لقاء التاريخ بالعصر

لقاء التاريخ بالعصر

يضمّ هذا الكتاب الصادر حديثا في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، تحت عنوان «لقاء التاريخ بالعصر» مجموعة دراسات للدكتور محمد جابر الأنصاري، تتمحور حول ابن خلدون وفكره، وفلسفته الاجتماعية والتاريخية، في محاولة لتصويب بعض ما شاع عنه من أفكار مغلوطة، ولإعادة بسط مفاهيم كثيرة لا تصلح لزماننا الراهن.

من ذلك ما يذكره د. محمد جابر الأنصاري في دراسة له في الكتاب حول توفيق ابن خلدون بين العصبية، أو القومية، وبين الدين.

يرى الأنصاري أن عبارة العصبية في مصطلح ابن خلدون تعني الرابطة الاجتماعية الطبيعية التي تجمع بين مجموعة متجانسة من البشر بصلة الولاء، وتدفعهم جميعًا إلى الحركة والفعل والبناء والدفاع عن النفس ضد العدوان.

وقد اكتشف ابن خلدون دور الرابطة القومية في التاريخ، كما اكتشف دورها الحيوي في نشر الرسالات الدينية بخاصة، من خلال طرحه لمفهوم العصبية كمحرك تاريخي. والعصبية، إذا تجاوزنا مفهومها الجاهلي، هي تعبير لغوي صريح يتناسب وصراحة عالم التاريخ والاجتماع في وصفه للطبائع البشرية الواقعية حيث يكون التعصب، أي الحماسة القومية والولاء الشديد للرابطة الجامعة بين الوحدات الاجتماعية من قبائل وشعوب وأمم.

يرى الأنصاري أننا لو تتبعنا إشارات ابن خلدون إلى مفهوم العصبية في مختلف المواضع بمقدمته لما خامرنا الشك في أنه يتحدث عن الرابطة القومية بمعناها الحديث الذي ينسبونه إلى علماء أوربا وحدهم، ويتحدث عنه بعض مفكرينا على أنه من الأفكار المستوردة. وقد استطاع ابن خلدون أن يجمع ويوفق بين إيمانه الديني الراسخ وعلمه الديني الواسع وبين أفكاره العلمية الاجتماعية التقدمية في العامل القومي والعامل الاقتصادي ونحوهما، دون أن يجد أن أحدهما ينقض أو يخالف الآخر. فلماذا يتوهم السلفيون اليوم أنهم نقيض التقدميين؟ ولماذا يضع التقدميون أنفسهم في مناقضة السلفيين؟ وهذا ابن خلدون الفقيه الديني والمفكر العلمي يقف جسرًا متينًا واصلاً بين الضفتين، ومن عمق التراث العربي - الإسلامي وعلى ذروة من ذراه الشاهقة؟.

 

محمد جابر الأنصاري