هو .... هي

بعد أن يهدأ الحب

جمعنا الحب، قفزنا فوق التقاليد ، فوق أي مسافة تفصل بيننا. كنت أتصور أن "عش العصفورة" يكفينا.

لكن، ما إن أصبحنا نواجه الحياة وحدنا حتى ضعفت القدرة على القفز، هدأت العواصف ومعها هدأت العواطف أيضا.

ترى أين ذهب الحب الذي كان؟

أين اللمسات الدافئة التي لم تكن تعرف غير التواصل مهما كانت المسافات الفاصلة!!

ترى، هل هناك امرأة أخرى؟! كيف ولماذا؟ وأي " أخرى " تلك التي استطاعت أن تلغي الحب الذي كان، من هي تلك "الأخرى".

ماذا ترتدي عندما يتقابلان؟! وعن أي شيء يتحدثان؟

أتخيلها أمامي فأناقشها وما إن تذكر اسمه بلا تكليف حتى أصرخ: لا، إنه لي وحدي، وليس من حق أي امرأة أخرى أن تردد اسمه هكذا ببساطة، ليس لأي شفاه أخرى أن ترسم معه أي نوع من أنواع العلاقات، حتى وإن كانت "بدرجة زميل " في العمل.

أصرخ فلا أجد من مجيب، ولا طريق أمامي إلا أن أبدو مثلها، أستبدل بملابسي ملابس أخرى أكثر إثارة، أغتر من لون شعري. باختصار أحاول أن أكون امرأة لم أرها من قبل.

يتجاذبني العقل أحيانا، والإحساس أحيانا أخرى.

العقل يقول لي، إنها امرأة صنعها الخيال، بينما يقودني إليها إحساسي كزوجة وما إن أقترب منها حتى أسمعه يضحك مني ساخرا:

"ماذا تفعلين بنفسك؟. لماذا هذه المبالغة في التزين؟"

لا بد أنها متحدثة لبقة، مثقفة، ذكية تشاركه الرأي والاهتمام بالعمل.

معنى هذا، أنني كي أحتفظ به لي وحدي، علي بالخروج من البيت، لا بد أن أعمل، أن أذهب إلى مكتبي كل صباح، ثم أعود آخر النهار وفى خزانتي الفكرية صورة للحياة والناس فأستطيع وصل ما انقطع بيننا، لا بد من كسر حاجز الصمت، لا بد أن أكون شهر زاد الجديدة أحكي، وأحكي حتى أقتل الملل فيعود لي شهرياري.

و...... بدأت بالفعل، تركت شعري إلى لونه الطبيعي، وعدت إلى ملابسي العادية، لجأت إلى الكتب، أخذت أقرأ وأقرأ، كي أدرب ذهني على استقبال الجديد. بالطبع لم يكن الأمر سهلا لكن على ما في ذلك من صعوبة فقد نجحت بعض الشيء، بدأ الكلام بيننا يتصل، شعرت بشجاعة نادرة فأخذت أقترب من الخطوة الأخيرة، "طلب وظيفة"!

قفز صارخا، أنت مجنونة! وقفزت معه لأصرخ بدوري إذن قل لي أي امرأة أخرى تلك التي أخذتك مني؟!

.. هي

عندما تنضج العواطف

نعم

جمعنا الحب، قفزنا فوق التقاليد، فوق العقبات أو أي مسافة فاصلة.

وأعترف أنه ليس سهلا على فتاة في مجتمعنا الشرقي أن تفرض حقها في اختيار من تمارس معه الحياة.

أيضا، أقر وأعترف أنه ليس هناك امرأة أخرى، لا مثيرة ولا مغرية، ولا حتى زميلة.

كل ما هنالك أنك لم تكتشفي شيئا اكتشفته أنا قبلك وكنت أتمنى أن نصل إليه معا حتى نواجهه معا.

قبل أن أقدم لك "اكتشافي" اسمحي لي أن أحكي لك ما رواه لي صديق من علماء النفس. قال عن دراسة علمية أجريت على أسطورة الحب الشهيرة "روميو وجولييت" إنه بعد التحليل العلمي تبين أن ضغط الأسرة والتحدي الاجتماعي الذي أحاط بالعاشقين كان وراء كل هذه الأسطورة العاطفية، ولو أن الضغوط رفعت عن الحبيبين، وترك لهما حق الاختيار بحرية لا نفصل العاشاقان، وما خرجت لنا الأسطورة العاطفية التي شكلت الوجدان العاطفي لأجيال وأجيال.

لا، لا تسيئي الفهم، ليس معنى ذلك أنه لولا التحديات والعقبات ما ارتبطنا، لا تتسرعي في الانفعال واسمحي لي بفرصة للدفاع عن النفس.

فأنا يا عزيزتي أتفق معك في أن العواصف قد هدأت لكني أختلف في بقية الحكم، ذلك أن العواطف لم تهدأ معها وربما أكون أكثر دقة عندما أقول إن الانفعالات هي التي أصابها الهدوء، وطبعا فرق كبير بين الانفعال والعاطفة.

إن العواطف لم تهدأ ولكنها انتقلت إلى مرحلة أخرى أكثر نضجا.

العواطف كالإنسان، تبدأ جنينا، فطفلا، فشابا، ثم كائنا حيا كامل النضج، هذا الكائن النابض دائما بالحياة يختزن في نبضاته كل هذه المراحل ، حلوها ومرها، فيضفي عليه ذلك لونا جديدا من العاطفة يختلف عما سبقه في مراحله الأولى، وتمييزه عما يحيط به من عواطف الآخرين. وتلك هي عظمة كل تجربة.

بالطبع، لكل مرحلة احتياجاتها وأسلوب التعامل معها، فالطفل يا حبيبتي في حاجة إلى نوع من الحنان يختلف عن ذلك الذي يريده الشاب أو الإنسان الناضج.

وحدي وعيت هذه الحقيقة بينما استمر قفزك كما كنا نفعل ونحن نحلم "بعش العصفورة".

ولأنها مرحلة عاطفية مختلفة جاء قفزك في الهواء، في الفراغ الذي صور لك امرأة أخرى لا وجود لها، امرأة صنعها الوهم والفراغ.

تلك يا حبي كل المشكلة.

.. هو