أسعار النفط في مهب الأزمة الاقتصادية

أسعار النفط في مهب الأزمة الاقتصادية

يعتمد استقرار السوق العالمية للنفط على عوامل أساسية أهمها التفاعل بين العرض والطلب، والموازنة يينهما بالسحب أو الإضافة إلى المخزون العالمي من النفط. ومن شأن الاختلال الذى يلحق بواحد أو بأكثر من تلك العوامل أن تنعكس آثاره في ارتقاع السعر أو في انخفاضه، ومن ذلك ما حدث خلال النصف الثاني من عام 1996 إذ تجلى لوضوخ أثر حركة المخزون في ارتفاع السعر. وتعتبر حركة المخزون التجاري في الدول الصناعية الغربية أعضاء OECD من أهم عناصر المخزون العالمي، إذ يقرب حجمه من أربعة أمثال نظيره في باقي العالم ، كما يخضع فى حركته لنمط شبه منتظم ويعتبر الخروج على هذا النمط بشكل ملحوظ نذيرا باضطراب السوق النفطية ومؤشرا على الاتجاه المتوقع للسعر، ومع انخفاض هذا المخزون إلى مستوى حرج، اندفعت الشركات في محاولة استعادته إلى مستوى مريح وكان دخول بعض الحقول الغربية مضمار الإنتاج قد تأخر عن موعده المتوقع خلال 1996، فارتفع الطلب على نفط أوبك الذي لم يستجب بالمرونة الكافية، ومن ثم تحرك السعر من نحو 19 دولارا خلال الفترة بين مايو وأغسطس ليبلغ ذروته خلال يناير 1997 عند 24 دولارا.

وبدخول النفط العراقي إلى الأسواق العالمية قي مستهل 1997، في ظل اتفاقية النفط مقابل الغذاء وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 4986 ومع ما تحقق من إعادة بناء المخزون في أواخر 1996 ساد الأسواق شيء من الطمأنينة فأخذ السعر في الاسترخاء لكي يرواح حول 18 دولارا خلال النصف الثاني من 1997 وكانت دراسات التنبؤ السائدة قبيل اجتماع أوبك في جاكارتا خلال نوفمبر 1997 تتوقع استمرار نمو الطلب العالمي على النفط بنفس المعدلات التي شهدتها السنوات الأخيرة، مما شجع أوبك-على رفع سقف الإنتاج بمعدل 10% من نحو 25 مليون برميل يوميا إلى نحو 27,5 مليون ب/ي، كذلك ساد الاعتقاد في يداية الأزمة المالية التي بدأت بتعويم العملة التايلاندية في 2 يوليو 1997 أنها سوف تنحصر في إطار حدود. غير أن العدوى Contagion لم تلبث أن انتشرت تصيب.غالبية دول جنوب شرق آسيا، ثم تناثرت آثارها إلى روسيا وأمريكا اللاتينية وخاصة البرازيل، وما زالت التكهنات تحيط بمدى وسرعة ذلك الانتشار على اختلاف بين متفائل ومتشائم أما متى تنحسر الأزمة وبسترد الاقتصاد العالمي عافيته فما زال أمرا يشوبه قدر كبير من اللايقين واختلاف التقدير.

أسباب الانكماش

ويأتي في مقدمة أسباب الانكماش النفطي في منطقة آسيا استمرار الانكماش الاقتصادي في اليابان والتي تمثل نحو 30% من استهلاك النفط في المنطقة فقد شهد النصف الأول من عام 1998 انكماش الطلب الياباني على النفط بنحو 5% وهو ما يمثل نحو 280 ألف ب/ي وشهد العام المذكور انخفاضا في استهلاكها النفطي بنحو 3% في المتوسط أما كوريا الجنوبية فقد انخفض استهلاكها من النفط بمعدل 15% خلال النصف الأول من عام 1998 مقارنا بنظيره في العام السابق ولم يفلح انخفاض أسعار النفط في وقف ذلك الانخفاض إذ تلجأ الحكومة دائما لزيادة الضرائب النفطية كلما انخفضت أسعار النفط الخام كذلك استهلاك تايلاند من النفط بنحو 10% خلال الشهور الأربعة الأولى من 1998 أما في الهند فقد نما الطلب على النفط خلال عام 1998 بنحو 4% نتيجة لنمو القطاع الصناعي فيها بنحو 6,2% وذلك ما لم يشهد الاقتصاد الهندي في مجموعه تباطؤا في نموه وتشير الدلائل إلى أن معدل النمو فى طلب الصين على النفط لن يتجاوز 5,5% خلال عام 1998 و 1999 وهو ما يقصر عن نظيره خلال السنوات 1995-1997 والذي تراوح حول 8,5%.

وكما تشير العلاقات الاقتصادية التي تربط الشرق الأوسط بمنطقة جنوب شرق آسيا، فإن كلا منهما يعتمد على الآخر في التبادل النفطي بدرجة مؤثرة، فالمنطقة الأخيرة اعتمدت على الشرق الأوسط لاستيراد نحو 76% من احتياجاتها النفطية عام 1994 ويتوقع أن ترتفع تلك النسبة إلى نحو 84% بحلول عام 2000، منطقة الشرق الأوسط تعتمد بدرجة كبيرة على أسواق الشرق الأقصى لتسويق صادراتها النفطية، ويتوقع أن يشهد المستقبل اتساع السوق في تلك المنطقة التي يميل إنتاجها النفطي إلى الانكماش، وخاصة بعد أن تتحول إندونيسيا من دولة مصدرة للنفط إلى دولة مستوردة كما هو متوقع بل إن الاعتماد المتبادل بين المنطقتين لا يقتصر على تجارة النفط وإنما يتجاوزها إلى العديد بن السلع والخدمات والاستثمارات. ولعل تلك الرابطة القوية هي التي شجعت الخبير النفطي الأمريكي Phillp Verleger لكي يقترح في أكتوبر 1998 أن تقوم الدول المصدرة للنفط بخفض الإنتاج إلى الحد الذي يرفع سعر النفط إلى مستوى 20- 25 دولارًا للبرميل، وبذلك ترتفع إيرادات تلك الدول بنحو 100 مليار دولار. وينصح الخبير الأمريكي باستخدام حصيلة الزيادة في الاستيراد من الدول التي تأثرت بالأزمة الاقتصادية مثل كوريا الجنوبية وتايلاند وإندونيسيا وربما الصين والبرازيل.

عدوى الأزمة

وفي محاولة لاستكشاف آفاق الأزمة يشير تقرير لصندوق النقد الدولي صدر في أكتوبر 1998 إلى أن سعر النفط خلال 1998 سوف ينخفض بنحو 30% عما كان خلال 1999، ويرى الصندوق أن حجم التجارة الدولية قد انكمش انكماشا حادًا خلال 1998 وأن نمو الاقتصاد العالمي خلال 1998 سوف لا يتجاوز 2% وربما يرتفع إلى 2,5% خلال 1999، بذلك توحي تقديرات الصندوق بأن الانتعاش ليس على الأبواب كما تتوقع دراسات أخرى، وأن الحل قد يستغرق عاما أو عامين على الأقل، وذلك نتيجة لوجود خلل جوهري في الأسواق الآسيوية الناشئة، ولعل النقطة المضيئة في تقرير الصندوق توقعه أن يقابل. الانكماش الاقتصادي في جنوب شرق آسيا بانتعاش، ولو بطيئا، في شمال أمريكا، وبدرجة أقل في أوربا ، أما الدول النامية خارج آسيا ودول الاقتصادات المتجولة فقد تشهد نموا مجددًا جدًا، وربما لا تشهد نموًا على الإطلاق.

وإذ يؤكد تقرير الصندوق أن أسعار النفط سوف تظل ضعيفة خلال المستقبل القريب، فإنه يتوقع انخفاض معدلات النمو الاقتصادي في الدول المصدرة للنفط، وكان الصندوق يتوقع بحسب تقديره في مايو 1998 أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي في 12 دولة شرق أوسطية مصدرة للنفط نحو 3,7% في عام 998 غير أنه عاد تقديره الصادر خلال 1998 فقام بخفض ذلك المعدل 1,8% وهو ما يعادل تقريبا نصف التقدير السابق. كذلك يرى الصندوق أن الكثير من الدول المصدره للنفط سوف تواجه عجزا شديدا في موازينها الداخلية والخارجية مما يلجئها للبحث عن موارد جديدة بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات صعبة لخفض الإنفاق، ويتوقع الصندوق أن ترتفع نسبة العجز في الموازنات العامة للدول الاثنتي عشرة الشرق أوسطية من نحو 1,9% من الناتج المحلي الإجمالي GDP إلى نحو 33%، كما يتوقع أن يرتفع معدل التضخيم في تلك الدول من 7,3% إلى 9,8%. كذلك يشير تقدير الصندوق إلى أن الآثار الانكماشية قد تمتد إلى الدول التي تعتمد في مواردها بالعملة الأجنبية على تحويلات مواطنيها العاملين بالدول النفطية مثل مصر التي انخفضت أيضا حصيلة صادراتها النفطية خلال 1998 بنحو 800 مليون دولار.

سيناريوهات العودة

وتستشرف دراسة أصدرتها في أكتوبر 1998 مؤسسة Petroleum Economic Limited افاق صناعة النفط على مدة فترة تمتد من ثلاث إلى سبع سنوات معتمدة على بديلين. يعتمد السيناريو الأول على افتراض عودة سعر النفط إلى المستوى الذي وصل إليه خلال السنوات الاثنتي عشرة التي انقضت منذ انهيار الأسعار عام 1986 وهو 17-18 دولارا للبرميل في المتوسط من برنت الإنجليزي. بينما يفترض السيناريو الثاني بقاء السعر عند مستواه المنخفض وهو 12 دولارا للبرميل لفترة ممتدة. ويتفرع السيناريو الأول إلى حالتين، أولاهما أن تحمل المجموعة العربية ممثلة بثلاث دول، هي السعودية والكويت والإمارات، مسئولية توجيه السوق أو إدارته Management ويطلق على هذه الحالة Arab Case، أما الاحتمال الثاني من السيناريو الأول فيتسع لكي ينضم إلى المجموعة العربية دول مصدرة أخرى من أعضاء أوبك ومن خارجها.

كذلك يستخلص من الدراسة أن الطلب العالمي على النفط، والذي سيظل لبعض الوقت متأثرا بالأزمة الآسيوية، سوف ينمو خلال الفترة 1997-2005 من نحو 69,4 مليون ب/ي إلى نحو 80 مليون ب/ي إذا ارتفع السعر إلى معدله الطبيعي وهو 7-18 دولار للبرميل. أما إذا بقى السعر منخفضا عند معدله في عام 1998 وهو 12 دولارا فإن الطلب العالمي على النفط يمكن أن يبلغ 82,3 مليون ب/ي، وبذلك يتسع المجال لزيادة نصيب أوبك من السوق ليس فقط على حساب غيرها من منتجي النفط بل أيضا نتيجة لزيادة حجم الطلب العالمي.

وتحاول الدراسة بث روح الفرقة بين أعضاء أوبك بالتمييز بين الحالة التي تدار بها السوق بقيادة عربية حيث ينخفض فيها نصيب المجموعة العربية الرائدة ويرتفع نصيب باقي أعضاء أوبك " وكذلك نصيب المنتجين خارج أوبك" ولا تقتصر المقارنة في تلك الحالة على نصيب الفريقين بل تمتد لتبرز أن نصيب المجموعة العربية القائدة سوف ينخفض انخفاضا مطلقا من نحو 12,5 مليون ب/ي عام 1997 نحو 9,6 مليون عام 2005 وهنا يوجد ما يدعو المجموعة العربية للإحجام عن تبني تلك الحالة. أما في ظل القيادة الموسعة فإن نصيب المجموعة العربية سوف يرتفع بينما ينخفض نصيب باقي أعضاء أوبك بحلول 2005 ، إن كان نصيب المجموعة العربية سيظل أقل منه في عام 1997 . وهنا يوجد أيضا ما يدعو باقي أعضاء أوبك لرفض المشاركة في مساندة الأسعار لانخفاض نصيبهم، كما المجموعة آلعربية في مساندة الأسعار لانخفاض نصيبها عام 5 200 عما كان في عام 1997.

إيحاءات خبيثة

ولا يخفى ما توحي به الدراسة من إيحاءات خبيثة، إذ تزرع بذرة الخلاف في سيناريو ارتفاع السعر بحالتيه، حيث تنقسم أوبك إلى فريقين يتنازعان القيادة وينتهي الأمر برفض السيناريو الأول واختيار السيناريو الثاني وهو سيناريو السعر المنخفض الذي يتعاظم في ظله نصيب الفريقين من السوق. وفي تلك الحالة لا يتأثر نصيب باقي أعضاء أوبك حيث يبقى عند مستوى 20 مليون ب/ي بينما يرتفع بدرجة كبيرة نصيب المجموعة القيادية العربية "السعودية و الكويت والإمارات" بحيث يبلغ 16,3 مليون ب/ي بدلا من 9,6 في السيناريو الأول (حالة أولى وبدلا من 11,6 في السيناريو الأول (حالة ثانية" ووجه الإيحاء الخبيث هنا يكمن في تشجيع الدول العربية الثلاث، والتي تحمل أكبر الأوزان داخل أوبك وفي الصناعة عموما، لكي تساند سيناريو السعر المنخفض كذلك يكمن الإيحاء الخبيث في اختيار تلك الدول الثلاث كممثل للمجموعة العربية بدلا من أن يشمل الاختيار جميع الدول العربية المصدرة للنفط والتي تتحد مصالحها مع الدول الثلاث في تعظيم إيراداتها النفطية.

وهكذا تتبلور أهم توجهات السياسة التي توحي بها الدراسة في التحريض على مساندة السيناريو الداعي لإبقاء السعر عند المستوى المنخفض، ويبدو وجه الضعف فيما تفترضه الدراسة من أن الدول المصدرة للنفط تركز فقط حول نصيبها من السوق حتى مع انخفاض السعر، والواقع أن تلك الدول يهمها في المقام الأول تعظيم حجم الإيرادات التي تحصل عليها، ويفضل أن يتحقق ذلك عن طريق سعر مرتفع نسبيا وليس عن طريق استنزاف حقولها مع أسعار منخفضة.

رؤية تشاؤمية

وتختتم الدراسة رؤيتها المتشائمة بالقول إنه حتى في ظل أسعار منخفضة للنفط، فإن التطور التكنولوجي يمكن أن ينزل بالكلفة المرتفعة في بعض الحقول إلى الحد الذي يجعلها مربحة تجاريا كما حدث في مستهل عقد الثمانينيات.

ولا تقتصر الرؤية المتشائمة على كتاب غربيين، بل يشارك أيضا في تلك الرؤية كتاب عرب ومنهم الشيخ أحمد زكي يماني الذي يستعرض الإيجابيات والسلبيات التي لحقت بصناعة النفط على مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية لكي ينتهي بالقول إنه متشائم بالنسبة للمستقبل المنظور، وهو يؤكد أن أسعار النفط سوف تظل منخفضة خلال ذلك المستقبل، كما يتساءل حول دور أوبك في ظل الضغوط الواقعة عليها واحتمال تفككها لكي تنشب حرب سعرية بين المنتجين، ويجيب عن هذا التساؤل بالقول ليس متأكدا أن أوبك يمكن أن تصمد وذلك للتباين والتعارض المتزايد بين مصالح أعضائها، ومن ثم فإن قدر المنظمة على التأثير في سوق النفط قد تآكلت بدرجة كبيرة.

هذه عينة من الآراء التي طرحت في الآونة الأخيرة متأثرة باتجاه أسعار النفط إلى الانخفاض منذ أكتوبر 1997 والتي هبطت خلال 1998 إلى أقل من 12 دولارا للبرميل وهو مستوى غير مسبوق خلال عقد التسعينات.

ونحن بدورنا نتساءل: ماذا يمكن أن تفعل الدول المصدرة للنفط، وبخاصة الدول العربية العشر أعضاء أوابك ومعها عمان واليمن؟

سارعت مجموعة صغيرة من الدول المصدرة الرئيسية إلى الالتقاء بهدف مساندة الأسعار والحيلولة دون استمرار تدهورها، وكان أول تلك اللقاءات اجتماع الرياض الذي ضم في فبراير 1998 وزيري نفط السعودية وفنزويلا، وهما من أعضاء أوبك، وزير نفط المكسيك التي لا تنتمي لعضوية أوبك وإن كانت تنتمي لمجموعة شارك الكاتب في تكوينها بصورة غير رسميه في مارس 1998 وعرفت باسم الدول المصدرة المستقلة (IPec) . وقد تكررت الاجتماعات وأسفرت عن جهود تطوعيه بخفض الإنتاج مما بلغ مجموعه 7,9 مليون ب/ي "واستثنى العراق الخفض" وذلك بالإضافة إلى نحو 500 الف ب/ي بالنسبة لدول غير أعضاء في المنظمة. وقد اتخذ كأساس لهذا الخفض فبراير 1998 والذي بلغ إنتاج أوبك خلاله نحو 28,7 مليون ب/ي وهو ما يزيد بنحو 1,2 مليون ب/ي عن سقف الإنتاج المعتمد في اجتماع جاكارتا، وقد جاء المعتمدة مما دعا بعض الخبراء للقول بأن نظام الحصص قد انتهى، ومنذ ذلك التاريخ أخذت الصحافة المتخصصه تتابع ما يتحقق من خفض وتردد ما عرف بمعدل الالتزام بالخفض Adherence Or Compliance والذي أخذ يتراوح حول 70- 90%.

وتختلف وجهات النظر بين من يدعو إلى المزيد من الخفض ومن يرى الانتظار حتى تظهر نتائج ما اتخذ من إجراءات مع التشديد على ضرورة الالتزام بما أعلن من خفض تطوعي، والإعلان عن أن هذا الالتزام سوف يستمر حتى نهاية عام 1999 وليس حتى نهاية يونيو من العام المذكور كما أعلن في بداية الأمر، ويدعم أصحاب الرأي الأخير دعوتهم بأن المزيد من الخفض من شأنه التشجيع على عدم الالتزام وبالتالي انعدام المصداقية، ومن ناحية أخرى، يأمل البعض في أن يأتي شتاء النصف الشمالي من الكرة الأرضية بما يشتهيه المنتجون، حيث يرتفع الاستهلاك لأغراض التدفئة ويتآكل جانب كبير مما تراكم من المخزون الجاثم على صدر السوق النفطية، كذلك يحدوهم الأمل في أن يسترد الاقتصاد عافيته بسرعة لكي يعاود الطلب العالمى على النفط صعوده كما كان خلال السنوات الأخيرة.

الحلقة الضعيفة

هذه كلها وجهات نظر تركز على المشكلة في مداها القصير والتي فاجأت منتجي النفط خلال 1998، والواقع أن المشكلة تتلخص في ضعف الاهتمام بالتخطيط طويل الأجل والذي يعتبر الأجل القصير حلقة من حلقاته المعقدة المتشابكة. وبديهي أن نطاق هذه الدراسة لا يتسع لمناقشة السياسات الطويلة الأجل. ولذلك فإننا نكتفي بالتأكيد على عدد من رؤوس الموضوعات والتي يمكن تغطيتها في دراسات موسعة مستقبلا.

أولا: أن أسعار النفط ترتبط ارتباطا وثيقا بمدى التلاحم السياسي الذي يضم صفوف المنتجين، وقد تجلت الحقيقة أثناء وعقب حرب أكتوبر عندما التحمت المصالح النفطية مع أهداف تحرير الأرض، وأثبت العرب أن شوكتهم لم تنكسر كما كان نيكسون وكيسنجر ومن معهما يعتقدون.

وثانيا: أن أسعار النفط لا يمكن أن تستقر إلا بتنسيق المعروض من النفط في الأسواق العالمية ، وهذا ما فعلته الشركات العالمية عندما كانت تسيطر على تلك الأسواق، كما قامت بعض الولايات الأمريكية المنتجة للنفط بتحجيم الإنتاج حفاظا على مستوى معين للأسعار ومداخيل المنتجين، ويأتي هذا التنسيق متسقا مع المادة 20 من اتفاقية الجات التي تبيح للدولة اتحاذ ما تراه من إجراءات للحفاظ على الموارد الطبيعية الناضبة والنادرة. وبديهي أن وضع حد أعلى لإنتاج النفط بقصد الحفاظ على معدل معقول لنضوبه لا يصح تفسيره على أنه ممارسة لاحتكار تجاري مقيد لحرية التجارة كما يدعي أنصار خضوع النفط لقوى المنافسة.

وثالثا: إن الدول الغربية المستهلكة للنفط لا تحجم عن تنسيق سياساتها، في مجال الطاقة عموما وفي مجال النفط بصفة خاصة وقد أقامت لذلك العديد من الأذرع التخطيطية والتنسيقية ممثلة في أجهزتها المحلية، وفي وكالة الطاقة الدولية، فضلا عن أذرعتها التنفيذية ممثلة في الشركات العالمية للنفط والتي تضطلع، بالإضافة إلى تكوين وإدارة مخزونها التجاري، بمسئولية تكوين إدارة المخزون الاستراتيجي للعديد من هذه الدول.

ومن ناحية أخرى فإن تلك الدول لا تسمح بانتقال الانخفاض في أسعار النفط الخام إلى المستهلك النهائي مما كان سينعكس أثره في ازدياد الطلب على النفط، ومن ومن دلائل ذلك ارتفاع الضرائب النفطية في أوربا من نحو 22 دولار إلى 66 دولارًا للبرميل خلال الفترة 1985- 1995، وهي الفترة التي شهدت انخفاضا مطردا في أسعار النفط الخام، ولعل في ذلك أبلغ إجابة على من يساندون بقاء أسعار النفط عند مستواها المتردي.

رابعا: فإننا نرى أن الحل يكمن في تكوين فريق قائد Core Group من الدول المصدرة الرئيسية، عربية وغير عربية، أعضاء في أوبك وغير أعضاء فيها، لكي يحمل مسئولية الدفاع عن هيكل أسعار النفط، ووضع استراتيجيات طويلة الأجل، مع إدخال قدر من المرونة التي تضمن استقرار السعر داخل مستويات معقولة وقابلة للتطور تبعا للظروف التي يمر بها الاقتصاد العالمي وغيره من العوامل الحاكمة في صناعة النفط ، وبديهي أن هذا الفريق القائد سوف ينطلق من النقطة التي تلتقي عندها مصالحه الوطنية، وليس من النقطة الخلافية التي تدعو إليها بعض الدراسات التي أشرنا إليها.

 

حسين عبدالله

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات