أعرف معنى أن أكون موضوعا لكتاب

أعرف معنى أن أكون موضوعا لكتاب

من كتابات دوريس ليسنج، بشأن أدبها

تصل رسالة من امرأة شابة، تقول فيها إنّ لديها عقدا لكتابة سيرتي الذاتية، ستكون قريبا معي، وهي تتطلع بشوق إلى تعاوني. يتضح من لهجة الرسالة، أنّ سنجابة سعيدة قد وجدت حالا مخبأ قطر مسبب للهلاوس، دون أن يخطر بذهنها أن ضحيتها ربّما لن ترحب بقضاء ما يفترض أن يكون أسابيع، إذا لم تكن شهورا في صحبة شخص لم يسبق لها أن قابلته، ولم تختره بالتأكيد، مشاركة لها في تفاصيل حميمة من ماضيها، وأفكار عميقة حول الحياة بشكل عام. بطبيعة الحال، ينبغي أن يبتهج أيّ شخص من مثل هذه الأخبار. كتبت رفضا، قائلة إنني أعتقد أنّ السير الذاتية يجب أن تكتب بعد موت الفرد الموهوب. تبع ذلك فورا، امتعاض ورسائل انحدرت إلى التهديد. أصدقائي، الذين دعتهم إلى الحديث، سألوني عمّا يجب أن يفعلوا، فقلت «تجاهلوها». وهكذا، رفضوها هم أيضا، ثم عادت بعض رسائل «سيكون لمصلحتك أن تتعاوني». إنّها كمن يقول للعدم إنني وأصدقائي غير لازمين.

ليس بسبب ذلك أكره السيرة الذاتية، بل على العكس. ذات مرّة خططت أن أكتب واحدة عن «أوليف شراينر»، وهي امرأة رائعة ولدت خارج زمنها، لكن حين أحضرت من المكتبة السير الذاتية الموجودة، خمّنت أنه ينبغي أن تكون هناك خميرة، أو نموذج أصلي للسيرة الذاتية اشتقّ منه الآخرون. قدمت طلبا إلى صديق خيّر، للحصول على توجيه، كانت إجابته «هذا النوع من الأشياء ليس مجهولا». تطلب الأمر بحثا أصليا، لكن ذلك يجب أن يأخذني إلى جنوب إفريقيا، حيث كنت عندئذ مهاجرة ممنوعة. إضافة إلى أنّ ذلك قد يستهلك أربع أو خمس سنوات من حياة كتابتي. منذ ذلك الحين، أصبح كاتبو السير الذاتية أصدقاء، أعجب بيقظتهم وتكريسهم، وهم يخلقون عملهم من حبّ. وهو ما يكونه كاتب السيرة الجيّد.

الكاتب.. ملكية عامة

ما تنشده سنجابة السيرة هو أن أسلّم. قد يحاجج أن كاتبا لا يتعاون مع كاتب سيرة، ينبغي ألاّ يشكو من عدم الدقّة والأكاذيب. نحن ملكية عامة، هكذا يمضي القول، لكنني أجادل في أنّ أعمالنا ربّما تكون كذلك، لكن ليس نحن، أكثر مّما نختار أن نكون. يفترض، في مناخ الزمن الحاضر الساحر، أنه إذا لم يوافق كاتب فهذا دليل على وجود أسرار مظلمة خفيّة في حياته، لكن ألا يمكن أن يكون ذلك دليلا للميل إلى الحفاظ على الخصوصية؟ وقد نسي بالتأكيد أنّ حياة الكاتب تتضمن أصدقاء، وأسرة: لماذا ينبغي أن يعرّض هؤلاء؟ أليس هذا موضوعا بسيطا؟ هناك أناس يحبّون أن تكتب سيرهم الذاتية، لكن الذين يرفضون ألا ينبغي أن نعذرهم؟ مع ذلك، فإننا سنموت سريعا بشكل كافٍ.

يبدو لي أن الروائيين يحتاجون إلى السير أقلّ من أي نوع آخر من الأشخاص. حيث يمكن لمقدار ضئيل من اسم في رواية أن يحكي، فضلا عن اثنين أو أكثر، معظم الأشياء عن الكاتب. ليس في أيّ تاريخ ذهب - هو أو هي - هنا، أو فعل ذلك، لكن جوهر المسألة. لقد أعدت قراءة نسخة قديمة من رواية «فاليت» لشارلوت برونتي، اشتريتها من حوامل البيع خارج المسرح القومي (كانت فيها ملاحظات سوداء وافرة ساخطة على سطور خاطئة! هذا نوع عاصف! ليس في الوقت المناسب من السنة!)، وأزعم أن أيّ فرد تجاوز العشرين من عمره يمكن أن يفهم أي شيء له أهمية حول شارلوت برونتي من ذلك الكتاب.

تتضمن السيرة الذاتية أخطاء بالجملة، تلك التي كان يمكن تفاديها بالرجوع إلى مادة فعلية منشورة، وسيرتي الذاتية، التي كتبتها متخيّلة بسذاجة أنها قد تحميني ضد التضليل. إنّ معظم الحقائق حول أسرتي خاطئة، بما فيها اسم ابنتي. قد تظنّ أنه حتى كاتب سيرة قنوع قد يحصل عليها بشكل صحيح.

إنّ أيّة سيرة ذاتية سيئة لها فوائدها: من السهل تفحّص الأساطير التي تتراكم حول شخصية عامة. حكايتي الأثيرة، هنا، هي تلك المزرعة الملعونة، التي يفترض أنني أمتلكها في زيمبابوي. كتبت مجلة «التايمز» مقالة جاء فيها أننا تشاركنا، أنا وأيان سميث في مشروع، ثنائي نمتلك أراضي اشتريناها بشكل إجباري. يتلخص تفنيدي، في أنني لم أمتلك أبدا أيّ شيء، فضلا عن مزرعة، سواء في جنوب روديسيا أو زيمبابوي، وقد نشر ذلك حسب الأصول. ثم نأتي إلى عزيزتنا «الجارديان»، التي تتحرى الدقة دائما، حين كررت نفس الأخبار، ونشرت هي أيضا تكذيبا. هل يحدث ذلك أيّ فرق؟ ربّما لا أريد أن أفعل. الكلمة السحرية هي «إنّ لديّ مزرعة في إفريقيا، أسفل تلال نجنونج..»، هي جملة قوية مثل جملة العلاج النفسي «حلمت في الليلة الماضية أنني ذهبت إلي «ماندرلي» مرة أخرى. هل ينبغي أن أترك هذه المزرعة الوهمية في وصيتي لشخص ما؟

يسكن أصدقاء وهميون سيرة ذاتية سيئة. لأنّ أصدقائي الخاصين ليسوا هناك، أناس جمعوا ووصفوا كأصدقاء، كانوا معارف شخصية، لا أتذكر أسماءهم. إنهم يعرفون كل شيء عنّي. وهو ما يذكرني بواقعة حدثت حين ذهبت إلى هراري، لأتحدث في اجتماع القنصلية البريطانية، وصعدت امرأة قائلة من وحي ذاكرتها الأكثر ولعا عن كيف أننا جلسنا معا على المقعد نفسه نؤدي اختبارات قبول. فقلت إنني لم أتقدم لأيّة اختبارات في روديسيا الجنوبية، لكنها أجابت بهدوء إنّها تتذكّر. ليس هناك ما يمكن عمله إزاء مثل هذا النوع من الأشياء.

لا، ما لم يدفع الفرد إلى الحدود النهائية. دفع صديق في الملكية العامة خارج فطنته بالأوهام، حين صحح ذات مرة بصبر صانعي الأساطير «لا، لم أولد في «بناريس»، بل في بروكلين.. تزوجت فقط مرتين.. أنا لا أملك طائرة «لير» نفاثة!». إنه يوافق الآن علي كل شيء بحماس» دعهم يفضوها » إنني أذكّرك، إنّ ممارسة هذه اللعبة، لا يعني أن تبتكر: «إنّ زوجتي القزمة ذات السيقان الثلاثة، التي هجرتني مع عامل بناء عاجز، يعزف في فرقة نحاسية تبيتية..» سيكون ذلك خارج السياق.

.. وكاهن للاعتراف

هل يعتبر الكتّاب نوعا من اختبار الشخصية والذكاء؟ نحن بالتأكيد كهنة الاعتراف، لكن ماذا يمكن لفرد أن يقول عن رسالة من 16 صفحة مفصّلة من يوميات مفرطة من قبل شخص على وشك الانهيار؟ «ساعدني! ساعدني»!، دون أن يكون هناك عنوان للرد. «بماذا تجعلك تفكر، تلك اللطخة السوداء هناك»؟

«صديق طيب ينصت لي ولمشاكلي نهارا وليلا، ويقول فقط «يا للأمر المثير للشفقة». لقد أساء لعمتي بيسي، التي اعتادت أن تسرق جواربي».

يظهر أن لديّ علاقة عميقة مع رونالد ليج، الذي ادّعى أنني كنت مريضته، وأنه أعطاني ست جرعات من عقار الهلوسة «إل إس دي». أليس ذلك افتراء؟ تشهيرا؟ لا؟. لكنه مجرد كذب. لقد قابلته ستّ مرات، وجاء إلى بيتي مرّة واحدة فقط، لأنه جعل أصدقائي يلعبون «لعبة الحقيقة»، التي انتهت بشكل غير مقبول، كما يتوقع الفرد.

لو كنت أعرف عروض السوق .. وأقيم، أقيم علاقتي مع رولاند لأصبحت الآن منقوشة على حجر. لكن يجب أن يمتلك الفرد حسّ الاتساق. يجب أن يرتفع الفرد فوق التوافه، ويتمسّك بالأشياء المهمة. ألا يهتم بالمزرعة الوهمية، أسرتي الفقيرة، رولاند ليج، الأماكن التي يفترض أنني زرتها، الأشياء التي يفترض أنني قلتها. تقول هذه المرأة إن شعري مجعد (طبيعي) قد أنجز شكله بمساعدة مجموعة أدوات دائمة. تلك هي الآن، حرب كلامية.

هناك أيضا خطر إضافي مع كاتبي السير الأمريكيين. إنّهم هناك عبر البحر، ونحن هنا، نسخر من أشياء مختلفة. وملاحظتي الساخرة، هي أنني عندما سألني محاور إذا كنت أفضّل البشر عن القطط، أجبت أن القطط أفضل، لأنّ الناس لا تخرخر، وهو ما تمّ تحليله بجدية كعرض لبغض البشر.





الورد والتهاني يحيطان بالكاتبة العجوز بعد فوزها بجائزة نوبل