إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي

كلاب بين الشمال والجنوب

حالة أهل الجنوب الفقراء مع أهل الشمال الأغنياء هي أشبه بحالة جمعية رعاية الكلاب مع المحسنين في بريطانيا.

وحكاية جمعية رعاية الكلاب في بريطانيا هي أشبه بحكاية المواطنين مع بعض الحكام في العالم الثالث.

ونبدأ من رعاية الكلاب، فالمعروف أن الإنجليزي يفضل، إذا تعرض قاربه للغرق، أن ينقذ كلبه قبل زوجته، ومن هنا فقد قامت مئات الجمعيات الخيرية في بريطانيا، بناء على طلب الجماهير، لرعاية الكلاب الضالة، أو للدفاع عن الكلاب المقهورة، أو لتحسين نسلها، وبالطبع فإن تمويل هذه الجمعيات يعتمد على جيوب البريطانيين العاشقين للكلاب، ولكن جمعية من بين هؤلاء اختارت أن تجمع بين الإنسان والحيوان في سلة واحدة فأعلنت أن هدفها هو رعاية الكلاب المتخصصة في قيادة العميان، وتوفير كلب لكل أعمى، يتولى قيادته وحراسته والعناية به، بينما تقوم هي بتوفير مايلزم للكلب وليس للأعمى، وأعتقد أن هذا الهدف جماهيري لأنها لو قالت إنها ستقوم برعاية العميان لأحالها الناس إلى وزارة الداخلية أو الصحة أو المالية، لأن العميان ليس من شأنهم، أما إذا كان الموضوع هو عن الكلاب التي تقود العميان، فإن الأمر يتحول إلى قضية مصيرية.

المهم أن هذه الجمعية ومنذ سنوات تزاول مهمتها، وتعلن إنجازاتها، مما اقتضى زيادة عدد موظفيها، ونسأل: لماذا الموظفون وليس المتبرعين أوالمتطوعين؟ ويأتي الجواب: لأننا نحتاج إلى خبراء ومحترفين في فن الدعاية والإعلان عن الجمعية وأهدافها كي يزداد الدخل.

ولكن النتيجة، وكما نشرتها صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية هي أن الجمعية اكتشفت أنها تعاني من عجز في ميزانيتها، حيث زادت النفقات على الواردات بنسبة خمسة في المائة، والسبب ليس بالطبع زيادة عدد العميان الذين تم توفير كلاب لهم، بل نتيجة زيادة عدد الموظفين. وقد اعتذرت الجمعية عن هذا الخلل ووعدت بتحسين أداء موظفيها، وليس كلابها.

هذا يعيدنا إلى "المساعدات" التي يقدمها أهل الشمال الأغنياء لأهل الجنوب الفقراء، فهذه المساعدات تحتاج إلى "خبراء" يدرسون حاجة الفقراء إلى المساعدات ونوعية المساعدات، وتحتاج إلى "خبراء" يعرفون المصانع التي يمكن أن تقوم بتصنيع هذه المساعدات، وتحتاج ثالثاً إلى "خبراء" يعرفون كيف يقومون بتوزيع هذه المساعدات داخل كل قطر ودولة، والنتيجة أن فواتير هؤلاء الخبراء، وكلهم من الغرب، تخصم من قيمة المساعدات، وعندما يصل هؤلاء الخبراء إلى الدول الفقيرة المحتاجة إلى مساعدات فإنهم ينزلون في أفخم الفنادق، ويصرفون على حساب الحكومة والنتيجة معروفة، كما حدث مع جمعية الكلاب.

أما حكاية بعض الزعماء في العالم الثالث مع شعوبهم فهي أن هؤلاء القادة والزعماء بعد أن يحلبوا الجماهير، يشيرون إلى عجز الخزينة، ويتهمون هذه الشعوب بالتقصير، وبالتالي فهي لاتستحق الخدمات التي يقدمها الزعماء.

وما رأيكم بجمعية خيرية لرعاية هؤلاء الزعماء؟

 

أنور الياسين