ما شهدت به الأعداء

ما شهدت به الأعداء

قرأت في العدد (572) من «العربي» يوليو 2006، تعليقًا من قبل الأخ أسامة حسن، على الحوار الذي أجراه الشاعر رفيق معلوف في العدد (564) نوفمبر2005، ومما ورد في ذلك التعليق أن الشاعر الضخم والعبقري الفذ المتنبي كان يتزلف لسيف الدولة، ولكن الحقيقة هي أن سيف الدولة كان هو الذي يرغب في بقاء المتنبي بجواره ليزيّن به مجلسه على عادة الحكام في ذلك الزمان - الذي نأمل أن يتكرر - ومما يحكى في هذا، أن سيف الدولة كان شديد الإعجاب بالشاعر «أبي العباس النامي»، ولكنه تخلى عنه حين انضم المتنبي إلى مجلسه، وشعر «النامي» بالغيرة، فقال لسيف الدولة معاتبًا: لم تفضل عليّ ابن عبدان السقا (يقصد المتنبي)؟ فتحاشى سيف الدولة الجواب، ولكن العباس ألح عليه، فقال له: لأنك لا تحسن أن تقول:

يعود من كل فتح غير مفتخر وقد أغذ إليه غير محتفل


وقديمًا قيل «الفضل ما شهدت به الأعداء»، وهانحن نقرأ قول «النامي» في المتنبي حيث يقول:

كان قد بقي في الشعر زاوية دخلها المتنبي، وكنت أشتهي أن أكون سبقته إلى معنيين ما سبق إليهما:

رماني الدهر بالإزراء حتى فؤادي في غشاء من نبال
فصرت إذا أصابتني سهام تكسّرت النصال على النصال


أما المعنى الآخر فهو:

في جحفل ستر العيون غباره فكأنما يبصر بالآذان


وكم من مرة سمعنا فيها المتنبي يفتخر بشعره وبمكانته، وهو في حضرة سيف الدولة، وذلك مثل قوله:

ما أبعد الشيب والنقصان عن شرفي أنا الثريا زان الشيب والهرم


ويقول:

سيعلم القوم ممن ضم مجلسنا بأني خير مَن تسعى به قدم
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي مَن به صمم
الخيل والليل والبيداء تعرفني والرمح والقرطاس والقلم


أترى مثل هذا الشاعر يمكن أن يتزلف لأحد ولو كان الخليفة نفسه؟! لا والله لا أظنه يفعل، أما عن العطيات التي كان ينالها من سيف الدولة، فهي أقل مما يستحق بكثير. وشيء آخر، وددت أن أشير إليه وهو أنه لو لم يكن للمتنبي - كما قال المعري:

لك يا قلوب في القلوب منازل

لكفاه فخرًا ولصار شاعر العربية الأوحد.

د. حسن محمد أحمد
محافظة بلقرن - السعودية