معالجة التفاوت الثقافي بين الزوجين بهيجة حسين

قضية وسؤال تطرحهما المرأة العربية التي لم تتح لها ظروفنا وتقاليدنا فرصة التعليم بالشكل المتكافئ الذي أتاحته للرجل، وإن كنا في السنوات الأخيرة نشهد ونتابع نهضة علمية تشارك فيها المرأة العربية كما يشارك فيها الرجل، ولكن ماذا تفعل الزوجة التي لم تحصل على قدر من التعليم يتناسب وثقافة زوجها ودرجاته العلمية.

حملنا القضية والسؤال للعديد من المهتمات بقضايا المرأة العربية فاتفقن جميعا على أزدواجية المسئولية بين الزوج والزوجة، وأكدن على ضرورة التقارب العقلي والفكري بينهما حتى تسير سفينة الحياة الزوجية سيرا طبيعياً، فالحب وحده لا يكفي لسيرها.

شجاعة الرجل وإصرار المرأة

تقول سميحة غالب مديرة البرامج الثقافية بالتليفزيون العربي سابقا " أحيانا يفضل الرجل الشرقي أن تكون زوجته أقل تعليما منه معتقداً أن تفوقه العلمي عليها سيضمن له حياة هادئة، ولكن أثبتت التجربة العلمية أن التقارب العلمي والثقافي بين الزوجين يخلق تجارب أكثر نجاحا، ولكننا نقول إن الوقت لم يفت، فالزوجة التي لم تحصل على قدر من التعليم يتناسب وما حصل عليه زوجها تستطيع أن تنمي معارفها وثقافتها بالقراءة. تبدأ بالمجلات التي تهتم بالأسرة، ثم بالمجلات الأدبية والثقافية، وبعدها لديها الكتب التاريخية والفكرية، فقط عليها أن تتحلى بالإصرار والدأب، وأن تدرك أهمية الثقافية بالنسبة لها ولزوجها، على الأقل عليها أن تقرأ وتطلع على الصحف اليومية والاهتمام بأبرز القضايا المحلية والعالمية المطروحة، ثم يمكنها أن تضع لنفسها برنامجا تعليميا متدرجا لن يستغرق منها أكثر من ساعتين في اليوم بعد ستدرك كم كان ضروريا على ما حققته لها ثقافتها ولزوجها ولبيتها وأيضاً لمجتمعها".

وتضيف سميحة غالب " إننا نعيش وفقا لتقاليد مجتمعاتنا العربية و هي جزء من موروثاتنا الاجتماعية التي تلزم الرجل بالزواج من أبنة عمه أو قريبته التي لم تحصل على قدر كاف من التعليم، بينما حصل هو على تعليمه من جامعات أوربا وأمريكا وهي موروثات لا تجد غضاضة في أن يكون للرجل دور في نهضة مجتمعه، بينما الحوار بينه وبين زوجته مقطوع، ولكن على المرأة والرجل أن يرفضا هذا الوضع، وأن يبذلا معا جهدا لتضييق الفجوة الفكرية بينهما. ويستلزم الأمر شجاعة من الرجل وإصرار من المرأة بعدها سنعيش جميعا في مجتمع أرقى وأكثر تكاملاً.

أنا موجودة.. لماذا الأصدقاء؟

في أحيان كثيرة يلجأ الزوج إلى صديق له أو إلى عدد من أصدقائه طالبا مشورتهم في أمر يعترضه في الوقت الذي لا يفكر فيه في اللجوء إلى زوجته حتى لمجرد استطلاع رأيها.

على ذلك تعلق الدكتورة ليلى عبد الوهاب أستاذة علم الاجتماع قائلة إن لجوء الزوج إلى أصدقائه للتشاور معهم تاركا زوجته يعتبر من أقسى السلوكيات على نفسها، فهو السلوك الذي يذكرها دائما بضآلة ثقافتها وتباعدها الفكري عن زوجها.

لكن على المرأة أن تأخذ هذه الأمور بشيء من التعقل والأتزان، كما أن عليها ألا تستسلم لهذا الوضع.

تضيف الدكتورة ليلى عبد الوهاب : " لا شك أن العلم يصقل الشخصية ويطور وعيها، لكن لا يقف العلم عند مجرد الحصول على الشهادة الدراسية، فلدينا في حياتنا اليومية الكثير من حاملات الشهادات اللاتي لا يتمتعن بشخصية قوية ناجحة، كما أن تجاربنا العائلية تؤكد أن بعض النساء الأميات يلعبن أدوارا ولديهن آراء غالبا ما تكون صائبة . بجانب العلم، توجد الخبرة العملية التي تصقل هي الأخرى الشخصية، لكن على مثل هؤلاء الزوجات اللائي يشعرن بتباعد أزواجهن عنهن ألا يستسلمن لهذا الواقع وألا يعتمدن فقط على الخبرة اليومية التي تعطيهن خبرات جمة. يجب عدم الاعتماد على ذلك فقط، بل لابد من تنمية القراءة والقدرة على الاطلاع، أي التثقيف الخارجي الذي يكون أجدى في بعض الأحيان من الحصول على شهادات دراسية، كما أن للزوج دوراً أساسيا مع زوجته، فعليه أن يشجعها على القراءة وأن يشاركها في الحوار واتخاذ القرار في أمور حياته حتى تلك الأمور العملية، وسوف يجد حتما في رأيها ما يعنيه وما ينير له طريقه، فهي الأقرب له من الصديق، وأعتقد أن الرجل العربي أصبح مدركاً لأهمية تعليم المرأة ودورها في المجتمع، لذا سيصبح من السهل عليه أن يشجعها من التعليم والتطور".

الإحساس ثم الاعتراف بالمشكلة

تقول د. هدى زكريا أستاذة علم الاجتماع :

" أن تكون الزوجة غير متعلمة، أمر مقبول اجتماعيا، لكن تنفجر المشكلة عندما يقضي الزوج احتياجاته الذهنية خار إطار أسرته، مع أصدقائه أو زملائه على سبيل المثال. وحتى نعالج هذا الوضع لابد أن تشعر الزوجة أولا بوجود المشكلة. كذلك لابد أن يشعر بها الزوج، ثم لابد أن يشعرا معا أن هناك احتياجا يلبي خارج علاقتهما اليومية المنزلية، أي ان الاحتياج والتواصل الثقافي والإنساني يلبي خارج العلاقة الزوجة. في هذه الحالة، لابد للمرأة أن تبدأ حتى لو كانت البداية من الصفر، أي أن تبدأ بخوض معركة الأمية. وقد أصبح هذا متاحا الآن. أصبحت المجتمعات العربية متنبهة لدور المرأة ، وأدركت أن تخلف المرأة هو جزء من تخلفها العام. ويوجد الآن مناخ اجتماعي عام يتيح للمرأة التعلم في الكبر، في المساجد والمدارس الليلية والجمعيات الأهلية. على الزوج في هذه الحالة أن يصبح طرفا مساعداً لزوجته، لأنه سيكون أول المستفيدين من تلك التحولات التي ستحدث لزوجته".

عندما يتهاوى الجدار السميك

" نعم يمكن لهذا الجدار السميك الذي أقامه التفاوت الثقافي والتعليمي بين الزوج والزوجة أن يتهاوى". هكذا قالت السيد إيفون رياض رئيسة تحرير مجلة حواء القاهرية، ثم تضيف " لم يعد التعليم النظامي هو المصدر الوحيد للعلم. بات في المجتمع العربي روافد أخرى للعلم والثقافة منها الصحف والمجلات والكتب والبرامج الإذاعية والتليفزيونية، هذا بالاضافة إلى إمكان الحصول على برنامج دراسي محدد إذا سمحت بذلك مسئولياتها كأم وزوجة. كل هذا قادر على تقريب المسافات بين الزوج والزوجة وهدم الجدار السميك الذي ينشأ بينهما للتفاوت الفكري والثقافي، يمكن أيضاً للزوجة أن تطالع الكتب الدراسية لأولادها، بل لقد صادفت أمهات درسن مع أولادهن سنة بسنة. وعلى الزوج دور مهم مع زوجته. أولا لابد أن يشجعها وأن يدفعها للتعبير عن رأيها أيا كانت بساطته وألا يواجهها بسخرية واستخفاف، وكأنه يؤكد على تميزه الثقافي والعلمي عليها. أيضا من الممكن أن يقدم لها كتبا على سبيل الهدايا ويحثها على قراءاتها، ثم مناقشتها فيما تطرحه تلك الكتب. من واجبه أيضا أن يحيطها بمناخ ثقافي من أسر الأصدقاء في سهرات تأخذ الطابع الثقافي عموما. من هنا سوف تضاف إليها معلومات ضرورية، بلا شك سوف تكتسب ثقة في نفسها تدفعها إلى المزيد من المعرفة والثقافة.

وتضيف إيفون رياض " إن الحوار الذهني بين الزوجين أمر ضروري، ويمثل فقدانه خطراً على الحياة الزوجية، وتقع مسئولية درء هذا الخطر على عاتق الزوجين معاً".