محمد عودة وحلمي النمنم

محمد عودة وحلمي النمنم

  • لا يمكن أن نعلن استقالة الاشتراكية من التاريخ والرأسمالية فشلت في أن تحل كل مشاكل أوربا
  • الوحدة السورية- المصرية لم تفشل ولكنها أجهضت

    بدأ محمد عودة حياته محاميا، ثم اتجه إلى الصحافة، وعمل بعدة صحف قبل ثورة 52، ثم التحق بجريدة الجمهورية وررزاليوسف، وساند ثورة يوليو في معاركها الكبرى، في أثناء بناء السد العالي قضى عدة شعور بأسوان يتابع الملحمة الكبرى، ووجد في مبادئ الثورة وأفكارها صياغة للمشروع القومي العربي والمصري، وتعبيرا عن الأحلام الوطنية الكبرى، وبرغم انتمائه الوفدي القديم، فقد وجد أن ثورة عبدالناصر هي القادرة على تحقيق أهداف الوفد القديم في التحرر والاستقلال الوطني، وإقامة العدالة الاجتماعية، وإنهاء الاحتدام الطبقي في مصر.

    وبعد وفاة الرئيس عبدالناصر في 1970 وقع الصدام بين الرئيس السادات والصحفيين والمثقفين فسافر إلى بيروت لفترة، ومع تأسيس الأحزاب المصرية في 1977 انضم التجمع وتولى مسئولية إصدار جريدة "الأهالي" لأول مرة، وكان بين الصحفيين الذين تم اعتقالهم في سبتمبر 1981 إبان الأزمة الشهيرة مع الرئيس السادات، وأفرج عنه في عهد الرئيس مبارك، وساهم في إصدار جريدة "العربي" لسان حال الحزب العربي الناصري.

    طاف "عودة" . . بمعظم بلدان العالم، ولديه ولع خاص بالهند، التي ألف عنها كتابًا، وأصدر كتابًا آخر عن الصين بعنوان "الصين الشعبية"، وكان أول كتاب يصدر في مصر عن تاريخ الصين الحديث وبرغم أن دراسة عودة الأولى القانون، حيث تخرج كلية الحقوق "بجامعة فؤاد الأول- القاهرة حاليا- فإنه احتفى احتفاء خاصًا بالتاريخ المصري وجعله شغله الشاغل، فقد أصدر كتابا عن "أحمد عرابي" زعيم المصريين وكان آخر كتبه "فاروق . . . بداية ونهاية" الذي أرخ فيه قصة حياة الملك فاروق منذ مولده وحتى خروجه من مصر في 26 يوليو 1952.

    ويصدر له قريبا كتاب "قصة الحزبية والديمقراطية في مصر" يناقش فيه فكرة الأحزاب في السياسة المصرية من عهد إسماعيل باشا وحتى اليوم.

    خاض عودة العديد من المعارك السياسية والفكرية أهمها معركته مع توفيق الحكيم سنة 74 بعد أن أصدر الأخير كتابه "عودة الوعي" الذي انتقد فيه بشدة فترة حكم الرئيس عبد الناصر فرد عليه عودة بكتابا "الوعي المفقود" الذي كان بداية حملة طويلة على الحكيم استمرت حتى وفاة الأخير في 1985، كذلك خاض عودة معركة ضارية مع المفكر الكبير د. فؤاد زكريا، بسبب انتقادات د. فؤاد أيضا لغياب الديمقراطية في عهد عبد الناصر.

    ويجري الحوار معه حلمي النمنم الصحفي بمجلة "المصور" القاهرية.

  • تمر هذا العام 40 عاماً على تجربة الوحدة بين مصر وسوريا، عبر هذه السنوات، وما جرى على الساحة العربية، هل مازلت ترى إمكان قيام الوحدة العربية؟

- ليس هناك على خريطة العالم 22 دولة متكاملة، متلاصقة، تجمع بينها كل مقومات الوحدة، المادية والروحية كما هو الحال على الخريطة العربية.

أولا تتكلم كلها لغة واحدة، ويدين معظمها بدين واحد هو الإسلام، ولكن تتعايش فيها الأديان السماوية الثلاثة. بكل مذاهبها ونحلها ومللها، ولعلها أكثر مناطق العالم تسامحا وتعايشا بين كل هذه العقائد والمذاهب.

تضم هذه الدول مناطق خصبة، وادي النيل، وادي دجلة والفرات، سهول شمال إفريقيا، وتنتج بوفرة زائدة كل المحاصيل، وتضم هذه الدول كل مقومات الصناعة الثقيلة والوسيطة والخفيفة، كل الصناعات المدنية والاستراتيجية، بل وكل مقومات التكنولوجيا العليا والحديثة، لديها من الصلب والحديد، حتى اليورانيوم، ما يكفي لاستقلالها، استقلالا شاملاً، عن الدول التي تتحكم في هذه الصناعات.

وتضم هذه الدول أهم وأجمل المقومات السياحية، لديها كل مقومات الاصطياف والمشاتي، بها كل المزارات الدينية والروحية للديانات الثلاث، وتملك أهم من هذ ا وذاك المواهب من علماء وخبراء ورجال التكنوقراط الذين ينتشرون في أرقى المعاهد الدولية.

ثانيا: تملك هذه الدول أيضا 22 جيشا وأسطولا وسلاح طيران، وتتحكم في أهم المواقع الاستراتيجية العالمية، بداخل البحرين الأبيض والأحمر والمحيط الهندي والخليج العربي، وهكذا لا ينقص الدول العربية شيء، بل تفيض هذه المقومات الغزيرة وتؤهلها لكي تكون قوة كبرى وعظمى، ولا نبالغ إذا قلنا إن ما تملكه يضارع ما تملكه أي من الدول العظمى أو الأعظم.

إسرائيل بدلا من الوحدة

  • كل هذه المقومات كانت موجودة طوال الوقت، وما مضى من السنوات، ولم تقم الوحدة، بل أقيمت إسرائيل داخل المنطقة، ودبت الخلافات والعدوات بين الدول العربية!

- وقعت الأمة العربية وتقع في لهب كل الأطماع والمشاريع الدولية الاستعمارية، ولا نريد أن نتحدث عن مائتي عام من المواجهة مع الحروب الصليبية، أو على الأصح حروب الفرنجة كما سماها-العرب بحق، وأنها كانت بحق حروب استعمارية وليست دينية، لكن نتحدث في الاستعمار الحديث الذي وقعت وطأته من البداية إلى النهاية على العرب.

ويؤرخ للاستعمار الحديث باكتشاف فاسكو دي جاما طريق رأس الرجاء الصالح، الذي سمي الطريق الدائري إلى الشرق، ليلتف حول ظهر الإسلام بعد طرد العرب من الأندلس وقد عاد فاسكو من رحلته إلى الهند بالذخائر والثروات التي تحولت بها البرتغال إلى دولة كبرى وظلت 100 عام تسيطر على المحيط الهندي، ونزلت وطأتها على البلاد العربية، وكان من ضمن مشاريع البرتغال الاستيلاء على المدينة وعلى قبر النبي محمد "صلى الله عليه وسلم" في مقابل استرداد قبر المسيح عليه السلام.

بعد البرتغال زحفت هولندا واستولت على ما سمي جزر الهند الشرقية، ثم دخل الميدان كل من فرنسا وبريطانيا، وفازت بريطانيا بالغنيمة الكبرى وهي الهند، وفي ظل الصراع الدولي وقع العالم العربي فريسة تقاسمتها الدول الأوربية- الاستعمارية الكبرى، بريطانيا احتلت عددًا من البلدان العربية وكذلك فرنسا، وحينما اتحدت إيطاليا تطلعت إلى نصيبها ثم كانت إسبانيا وظلت البرتغال، في الخليج مائة عام، وحينما اشتدت ألمانيا صار الهدف الأساسي لديها السيطرة على البلاد العربية، وأنشأت ما سمي سكة حديد برلين/بغداد.

وظل نضال العالم العربي خلال الحرب العالمية الأولى للاستقلال، وكذلك خلال الحرب العالمية الثانية، واستطاع العرب أن يجهزوا على الإمبراطورية البريطانية في السويس سنة 1956 ثم في اليمن الجنوبي، وانسحبت فرنسا من الجزائر، وإيطاليا من ليبيا- واكتشف العرب بعد القضاء على الاستعمار الأوربي، أنهم يواجهون الاستعمار الجديد في معركة غير متكافئة لا تزال على أشدها، كان الشرق الأوسط مطمع أنظار الولايات المتحدة من القرن الماضي، ثم نشأت إسرائيل في المنطقة أنشأها الغرب لتكون أداته للهيمنة على المنطقة.

إجهـاض الوحدة

  • إذا كانت الوحدة بين بلدين "مصر وسوريا" لم تنجح، فهل تنجح الوحدة بين 22 بلدا؟

- الوحدة السورية- المصرية لم تفشل ولكن أجهضت، وما حققته هذه التجربة كان عميقا حتى الآن.

في ذلك الحين كان وجود سوريا مهددًا، سوريا منذ استقلت سنة 46 كانت مهددة بمشروع سوريا الكبرى، الهلال الخصيب، كان المشروع يهدف إلى تأمين إسرائيل والالتحام بالملك فاروق وعرفت سوريا الانقلابات المتتالية، وذكر مايلز كوبلاند في كتابه "لعبة الأمم" أن شابا دبلوماسيا أمريكيا مشبعا بالمبادئ المثالية الأمريكية أصيب بانهيار عصبي حين وجد حجم الممارسات الأمريكية في المنطقة تجاه سوريا بالذات.

وبعد حرب السويس تضاعف الخطر على سوريا، فقد جرى الانقلاب في الأردن، وبدأ الحصار على سوريا من العراق وتركيا وإسرائيل، ومن ثم كان وجود سوريا في خطر، وخلال سنوات الوحدة الثلاث جرى الاحتفاظ بوحدة سوريا وأمكن أن تتحقق كل التحولات السورية التي كانت كل القوى القومية تطمح إليها، من إصلاح زراعي وغيره. ودليل ما قدمته الوحدة أن الحكم الانفصالى لم يستمر سنة واحدة، وعوقب كل الموقعين على الانفصال بأن حذفوا من الحياة السياسية، وما حدث في حرب 1973 بين مصر وسوريا يعود في جذوره إلى تجربة الوحدة، كانت أسباب إجهاض الوحدة خارجية، كانت هناك مؤامرات على الوحدة.

  • لماذا نعول في فشل الوحدة وعدم تحققها على العناصر الخارجية، والأمر المؤكد أن هذه العناصر موجودة، ومن تحصيل الحاصل ألا يتمنى الغرب قيام دولة عربية قوية، ومن الصحيح أيضا أن هناك عناصر وأسبابا داخلية، فينا، في الحالة السورية- المصرية، أراك تغفل ما قيل وقتها عن الممارسات الفاشلة للمشير عبد الحكيم عامر ورجاله في سوريا، وتجاهل العوامل الداخلية يجعلنا نعيش حالة "سيزيف" وكأنه مقدر علينا بالأسباب الخارجية ألا نحقق أي شيء!؟

- هذه كلها أمور ثانوية، ولكن الأساس هو العوامل الخارجية، أمريكا تخطط بل وجزء من استراتيجيتها أن تكون إسرائيل هي الدولة الأعظم في المنطقة، ولن تسمح بقيام دولة قويةمجاورة لها.

أما الحديث عن المشير عامر وغيره، فهذه كلها سفسطات، بعد الانفصال وقف الرئيس جمال عبدالناصر، وقف هنا وأعلن أسباب الانفصال في أعظم عملية نفوذ ذاتي، وقال ناصر إننا هادنا الرجعية في سوريا، الرأسماليون في سوريا أرادوا الوحدة لكي ينقذ عبد الناصر سوريا من الشيوعيين، وأنقذها فعلا وسلمها للقوميين الاشتركيين وهم يحكمون بفضل الوحدة إلى اليوم.

ذكرى الحملة الفرنسية

  • في العام الماضي "1998" مرت 200 سنة على غزو نابليون لمصر والشام، وتشهد الساحة الثقافية لغطا شديدًا حول هذه المناسبة، بين من يرى إمكان استغلالها وتنشيط العلاقات الثقافية المصرية- الفرنسية، وبين من يرى استحالة الاحتفال بالمعتدي والغازي، كيف ترى هذا اللغط وهل نحتفل بهذه المناسبة؟

- لايملك أحد من الفرنسيين أو المصريين أن يزعم أن نابليون جاء إلى مصر في مهمة حضارية إنسانية لكي يحمل إليها وإلى الشرق مبادئ ومثل الثورة الفرنسية، لا يملك أي فرنسي أو مصري إلا الاعتراف بأن نابليون جاء إلى مصر ليحقق أكبر مشروع استعماري في أوائل القرن التاسع عشر، والذي كان يقوم على أن فرنسا هي الأجدر والأحق من بريطانيا بالسيطرة على الشرق.

لكن من الوجه الآخر فإن الحملة كانت أول صدام مباشر بين مصر والاستعمار الأوربي الحديث ومنذ بدأت سلسلة المصادمات والمضاعفات التي مازلنا نعيشها حتى اليوم، والاحتفال بهذا التاريخ لا يعني إقامة الأفراح والليالي الملاح تمجيدا له، ولكن يعني إعادة تقييم ما حدث واستعراض تاريخنا خلال 220 سنة، وما حققناه وما لم نحققه، وحينما نفعل ذلك نفعله من مركز قوة، ذلك أن نابليون الذي ارتدى عمامة وقلنسوة وأعلن أنه اعتنق الإسلام وجاء ليحرر المصريين من ريقة المماليك لم يخدع أحدًا، وفوجئ بثورة القاهرة الأولى ضده التي قوضت حلمه في أن هذا الشعب سوف يستقبله مرحبا، ولم تكن هذه الثورة مجرد حدث عادي بل إن المؤرخين العسكريين يعتبرونها نقطة تحول في تاريخ الحرب عامة وأنها البداية كما سمي بعدئذ "الحرب الشعبية" أي الحرب التي تعتمد على وعي الشعوب وإيمانهـا بذاتها وحقوقها في مواجهة قوى إمبريالية.

ثم قامت ثورة القاهرة الثانية، وفي النهاية لم يجد جيش الحملة أمامه بدا من أن يرحل، وكان لها نتيجتان خطيرتان:

الأولى أنها لفتت أنظار الإنجليز إلى موقع مصر، وبدأت المواجهة المصيرية للأطماع البريطانية من ذلك الوقت، مرورًا بتجربة محمد علي وإجهاضها في 1840 ثم تجربة إسماعيل في تحديث مصر والتي انتهت بالثورة العرابية والاحتلال البريطانية في 1882، وما تلى ذلك من مقاومة طويلة انتهت بدفن الإمبراطورية البريطاني في مياه السويس سنة 1956.

الثانية: اصطحب نابليون معه عددًا من العلماء، وحرروا "وصف مصر"، وأدى ذلك إلى وعي المصريين بذاتهم وأهمي وطنهم.

وأتصور أن تعقد ندوة عالمية في القاهرة أو باريس تحت إشراف اليونسكو يبحث فيها هذا الحدث وتعلن فيها كل الآراء، ويدعى إليها كبار المفكرين من مختلف بقاع الدنيا. وقبل هذه الندوة يمكن أن يدير التلفزيون حوارات حقيقية حول هذا الحديث، لنعرف ما جرى بالضبط، وتعلن الوثائق، وعلينا أن نكف عن الحوارات المحمومة التي تجري الآن، والتي تقسم المثقفين إلى وطنيين يرفضون الاحتلال، وغير وطنيين يحتلفون بالمحتل. فهذ كلام لا يفيد، وكما قلت لا يوجد أحد في فرنسا أو مصر من البلاهة بحيث لا يرى أن نابليون كان غازيا وأن مشروعه كان استعماريًا.

الوعي المفقود

  • يرى بعض المحللين أن توفيق الحكيم حين أصدر"عودة الوعي"الذي هاجم فية ثورة يوليو والرئيس عبد الناصر، ارتعب أنصار عبدالناصر، خاصة أن الحكيم كان على صلة بالرئيس السادات، وأنه لولا أنك قمت بالرد عليه في كتابك "الوعي المفقود" لما رد الناصريون، ولما كانت الحملات الضارية طوال السبعينيات بين الناصريين والساداتيين، كيف تقيم هذا التحليل؟

- ما تركه عبد الناصر ليس مجرد كلام، بل ملايين من العمال في المصانع، وملايين الشباب تعلموا مجانًا، وآلاف الضباط والجنود، ومكانة رفيعة لمصر، هذه حقائق كانت كفيلة بالرد وهي التي ردت، والحقيقة أن الناس بهتت وقتها من ضراوة الحملة على عبد الناصر، حتى أفاقت على السياسات البديلة، وكانت سياسات هزيلة، وكانت الأخرى هي الرد، ومن حسن الحظ أن الذين هاجموا عبدالناصر كانوا أقلاما موصومة، انكشفت بعد ذلك بقليل أمام الرأي العام، وأين هي الآن؟!

الهزيمة الحقيقية

  • برغم كل الإنجازات التي أشرت إليها، والتي قام بها الرئيس عبد الناصر، يؤخذ عليه وعلى ثورة يوليو 1952، أنه لم يحقق نجاحًا كبيرًا في الصراع العربي- الإسرائيلي والذي انتهى بهزيمة يونيو 1967 وما جرى فيها من احتلال كامل لكل من سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس، وكان ذلك مادة للحملات عليه وعلى الثورة؟.

- المسألة تقاس بالهزيمة الحقيقية وهي انكسار إرادة المقاومة لدى الأمة، إسرائيل تمكنت في 1967 من أن تحقق انتصارًا كبيرًا تعاونت فيه القوى الدولية مع قوى داخلية، وأعلن في ذلك اليوم أن معركة الشرق الأوسط قد انتهت، وقالت جولدامائير إنها مستعدة للذهاب إلى القاهرة أو دعوة عبد الناصر إلى تل أبيب وقال إنه ينتظر بجوار التليفون ليكلمه عبد الناصر في الاستسلام!!

لكن النكسات العسكرية جزء من تاريخ كل الأمم الكبيرة، تعرضت لها الولايات المتحدة في بيرل هارير، وبريطانيا في "دنكرك وسنغافورة"، أما فرنسا فقد احتلت عاصمتها باريس أثناء الحرب العالمية الثانية، وفي روسيا وصل الألمان إلى ضواحي موسكو، كل هذه كوارث ولكن كيف انتهت!؟ ولا أحد يعايرهم بها الآن، لا أحد يعاير تشرشل أو روزفلت- مثلا- بما حدث لأنهم استطاعوا بناء قوتهم.

عبدالناصر استطاع أن يعيد بناء القوات المسلحة، بجيش من المتعلمين والمثتقفين مما اعتبر معجزة من المعجزات وخاض حربا جديدة، بعد أسبوعين من معركة يونيو 67 وقعت معركة "رأس العش" ثم استمرت حرب الاستنزاف التي وصفهـا أحد جنرالات إسرائيل أخيرًا في مذكراته بأنها أول حرب خسرتها إسرائيل في الميدان.

وتساقطت الطائرات الإسرائيلية الفانتوم والإسكاي هوك، وبكت مائير وطلبت إلى روجرز أن يسعى لتحقيق هدنة روجرز التي وافق عليها عبد الناصر، لهذا فإن مصر غسلت كل عار الهزيمة في الميدان، ولولا أنه رحل لكانت الحرب استؤنفت بمجرد نهـاية هدنة روجرز، ولما استطاع هؤلاء الحاقدون أن يتخذوا من هزيمة 1967 ذريعة لمهاجمة الثورة، وحينما مات عبدالناصر كانت الخطة جاهزة للعبور واسترداد الأرض.

العدالة مطلب إنساني

  • بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، والمعسكر الاشتراكي، هل بات ممكنا الآن الحديث عن العدالة الاجتماعية في العالم؟

- العدل مطلب إنساني دائم، والإنسانية تبحث عن العدل منذ أن نشأ المجتع الإنساني، أما انهيار الاتحاد السوفييتي، فكان يمكن أن يكون انهيارًا حقيقيًا لو أن النظام البديل في "روسيا" هو الرأسمالية، لكن الرأسمالية لم تقم ولم تتحقق في روسيا، البديل كان قيام مافيا حقيقية، سيطرت على كل شيء في روسيا، والغرب كله يدرك مدى الفساد في النظام الروسي الحالي، وداخل معظم الروس الآن حنين إلى النظام القديم، والحزب الشيوعي، هو أقوى حزب سياسي في روسيا الآن، حيث يدرس أسباب الانهيار، والواضح حتى الآن أن أسباب الانهيار لم تكن في الاشتراكية، ولكن في التطبيق البيروقراطي البوليسي الذي صاحب التجربة.

وإذا نظرنا إلى النظم البديلة التي قامت في شرق أوربا، فيما عدا النظام التشيكي المدعوم بألمانيا، فإنها لم تصمد ولم تسعد بعودة الرأسمالية، ولم تحل مشاكلها، وكان الفشل الأكبر في ألمانيا حيث يوجد أربعة ملايين ونصف المليون عاطل.

وقد درست معظم الأحزاب الشيوعية في أوربا الشرقية التجربة ومعظمها عاد إلى السلطة في صيغة أحزاب اشتراكية ديمقراطية.

وأثبتت الاشتراكية نجاحا ساحقا ماحقا في التجربة الآسيوية، الصين- الدولة العظمى القادمة- استوعبت أفضل ما في الرأسمالية والتكنولوجيا الجديدة وخلقت صيغة التطور متعدد الملكيات في ظل الملكية العامة، باختصار استوعبوا أفضل نجاحات المجتمع الرأسمالي بكل مزايا الاشتراكية.

التجربة الفيتنامية يمكن القول بأنها أنجح اقتصاد في الدول النامية، وهي تجربة اشتراكية في قلب أوربا نفسها يجب ألا نتجاهل تجربة الحزب الشيوعي الإيطالي الذي دخل إلى السلطة كطرف أساسي، وفي بريطانيا جاء توني بلير إلى الحكومة إثر انتفاضة لحزب العمال تعلن سقوط التاتشرية، في الولايات المتحدة نفسها انتهت الريجانية وعادوا إلى ما يسمى الرأسمالية الاجتماعية وفي فرنسا اشتراكية برغم أن الرئيس شيراك "يميني"، عموما أثبتت الرأسمالية المطلقة عجزها عن حل مشاكل المجتمع الرأسمالي، في أوربا الرأسمالية حوالي 20 مليون عاطل، والذي حدث في الاتحاد السوفييتي وأوربا الشرقية هو تعثر وفشل تجربة وليست فشل الاشتراكية.

لكن المجتمع الرأسمالي ضمن- على الأقل- للفرد حريته الديمقراطية السياسية، وربما يكون هناك اتفاق عالمي اليوم على أن الحرية وحقوق الإنسان هي المبدأ الأول الذي ينبغي أن يحكم أي مجتمع!!

ما معنى النظام الديمقراطي في ألمانيا مع وجود 4. 5 مليون عاطل؟!، الديمقراطية لا يمكن أن تكون ديمقراطية سياسية فقط، ولكنها أيضا ديمقراطية اقتصادية- ثقافية، ديمقراطية متكاملة توزع السلطة والثروة والمعرفة بالعدل، الديمقراطية القائمة الآن في الغرب هي ديمقراطية أصحاب الملايين والتي تنتهي بأن تكون السلطة السياسية في يد المال، وإذا لم تكن الديمقراطية ثلاثية "السلطة- الثروة- المعرفة" فلا معنى لها.

وحقوق الإنسان تصبح بلا قيمة إلا إذا ضمنت له حق الحياة، يأكل وينام ويعمل، حقه في أن يعيش، وضمانات هذا الحق مادية وروحية، حقوق الإنسان لا تعني فقط حق الترشيح والانتخاب، والوضع في كثير من المناطق يؤكد ذلك.

الرأسمالية عجزت عن حل مشاكل المجتمع الأوربي، ثم تأمل الوضع في إفريقيا، الرأسمالية حولت إفريقيا إلى مذابح ومجازر وسقط "موبوتو" رجل الغرب الرأسمالي، وظهرت فضيحة المليارات التي كان يودعها في بنوك الغرب، وفي جنوب إفريقيا ستظهر المعركة الاجتماعية باعتزال مانديللا.

وهناك محاولة للبحث عن طريق جديد في إفريقيا، ولا مناص من حل اجتماعي- راديكالي في إفريقيا.

في آسيا، هللنا كثيرا لتجربة النمور الآسيوية "الرأسمالية" وسقطت جميعها في 24 ساعة، وفي إندونيسيا نموذج مروع، حيث كشفت الصحف الأمريكية فساد "سوهارتو" وأعلنت عن امتلاكه هر وأسرته ثروة مالية تقدر بـ 30 مليار دولار، وقالت الصحف نفسها إنه هر وأصدقاءه يملكون إندونيسيا، وكانوا في الغرب يعرفون ذلك، ويصمتون !!

وفي أمريكا اللاتينية، تأمل أيضا أنصار الرأسمالية البرازيل أغنى دولة في العالم وبرغم ذلك فالتنمية بها متعثرة وتمتلئ البرازيل بالمآسي الاجتماعية والإنسانية. النظام الاشتراكي نجح في الصين وفيتنام وبريطانيا بسقوط التاتشرية وهزيمة حزب المحافظين، وفي الولايات المتحدة أعلن كلينتون دولة الرعاية الاجتماعية وسقوط الريجانية.

أمراض الرأسمالية

  • هل ننسى أن الولايات المتحدة، القطب الأعظم الأوحد، في عالم اليوم، هي بلد الرأسمالية؟

- الولايات المتحدة تمتلك اقتصادًا قويًا، يعرف كيف يستوعب الأزمات، ويحلها حلولا جزئية ومؤقتة، لكن في الولايات المتحدة أمراض الرأسمالية المزمنة، والتقدم التكنولوجي الهائل لم يحل المشاكل المزمنة في أمريكا، هناك الفروق الطبقية الهائلة، والتي جعلت 30 مليون أمريكي يعيشون تحت خط الفقر، هناك أيضا في الولايات المتحدة 20 مليون عاطل، وهذا يعني وجود 20 مليون مأساة إنسانية.

لا يمكن أن نعلن استقالة الاشتراكية من التاريخ، والمعركة الاجتماعية قائمة، وسوف يشهد القرن القادم تصاعد هذه المعركة.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




محمد عودة





حلمي النمنم