خدم الكمبيوتر أنطوان بطرس

خدم الكمبيوتر

شاع في الآونة الأخيرة في عالم الكمبيوتر مصطلح جديد هو (Client server ) ليعبر عن نوع جديد من التطبيقات الكمبيوترية. ومن النادر أن يفتح المرء مجلة أو مادة إعلامية جديدة ولا يجد ذكرا لهذا المصطلح فيها. البعض ترجمه بـ "الخادم" والبعض الآخر بـ " المزود / المستفيد". ونحن من هذا البعض الآخر لأن مصطلح المزود أكثر دقة وأبعد دلالة. فكلمة خادم تخلط بين Servant وServer وهناك فرق شاسع بينهما.

على أية حال فالمصطلح الجديد إنما يعبر عن وظيفة جديدة للكمبيوتر الشخصي، ضمن إطار العمل وهي حلوله محل الكمبيوترات الكبرى لتوزيع العمل وتقاسمه ضمن المنشأة الكمبيوترية الواحدة وضمن بيئة وظائفية معقدة أو بين عدة نظم وأحيانا مؤسسات عدة.

والمعروف أن الكمبيوترات مرت تاريخيا، من الوجهة العامة، بمرحلتين. الأولى: الكمبيوترات الكبيرة المسماة سوبر كمبيوترات أو إيوانية (نسبة للإيوان لكونها كانت تتصدر المكان الذي كانت توضع فيه لضخامتها)، والثانية: الكمبيوترات الشخصية الصغيرة. وكان العمل في المؤسسات، خاصة الكبرى، يعتمد هذين النوعين من الكمبيوترات بحسب مقتضيات العمل ونوعيته.

ومع تطور تكنولوجيا المعلومات، وخاصة تكنولوجيا التصغير (Downsizing) فقد باتت الأجهزة الشخصية الصغيرة ذات فعالية كبيرة وقادرة على مواجهة أعباء كانت في الأمس القريب من اختصاص الكمبيوترات الكبيرة. وفي حين لم يتم الاستغناء عن الكمبيوترات الإيوانية فقد ازداد دور الكمبيوترات الصغيرة في بيئات العمل، وأخذت الشركات تتسابق على تسويق أجهزتها الصغيرة.

عمليات كبرى.. في لحظات

ونظرا لتعقيدات بيئة العمل فقد وجدت الشركات ضرورة لتوافر أجهزة تستطيع أن تقوم بأداء النوعين في آن. صحيح أن الأجهزة الصغيرة قادرة على العمل بسرعات كبيرة وتخزن مقدارا كبيرا من المعلومات غير أن الضرورة باتت تقضي بأن يقوم في وسط المنشأة جهاز شبيه بالأجهزة الإيوانية ذومهمة تنسيقية يوزع العمل بين مختلف المستعملين وبحسب اختلاف درجاتهم وتنوع متطلباتهم وصلاحيتهم للولوج إلى هذا أو ذاك القسم من المعلومات.

والحقيقة أن المفهوم الأساسي للأجهزة "المزودة/المستفيدة" هو أن أي عمل معقد للكمبيوتر إنما ينطوي على ثلاث عمليات معالجة مختلفة: خزن البيانات، معالجة البيانات، تقديم البيانات للراغب فيها (المستفيد) عند الطلب. هذه العمليات الثلاث تتوزع بين مختلف الكمبيوترات في المنشأة الواحدة، بحيث إن كلا منها تتم في الكمبيوتر الأنسب لكل واحدة من هذه العمليات الثلاث.

فإذا أخذنا على سبيل المثال حسابات الموازنة في شركة ما ذات ستة فروع مثلا وأردنا أن نعرض النتائج في رسم بياني، نجد أنفسنا، حسب العرف السائد حاليا في الشركات، مضطرين للحصول على المعلومات من دائرة المعلوماتية في الشركة، وأن ننتظر أياما وربما أسابيع لترسل لنا هذه الدائرة ما طلبناه من تقارير. فقد تكون منشغلة بغيرنا أو بأشياء أخرى مما يحول دون تلبية طلبنا فورا. وقد نجد أنه من الأنسب أن نطلب من كل فرع من فروع الشركة البيانات الخاصة به، وفي كلتا الحالتين هناك دائرة معينة لتلبية مثل هذه الطلبات وهو أمر يحتاج إلى خبرة ووقت، خلال ذلك ما علينا سوى الانتظار.

لكن إذا كان لدينا نظام "مزود/مستفيد" فكل ما علينا هو أن نحدد طلبنا على شاشة الكمبيوتر الشخصي الخاص بنا، وهو في هذه الحالة (المستفيد) بالتأشير بواسطة الفأرة على المعلومات المطلوبة. فيقوم الكمبيوتر بإصدار الأمر إلى الكمبيوتر التابع للدائرة (وهو المزود) الذي يتولى البحث عن المعلومات المطلوبة. فقد يعثر عليها في قاعدة بياناته أو كمبيوترات أخرى عائدة لدوائر أو أقسام أخرى وربما في كمبيوتر مركزي للشركة، وربما أيضا في كمبيوتر تابع لمنشأة أو مؤسسة كمبيوترية أخرى، وعندما يعثر عليها يحولها إلى كمبيوترنا الشخصي (المستفيد) والذي يقوم عندها بتحويل البيانات إلى رسوم بيانية على الشاشة... كل ذلك خلال لحظات.

موافقون ومعترضون

من الواضح إذن أن المفهوم ينطلق من علاقة معينة بين الجهاز الموزع والجهاز المستفيد عبر آلية معينة مرنة.

من هنا كانت الأنظمة "المزودة/ المستفيدة" تجمع مزايا أنظمة مراكز البيانات وجهاز الكمبيوتر المستقل، التي من شأنها تحويل نمط العمل بين رجال الأعمال والإختصاصيين في تكنولوجيا المعلومات، حيث بإمكان المستعملين الأفراد اختيار أدوات العمل الشخصية التي يفضلونها مع إمكانات الولوج إلى المعلومات أو إلى البرامج الكمبيوترية على نطاق الشركة ككل. أما المسئولون عن أنظمة تكنولوجيا المعلومات، فإنهم يستطيعون الحفاظ على بنية تحتية لتكنولوجيا المعلومات أمنية واقتصادية، وفي الوقت نفسه التجاوب بسرعة مع المتطلبات الطارئة، وبالإمكان توزيع الموارد الكمبيوترية، إذا جاز التعبير، ضمن إطار المؤسسة والتحكم بها وإدارتها مركزيا. وبالإمكان أيضا تطوير تطبيقات جديدة، وفي الوقت نفسه ترقية التطبيقات الموجودة للحصول على أفضل مردود بالنسبة للاستثمارات. بالمختصر فإن الميزة الأبرز للأنظمة المزودة/ المستفيدة تكمن في قابليتها لأن تتكيف وتتعدل وفق أية استراتيجية مطلوبة، على أن يتم اختيار الهيكلية الأنسب والهندسة الأفضل لمتطلبات العمل.

ويرى أنصار الأنظمة "المزودة/المستفيدة" أنها تتفوق على الأنظمة الإيوانية بثلاث ميزات على الأقل:

- أن كلفة تشغيلها أقل من كلفة تشغيل الأنظمة الإيوانية.

- أن استعمال الأنظمة "المزودة/المستفيدة" يحول دون أن يسيطر العاملون على الأنظمة الإيوانية على جميع بيانات المؤسسة.

- من الأسهل تشغيل الأنظمة "المزودة/المستفيدة"، وهذا لا يتطلب اختصاصيين بل يكفي أن يعمل عليه القادرون على تشغيل الأجهزة الكمبيوترية الشخصية.

إلا أن ثمة من بدأ يعارض هذا الرأي معارضة شديدة، ويؤكد ضرورة الاستعانة بالأنظمة الإيوانية، نظرا إلى أن:

- تشغيل شبكة كمبيوترية كبيرة من الأجهزة الشخصية أغلى بكثير من تشغيل نفس العدد من المحطات بواسطة نظام إيواني على المدى البعيد، وهذا ما بينته عدة دراسات أجرتها مؤسسات مستغلة للأبحاث.

- فيما يتعلق بسيطرة شخص أو أشخاص معدودين على مقدرات جميع بيانات المؤسسة، فإن الأنظمة الإيوانية مزودة بتسهيلات أمنية أكثر تطورا واختبارا من تلك الخاصة بالأنظمة المزودة/المستفيدة، وبالتالي فإن خطر تعرض هذه البيانات للقرصنة أو مشروع الفيروسات أقل بكثير في الأنظمة الإيوانية.

- فيما يتعلق بسهو لة تشغيل الأنظمة، يقول أنصار الأجهزة الإيوانية إن لغات البرمجة المستعملة في تلك الأجهزة تسمح بمعالجة عمليات معقدة بتعليمة واحدة، على عكس لغات الأجهزة الشخصية، فضلا عن أن الشركات التي تنتقل من الأجهزة الإيوانية إلى الأنظمة المزودة/ المستفيدة ستضطر لتحمل أعباء إعادة تدريب العاملين لديها ليتعلموا كيفية تشغيل الأنظمة الشخصية.

المعالجة المتوازية

من الواضح أن الأنظمة "المزودة/المستفيدة" لن تحل بالضرورة محل الأنظمة الإيوانية، وإنما ستكون مكملة لها، ولكن إذا تأكدت أهمية الأجهزة المزودة/ المستفيدة ضمن المنشأة الواحدة فماذا بشأن التواصل بين أكثر من مؤسسة لكل منها أنظمتها المختلفة ؟.

يمكن تجاوز مشكلة عدم التوافقية بين الأجهزة والأنظمة التشغيلية ضمن شبكة "مزودة/مستفيدة" عن طريق اعتماد "برامج وسيطة" (Middleware Software) تلعب دور"الربط" بين البيانات الواردة من أنظمة متعددة، وذلك من دون أن يضطر المستعمل إلى التدخل. والبرامج الوسيطة هذه تتولى إيجاد البيانات المطلوبة وتحويلها إلى النسق المطلوب، وعرضها للمستعمل الذي طلبها بواسطة البينية الرسومية للمستعمل.

وتشير الإحصاءات إلى أن عدد الأجهزة العادية أو التقليدية (إن صح التعبير) كان قبيل عام 1992 م قد بلغ 70% من مجموع الأجهزة، مقابل نسبة 30% للأجهزة المزودة/المستفيدة. ويرجح أن ترتفع النسبة الأخيرة هذه إلى 78% بحلول عام 2000، ويتضاءل دور الأجهزة العادية إلى نسبة 22%.

وتعتبر شركة "أو راكل" من الشركات الرئيسية في مجال برامج الأنظمة "المزودة/المستفيدة". وتعرض نظام "ميديا سرفر" ليقوم بدور "مخزن البرامج" الخاصة بأنظمة الإعلام المتعدد "المالتي ميديا" مع تحديد كيفية تخزين واستخراج المعلومات إضافة إلى إيصالها إلى وجهتها النهائية. ويعمل البرنامج على أنظمة كمبيوترية تعتمد على المعالجة المتوازية المكثفة مع إمكان معالجة ألوف الطلبات البيانية في الوقت نفسه، وإدارة عدة أنواع من البيانات الفيديوية والسمعية والمكتوبة.

ومن التطبيقات العلمية للبرنامج إدارة شبكة فيديو، وإمكان تلبية طلبات 25 ألف قناة فيديوفردية خاصة بالمشتركين، مع تمكن المشتركين هؤلاء من القيام بمختلف تسهيلات الفيديومثل عملية الضبط والإرجاع وتثبيت الصورة وغير ذلك.

كما يتيح الميديا سيرفر للمستعملين استقبال وتشغيل مئات الأقنية التلفزيونية، بحيث يستطيع المشاهد اختيار ما يريده هو. وليس ما يفرض عليه من برامج، وذلك في الوقت الذي يختاره. وهذه الميزة مفيدة بشكل خاص لبرامج التبضع بواسطة أجهزة التلفزيون.

خادمات المستقبل

يعتبر نظام "وندوز إن تي" من إنتاج "مايكروسوفت" من أبرز الأنظمة التشغيلية للتطبيقات "المزودة/المستفيدة" في الوقت الحاضر. ويوفر النظام قاعدة قوية ذات 32 بت مع تعدد المهام وإمكان الولوج إلى بيانات سعة عدة جيغابايت - (جيغا = بليون، والبايت = ثماني بتات، والبت أصغر وحدة تخزين في الكمبيوتر وهو رقم قد يكون صفرا أو واحدا) من الذاكرة - وعدة تيرا بايت (التيرا = تريليون) من أقراص التخزين. وهو يتضمن تسهيلات مدمجة للشبكات والتقييس مع إمكان العمل وفق معالجات إنتل بالتعليمات المعقدة "سيسك"، ومعالجات التعليمات المبسطة "ريسك" فضلا عن التعدد المتوازي للمعالجات.

وبدورها فإن عملاق الشركات المصنعة للكمبيوترات الإيوانية "آي بي إم" دخلت هذا الميدان لتطرح أجهزة "مزودة/مستفيدة "، وأبرزها: الكمبيوتر "أي إس/400" المصمم في الأساس ليكون قابلا لإعادة التطوير بصورة مستمرة، مع اعتماد تركيبة "مزودة/مستفيدة" معقدة، من دون أن يشعر المستعمل بالأمر وتعمل أنظمة "أي إس/400" وفق نظامها الخاص، بالإضافة إلى نظام التشغيل يونيكس وأنظمة المعلوماتية الشخصية. وقد طرحت " أي بي إم" أخيرا نظامين جديدين آخرين أولهما (نيت فينيتي) للدمج بين الوظائف المتفوقة الخاصة بالأجهزة الإيوانية، والثاني (سرفر غارد) ليتيح لمدراء الشبكات فرصة مراقبة وإعادة تركيب الأنظمة المزودة والتحكم بها عن بعد.

وليست "أو راكل" أو "مايكروسوفت" أو "أي بي إم" سوى أمثلة بسيطة عن تحول الشركات المصنعة للكمبيوترات إلى إنتاج الأجهزة "المزودة/المستفيدة". ويمكن أن نضيف شركة "هيولت باكرد" و"إنفورميكس" و"ديجيتال" وحتى "كراي"، هذه الأخيرة التي بنت شهرتها على صنع الكمبيوترات الفائقة الإيوانية، وما ذلك إلا للدلالة على الاتجاه المستقبلي الذي باتت تمثله الأجهزة "المزودة/المستفيدة".

 

أنطوان بطرس

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




مقارنة النظمة الكمبيوترية التقليدية والنظمة المزودة/ المستفيدة الى إجمالي الأنظمة المعلوماتية