مساحة ود

مساحة ود

حدثت نجمي عن حالي، وحنيني إلى هدوء البال، نفض ريشه بجناحيه فوق البحار، لف ودار حول المدن القريبة البعيدة، حلق فوق أسطح العمارات، صعد عكس المطر والرياح، اختراق الرعد، عبر قوس قزح، عاد منهوك القوى، مقصوص الجناحين، دفس رأسه بين كفي وصمت.

تأبطت عصاي، حدثتها عما حدث لنجمي المسكين، وعدت وتوعدت أن تحضر بالي المفقود ماثلا أمامي في خشوع.

خرجت معي، تضرب الشوارع، زاحمتهـا العربات، حاصرها الدخان والدبيب

توقفت أذني عن الدق، انتفضت العصا، صارت مكنسة طائرة، تعلقت بذيلها، حتى ألقتني في بطن الصحراء، وأضحت في لمح البصر ذرة من الرمال الشاردة.

نسجت من حزني خيمتي، لا ناقة لي ولا طائرة، أو كلب خلف قافلة.

استلقيت على عتبة عيني، حدثتها عن انكفاءة قلبي والعصا التي غادرتني.

أذنت لي بالدخول، تخطيت العتبة إلى الحد المسموح وعند الحدقة وقفت ونظرت في كرتها المسحورة.

رأيت رجلا تركض الشمس في عينيه، ينثر البذور وسع الأرض، ويغني، وشجرة وارفة صارت حين استظل تحتها، صيية، يفوح المسك والطيب من ضحكتها، انشرح صدره من فرط جمالها، تضافرت دقات قلبه، صارت نايا حانيا بين يدي صاحبها، الذي أثقله البوح الحزين، ومد بساط شوقه تحت أقدام أميرته الصغيرة.

جريت، منبسطة الفؤاد، حيث رائحة الطيب والأغنيات، اقتربت، اختفت الشجرة، والصبية، والرجل الذي كان على الناي يغني.

تسمرت مكاني، أنعي حالي، ورحيل البال.

مرت بي عجوز ذات عينين تثقبان الدهر، متكئة على عصاها التي كان أصلها حية، همست:

- إنه هنا، يتتظرك.

ثم ولت وصوت الناي يتبعها، تلفت حولي، لم أجد شيئا، ناديتها:

- انتظري

أدمعت عيناي، لفظتني خارج كرتها السحرية. جلست على عتبتها أهذي.

"لابد أن الجني قد مس عقلي، أو لعله السراب، أو عطشي".

عاودتني العجوز، التي تثقب بعينيها الدهر، لمست بعصاها التي كان أصلها حية صدري.

رددت:

- إنه هنا ينتظرك.

أفقت من إغفاءتى، رأيت شجرة مورقة تطرح الأغنيات داخل قلبي، ورجلا يألفه دمي، يغمز لي بطرف العين، وشبابا، ونساء يصحبن أطفالهـن، يضحكون، مادين أياديهم نحوي.

 

ابتهال سالم

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات