أرقام

أرقام

جبل المياه: القمة والسفح

يواجه الإنسان الكثير من الأزمات، وتحدث حوله الكثير من التغيرات، ولكنه- ومع الوقت- يتعايش مع الأزمات، يتعود عليها، لا تثير عنده نفس رد الفعل أو الانزعاج الأول.

وقد تحدث تحولات لا يدركها الفرد بالعين المجردة، لكنه ينتبه لها في وقت متأخر بفعل تراكم التغير، أو إنذارات العلماء والخبراء.

من ذلك: التغيرات التي تحدث في مناخ الأرض.

ومنها: التغيرات التي تحدث في بعض عناصر البيئة حين تتآكل الأشجار وينحسر اللون الأخضر، كما حدث أخيرًا في مناطق الحروب الإفريقية حيث اكتسح المهاجرون واللاجئون والفارون كل شيء، ولم يعد لديهم غيرا لأشجار . . ماذا ووقوداً !

وأظن أن قضية المياه تدخل في هذا البند، وهي تشهد تغيرات حادة، وتمثل خطرًا جارفا. لكننا نتغافل عما يحدث، ونتعود الخطر، ولا نتوقف أمامه طويلا!

خلال ربع قرن مضى- وكما تقول إحصائية لليونسكو أذيعت في النصف الثاني من عام 98- نقص نصيب الفرد من المياه المتاحة والصالحة للاستخدام الآدمي من "12500" متر مكعب في السنة . . . إلى "7500" متر مكعب.

وفي وطننا العربي- وكما يقول التقرير الاقتصادي الموحد الصادر عن الجامعة العربية وثلاث منظمات أخرى- فقد كان نصيب الفرد "3800" متر مكعب عام 1950 . . ز ثم هبط إلى "1027" مترًا مكعبا في السنة عام 96 أي أنه هبط- وبفعل زيادة السكان- إلى أقل من الثلث.

في ذلك العام "96" كان نصيب الفرد في العالم- كما أسلفنا- يتراوح بين "7180- 7500" متر مكعب، وكان نصيب الفرد في إفريقيا "5500" متر مكعب، وفي آسيا "3500" مترا مكعبا، أي أن نصيب الفرد العربي نحو 15% من المتوسط العالمي، وأقل من ثلث أفقر القارات وهي آسيا، وهو ما جعل تقرير الاقتصاد العربي الصادر في خريف "1998" يصف الوضع المائي العربي بأنه الأسوأ في العالم كله، بوضعه الراهن أو باحتمالاته المستقبلية.

أعلى الجبل . . . وأسفله!

في قضية المياه، كما هو الحال في ثروات أخرى يستطيع الجغرافيون أن يرسموا خريطة الثراء والفقر، وكما تأتي الخرائط لتحدد الجبال والوديان، المرتفعات والمنخفضات، فإنها يمكن أن تفعل الشيء نفسه في الخريطة المائية.

في أعلى الجبل تبرز الولايات المتحدة الأمريكية فيسجل الاستهلاك اليومي من المياه ستمائة لتر للشخص لتر، ثم تأتي أوربا على سفح الجبل ليسجل الاستهلاك ثلث هذه الرقم "مائتي لتر فقط"، ثم نهبط إلى أسفل ليصل الاستهلاك في إفريقيا إلى ثلاثين لترا، طبقًا لدراسة اليونسكو.

وعلى هذه الخريطة يأتي الوطن العربي أيضا في موقع متأخر، وبينما يقول الخبراء إن الوضع المائي الحرج هو ما يهبط فيه المتاح للفرد إلى ألف متر مكعب سنويا، فالمتوقع- طبقا للتقرير الاقتصادي العربي- أن يهبط نصيب العربي من المياه إلى "464"، مترا مكعبا في السنة عام 2025.

إنه الخطر إذن . . فما في قسماته؟

ومرة أخرى نعود لحديث الخرائط لنكتشف أن عددا كييرا من البلدان العربية تعيش بالفعل تحت السقف المائي الذي يوفر مياها نقية للشرب ومياها صالحة للفرد والاستهلاك الآدمي، من هذه البلدان: دول الخليج ومنها: ليبيا والأردن وتونس وجيبوتي واليمن، ولكن وللمفاجأة فإنه في عام "2025" سوف ينضم لهذه البلاد: الجزائر والسودان، أي أن السودان بكل مواردها النيلية ومياهها الجوفية والأمطار، سوف تدخل حزام الفقر، الذي سوف يضم حينذاك "13" دولة عربية!

هناك إذن خطر الندرة. .

ولكن هناك أيضا خطر التبعية، وتحكم الآخرين في هذه الندرة!

تقول الأرقام إن "50%"، عن الموارد المائية بدايتها ومنابعها خارج الحدود العربية. النيل ينبع من أوغندا وأثيوبيا، ودجلة والفرات ينبعان من تركيا، ونهـر السنغال الذي يغذي موريتانيا يأتي من خارجها.

وإذا كانت الاتفاقات الدولية تنظم استخدام بعض الأنهار، فإن الحال ليس كذلك في كل الأحوال، ومن ثم، ومعه تزايد الحاجة للتنمية هـنا أو هناك، ووفقا للظروف ومراكز القوى السياسية والعسكرية قد تحدث تقلبات تعصف بالمصير العربي.

في حالة تركيا، فإنها تبني "22" خزانا على نهري دجلة والفرات، والاتفاق على حصة الدول المشاركة فيهما واجه عثرات كثيرة، بينما يعتمد العراق على سبيل المثال على هذه المياه لسد حاجته في "95%" من الأنشطة الزراعية الصناعية و"80%" من الاستخدامات المنزلية.

وعكس ذلك يحدث مع دولة أخرى في المنطقة هي إسرائيل، والتي تأخذ ثلثي مياهها من أراض عربية جرى احتلالها بعد عام 1967، وكلتا الدولتين: من تريد حجب الماء أو تريد سرقته واستنزافه، كلتاهما- أي إسرائيل وتركيا- تملكان ذراع القوة الذي يحمي ماتريدان، ونحن لا نفعل الشيئ نفسه. . !

نقاط التوتر

الدراسات الدولية والعربية تشير إذن لنقص في المعروض من المياه، وتشفع ذلك بتوقعات حول طلب متزايد يساير زيادة السكان، لكنها تقول: ومع هذه المعادلة الصعبة فإن الإسراف في استهلاك المياه قائم قائم والفاقد كثير والأدلة سلسلة من الأرقام، ولكن- ومع أي ترشيد للاستهلاك- سوف يبقى الوضع المائي خطيرا، ومثيرا للتوترات التي يبلغ عددها في الوقت الراهن: "70" بؤرة توتر، طبقا لما أذاعه الرئيس الفرنسي جاك شيراك في مؤتمر أخير للماء انعقد في باريس.

آخر الأرقام: نصف سكان العالم لا يملكون أنظمة صرف صحي، وربعهم لا يجد الماء النقي، وفي وطننا العربي فإن 30% من السكان لايجدون ماء نقيًا للشرب!

ما العمل؟ سؤال مازال مطررحا، فهناك بدائل للنفط وأي مادة أولية، ولكن هل من بديل للماء؟ الإجابة واضحة.

 

محمود المراغي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات