دعوة إلى كلّ أمّ لم تكمل تعليمها مايسة حافظ

هي دعوة موجهة لك سيدتي، ليدخل النور إليك ويملأ حياتك. لا تعطي عقلك إجازة من العمل والتطور، لا تغلقي في وجهك باب التعليم والثقافة بحجة انشغالك بالبيت والزوج والأولاد. فمن أجلهم جميعاً، ومن أجل أسرة متطورة واعية، اقبلي هذه الدعوة للتحصيل والانجاز واستثمار إمكاناتك في التعليم الذاتي.

هي دعوة للمرأة العربية التي تسجن نفسها بعد الزواج في إطار الزوج والأطفال، فلا تكمل تعليمها ولا تحاول أن تغير مجى حياتها، ظنا منها أن ذلك لن يفيدها في شيء أو أن من شأنه أن يعرقلها في أداء واجبها الأساسي نحو أسرتها.

يقول د. عبدالفتاح جلال مدير معهد الدراسات والبحوث التربوية:

" تعليم المرأة إلى أقصى درجة تؤهلها لها قدراتها ينبغي توفيره دون أي عوائق. ذلك مبدأ أساسي مقرر في الإسلام. كما أنه مقرر في المواثيق العالمية لحقوق الإنسان".

فإذا تناولنا الإسلام، فعلينا أن نتذكر ما حدث مع رسول الله حينما تعرضت له النساء في مسجده بالمدينة المنورة وقلن له " لقد غلبنا الرجال عليك يا رسول الله . فأجعل لنا من نفسك يوما" فقال له " اجتمعن يوم كذا وكذا " . ومن هنا مارس الرسول تعليم المرأة ولم يكتف بمجرد إباحة الحق، مما يدل دلالة قاطعة على أن حق التعلم للمرأة مكفول شرعا.

أما من ناحية القانون الدولي، فقد أقرت المواثيق العالمية لحقوق الإنسان حق المرأة في التعليم. والعمل على إزالة كل العوائق التي تحول بينها وبين الحصول على فرصها في التعليم.

هل هناك فائدة من تعليم المرأة بعد أن تزوجت وكونت أسرة؟

تعلم المرأة مفيد لها كفرد، وكعضو في أسرة ، وكربة بيت، وكأم، وكعضو في المجتمع، وكل هذه الأدوار تحتاج إلى التعليم. فعلى سبيل المثال، لم تعد تربية الأطفال أمراً يقوم على تقليد ممارسات الأمهات، بل صار قائما على العديد من العلوم التربية والنفسية والاجتماعية والطبية، بل والتكنولوجية أيضاً.

ومن هنا ينبغي أن تتاح الفرص كاملة لكل امرأة في أن تتعلم نفعا لنفسها ولأسرتها ولمجتمعها.

ولكن كيف سيفيد تعليمها أسرتها؟

عندما تتعلم الأم، سيكون لديها أساليبها المتطورة في رعاية البيت من نواح مختلفة. فمن الناحية الطبية، ستكون الأم واعية بخصائص الطفل والأمراض التي يتعرض لها وأساليب الوقاية منها والاسعافات الأولية، والغذاء الصحي.. إلخ.

أما من الناحية التكنولوجية ، فالطفل ينشأ الآن في بيت مليء بالأدوات التكنولوجية وتعامله معها لابد أن يكون في إطار فهم الأم لما يوجد لديه من حب للاستطلاع يدفعه فطريا إلى التعرف على ما يحيط به، وما يترتب على ذلك في الوقت نفسه من احتمال وقوع الطفل في مخاطر نتيجة محاولته فهم هذه الأدوات التكنولوجية، مثل التعرض للتيار الكهربائي وكيفية الصيانة منه، أو التعرض لأدوات المنزل كالثلاجة أو الغسالة أو غيرهما، بخاصة في أثناء تشغيلها أو ما يحدث من آثار على صحة الطفل نتيجة وجود هذه الآلات المتقدمة في المنزل مثل الإشعاعات الناجمة عن التليفزيون والتعرض له لفترات طويلة.

التعليم الموازي

بعد أن تركت الأم المدرسة وتزوجت، ماهي وسائل التعلم المتاحة لها في هذه الحالة؟

هناك العديد من أساليب التعليم في العالم، منها ما يوجد في دول الخليج من نظام يسمى "التعليم الموازي" حيث يتاح للمرأة في الفترات المسائية الالتحاق بفصول الدراسة المناسبة للمؤهلات التي حصلت عليها. ومن خلال ذلك يمكنها أن تواصل التعلم وتحصل على الفرصة الثانية للتعليم وتستكمل ما شاءت من دراسات حتى الدكتوراه.

هذا بالطبع لا يتعارض مع حرص كل امرأة على البحث عن الكتب الجيدة ومصادر المعرفة التي توفر لها المعلومات العلمية الصحيحة التي يمكن من خلالها أن تقرأ وتنتفع وتستمر في التعلم بنفسها.

وهناك أيضا أسلوب التعلم الذاتي، وهو أن تعلم المرأة نفسها بنفسها، وهذا الأسلوب يحتاج إلى تدريب، بحيث تستطيع المرأة أن تعود إلى مصادر المعرفة وتتوافر لديها القدرة على الاستفادة منها. كما يتطلب أيضاً وجود مؤسسات متخصصة في إعداد المواد العلمية اللازمة للمرأة في شتى المجالات بصورة تتفق مع منهجية التعلم الذاتي . ومع الأسف لا يزال هذا الجانب ضعيفا في المنطقة العربية بأجمعها، ولابد من العمل على إتاحة فرصة التعليم الذاتية للرجال والنساء. وهذه قاعدة أساسية في كل دول العالم المتقدم بلا أستثناء ، وآن الآوان أن تكون قاعدة مطبقة في بلادن العربية.

ماذا تفعل المرأة إذن حتى تطبق هذه الوسيلة التعليمية؟

من لديها إصرار هي التي تسعى للتعليم. فإذا كانت المرأة مصرة وراغبة، فسوف تستطيع فتح الأبواب سواء من خلال قراءتها بنفسها، أو من خلال الاتصال بالمؤسسات التعليمية والتعرف على فرص التعليم المتاحة بها.

كما يمكن أن تتعلم الأم من خلال دراسة أبنائها، بأن تسير معهم في أثناء تعليمهم خطوة بخطوة وفق مناهجهم التعليمية وتتعلم معهم.

هي.. والمستحيل

أما الكاتبة " فتحية العسال" فقد أوضحت وجهة نظرها في هذا الموضوع من خلال مسلسل تليفزيوني من تأليفها بعنوان " هي والمستحيل" الذي يؤكد أن المرأة التي لم تتعلم في صغرها بفعل الظروف يمكنها الإرادة أن تتعلم بعد ذلك دون التقيد بعمر معين، وذلك من خلال امرأة حرمها جهل والديها من التعليم، ولكن بتصميمها - وبعد أن تزوجت وأنجبت - قرر أن تتعلم، فساعدها في ذلك خالها وجيرانها، وتدرجت في التعليم من محو الأمية حتى دراسة المناهج التعليمية في المنزل والامتحان في نهاية العالم، إلى أن حصلت على شهادة الثانوية العامة وأصبحت مؤهلة للالتحاق بالجامعة.

و من ناحية أخرى، حينما تعلمت استطاعت أن تربي أبنها بطريقة سليمة، حتى أن زوجها الذي كان قد تركها قبل سنوات - عندما رأى أبنه - كان مدهوشا للأسلوب المتطور - المتخذ في تربيته.

سألت فتحية العسال:

هل التعليم هو نهاية المطاف بالنسبة للمرأة؟

- كلمة متعلم شيء، ومثقف شيء آخر، ويفهم شيء ثالث، ويجب أن يجمع الإنسان بين الثلاثة، فأحيانا لا تكون المرأة حاصلة على شهادة أكاديمية، لكن لديها إحساسا في الحياة تلتقط عن طريقه الأشياء الصغيرة وتفهمها ، أي أن تكون واعية بالمشاعر الإنسانية وتحس دائماً أنها قادرة على فعل شيء ما .

وماذا عن الثقافة؟

على المرأة أن تثقف نفسها عن طريق القراءة في مختلف المجالات، وبذلك تكتسب المعلومات التي تفيدها في حياتها.

وهذا القراءة لا تقتصر على غير المتعلمات تعليما عالي المستوى، فمن الممكن أن تتخرج المرأة في الجامعة، لكنها تقفل الكتب وتعيش داخل البيت والأولاد فقط. وفي هذه الحالة يتوقف عقلها عن العمل والتطور ولا يفيدها تعليمها شيئاً.

وبجانب القراءة يمكن أن تثقف المرأة نفسها عن طريق ذهابها إلى المسرح أو السينما أو حضور الندوات، أو تحضير الدروس مع أولادها أو تشترك في مجلس الآباء في مدارسهم أو تشارك زوجها الاهتمام بعمله والمشاكل التي تواجهه فيه.

وتضيف : هنا تكون حركة المرأة ليست محدودة بالبيت والأولاد، لذلك أنادي بأن المرأة يجب أن تتعلم، تخرج للتعليم وتخرج للعمل، وبالتالي تخرج الحياة. وفي الوقت الذي يكون لها أشكال متعددة في الحياة ، تكون مثقفة فالإنسان المثقف هو الذي يعرف لا الذي يتخرج، ولا توجد امرأة عاجزة عن أن تثقف نفسها في مجال ما.

والمرأة حين تثقف وتعمل وتعيش تجارب داخل مجتمعها. يتفتح عقلها أكثر وتكون مفيدة لأولادها ، كما أن مجتمعها سيستفيد منها.