاريخية للغات العالم الحية.

ويلتقط العالم الدكتور محمود فهمي حجازي, رئيس جامعة نور- مبارك بقازاخستان, الخيط من شوشة فيربط ما بين خطة تأليف المعجم التاريخي للغة العربية ومتطلبات المستفيدين منه, مركزا على المعاجم التاريخية التي توضع في عدد محدود من المجلدات لتلبية احتياجات المثقف المعاصر, مثل معجم اللغة الفرنسية الذي أعده ألين ري في مجلدين يضمان معا 2383 صفحة, موضحا أن هذا النوع من المعاجم يختلف عن التاريخية المفصلة الموسوعية التي تؤلف للباحثين اللغويين في عشرات المجلدات, ولا تنجز إلا في زمن طويل كمعجم أكسفورد التاريخي للغة الإنجليزية المكون من عشرة مجلدات يضاف إليها الملاحق.

ويضيف حجازي أن المعاجم التاريخية تعتمد على توثيق ورود الكلمة والتراكيب ودلالاتها في النصوص, ولا تقوم على النقل من المعاجم القديمة وتصحيح أخطاء التصحيف والتحريف, منبها إلى أنه لا يمكن عمل معجم تاريخي للغة العربية إلا بالاعتماد على ألف مجلد على الأقل من الكتب والكتابات العربية في تاريخها الطويل من النقوش القديمة قبل الإسلام إلى نهاية القرن العشرين.

ويشير الدكتور صادق عبد الله أبو سليمان, عضو المجمع المراسل من فلسطين, إلى افتقار المعجم العربي, برغم تنوع صنوفه ومجالاته, إلى معاجم لم يلتفت إليها أحد ومنها: المعجم التاريخي, والمقارن, ومعاجم اللهجات, ومعجم الجيب, وقواميس المراحل, وقواميس المصطلحات في العلوم المتنوعة, فضلا عن قواميس العربية لغير الناطقين بها, وأوضح أبو سليمان أن من عوامل نجاح أي معجم إيمان واضعيه بأن اللغة سلسلة متصلة الحلقات, وقدرتهم على ملاءمته لمستوى الفئة التي يستهدفونها, ومداومة معاودته بين وقت وآخر ليكون قادرا على مواكبة مسيرة لغته والتعبير عن حيويتها.

وفي تعريفه للمعجم التاريخي يوضح أنه يحكي حياة اللغة متناولا مفرداتها مبنى ومعنى, واستعمالاتها المختلفة, حيث يجول في كل مفردة منها ليبين مبدأ استعمالها ومعناه الأول, وما إذا كانت الكلمة أصيلة في لغتها أم أنها انتقلت إليها من لغة أخرى, كما يذكر ما طرأ على المفردة من تغيرات في المعنى أو المبنى, مع العناية ببيان تاريخ التغير وبيئته.

ويرى الدكتور عبد العزيز التويجري, المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (الإيسيسكو), أنه على الرغم من أن المعجم التاريخي مشروع لغوي إلا أنه تتداخل فيه علوم كثيرة كالتاريخ والفلسفة والأدب وعلوم النفس والاجتماع والسياسة والقانون والاقتصاد والطب والصيدلة والفلك والزراعة, فهو متعدد الوجوه, لأن التأريخ للغة هو تأريخ للحياة العامة في تطورات مسيرتها منذ أن نطق الناس بهذه اللغة أو غيرها. مضيفا أن العربية لغة وعي وشهادة, وينبغي أن نبقي عليها سليمة بأي ثمن, حتى تؤثر في اللغة الدولية المستقبلية. مذكرا بدعوة المستشرق الفرنسي هنري لوسل, التي نشرتها جريدة (لوموند) الفرنسية في سبتمبر 1964, إذ قال (الواجب على من يتولون أمر الثقافة في فرنسا أن يصنعوا بالنسبة إلى العرب ما يصنعه أساتذة التاريخ بالنسبة إلى أوربا, يجب أن يعلموا الأطفال الفرنسيين شيئا من الذخيرة الهائلة من الحضارة العربية. إن دراسة القرآن- ولو كانت سطحية- تكشف للتلاميذ شيئا فشيئا تصورا جديدا للعالم, والدين الإسلامي يسري في حضارة القرآن كلها. وتلك ظاهرة تم تجاهلها كثيرا, فإذا تعمقناه -أي القرآن- استطعنا أن نفهم إلى حد كبير ما يجري في العالم العربي في أيامنا هذه).

وبعد أن يقارن العالم الدكتور ناصر الدين الأسد, عضو المجمع من الأردن, بين مناهج: (المعجم اللغوي التاريخي) الذي وضعه فيشر, و(معجم أكسفورد للغة الإنجليزية), و(المعجم الكبير) لمجمع اللغة العربية بالقاهرة, يصل إلى أن منهج المعجم الكبير أوضح وأكثر تفصيلا وأقرب من المعجمين السابقين عليه إلى أن يكون معجما تاريخيا, مع أن مقدمته تنفي ذلك.

ويؤكد الأسد أن مقدمة المعجم الكبير ذهبت إلى أن فيشر تأثر بمعجم أكسفورد وذلك في قولها (ويظهر أن معجم أكسفورد التاريخي الذي نشر قبل مولده بقليل كان مثله الأعلى, فشاء أن يطبق منهجه في اللغة العربية). كما أوضح أنه من الصعب أن نستخرج من مقدمة معجم أكسفورد منهجه وذلك لطولها الزائد حيث ذكرت بالتفصيل سير العمل فيه, فضلا عن أسماء العاملين وألقابهم ومناصبهم وبيان إسهاماتهم في مراحل العمل, مبينًا أننا سنجد في ثنايا تلك المقدمة الطويلة إشارات متناثرة عابرة موجزة إلى جزء من طبيعة المعجم ومنهجه.

أما الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف, عضو المجمع من القاهرة, فيرى استحالة وضع هذا المعجم التاريخي مستندًا إلى أنه يتناول تاريخ كل لفظة من ألفاظ اللغة وكيف نشأت وتطورت دلالتها في مراحل التاريخ, فهو عمل ضخم ويمكن لكل لفظة أن تستوعب مجلدا كاملا. مفضلا عمله على عدد محدود من المصطلحات لا تزيد على العشرة.

مصطفى عبد الله

صنعاء

330 شاعرًا في عاصمة الشعر الجديد

عقد في صنعاء في الفترة من22-26إبريل الماضي ملتقى صنعاء للشعراء الشباب العرب الذي كان قد شهد نجاحا كبيرا في دورته الأولى التي أقيمت في إبريل 2004.

واعتبر خالد عبد الله الرويشان وزير الثقافة أن الملتقى (يأتي تجسيداً لمكانة صنعاء الحضارية والثقافية كمنبر إشعاع ثقافي وحضاري وواحدة من أبرز العواصم الثقافية العربية, وأن الملتقى يشكل تواصلاً لأدباء الجيل الجديد من العرب وفرصة للإسهام في تقديمهم والتعريف بتجاربهم). وعقب الملتقى الأول للشعراء الذي استضافته صنعاء عام 2004م وصفت المدينة بأنها عاصمة الشعر الجديد.

وشملت فعاليات الملتقى إضافة إلى الأمسيات والأصبوحات الشعرية حلقات نقدية ونقاشية, الأولى عن آفاق القصيدة عند شعراء التسعينيات وما بعدها في اليمن, والثانية عن تجربة النقاد العرب في تعاملهم مع الحساسيات الشعرية الجديدة,والثالثة عن تجربة الدكتور كمال أبو ديب النقدية وذلك بمناسبة تكريمه في الملتقى.

وإلى جانب 250شاعرا يمنيا يجسدون مختلف الأجيال شارك في الملتقى أكثر من 80شاعرا وناقدا عربيا منهم كمال أبو ديب وصلاح فضل ومحمد عبد المطلب وجابر عصفور ومحمد العباس وقاسم حداد وأحمد الشهاوي وحلمي سالم وعبده وازن واسكندر حبش وسعد الحميدين وسلمان كاصد وناصر عراق وميسون صقر القاسمي.

علي المقري

لندن

شفرة دافنشي من عصر البراءة
إلى عصر البراعة

ما إن يختتم جدل حول رواية دان براون الأشهر (شفرة دافنشي), حتى يثار جدل آخر, بدءًا من موضوع الرواية وقربها الخطر من المسلمات في الفكر الغربي الكنسي, مرورا بسرقة فكرة الرواية وهي الجريمة التي تم تبرئة المؤلف منها منذ أسابيع.

في رواية (شفرة دافنشي) تتقافز التيمات والشفرات الدينية طوال الوقت بين عالم الإلهيات وعالم البشر والمغامرات. ثم يتم اختزالها في شفرات ودلالات رقمية تقلب أحوال شخصيات الرواية رأساً على عقب, بحيث يصبحون أقرب إلى المغامرة منهم إلى الإيمان, حيث نشهد اكتمال دورة سرية تنقلنا من الإلهي إلى البشري, ومنه إلى الدلالي, حتى نصل إلى نقطة النهاية التي يعلن فيها المؤلف (دان براون): (ربما لن يعلم أحد الحقيقة أبداً!)

فلماذا هذه اللاأدرية? لا يجيب دان براون عن هذا السؤال, لكنها النتيجة الطبيعية لكون أضحى موضوعياً تماماً, وانفصل عن ذاتية الإنسان, فاستحال على الإنسان أن يتصل به إلا عبر مجموعة من الشفرات. وليس بمقدور الكل أن يفسر الشفرات بنفس الطريقة. بل يجهل كثيرون وجودها. وبهذا ينفصل الإنسان عن غيره من البشر, ويتمايز الناس تبعاً لقدرتهم على فك الشفرات. أما ما يلعب الدور الأساسي في قدرة الناس على فك الشفرات, فهو عاملان: المصادفة (مصادفة التعرض للشفرة); والبراعة (مهارة فك الشفرات).

بذل (براون) جهداً واضحاً ومثمراً في تجميع الأحداث التي نسج بينها قدرًا لا بأس به من منطقية السرد والحجية القادرة على إثارة الخيال. فأصبحت الرواية أقرب إلى الرؤية الشاملة للكون. وهنا تكمن خطورتها. فرواية (شفرة دافنشي) لا تكتفي بكونها رواية, بل تدعي لنفسها أنها أكبر من الواقع, وذلك لأنها تقدم تفسيراً لواقع الحياة الدينية والثقافية في الغرب وتدعي أنها تكشف شفرات هذا الواقع.

قد يكون هذا هو ما دعا رجال الفاتيكان إلى إدانة الرواية أكثر من مرة, فهم يرون أنها تشغل الناس عن التفكير في لب الديانة, بينما تجذب اهتماماتهم إلى هوامش الديانة المختلف عليها, ابتغاء تأويلها. لكن أليس هذا هو بالضبط لب الثقافة التجزيئية المعاصرة?! أليس مجال المصادفة - كونها العامل الأول في القدرة على فك الشفرات - هو الالتفات إلى الهامشي والانشغال به, ومحاولة رؤية العالم كله في ورقة شجر ملقاة على هامش الطريق?!

كأنما المطلوب هو إعادة النظر في وظيفة المثقف والكاتب في المجتمع الغربي المعاصر. فيبدو من تحليلنا لرواية (دان براون) ومن الشفرات التي يرسلها إلينا أنه يفهم وظيفة الكاتب في المجتمع الغربي بشكل مختلف عنا في العالم العربي.

فالشفرات الدالة التي يرسلها (دان براون), لجمهور القراء - وبخاصة تلك التي انكشفت حين اتهمه كتاب آخرون بسرقة فكرة روايته من كتبهم المنشورة قبلاً - هي شفرات جديدة وغير معهودة لدى الكتاب كما نعرفهم. فمن المتعارف عليه أن تهمة السرقة الأدبية كفيلة بتدمير سمعة الكاتب وإلحاق الأذى بمبيعاته, إلا أن (دان براون) أدار قضيته ببراعة كبيرة, بحيث خرج منها منتصراً, بل وأظهر خلالها للناس حجم الجهد الذي بذله في صياغة روايته بشكلها الحالي, مما سبب مزيدًا من الارتفاع في مبيعاتها.

إذن فشخصية (دان براون) بعيدة عن أن تدعي لنفسها البراءة أو الطهر أو القداسة أو حتى الإيمان, ولكنها تدعي لنفسها سمة أخرى, ترى أنها أهم من كل ذلك, هي سمة البراعة.

فعبر موقعه الإلكتروني يقول دان براون إنه أراد أن يثير الجدل والحوار بشأن مسائل الإيمان في روايته. ويبدو أن هذا يلخص رؤيته لوظيفة الكاتب في المجتمع الغربي المعاصر, وهي: إثارة الجدل في مجتمعه, وحض الناس على رؤية الأمور من زاوية جديدة تعتبرها المؤسسات التقليدية زوايا هامشية ومثيرة للخلاف.

ويبدو أن هذه بالضبط هي النتيجة التي يقودنا إليها الإعلان عن اكتشاف إنجيل يهوذا في نفس وقت تصاعد نجم (دان براون). فبعد أن استقر في أذهان الغالبية العظمى من الناس أن يهوذا خان المسيح بأن أرشد الرومان الذين كانوا يبغون الفتك به إليه أو إلى شبيهه, فإن الإنجيل (أو الرواية) التي خلفها يهوذا من بعده, والتي عثر عليها علماء الوثائق وتحققوا من أصالتها التاريخية, تقول بأن يهوذا لم يخن, بل إنه كان تابعاً مخلصاً للمسيح, وأن ما ارتكبه واعتبره العالم خيانة هو في حقيقة الأمر طاعة حقيقية لأوامر المسيح. وبهذا يقلب إنجيل يهوذا الرؤية التي استقرت في المؤسسات المسيحية التقليدية وينزع الأوسمة عن آبائها المعتمدين رسمياً.

النظر إلى الأمور من زاوية جديدة إلى درجة قلب الأوضاع ورؤيتها بشكل مخالف لما كانت عليه, تلك هي - ربما - الوظيفة الجديدة للكاتب في الحياة الثقافية المعاصرة, حيث أضحت البراعة أهم من البراءة. فذلك هو ما حدث للغربيين منذ زمن طويل!!.





مدخل مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي





جانب من الندوة





الفائزون بجوائز العويس الثقافية لهذا العام الشاعر السوري محمد الماغوط والناقد المسرحي التونسي عز الدين مدني والباحث الفلسطيني د. انطوان زحلان والناقد المغربي د. محمد مفتاح والدكتور ثروت عكاشة من مصر





فاروق شوشة





الدكتور ناصر الدين الأسد





وزير الثقافة اليمني وهو يكرم الناقد كمال أبو ديب





جانب من معرض الكتاب الذي اقيم على هامش ملتقى صنعاء للشعراء





في الأعلى دان براون مؤلف رواية شفرة دافنشي وهو متوجه إلى قاعة المحاكمة ليرد على الاتهامات الموجهه اليه بسرقة فكرة الرواية من بحث اعده تشارلز دافيز الذي توجد صورته بالأبيض والاسود