طرائف عربية

طرائف عربية

حكايات من الحكمة
النجاة بالماء:

حدث بن قمير وكان يجلد الكتـب فقال: أعطاني ابو عبدالله بن أبي العلاء بن حمدان أخو ابي فراس الحمداني مخطوطا نادرا عن الحكمة أجُلده, وكان من أحب الكتب إلى نفسه, ومضيت إلى دكاني وكان طريقي دجلة, وحين نزلت أتوضأ سقط منى المخطوط, فانتزعته من براثن الماء بعجلة قبل أن يغرق, كان قلبي قد انخطف, وكادت تزهق روحي لأن في ضياع المخطوط ضياع عمري, قلت: أجففه, وأجلده وأرمم ما جرى لصفحاته من بوار, ثم أذهب إلى عبدالله وأسلمه لأحد غلمانه وأنا مستتر, فلما فرغت منه جئت إلى الحاجب لأسلمه إليه من باب الدار وأمضي إلا أنه قال لي ادخل إليه وادفعه من يدك إلى يده فلعله يأمر لك بشيء.

سقط قلبي من صدري وقلت هو يوم بلا آخر, لن تطلع شمسه وتوقعت الأذى المؤدي إلى المكروه, ودخلت إلى الصحن وأنا في هم عظيم.

كان أبوعبدالله جالسا على بركة ماء الصحن والغلمان قيام على رأسه فأخرجت المخطوط من كمي وبه ما به فقال لأحد غلمانه: خذه من يده وهاته.

فجاء الغلام من جانب البركة ومد يده ليأخذه فأعطيته اياه وحين رجع بظهره سقط المخطوط في البركة وغاص في الماء فجن أبوعبدالله وصرخ: المقارع.. المقارع, وهجم على الغلام يفترسه, حمدت الله وانسحبت والغلام يضرب.

عـبـرة الذهـب:

امتلك أحد الجهّال, عبدة المال, صندوقا من الذهب , ثم مات وخلّف وراءه الصندوق, وبعد عام جاء لابنه في المنام صورته على شكل فأر, وتفيض عينه بالدموع, ثم دار بالمكان الذي أخفى فيه الذهب, قال له ابنه: لم أتيت هنا على هذا الحال? ولم اتخذت شكـل الفأر آخر الأمـر يا والدي?

قال : كل قلب خفـق بحب الذهب يكون يوم الحشر علـى صورة الفأر فامعن النظر, وخذ العبرة يابني.

شجاعـة الأسـيـر:

خرج (تميم بن حجيل) عن طاعة (المعتصم), وهرب في بعض النواحي وكان المعتصم قد ضاق به فبعث من جاء به مقيدا, دخل تميم وحضر السياف, وفرش النطع, وكان تميم غير مكترث تعلو الشجاعة هامته, فلما رآه المعتصم غير مكترث سأله ليعرف هل يتوازى علقه مع جسارة قلبه:

- يـا تميـم إن كـان لـك عـذر فهاته, فأجـاب:

- أما إذا أذن أمير المؤمنين, فالحمد لله الذي جبر بك صدع الدين, ولم بك فرقة المسلمين, وأنار بك سبيل الحق, إن الذنوب تخرس الألسنة الفصيحة ووالله لقد كبر الذنب, وانقطعت الحجة, ولم يبق الا عفوك أو انتقامك, وأنت إلى العـفـو أقرب, وهو بك أسبك.

ثم أنشد:

أرى الموت بين السيف والنطع

كامنا يلاحظني من حيث لا أتلفت

وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي

وأي امرئ مما قضى الله يفلت

وأي امرئ يأتي بعذر وحجة

وسيف المنايا بين عينيه مصلت

وما جزعي من أن أموت وإنني

لأعلم أن الموت شيء مؤقت

ولكن خلفي صبية قد تركتهم

وأكبادهم من حسرة تتفتت

فإن عشت عاشوا سالمين بغبطة

أذود الردى عنهم, وإن مت ماتوا

فبكى المعتصم حتى ابتلت لحيته وقال: (إن من البيان لسحراً.. يا تميم كاد السيف يسبق العفو, ولقد وهبتك لله ولبنيك وغفرت لك ذنبك).

آخر الدهر:

كان مسلم بن الوليد والفضل ابن سهل, متجاورين في حي ببغداد اسمه قنطرة البردان, وكانا صديقين, فأعسر مسلم بن الوليد إعسارا ضيق عليه حياته, ولحقته محنة أشد مصيبة من النكبات الكبيرة بينما الفضل قد ولي الوزارة, وحين تقابلا, وشعر الفضل بما فيه مسلم من ضيق يستره بالكرامة وإباء النفس واجهه قائلا: ياأخي مسلم أتعف نفسك عني وأنت القائل:

فساير مع الدهر إلى غاية

ترفع فيها حالك الحال

فقال: نعم

قال: صرنا هذه الحال, والأيام دول. ومر لي بما يستر حياتي.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات