أين مكانة النفط العربي اليوم؟

أين مكانة النفط العربي اليوم؟

لاشك أن الدول المصدرة للنفط قد حققت الكثير من مصالحها في امتلاك حقها في التصرف في أهم ثروة طبيعية وطنية عندما أخذت مسئولية تخطيط وتسيير مراحل أصبحت تتعامل مع أسواق نفطية تتحكم فيها الشركات طبيعية وطنية عندما أخذت مسئولية وتسيير مراحل الإنتاج والاستكشاف والتسويق. لكنها فى نفس الوقت أصبحت تتعامل مع أسواق نفطية فيها الشركات الدولية الكبرى والصغيرة والتي كانت تملك عقود امتياز في معظم الدول العربية النفظية. كما استمرت هذه الشركات في امتلاك القدرة والتقنية اللازمة للتحكم والتطور في جميع مراحل الصناعة النفطية بما فيها المراحل التي انتقلت ملكيتها ومسئولية تشغيلها إلى الدول المصدرة للنفط الخام لقد أدى هذا التحول الهيكلي إلى خلق وضع جديد يتكون من مجموعة دول نامية تعتمد على تصدير النفط الخام في تمويل متطلباتها الاستهلاكية والتنموية ومجموعة كبيرة من الدول الصناعية المتقدمة التي تعتمد على استيراد حصة مهمة من احتياجاتها النفطية. من الواضح أن مجموعة الدول المستوردة للنفط، وبخاصة المتقدمة منها، تملك ما نحتاج إليه من قدرة ومرونة في تنظيم احتياجاتها من النفط مما يجعلها أكثر قوة وفاعلية في التعامل مع المجموعة الأولى، وبخاصة العربية منها، نظرا لشدة اعتمادها على تصدير النفط الخام.

فالذي حصل بعد المرحلة الأولى من تحول ملكية النفط الخام من الشركات الأجنبية إلى الدول المصدرة كان تجمع الدول المستوردة للنفط مع شركاتها التي كانت تملك عقود الامتياز بهدف خلق سوق نفطية تكون السيطرة فيها للمشترين الرئيسيين. وفي المقابل لم تتمكن الدول المصدرة للنفط من تنظيم شئونها بشكل يساعدها على التعامل بفعالية مع هذا الوضع الجديد. فهي لم تتخذ التدابير ولا السياسات اللازمة لبناء قدراتها الاقتصادية والمالية والتقنية وذلك لعدة أسباب يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

1- قلة الإمكانات البشرية والإدارية والسياسية اللازمة للاستفادة من وضعها الجديد بعد امتلاك السيطرة على أهم ثروة لها.

2- صغر حجم اقتصادها القطري وقلة الجهود التي بذلت في الالتزام بمنهج التعاون والتكامل بين إمكاناتها من جهة أخرى وإمكانات الأقطار العربية غير النفطية من جهة أخرى.

3- سرعة تدفق الأموال خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا بالإضافة للضغوط الدولية الهائلة التي أخذت الكثير من وقت وجهد المسئولين في التعامل معها والدفاع عن حقوقها في السيادة على ثرواتها الطبيعية وتحديد سياسة تصديرها وتسعيرها.

4- شدة الأزمات السياسية والعسكرية التي عصفت البلاد العربية أثناء فترة الطفرة النفطية كحرب رمضان 1973 ثم معاهدة كامب ديفيد والحرب العراقية- الإيرانية، وبعدها مباشرة جاءت الطامة الكبرى عندما احتل العراق دولة الكويت عام 1990 وأدى ذلك إلى حرب تحريرها مع استمرار التوتر والقلق بالنسبة لمستقبل المنطقة وما يحيط بها من أزمات من تهديدات خارجية وداخلية.

ونتيجة لهذه التطورات والكوارث لم تفلح البلاد العربية منفردة أو مجتمعة في الاستفادة الكافية من مكاسب نجاحها في السيطرة على ثرواتها النفطية. فقلة قدراتها التقنية والإدارية وتخلفها الاقتصادي والسياسي حالبت دون استثمار واستيعاب أموالها النفطية في اقتصاداتها القطرية الضيقة كما حالت دون التوسع في بناء قدرة عربية مشتركة تجمع بين الأقطار النفطية وغير النفطية.

وأما الحروب والنزاعات زالخلافات الحادة التي شهدتها المنطقة فقد استنفدت كل الأموال المتبقية من الطفرة النفطية وحولت الفائض المالي إلى عجز كبير متزايد في جميع الدول العربية. جاء هذا التطور الخطير نتيجة للاستمرار في الإنفاق العام والخاص على مستويات عالية في الوقت الذي كانت عائدات النفط تنخفض فيه بسرعة منذ عام 1986 لقد أدى هذا الوضع إلى الحد من قدرة الدول المصدرة للنفط على التصرف حيث قلل من الخيارات المتاحة لها في تدبر شئونها الداخلية والخارجية.

من الضيق إلى التحكم

أما الحالة في الدول الصناعية المالكة لأسواق النفط وشركاته الكبرى فسرعان ما تحولت من ضيق نسبي في بداية الطفرة النفطية إلى راحة وقرة على التصرف والتحكم في تعاملها مع أسواق النفط ومع الدول المصدرة له. غير أن التحول الكبير لم يحصل من تلقاء نفسه بل جاء ثمرة لنجاح هذه الول في القيام بالإجراءات والتنظيمات التالية:

1- تنظيم سياسات وأولويات شئونها النفطية واحتياجاتها من الطاقة في إطار تجمع رسمي قوي أطلقت عليه اسم وكالة صناعية في الغرب والشرق.

2- تنظيم وإدارة الطلب على النفط بهدف تقليل الاعتماد عليه في كل المجالات التي تتوفر فيها بدائل للحصول على الطاقة اللازمة. وكان من ضمن الإجراءات التي اتبعت فى هذا الخصوص تقليل الاعتماد على النفط. العربي بالذات عن طريق السعي لزيادة الإنتاج والاستكشاف في جميع المناطق الواقعة خارج البلاد العربية وأقطار الأوابك ، كما اتبعت الدول الصناعية سياسة رفع نسبة الضرائب على النفط ومشتقاته مع دعم إنتاج وأسعار بدائل الطاقة من فحم وغيره خاصة الطاقة الجديدة . لقد نجحت هذه السياسة الشاملة والمتكاملة التي اتبعتها الدول الصناعية في إطار من التنسيق والتعاون في تخفيض حصة دول الأوبك من 50 إلى 36% من مجموع النفط المبيع في الأسواق العالمية.

3- بناء احتياطي نفطي استراتيجي كاف لسد الاستهلاك لعدة أشهـرعند اللزوم وفي إطار من التعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء في وكالة الطاقة بحيث يمكن الاستفادة من طاقة التخزين لتوفير النفط المطلوب لمصلحة أي دولة قد تحتاج إليه. ففي الوقت الذي تحتفظ فيه كل دولة باحتياطي يكفي لأغراض الطوارئ فإنها تكون ملزمة وعلى استعداد لتقاسم هذا الاحتياطي مع غيرها من الدول الأعضاء في الوكالة إذا ما لزم الأمر.

4- زيادة الاستثمار والجهود في مجالات البحوث والتطور العلمي والتكنولوجي الهادف إلى الحد من التبذير وزيادة الكفاءة في استهلاك الطاقة وبخاصة النفط ، بالإضافة إلى استكشاف وإنتاج النفط وزيادة نسبة المستخرج من المكامن النفطية القديمة والجديدة . لقد حققت الدول الصناعية إنجازات كبيرة في هذا الميدان ، ما كان يمكن أن تتم لولا ارتفاع أسعار النفط في السعبينات ولولا ما بذلت هذه الدول من جهود شاقة ومتواصلة ومن استثمارات كبيرة لقد ساعدها على القيام بكل هذه التدابير والسياسات الناجحة وضعها الاقتصادي والسياسي المتقدم وقدرتها العلمية التقنية المتفوقة ووعيها لأهمية التضامن فيما بينها . كما أنها لم تتعرض لنزاعات وكوارث من صنع الإنسان مثلما كان الحال في مجموعة الدول النامية المصدرة للنفط وبخاصة العربية منها .

يمكن أن نستنتج من هذا العرض الموجز أن الدول الصناعية وشركاتها استطاعت لديها من قدرة ذاتية وتنظيم ووعي مكاسب كبيرة متعددة ومتواصلة من التحولات الهيكلية الصناعة النفطية خلال العقدين الماضيين، أمام الدول المصدرة للنفط فلم تستطع المحافظة على مكاسبها الأولية وتطويرها إلى الأفضل للأسباب التي أشرنا إليها سابقا.

اعتماد متبادل

نأتي الآن إلى استكمال الرد على السؤال الكبير حول منزلة النفط الغربي اليوم. من الواضح أن هذه لم تعد كما كانت في مطلع السبعينيات من حيث الأهمية والسيطرة على أسواق النفط العالمية. ولكن على الرغم من هذه الحقيقة الواضحة فإن النفط العربي سيستمر في تزويد بكميات متزايذة خلال العقود القادمة، بغض النظر أو انخفاض الأسعار، فالعالم لايستطيع أن يوفر لسد احتياجاته دون صادرات الدول العربية الرئيسية. هذه الدول لا تستطيع أن تلبي احتياجاتها الاستهلاكية والاستثمارية دون الاستمرار في زيادة صادراتها النفطية كيف يمكن للاقطار آلعربية النفطية أن تستفيد من هذا الاعتماد المتبادل مع الدول المستوردة للنفط؟ وهل يمكن لها أن تتغلب على مصاعب الماضي وتنتقل إلى تحقيق مكاسب جديدة ومتواصلة في مجال التنمية البشرية والتطور الاقتصادي والسياسي؟ وهل يمكن أن يتحقق كل هذا الاستمرار في اتباع أساليب وسياسات الماضي في الشئون العامة والخاصة؟ تتطلب الإجابة عن هذه الأسئلة المهمة نظرة مستقبلية موضوعية تفترض القدرة على الاستفادة من دروس الماضي والاستعداد لمواكبة التطورات العلمية والاقتصادية والسياسية.

كما تعتمد الإجابة على مدى قدرة واستعداد أنظمة الحكم العربية ووعيها لما يحيط بها من مخاطر مشتركة.

وتحتاج أيضا إلى تعاونها وتضامنها في إطار من الاحترام والاعتماد المتبادل المرتكز على قاعدة قطرية سليمة متجانسة. فعندما تتوافر هذه الأحوال والإرادة السياسية اللازمة يصبح من الممكن، بل ومن المؤكد، أن تنجح الدول العربية النفطية في التعامل والتفاعل الإيجابي البناء بالنسبة لأهمية النفط العربي في الأسواقى العالمية وفي تنمية قدراتها القطرية والمشتركة. أما في الوقت الراهن، وفي المستقبل المنظور، فإن المعادلة بين قدرة الدول المستوردة للنفط والدول المصدرة له تعمل لمصلحة المجموعة الأولى بشكل مطلق تقريبا.فالدول الصناعية المتقدمة، مع شركاتها النفطية، تملك ما تحتاج إليه من القدرة والإرادة للتحرك في ميدان الطاقة بصفة عامة وأسواق النفط بصفة خاصة. يقابل ذلك صعوبة التحرك ومحدودية الاختيار المتاح للدول المصدرة للنفط في مجموعة الأوبك التي تشكل الدول العربية أغلبيتها.فليس أمام الدول العربية خيار غير الاستمرار في تصدير مل لديها من ثروة نفطية بالكمية التي توفر لها الأموال اللازمة للإنفاق العام واستيراد احتياجاتها من السلع والخدمات. ونظرا لصغر حجم الاقتصاد القطري وقلة اليد العاملة المدربة في الأقطار العربية المصدرة للنفط فإن حاجتها إلى الاستيراد ترتفع مع كل زيادة في عائداتها النفطية . ونظرا لتحول أسواق النفط العالمية. المصدرين في مطلع اللسبعينيات إلى سيطرة المستوردين للأسباب التي تمت الإشارة إليها فإن الأقطار المصدرة تتعرض لتقلبات حادة في عائداتها النفطية مما يسبب لها المصاعب والارتباك، والعجز المالي، والركود الاقتصادي، أثناء فترات انخفاض أسعار النفط العالمية، كما هم حاصل الآن.

كما أن الدول المصدرة لا تملك القدرة على تحديد أسعار واردتها من السلع والخدمات لسد متطلبات الاستهلاكية والاستثمار، لكل هذه الحقائق الاقتصادية والسياسية تجد الأقطار العربية نفسها تتعامل مع أسواق عالمية لا تملك فيها المقدرة على تحديد أسعار صادراتها ولا وارداتها بما يعرض لمخاطر التقلبات الاقتصادية والمالية التي تجبرها على بيع صادراتها بأسعار منخفضة وشراء وارداتها بأسار عالية يشكل هذا الوضع الصعب المعضلة التي تواجه الأقطار المصدرة للنفط والمواد الأولية بصورة عامة.

فهل من سبيل لتحسين أوضاع الأقطار العربية المصدرة للنفط وزيادة الاستفادة من النفط العربي الذي تعتمد عليه الأسواق الدولية في موازنة الطلب والعرض في جميع الأحوال؟. إن أول ما يجب توضيحه في هذا الخصوص هو الواقع الفطري لامتلاك النفط العربي ، فكل دولة عربية تملك النفط بمفردها وتعتمد على تصديره إلى خارج البلاد العربية وهي بذلك تتنافس مع غيرها من المصدرين للنفط . وهي أيضا تستورد جل احتياجاتها من خارج البلاد العربية والدول النامية وتتنافس مع غيرها من المستوردين ، إن هذه الحقيقة وغيرها من عناصر الضعف التى تواجه الأقطار المصدرة للنفط تحتاج إلى تغييرجذري ومتواصل قبل أن يصبح النفط العربي مصدرا للقوة الاقتصادية والسياسية المتواصلة التي تعكس أهميته الكبيرة في أسواق النفط العالمية.

التوجهات المطلوبة

نختتم هذا المقال القصير المختصر بطرح بعض التوجهات التي يمكن أن تعين على تقوية مركز الدول النفطية أمام التقلبات الاقتصادية العالمية، وتساعد على زيادة المنفعة من النفط العربي في التنمية والتطور.

1- إن أول هذه التوجهات يكمن في ترشيد الإنفاق العام وتنويع مصادر التمويل العام .ثم لابد من الحد من المبالغة في شراء الأسلحة والإنفاق العسكري عن طريق تحسين الثقة المتبادلة بين الأنظمة العربية.

2- تحتاج الدول العربية إلى إعادة النظر في هيكل دور شركاتها النفطية بهدف زيادة فاعليتهـا ومنحها المزيد من الاستقلال الإداري والمالي ينبغى أن تملك هذه الشركات القدرة الصناعية الفنية الإدارية اللازمة للتعامل والتنافس مع شركات النفط الأجنبية التي أصبحت تهيمن على الصناعة النفطية في كل مراحلها.

3- إن أول ما ينبغي التوجه إليه من قبل الشركات الوطنية هو زيادة الكفاءة في العمل والتسيير والتقليل من الكلفة ثم العمل بصورة جماعية على زيادة حصة الدول المصدرة من الريع الاقتصادي لصادراتها النفطية. من المعروف أن حجم هذا الريع يقاس بالفرق بين كلفة الإنتاج والسعر النهائي للمستهلك ، لقد أصبح توزيع هذا الريع بين الدول المصدرة والمستوردة للنفط غير عادل وغير مشجع على التعاون فمجموع ما تحصل عليه الدول المستوردة يفوق بكثير حصة الدول المصدرة للنفط . فدولة مثل إيطاليا استطاعت أن تحصل على عائدات من الضرائب على النفط ومشتقاته تعادل عائدات أكبر دول مصدرة للنفط الخام في الوقت الحاضر، إن استمرار مثل هذا الوضع من شأنه أن يستنزف النفط العربي بأرخص الأثمان مما يعود على الدول النفطية بالمزيد من العجز المالى والاقتصادي.

4- كما تحتاج الدول النفطية ، والعربية بصورة عامة، إلى زيادة الاستثمار في التنمية البشرية المتوازنة والملائمة لمتطلبات العصر . إن أول ما ينبغي الاهتمام به هو التركيزعلى النوعية قبل الكمية في كل ما يخص التنمية البشرية، ابتداء بمعدل النمو السكاني وحتى آخر مراحل التعليم والتكوين المهني.

5- تحتاج الدول النفطية إلى المزيد من الإصلاح الاقتصادي في اتجاه التنوع ورفع معدلات الكفاءة الإنتاجية والخدمات ، كما تحتاج إلى القدر اللازم من التطور السياسي لمصلحة المشاركة الأهلية وبناء المجتمع على أسس من الوعي والانتماء المشترك والتضامن والعدالة الاجتماعية في توزيع مكاسب التنمية والتطور.

6- تحتاج الدول النفطية إلى قدر كاف من التعاون والتكامل الإقليمي مع الدول المجاورة المستوردة والمصدرة للنفط وذلك للتغلب على مشكلة الأسواق القطرية قليلة الاستيعاب وعالية الكفاءة في الإنتاج والتسويق . هنا لابد من التنويه بوجود بداية مشجعة تربط الأقطار النفطية مع بعضها البعض ومع العديد من الدول العربية غير النفطية. لقد استمرت هذه الدول ومواطنيها أكثر من 31 مليار دولار أمريكي في مشروعات مشتركة ثنائية وجماعية خلال السنوات العشر الأولى من الطفرة النفطية. ومن حسن الحظ وعلى الرغم من كل ما أصاب العلاقات العربية من كوارث ونزاعات حادة بين فإن جل هذه المشروعات استمر في العمل والإنتاج .إن جل الشركات المشتركة التي تأسست في إطار منظمة الأقطار العريية المصدرة للبترول، وفي نطاق مجلس الوحدة الاقتصادية، لا تزال تعمل بنجاح وبتحقيق الأرباح، رغم الكثير من العراقيل القطرية والخلافات العربية الرسمية. إن المطلوب الآن، وبصورة ملحة، هو الالتفات إلى هذا الجانب من التعاون الاقتصادي النافع لكل الأطراف المشاركة فيه، ثم البناء على هذه القاعدة وتطويرها بما يدعم منزلة النفط وكل الثروات العربية.

 

 

علي أحمد عتيقة

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات