الاستنساخ الطريق إلى دوللي

الاستنساخ الطريق إلى دوللي

المؤلف: جينا كولاتا

كانت ولادة لويز براون، أول طفل أنابيب في العالم في 25 يوليو 1978، إيذانا ببدء ثروة في معالجة العقم لدى الإنسان وفهمه. لكن هذا الحدث كان يعني أكثر بكثير من مجرد التغلب على انسداد قنوات تناسيلة، إذ إن الأبحاث التي أدت إلى نجاح الإخصاب خارج الجسم كانت إيذانا ببدء عصر جديد في مجال الثورة البيولوجية والتى بدأت في بواكير الستينيات بحصول والهسون وكريك على جائزة نوبل بعد اكتشافهما للحمض النووي (DNA)

وفي عام 1993 فاجأتنا الصحف العالمية في معظم أنحاء العالم مئل نيويورك تايمز الأمريكية وتايمز اللندنية ، وأيضا المجلات العالمية مثل نيوزويك ودير شبيجل وتايم بعناوين وموضوعات أغلفة تثير قضية خطيرة لا ترتبط بمجتمع ما ولكنهـا قضية عامة شاملة، إنها قضية المجتمع الإنساني، حيث قام العالمان الأمريكيان جيري هول (jerry hall) ورروبرت ستيلمان (Robert Steelmab) بعملية استنساخ لأجنة بشرية. وتعتمد الفكرة على أن الجنين يمر خلال تكوينه المبكر بخليتين فأربع خلايا فثماني خلايا.. وهكذا. فإذا تم فصل الجنين ذي الحلايا الأربع يمكن الحصول على أربعة أجنة ويمكن أن نجعلها تستمر في النمو لفترة خارج الجسم لمرحلة معينة ثم يتم زراعتها في رحم الأم. وفي نفس الوقت يمكن تجميد بعضها وزرع جنين واحد.. ثم زرع الجنين المجمد بعد سنوات. وفي جميع الأحوال النتيجة واحدة، الحصول على مجموعة من الأجنة المتطابقة والتي تماثل تماما ما يحدث في الطييعة من التوأئم المتطابقة، إنه عصر الاستنساخ البشري.

وأخيرا وليس آخرا وفي تمام الساعة الخامسة من مسأء 5 يوليو عام 1996 كان هناك مخلوق آخر قد أذن له المولى عز وجل بالظهورفي الدنيا إنه أول حيوان ثديي مستنسخ من خلايا متميزة انها النعجة دوللي ليصبح لدينا حتى كتابة هذه الكلمات، في القرن العشرين أشهر مخلوقين أثارا ضجة علمية واسعة: لويز براون أول مخلوق بشري يتم تكوينه بإخصاب خارج جسم الإنسان، ثم النعجة دولي أول حيوان ثديي يتم تكوينه في غياب الحيوانات المنوية ويتكاثر لا جنسي وبتقنية الاستنساخ.

وتساءل العالم كله بعد استنساخ النعجة: هل سيصبح من الممكن تحقيق مثل هذا النجاح قي استنساخ إنسان بلا أب أو من أب بلا أم؟. وكثرت التساؤلات فأصبحت كالطوفان تطالب رجال الدين، ورجال العلم ورجال الأخلاق ورجال القانون بأن يتكلموا وبأن يطمئنوا الناس.

ماذا تم ؟ وكيف تم؟ ولماذا تم؟

إن أول الطريق هو المعرفة.. أن نعرف ما يصنعون.

وفي هذا الصدد كان اهتمامي بعرض أحد أهم الإصدارا ت الأجنبية في هذا الموضوع وتقديمه فى أسلوب مبسط للقارئ العربي في كل مكان في العالم.. وهو الكتاب الذي بين أيدينا:

"الاستنساخ: الطريق إلى دوللي والذي كما تقول مؤلفته "جيناكولاتا" إنها خلال كتابتهـا هذا الكتاب، قابلت أفرادا غير عاديين ولاقت مساعدة عظيمة من كثيرمن العلماء وغير العلماء، فاقت كل التوقعات. وتضيف قائلة: كل عالم يعيش بيننا وذكر اسمه في الكتاب يستحق مني شكرا عميقا لموافقته على عمل لقاء معه ومساعدتي فى كتابة جزء من مسيرته الذاتية التي لم تسجل قبلا في كتب.

وأعتقد أن من أهم مميزات هذا الكتاب هو أنه قد عرض المعلومات بحيث يستمتع بها المتخصص وغير االمتخصص، بطريقة التبسيط غير المخل وجعل مصطلحات جديدة كثيرة قابلة للفهم لغير المتخصص. وهذا ما جعلها تحصل على جائزة أفضل محررة علمية قدمت للعالم الأخبار المدهشة عن استنساخ النعجة دوللي، وذلك في نيويورك تايمز. وهي أول صحفية تجري حديثا مع إيان ويلموت عالم الأجنة الذي استنسخ دوللي. لقد استطاعت أن تصل إلى العلماء والخبراء والأخلاقيين الذين لهم علاقة بهذا الحدث.

المحاولات الأولى

في هذا الكتاب الأول من نوعه، حاولت الكاتبة أن تعرض القصه من بدايتها ما قبل دوللي وعادت بنا إلى المحاولات الأولى في الاستنساخ، وأزاحت القناع عن أحداث كثيرة لم تكن معروفة أو منشورة من قبل، أدت إلى ميلاد دوللي. وأجابت عن تساؤلات كثيرة تدور في أذهاننا عما تمثله دوللي لمستقبلنا. يقع الكتاب في 276 صفحة ويتألف من عشرة فصول. يبدأ الفصل الأول بالحدث نفسه وهو لحظة الميلاد، في تمام الساعة 17 من الخامس من يوليو عام 1996، ولدت أشهر نعجه في التاريخ وذلك في إحدى حجرات معهد روزلين في روزلين بأسكتلندا. هذا عن النعجة ولكن ماذا عن الراعي؟ إنه إيان ويلموت عالم الأجنة ذو اللحية والبالغ من العمر 52 عاما والذي لا يتذكر أين كان عندما سمع عن مولد نعجته التي كان وزنها 6,6 كجم. كل ذلك تم في السر وفي صمت رهيب المكان شبه خال إلا من نفر قليل من أعضاء المعهد البيطري الذين حضروا لحظة الميلاد.

ثم تستعرض الكاتبة أهم الأحداث غير آلمتوقعة والتي غيرت التاريخ في القرن والعشرين وتضم لهذه الأحداث مولد النعجة دوللى وأشارت الفوائد ومخاطر الاستنساخ، وكيف أنه في الطب يحلنم العلماء بإمكان عمل أجزاء كاملة من أعضائنا لزرعها مثل: نقل وزرع نخاع العظام لعلاج سرطان الدم، إنتاج حيونات تتوافق أعضاؤها وراثيا مع الإنسان بحيث لو احتجنا إلى كيد أو كلية أو حتى قلب يمكننا الحصول عليه من خنزير مستنسخ. وإمكان جعل الحيوانات كمصانع حية للأدوية أي إنتاج حيوانات تنتج بروتينات بشرية وأدوية في ألبانها فيما يعرف بالحيوانات عبر وراثية (Transgenic Animals) وأيضا استنساخ أبقار حلوب تنتج كميات هائلة من اللبن، وأيضا استنساخ الحيوانات المهددة بالانقراض. وتضيف الكاتبة، إن العلماء يتوقعون احتمالات بلا حدود ويجب علينا التوقف عن التركيز على تخوفاتنا النظرية، وأن نحول تفكيرنا إلى الفوائد التي يمكن أن نجنيها من الاستنساخ.

ثم انتقلت الكاتبة لعرض تاريخي لأهم حدث في تكنولوجيا الإنجاب البشري وهو طفل الأنابيب لويزبراون ووضحت كيف تمكن العلماء ولأول مرة من متابعة أولى مراحل الحياة البشرية في المعمل.

وكيف أحدث هذا الإنجاز ردود فعل غاضبة على كل المستويات، ثم كيف انتهى الأمر بعد عدة سنوات إلى قبول هده التقنية بالرغم من وجود محاذير كثيرة حولها، وذلك بسبب استحداث طرق عديدة منها الحقن المجهري للحيوان المنوي في البويضة، والفحص المبكر للأجنة لتشخي العيوب ثم اختيار الأجنة الخالية من العيوب لزراعتها في الرحم علاوة على التحكم في اختيار جنس الجنين.. وغيرها من التقنيات.

ثم نقلتنا الكاتبة مرة أخرى إلى عصر الاستنساخ حيث عرضت لرأي رجال القانون والدين في الاستنساخ، وأوضحت أن معظم رجال الدين يعارضونه تماما، بينما يحاول رجال القانون إيجاد التبريرات لمثل هذه الممارسات. وتخلص الكاتبة في النهاية إلى أنه لا يوجد رأي موحد في التفكير حول الأسئلة الأخلاقية ولا يوجد اتفاق بين المعلقين على ما هو صواب وما هر خطأ، وينسحب هذا أيضا على معظم المفكرين والمتخصصين المعروفين.

وفي الفصل الثاني من الكتاب تقدم لنا الكاتبة صاحب النعجة إيان ويلموت (ian wilmut) الانجليزي الذي تأهل في جامعة نوتنجهام ودرس علم الأجنة ثم التحق بكلية دارون في كمبردج عام 1971 وحصل على الدكتوراه بعدها بعامين. وهو متزوج وله ثلاثة أولاد أكبرهم هيلين التي كان عمرها 28 عاما عند ميلاد دوللي وأشارت إلى أن ويلموت غير مرتبط بديانة معينة حيث لا يوجد عنده معتقدات دينية ويتبع مذهبا اللاأدريه، (Agnoticism) (الذين يعتقدون بأن وجود الله وطبيعته أمور يستحيل معرفتها، ومن أشهر الفلاسفة الذين اتبعوا هذا المذهب إيمانويل كانط وهريرت سبنسر.

وتشير الكاتبة، بعد ذلك، لمراحل التكوين في الجنين البشري وكيفية حدوث التميز الخلوي وكيف أن أحد مفاتيح التميز الخلوي توجد في البروتينات التي تغطي الدنا (DNA) في نواة الخلية. وأن هذه البروتينات توقف عمل 90% من جينات الخلية تاركة فقط للعمل تلك الجينات التي تحتاج إليها الخلية لحياتها ولقيامها بوظائفها التخصصية. ثم تتساءل الكاتبة: هل يمكن إعادة خلية متميزة إلى حالتها الأولى غير المتميزة وأن تتمكن من توجيه تكوين كائن جديد؟.. ثم تقول: هذا ما قام به ويلموت ومساعدوه . وتستعرض الكاتبة نظريات التكوين الجيني عند الفلاسفة، و ذلك في الفصل الثالث من البكتاب وتتبع ذلك برحلة مثيرة من الخيال إلى الواقع الاستنساخ كخيال ثم كيف أصبح واقعا وذلك في الفصل الرابع ففي أسلوب مثير تعرض االكاتبة لتجارب الاستنساخ التي قام بها علماء مثل هانز سبيمان (Hans Speeman) روبر برجز Robert BRIGGS توماس كنج (Thomas King) ثم جون جوردون (Hon Curdon) وتتساءل في غرابة لماذا لم يستخدم جميع هؤلاء كلمة استنساخ (Cloning) في أبحاثهم ولكنهم استخدموا مصطلح نقل وزرع الأنوثة (Nuclear (transplantation) . واستمر ذلك حتى عام 1963 عندما ألقى العالم البريطاني هالدين محاضرة عنوانها (الاحتمالات البيولوجية للنوع الإنساني في العشرة آلاف عام القادمة). وقال فيها: إن استنساخ البشر سيكون ممكنا طبعا نرغب في استنساخ الأفضل والأكثر تألقا، ومن المحتمل أننا لن نقوم بذلك إلا علي الأفراد الذين تصل أعمارهم إلى خمسين عاما، حتى نتبين فيهم كل الصفات المرغوبة قبل استنساخهم، وبذلك تزيد من عدد المتميزين والعظماء من المفكرين والفنانين والرياضيين والعلماء بل ومن أجمل الجميلات. ويذلك يكون هالدين هر أول من استخدم مصطلح استنساخ (Cloning). وتواصل الكاتبة رحلتها مع خيال وتوقعات العلماء . في ديسمبر 1970تحدث الرئيس السابق للاتحاد الأمريكي لتقدم العلوم بنتلي جلاس Bentley Glass) قائلا: إن المشكلة التي تلوح في الأفق هي الانفجار السكاني الذي سيجبرالأفراد للحد من حجم عائلاتهم. وعندما يتمكن الآباء من ذلك فإنهم سيرغبون في بلوغ أطفالهم حد الكمال. لن يتواجد آباء في المستقبل سيكون لهم الحق في زيادة أعباء المجتمع بأطفال مشوهين أو معاقين عقليا، وكما أن لكل طفل الحق في التعليم الكامل والتغذية الصحية، فكذلك لكل طفل الحق فى إرث صححيح لاعيب فيه. وقد تنبأ جلاس بأن آباء المستقبل سيجهضون أي أجنة معيبة أو يحاولون علاجها جينيا. إنه يتوقع أن يقوم الشباب في مقتبل العمر، وعندما تكون أمشاجهم في كامل حيويتها، سيقومون بتخزين هذه الأمشاج لكي يستخدموها عندما يكبرون. ويواصل تنبؤاته بأن الأجنه التي ستكون بالغة حد الكمال في صفاتها سيتم تجميدها وحفظهآ لحين طلبها، لمن يريد طفلا مثاليا، في عملية أطلق عليها تبني الجنين. وفي 5 مارس 1972 نشر طبيب نفسي أمريكي مقالة عنوانها "أسطورة فرانكشتين أصبحت حقيقة- لدينا المعرفة لصنع نسخ من البشر، وخلص في نهاية مقاله إلى أن الاستنساخ قادم لا محالة.

ثم تستدرك الكاتبة، وتقول هذا ليس معناه أن الجميع كأن يتخيل ويتوقع وينتظر الاستنساخ، حيث إن كثيرين أيضا لم يتوقعوا بل وعارضوا الفكرة من أساسها، وعلى رأسهم بول رامس (Paul Ramsey) من جامعة برنستون والذي عارض الإخصاب خارج الجسم في مقالة له عام 1972.

وفي نفس الاتجاه كانت تدور أفكار عالم البيولوجيا الجزيئية جونثر ستندت Gunther Stendt الذي يعمل بجامعة كاليفورنيا في بريكلي الذي يقول: "لقد وجدنا أن الاستنساخ غير مقبول أخلاقيا واجتماعيا".

ومع فصول الكتاب المثيرة نصل للفصل الخامس وبعنوان "وصمة عار للعلم" تحكي لنا الكاتبة قصة محاكمة مؤلف كتاب وناشره، وقد تكون المرة الأولى في التاريخ التي تحدث لكاتب علمي. الكاتب هو دافيد رورفيك (David Rorvik) والكتاب عنوانه: على صورته- استنساخ رجل. والذي نشره ليبينكوت عام 1978 ليشعل ثورة في عالم الصحافة، ويعلن عن استنساخ الإنسان. وتعرض الكاتبة ملخصا وافيا للكتاب الذي يتحدث عن مليونير أمريكي في السابعة والستين من عمره أطلق عليه المؤلف اسم "ماكس"- طلب من المؤلف مساعدته في عمل نسخة- طبق الأصل من نفسه. وتم البحث عن العالم الذي يقوم بهذه المهمه والتي تعتمد فكرتهاعلى أخذ خلية من خلايا جسم المليونير وزرع نواتها في بويضة منزوعة النواة لأنثى، ثم زرع الجنين في رحم هذه الأنثى وتوصل روفيك لهذا العالم الذي أطلق عليه "دارون" وتم إجراء التجارب خارج أمريكا. وفي يوليو 1974 كانت بواكير مشروع نسخ كائن بشري. وتم التوصل إلى الأنثى المناسبة والتي أطلق عليها "سبارو" وفي مارس 1976 تأكد حمل الفتاة ثم تمت عملية الوضع في نهاية عام 1976. ويؤكد مؤلف الكتاب رورفيك في نهاية كتابه "إن الطفل ولد وهو حي يرزق .. يدرس ويلعب.. ويستمر في نموه الطبيعي" وبد نشر الكتاب هبت العاصفة. الجميع يريد معرفة الحقيقة .. هل هذه الأحداث حقيقية أم خدعة. وطلب من الناشر والمؤلف الإعلان عن الأسماء الحقيقية لإبطال هذه القصة وإجراء لقاء معهم.

وكان الصمت هو الرد من المؤلف والناشر وأحيانا أخرى كانت التبريرات بعدم رغبة المساركين في الإنجاز في الظهور والإعلان عن أنفسهم. ومع هذا التصميم حاول رورفيك الدفاع عن نفسه ولم ينجح. وتواصل مؤلفه كتابنا سرد هذه القصة المثيرة وتقول وف6ي يوليو 1978 تقدم عالم الأجنة البريطاني ديرك برومهال (Derek Bromhall) بطلب تعويض قدره 7 ملايين دولار من رورفيك و ناشر كتابه متهما كلا منهما بأن الكتاب شوه سمعته، حيث إن ألعاب ذكر بعض أبحاثه في الاستنساخ والتي أجراها على الأرانب. وبعد مداولات صدر الحكم على الكتاب بأنه وهم وخدعة كبرى. وتم تعويض العالم البريطاني بمبلغ 100,000دولار.

من أجل الحيوانات

ومع بواكير الثمانينيات أصبح الهدف من الاستتساخ هو الإكثار من أجنة الماشية ذات القيمة الإنتاجية والاقتصادية، هكذا بدأت الكاتبة القصل السابع. ثم تواصل معلوماتها العلمية شارحة أوجه الاختلاف بين استنساخ الفئران واستنساخ البقر. ثم تعرض للسيرة الذاتية لأهم علماء الاستنساخ في الثمانينيات "ستين ويلادسين Steen Wiladsen والذي بدأ عمله وحدة فسيولوجيا التناسل بوزارة الزراعة البريطانية ونجح في تجميد أجنة البقر واستخدامها في الحصول على عجول صغيرة، وتعامل أيضا مع النعاج . وتضيف الباحثة، أن أهم ما كان يهدف إليه ويلادسين محاولة كسر حاجز الأنواع في الحمل لاستغلال ذلك في حل مشكلة عالمية وحي إنقاذ الحيوانات المنقرضة والمعرضة للاختفاء نهائيا من على وجه الأرض، وذلك بإنتاج عدد كبير من أجنة هذه الحيوانات بمعاملة إناثها بطريقة هرمونية معينه للحصول على عدد وفير من البويضات ثم إخصاب هذه البويضات في المعمل. ولكن المشكلة كيف نجد العدد الكافي من الأمهات الحاضنات لهذا العدد الوفير من الأجنة. لذلك فكر ويلادسين في إمكان استخدام أرحام حيوانات أخرى ذات صلة قرابة بالحيوانات المنقرضة، على سبيل المثال استخدام النعجة في حالة النعجة البرية المنقرضة والبقرة في حالة الماشية البرية والمشكلة التي تجري المحاولات لإيجاد حل لها كيف نجعل أنثى حيوان ما تستقبل جنين حيوان آخر في رحمها وتحتضنه ولا تطرده حتى نهـاية الحمل والميلاد؟ ثم يعرض الكتاب أن بالتفصيل للتجارب العلمية التي تمت في هذا المضمار ويشير إلى التجارب الناجحة والخاصة باستنساخ نعاج باستخدام أنوية خلايا جينية نقلت إلى بويضات غير مخصبة وذلك عام 1984 وقام بها ويلادسين الذي نجح في إتمام الحمل والحصول على نعجتين ماتتا فور ولادتهما لكن النعجة الثالثة كانت حية.

ونجح معظم الباحثين في مجال الاستنساخ ، في الحصول على خيل وخنازير وأرانب وماعز مستنسخة من خلايا جنينية مبكرة، ثم توجه الكاتبة في الفصل الثامن نظرنا إلى أن أبحاث الاستنساخ قد توقفت لفترة، واتجه اهتمام معظم الشركات التي تمول هذه الأبحاث إلى تقنيات الإخصاب خارج الجسم. ومع بواكير التسعينيات عاد التفكير في الاستنساخ وبجدية.

وما بين نجاح وإحباط تمر حياة ويلموت العلمية .. حيث دعي للعمل في مشروع نقل الجينات والهدف إنتاج حيوانات مهندسة وراثيا بإضافة جينات إلى بويضات حديثة الإخصاب وتستمر الكاتبة في استعراض المشاكل العلمية التي واجهت ويلموت والمتعلقة بتنمية خلايا جنين مبكر في مراحله الأولى من الانقسام ، وفي المعمل حيث لاحظ أن الخلايا تموت أو يتغير شكلها وتختلف ثماما بعد فترة عن الأصل ، وبذلك تصبح عديمة القيمة. وتواصل الكاتبة استعراض كيف تمكن ويلموت من التغلب على هده المشاكل هو وغيره من الباحثين. وتشير إلى أنه في أواخر عام 1986 نمى إلى علم ويلموت أن ويلادسين قد نجح في استنساخ أجنة ماشية، وهذا دفع ويلموت إلى أن يتأكد تماما من أنه لا توجد حواجز للاستنساخ مما جعله يبحث عن ممول لأبحاثه ووجده ممثلا في شركة (PPL) للأدوية وبدأ ويلموت خطواته الجادة نحو الإنجاز العظيم، وذلك بتحديد مفاتيح نجاح تجارب الاستنساخ، ووجد أن أول هذه المفاتيح حل شفرة ما يعرف بالدورة الخلوية (Cell Cycle) وساعده في ذلك طالب يحضر للدكتوراه في معهد روزلين يدعى لورانس سميث (Lawrence Smith)

سباق مع الزمن

في مشاركة وجدانية من الكاتبة لويلموت وشركاه، تستهل الكاتبة الفصل التاسع، بالإحباط الذي تعرض له هذا الإنجاز الخطير وهو إنتاج ميجان وموراج والذي يعتبر هو الإنجاز الحقيقي وأن دوللي ما هي إلا تكرار لما حدث، وكيف أن سوء الحظ وقلة الشهرة سواء للعلماء ويلموت وشركائه أو للشركة الممولة، فلا أحد يعرف عنهم جميعا شيئا وبالتالي لم يقيم هذا الإنجاز التقييم العلمي الصحيح، حتى على مستوى الصحافة والإعلام. ولكن كان لشركة PPL التي مولت التجارب رأي آخر فقد استشعرت بقيمة الإنجاز وسجلت البحث كابتكار لضمان حماية استثماراتها. ومع الدعم الكبير من الشركة، دخل ويلموت وزملاؤه في سباق مع الزمن لإثبات صدر نتائجهم وذلك بتكرارها. وكان ذلك بالبحث عن خلايا متميزة لحيوان بالغ، ووجدوا ضالتهم في أحد معامل الشركة حيث راجعوا سجلات الخلايا المجمدة، واكتشفوا من بينهـا مجموعة خلايا لضرع نعجة حامل كان عمرها ست سنوات وذبحت هذه النعجة منذ ثلاث سنوات ولا أحد يعرف عنها شيئا الآن. هذه النعجة هي التي استخدم ويلموت خلاياها في الاستنساخ. والمفروض أن تكون أشهر ثاني نعجة في التاريخ بعد دوللي، لأنها مصدر النواة وهي التي أستنسخت منها دوللي، وهي الصورة التي تتطابق مع دوللي. وتم استخدام نفس التقنية. التي أستخدمت مع ميجان وموراج ووصلت التجربة لمراحلها الأخيرة بنجاح الحمل، ومع الأيام الأخيرة للحمل ازدادت عصبية ويلموت وكمبل، وانتابهما شعور بالخوف من عدم نجاح الوضع، ومع هذا التوتر وهذه المعاناة وكما تقول الكاتبة وفي تمام الخامسة من مساء 5 يوليو 1996 نجح الإنجاز وتمت عملية الوضع في هدوء شديد وفي سرية تامة، وكانت دوللي نعجة القرن، والتي عوملت بعناية فائقة. وتعرض الكاتبة لردود الفعل المتباينة لميلاد دوللي ثم للإعلان عن ذلك بعد فترة في فبراير 1997. وكانت فرحة عارمة لويلمرت وأقرانه في البحث، حيث عوضهم الإعلام عن السلبية التي قوبل بها إنجازهم الأهم وهو ميجان وموراج. ومع اقتران استنساخ دوللي بإمكان استنساخ البشر كانت ردود الفعل الغاضبة تجاه ويلموت، وفي إحدى مواجهاته الحوارية قال: هل تريدون وقف الاستنساخ؟ هل أوقفتم روبرت برجز وتوماس كنج في محاولاتهما مع الضفادع في الخمسينيات؟ هل أوقفتم جون جوردون في الستينيات وال سبعينيات؟ هل منعتم ستين ويلادسين من اختراق قوانين الطبيعة واستنساخ بقرة من خلال جينية؟ وهل فعلتم أي شيء معي أنا شخصيا ومع كمبل عند نجاحنا في استنساخ النعجتين ميجان وموراج عام 1995. أجاب ويلمرت عن أسئلته بكل ثقة.. طبعا لا.. وأضاف قائلاً: " إنه من السذاجة أن تفكر أنه من الممكن أن تمنع ذلك".

وماذا بعد دوللي؟ هكذا تساءلت المؤلفة في الفصل العاشر، وقالت إن رد الفعل العالمي الذي تمثل في رئيس أكبر دولة فى العالم بيل كلينتون وذلك بطلبه بحث هذا الموضوع، وصل إلى ذروته في اجتماع مجموعة الثماني في القمة الاقتصادية في دنفر- كولورادو والتي تم فيها التصويت لرفض استنساخ البشر وهي المرة الأولى التي يؤخذ فيها قرار أخلاقي في قمة اقتصادية. وتشير الكاتبة إلى الإعلان عن مولد بوللي، أول نعجة مستنسخة عبر وراثية " أي تم نقل جينات بشرية إليها" وذلك في 24 يوليو. ثم تستعرض بالتفصيل مميزات الاستنساخ والفوائد المرجوة منه على مستوى الحيوانات ثم تنتقل إلى الإنسان وتعرض للمخاوف التي يثيرها العلماء من استنساخ البشر، وتفند هذه المخاوف وترد عليها بحرفية بالغة، مستعينة برأي أحد علماء بيولوجيا الخلية " لي سيلفر" Lee Silver ثم تناقش توقعات العلماء في مستقبل هذه التقنيات وتطورها في الألفية الثالثة من هذا العصر. وعذراً، صديقي القارئ، للاكتفاء بهذا القدر من العرض، وأترك لك قارئي العزيز متعة قراءة الكتاب والتأمل في أفكاره وحكاياته مع العلم والعلماء، وأطروحاته المثيرة للجدل والحوار في موضوع حياتنا، الاستنساخ.

 

محمد عبدالحميد شاهين

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




غلاف الكتاب





د. واتسون أحدث مكتشفي جهاز التوريث DNA أساس الاستنساخ





الشاة المستنسخة دوللي نجمة من نجوم الاستنساخ





صار المعمل بديلا عن اللقاء الطبيعي