ملف السينما والأولمبياد: ضحكات ممزوجة بالحب والدموع.. والمنافسات

 ملف السينما والأولمبياد: ضحكات ممزوجة بالحب والدموع.. والمنافسات

عندما تبدأ الدورة الأولمبية في مدينة لندن خلال شهر يوليو الحالي، فإن الملايين سوف يسعون إلى التلاقي بجميع الأشكال، عبر المنافسات العديدة في مختلف اللعبات بين البشر من كل الألوان، والأجناس والعقائد والأعمار.

سوف يتم ذلك في مدينة لندن، وفي ملاعبها، وعبر شاشات الأقمار الاصطناعية التي تبث برامجها في كل أنحاء العالم.. إنه اللقاء الأضخم، بالإضافة إلى كأس العالم، الذي يتلاحم فيه الجميع، كي يستمتعوا، ويتباروا، ويسعوا إلى الحصول على الميداليات، فرادى أو جماعات، وكل فريق فائز يستند إلى وطن يتلقى منه التشجيع ويحمل رايته.

القصص المدهشة

لابد أن تتولد الملايين من القصص المدهشة التي تصلح للسينما، لكن من الصعب تصويرها إبان الأحداث، إلا إذا تم كل شيء سلفًا، بحيث يذهب طاقم الفيلم إلى مدينة الأولمبياد، وقد أجروا البروفات الأولى، ويبدأ التصوير في وقت قصير نسبيا، لا يحتمل إعادة التصوير خصوصًا في المشاهد الخارجية التي تدور بين جماهير غفيرة مزدحمة، جاءت لحضور الفعاليات وللعيش في تجارب جديدة طوال أيام الأولمبياد.

حدث ذلك فعلًا في عام 1964، إبان دورة طوكيو، حيث ذهب المخرج الأمريكي تشارلز والتر مع طاقم فيلمه، ومعه الممثل كاري جرانت وكل من جيم هاتون، وسامانتا ايجر، وتم تصوير المشاهد الخارجية لفيلم «امشِ لا داعي للجري»، الذي تدور قصته حول رجل تقدمت به السن، يذهب وحده لحضور فعاليات الأولمبياد، ويسكن غرفة بفندق بسيط، إلا أنه بسبب الزحام، صاحب الفندق يؤجرها لفتاة تعمل ليلًا بالأولمبياد، وعليها أن تنام في الغرفة بالنهار دون أن تعلم أنها مؤجرة لرجل آخر طيلة النهار، هذا الرجل يذهب لحضور المباريات ويعود وقد هده التعب فينام دون أن يلحظ أشياء الفتاة، ويخرج في ساعة مبكرة.

هذه هي قصة الفيلم، حيث تدور المشاهد الخارجية أثناء فعاليات الأولمبياد، فنرى الرجل وقد تورط في الجري مع المتنافسين دون أن تكون لديه رغبة في ذلك، كما أنه يتعرف على فتى أمريكي هو صديق الفتاة التي تنام في النهار في غرفته دون أن يدري.

ترى هل ذهب الناس لمشاهدة الفيلم، من أجل كاري جرانت، والحسناء سامنتا ايجر، أم بسبب مشاهدة الألعاب الأولمبية، أم للاثنين معًا؟ لا شك أن وجود هذا الطاقم من السينمائيين في فيلم تدور أحداثه في أولمبياد هو السبب وراء نجاحه.

وهكذا حاولت السينما دومًا أن تتواجد بصور عديدة في الأولمبياد، الذي تدور وقائعه كل أربعة أعوام، والحقيقة أن السينما قد صورت ما يدور في الأولمبياد بصور متعددة، سواء من جانب البهجة، والقصص العاطفية، مثلما رأينا في الفيلم الأمريكي «امشِ لا داعي للجري»، الذي اقتبسته السينما المصرية مرتين دون أن تدور الأحداث بالمرة في عالم الرياضة أو الأولمبياد، وذلك في فيلم «شقة مفروشة» إخراج حسن الإمام عام 1970، وفيلم «شقة وعروسة يارب» إخراج زكي صالح عام 1977.

لا داعي للجري

تبدأ الحكاية دومًا بشكل مبهج، ضاحك، عاطفي، ثم تنقلب إلى أحداث دموية مأساوية، كما تتخيل السينما، فالأفلام الأولى كانت عاطفية مثل «امش لا داعي للجري»، حيث تخلى كاري جرانت عن الفتاة التي وقع في غرامها للشاب الذي في مثل سنها، ثم رأينا فيلمًا فرنسيًا مضحكا، مليئًا بالبهجة تحت عنوان «مجانين الملعب» من إخراج كلود زيدي عام 1972، وهو بطولة رباعي كوميدي فرنسي قام ببطولة العديد من الأفلام الكوميدية مع المخرج نفسه، وفي «مجانين الملعب» نرى هذا الرباعي يشارك في حمل الشعلة الأولمبية من فوق جبال اليونان، ويتجه بها نحو فرنسا، ولا شك أن مشاركة هؤلاء الأربعة في حمل الشعلة الأولمبية، سوف تغير من منظور أبناء قريتهم القريبة من باريس إليهم، فالفتاة التي تتردد في أن تقع في غرام واحد من الأربعة، تصبح بالغة الفخر والعشق وهي تشاهده يحمل الشعلة، وينال كل هذا الاستحسان، وهو الذي كان دومًا رمزًا للفشل في منظورها.

هذا التغير في الأحداث يدفع الأربعة للذهاب إلى المدينة الأولمبية وتحقيق الميداليات، فالفتى النحيل الضعيف ينال جائزة في ألعاب القوى، ويجد ابنة البقال في انتظاره كي تشاركه انتصاراته، كما أنهم ينقذون الفريق الفرنسي من عثرته في كرة القدم، فيستحقون التكريم على المستوى الوطني.

والغريب أن الفيلم الذي تدور أحداثه عام 1972، قد سبق الألعاب الأولمبية التي حدثت بالفعل في باريس عام 1976، ومن المعروف أن الشارلو كان فريقا غنائيًا عملوا طويلاً في السينما الفرنسية بين عامي 1970 و1992، وقدموا أفلامًا التقوا فيها بدراكولا، والفرسان الثلاثة، وغير ذلك.

الطريف أن كل الأفلام الأولى التي صورت الألعاب الأولمبية كانت من النوع الكوميدي، بما فيها أول فيلم عن هذه الألعاب شاهده الناس عام 1927 بعنوان «ألعاب أولمبية» وهو فيلم صامت أخرجه روبرت ماكجدوان في إطار كوميدي، حول مجموعة من الشباب الفاشلين الذين يتنافسون ويحققون الميداليات، وهو موضوع سوف يتكرر، خاصة في فيلم «يحدث في أثينا» الذي أخرجه أندرو مارتون - «مخرج الفيلم العربي «وااإسلاماه» في العام نفسه» - وبطولة جين مانسفيلد، حول شاب يقرر المشاركة في أول سباق جري في أولمبياد عام 1896 في أثينا، وهناك يقابل كرستينا التي جاءت إلى العاصمة اليونانية، من قريته نفسها كي تشجعه في أن يكسب سباق الجري الطويل، ومن أجل أن يكسب فإن المرأة بجمال مانسفيلد تعلن إلى الصحافة أنها سوف تتزوج منه سواء فاز أو خسر، فيحقق اللاعب فوزين: الزواج من امرأة تدفعه، والحصول على أول ميدالية ذهبية في سباق الجري في الأولمبياد، والفيلم مأخوذ كما نرى من قصة حقيقية.. مثلما سوف يحدث في فيلم «عربات النار» في عام 1970، قدم هيو هيدسون فيلمه «الألعاب» المأخوذ عن رواية للكاتب المعروف إريك سيجال صاحب رواية «قصة حب»، وهو هنا يقدم قصة حب تدور أحداثها في أولمبياد عام 1968.

وفي عام 1982 قدم المخرج الفرنسي جيرار أوري الألعاب الأولمبية في إطار كوميدي في فيلمه «بطل الآس» أو «آس الآس» بطولة جان بول بلموندو، وأحداثه تدور في أثناء أولمبياد عام 1936، والفيلم يدور حول اثنين من الطيارين كانا خصمين أثناء الحرب العالمية الأولى عام 1916، ويتقاتلان بطيارتيهما، ثم يعاودان اللقاء عام 1936، في الأولمبياد، وعليهما أن يتلاكما في المباراة النهائية في ألعاب الأولمبياد، أحدهما يتبع نظام هتلر، والآخر يعيش في بلد ديمقراطي، ويعيش الاثنان في أجواء من الإثارة والتوتر، ويأخذ الفيلم طابعًا سياسيًا ممزوجًا بالكوميديا، فالفرنسي جو يذهب إلى أولمبياد برلين من أجل اللحاق بحبيبته الصحفية التي سوف تتابع الألعاب، وهناك يجد نفسه في أجواء الجستابو، ويلاكم خصمه القديم الذي يحميه نظام بلاده، يعني ذلك أن إنتاج الفيلم كان عام 1982، إنها الفترة التي بدأت السينما العالمية في التعامل مع الأولمبياد من منظور سياسي، وذلك بعد أحداث أولمبياد ميونيخ عام 1972، حين قام الفلسطينيون باتخاذ رهائنهم من الإسرائيليين، وتم تسييس هذه الألعاب، سواء على المستوى الرياضي أو السينمائي.. وبدأت السينما الأمريكية بشكل خاص في تقديم أفلام عما حدث في هذه الدورة من وجهة النظر الأمريكية، خاصة في فيلم «يوم الأحد الأسود» إخراج جون فرانكنهايمر عام 1974.

من الآن، فصاعدًا، سوف يتم تصوير الأولمبياد كحدث سياسي، وستتوقف الكوميديا لبعض الوقت ونحن نتابع قصص الذين يذهبون إلى الأولمبياد، سواء اللاعبون أو الناس العاديون، ولعل فيلم «عربات النار» للبريطاني هيو هدسون عام 1982، واحد من هذه الأعمال المهمة، حيث مزج بين الكوميديا السوداء، والسياسة، حيث استوحى قصة حقيقية لاثنين من اللاعبين في أولمبياد باريس عام 1924، الأول هو البريطاني هارولد إبرهامز، وهو يهودي يعاني من عنصرية من حوله، ويطلقون عليه اسم «الأسكتلندي»، أما الثاني، فهو إريك الذي يشارك في سباق الجري، وهو بروتستانتي يعاني أيضا من عنصرية ضد أبناء عشيرته، فيمنع من التدريب، إلا أنه يكسب سباق الأربعمائة متر، رغم منعه من الجري في سباق المائة متر.

ولا شك أن ما يعطي الحيوية لهذا النوع من الأفلام، هو المنافسة، وسط الشعور العالي، والمتحيز للعرقيات المتنافسة. وعندما تجسد الأفلام هذه الاختلافات بين البشر، فإن قصص الأفلام تعطي بعدًا إنسانيًا للأبطال، كل منهم يود أن يحقق لعشيرته مكسبًا عالميًا من أجل توصيل قضيته إلى العالم.

ولا شك أن الفلسطينيين قد سعوا إلى أن يفعلوا ذلك في أولمبياد «ميونيخ»، وقد صورتهم السينما على أنهم إرهابيون في فيلم فرانكنهايمر، وهو أيضا يهودي، إلا أن ستيفن سبيلبرج قد حاول أن يكون محايدًا في فيلمه الذي يحمل اسم المدينة «ميونيخ»، وقد تناول الفيلم قيام أعضاء «أيلول الأسود» باتخاذ رهائن إسرائيليين من أجل أن يتعرف العالم على قضيتهم.

أولمبياد عاطفي

في عام 1992، عادت الابتسامات مرة أخرى إلى الأفلام التي تصور الحياة المتدفقة في شوارع المدن الأولمبية، ومنها الفيلم الشبابي «حد القطع» إخراج بول مايكل جلاسر، الذي تدور أحداثه حول رياضة الهوكي الجليدية، أو التزلق فوق الجليد من خلال لعبة الهوكي، والفيلم عن أحداث حقيقية دارت في الأولمبياد الشتوي للتزلق على الجليد عام 1988، واللاعب هنا شاب مليء بالقوة، وهو في حالة منافسة مع اللاعبة كيت، ويدخلان معا في منافسة أثناء أولمبياد عام 1992، يحاول كل منهما التغلب على الآخر، إلا أن الفتاة تتعرض للخطر فيقومان بإنقاذها، ويدخلان في أولمبياد عاطفي يختلف عن المنافسة فوق الجليد.

أما أحدث هذه الأفلام نسبيًا، فيحمل عنوان «معجزة»، من إخراج جيفين اوكنور عام 2004، وتدور أحداثه في أولمبياد عام 1980، داخل فريق الهوكي الأمريكي الذي شارك في الأولمبياد من منظور سياسي، حيث يود الفريق الأمريكي أن يحقق فوزًا على منافسه الروسي لأسباب خاصة بالمنافسة الرياضية، ويقوم أستاذ جامعي باختيار فريق الهوكي المشارك في الأولمبياد أقرب إلى المصارعين، ويعضده في ذلك فريق من المسئولين الرياضيين في الجامعة التي يعمل بها، ومن أجل أن يصل الفريق الأمريكي إلى النهائي، أمام الفريق السوفييتي، فعلى الأمريكان أن يلاعبوا العديد من الفرق، ومنهم الفريق النرويجي في الوقت الذي يصعد فيه الفريق المنافس أيضًا من خلال انتصاراته المتعاقبة، وسط حماس ناري من ناحية الشعبين الروسي، والأمريكي، وتتحقق المعجزة بفوز مرير للفريق اليانكي، الذي لا يشعر بالسعادة الكاملة للانتصار الذي حققه.

وقد تم اختيار هذا الفيلم أخيرًا كواحد من أعظم الأفلام الرياضية في تاريخ السينما الأمريكية.

استريكس والألعاب الأولمبية

إلا أنه في عام 2008، عاد الفرنسيون مرة أخرى إلى أجواء الأولمبياد، من خلال سلسلة أفلام كوميدية، تعرف باسم «استريكس» وذلك في فيلم «استريكس والألعاب الأولمبية» أخرجه كل من فردريك فروستيه وتوماس لونجمان، ومن المعروف أنها مأخوذة من ألبومات مرسومة، تدور أحداثها في العصر الروماني، لذا فإن الألعاب الأولمبية، هي الألعاب القديمة، وهنا يقرر الصديقان استريكس واوبليكس أن يشاركا في الألعاب الأولمبية، ومساندة زميلهما لوفسيكس في أن يكون بطلًا، وأن يتزوج من الأميرة ايرينا، فيقومان بتدريبه، ويسعيان إلى أبيه ليقوم بتمويل حملته، ووسط صعوبات ملحوظة، ومقالب حقيقية، فإن الصديق يتغلب على خصمه، ويصير بطلًا أولمبيًا، وقد قام المخرجان بالاستعانة بأبطال الألعاب الرياضية الفرنسية لجذب 23 مليون يورو في أسبوعه الأول، ومنهم زين الدين زيدان، وتوني باركر، ومايكل شوماخر.

لا شك أن هذا يعني أن الألعاب الأولمبية لاتزال تكسب المزيد من الحماس، مما يدفع المنتجين دومًا للبحث عن الجديد لتقديم المزيد من القصص السينمائية التي تدور في عالم الألعاب الأولمبية، سواء الحديث منها أو التاريخي.

 

محمود قاسم*