جمال العربية

جمال العربية

من أسرار العربية

يقال: فلان واسع الأفق، إذا كان كثير الاطلاع وافر الخبرة. كما يقال: ضيق الأفق.

جاء في المعجم الكبير عن عالم اللغة ابن فارس، الهمزة والفاء والقاف أصل واحد، يدل على تباعد ما بين أطراف الشيء واتساعه، وعلى بلوغ النهاية.

يقال: أفَق يأفق أفْقا: ذهب في الآفاق وأفق الرجلُ: بلغ غاية العلم والخير. قالى الأعشى يذكر عمرو بن هند:

آفقا يجبى إليه خرْجُه

كل ما بين عُمان فَمَلحْ

(مَلَح: من بلاد جعدة باليمامة)

ومن معاني أَفَق: كذب

وأفق في العطاء: فضّل، فأعطى بعضا أكثر من بعض.

وأفَق على فلان: أحسن إليه وأفضل.

قال الكميت:

الفاتقون الراتقون الآفقون على المعاشر.

ويقال: أفق يأفَق أفقا: ذهب فى الآفاق.

والآفق: من بلغ غاية العلم والخير.

قال أبو النجم:

بين أب ضخم، وخال آفق

بين المصلى، والجواد السابق

ويقال: فرس آفق، وبعير آفق: إذا كان رائعا كريما.

ويقال: تأفق بفلان: أتاه من أفق، أي من ناحية.

وتأفق به: وألم به، قال أبووجزة يزيد بن عبيد السُّلمي السعدي:

ألا طرقت سعدى فكيف تأفقتْ

بنا، وهي ميسان الليالي كسولها

(ميسان أي نؤوم)

والأفاق: الضارب في آفاق الأرض مكتسبا.

وفي كلام لقمان بن عاد حين وصف أخاه، فقال: صفاق أفاق.

والأُفُق والأُفْق: الناحية من الأرض أو السماء.

وفي القرآن الكريم: سورة فصلت آية 53 سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم. (سورة فصلت الآية الثالثة والخمسون).

وقال العباس بن عبدالمطلب يمدح الرسول الكريم:

وأنت لما ولدت أشرقت الأرضُ،

وضاءت بنورك الأُفقُ

وقال جرير يمدح سليمان بن عبدالملك:

تزول الراسيات بكل أفق

ومجدك لا يهد ولا يزولُ

وقال الفرزدق:

أخذنا بآفاق السماء عليهمو

لنَا بردّها من دونهم وبحورها

والأُفق من الخيل: الرائع .. ويطلق على المذكر والمؤنث.

قال عمرو بن قنعاس المرادي:

أرجل لمتي وأجر ذَيْلي

وتحملُ بزتي أفق كُميْتُ

والأفق فى الفلك: دائرة عظيمة، تقسم الكرة إلى شطر أعلى، وشطر أسفل، فهو منتهى ما تراه العين من الأرض كأنما التقت عنده بالسماء.

والأفق الأعلى في لغة الصوفية: نهاية مقام الروح، والأفق المبين: نهاية مقام القلب.

والأفقية: القربة أو الشقاء من جلد.

وهي أيضا: الداهية المفكرة. والجمع: أُفُقٌ.

شاعر يتحدث عن شاعر

أما الشاعر الأول فهو نزار قباني، الذي ينافس نثره شعره جمالا وإبداعا وروعة تعبير، يقول عن الشاعر اللبناني الأخطل الصغير بشارة الخوري كاشفا عن أسرار شاعريته وينابيع إبداعه، وعن منزلته من نفسه:

كان الأخطل الصغير بستانا ونهرا كبيرا.

وبيدر قمح في حياة الشعر العربى.

والبساتين التي من نوع بشارة الخوري لا تقفل أبوابهـا بموت أصحابها.

بدليل أننا نحن شعراء الأربعينيات والخمسينيات لا نزال نقطف الورد والتفاح والنجوم من الشجر الذي زرعه بشارة الخوري، وبالنسبة لي كأن بشارة الخوري معلما كبيرا، فلقد تعلمت منه الطراوة والطلاوة وطريقته المدهـشة في مزج الإيقاعات والألوان.

ثم يقول نزار قباني:

إن بشارة الخوري لم ينحسر عن الشعر العربي الحديث أبدا.

فهو موجود في كل دفاترنا وكل كتاباتنا ومخبوء في أوتار حناجرنا، إن صوته يسكن في كلامنا وأبجدياتنا كما يسكن النغم في قصب الربابة، وكما تسكن المياه في عروق الصخر، وكما يسكن الكحل في عيون الجميلات، هذا الرجل جعل الزمن الشعري العربي زمنا أخضر.

وحول القصيدة العربية إلى مروحة ونول حرير وبكلمة موجزة:

إن الشعر العربي لا يزال يصطاف في قصائد بشارة الخوري ويستحم في جداول كلماته الصافية.

ومن روائع الأخطل الصغير بشارة الخوري الناطقة بلغته الشعرية السلسة العذبة، وخياله الشعري المحلق المتوثب، وصوره البديعة الفاتنة وموسيقاه الموقعة المتدفقة: قصيدته "هند وأمها" التي يقول فيها:

أتت هند تشكو إلى أمها

فسبحان من جمع النيرين؟

فقالت لها: إن هذا الضحى

أتاني وقبلني قبلتين

وفر فلما رآني الدجى

حباني من شعره خصلتين

وما خاف يا أم بل ضمني

وألقى على مبسمي نجمتين

وذوب من لونه سائلا

وكحلني منه في المقلتين

وجئت إلى الروض يا روضتي

وهم ليفعل كالأولينْ

فخبأت وجهي ولكنه

إلى الصدر يا أم مد اليدينْ

ويا دهشتي حين فتحت عيني

وشاهدت في الصدر رمانتين

ومازال بي الغصن حتى انحنى

على قدمي ساجداً سجدتين

وكان على رأسه وردتان

فقدم لي تينك الورَدتين؟

وخفت من الغصن إذ تمتمتْ

بأذني أوراقه كلمتينْ

فرحتُ إلى البحر للابتراد

فحملني ويحه موجتينْ

فما سرت إلا وقد ثارتا

برد في كالبحر رجراجتين

هو البحر يا أم كم من فتى

غريق وكم من فتى بين بين

فها أنا أشكو إليك الجميعَ

فبالله يا أم ماذا ترين؟

فقالت-وقد ضحكت- أمها

وماست من العجب في بردتينْ

عرفتهمو واحدا واحدا

وذقتُ الذي ذقته مرتينْ

سطور معجمية

من بين مجالات اللغة التي تهتم بهـا مجامع اللغة العربية، ما يتصل بتعريب بعض الكلمات الأجنبية التى شاعت في لغة الحياة اليومية-أو لغتنا المحكية كما يفضل بعض المعجميين أن يقول- بحيث تكون دالة على المراد بصورة لا تؤديهـا بها لفظة أخرى، في دقة دلالتها، مع مرونتها بالصورة التي تمكننا من أن نشتق منهـا ما تتطلبه الضرورة من مصدر وفعل واسم فاعل واسم مفعول، قياسا على الألفاظ العربية الأصلية. ومعنى هذا الكلام أن نأخذ الكلمة الأجنبية فنعربها ونصوغ منها كلمات عربية تلائم الاستعمال.

مثال ذلك كلمة بنسلين: لا يمكن ترجمتها أو وضع مقابل لها في لغتنا العربية، ويمكننا أن نشتق منها-أي نصوغ منها- كلمات أخرى، فنقول بنسله، يُبنسله، بنسلةً، ومُبنسل، ومبنسيل.

وكلمة بستر: وهي مشتقة من اسم علم هو لويس باستير. واللفظة شائعة على الألسنة ومكتوبة على زجاجات اللبن المبستر، وهي مما لا يمكن ترجمته، ويمكن أن نشتق منها فنقول: بستر، يبستر، بسترةً، ومُبستر، ومبستر ولا يمكن أن تحل محلها لفظة عقم، لأن التعقيم هو قتل ما في الشيء من جراثيم، بأية وسيلة، في حين تحدث البسترة بغلي السائل حتى درجة حرارة معينة.

كذلك تليفزيون: وهو اسم شائع شيوعا لا سبيل إلى إلغائه، ويمكن أن يشتق منه فنقول تلفز، يتلفز، تلفزة، ومتلفز، ومتلفز، وكلمة تليفون: وهي أفضل من لفظة "هاتف" المستعملة في بعض البلاد العربية، لأن "هاتف" تستعمل اسما فحسب، ولا يشتق منها فعل، في حين يمكننا أن نشتق من كلمة تليفون فنقول: تلفن، يتلفن، تلفنة، ويتلفن، ومُتلفن إليه. وجميع هذه الألفاظ تدور على الألسنة بيسر.

كذلك بلور: يقال في الكتابة المعاصرة: تبلورت الفكرة في رأسه، وفكرة غير مبلورة، ويمكن أن يشتق منها فيقال: بلور يبلور بلورة وتبلور يتبلور تبلورا ومُتبلْوِر ومُتَبلْور. والمعنى: صار شفافا كالبلور.

كذلك كلمة اسفلت المأخوذة عن الإنجليزية والمشتقة بدورها من اليونانية اسفلتوس، وهي شائعة كلاما وكتابة، ويجوز أن يقال: سفلت الشارع يسفلته سفلتة ومُسفلت ومُسفْلَت، بمعنى وضع الاسفلت عليه.

ومثلها كلمة إسمنت ويمكن أن يشتق منها فيقال: سَمْنَت يُسمْنت.

وكلمة فَبْرَك يفبرك من الفابريكة، وجبس من الجبس، وشحم من الشحم، وقد جاء في المعاجم: شحم القوم أي أطعمهم الشحم.

وكلمة كهـرباء التي يمكن أن نشتق منها فنقول: كهرب يُكهربُ مُكهرب ومُكَهْرَب ومتكهرب.

ويعلق الدكتور طه حسين رئيس مجمع اللغة العربية الأسبق على مثل هذه الأبحاث اللغوية الطريفة بقوله:

إن من خصائص المجامع اللغوية أن تكون بطيئة، وأن تكون متمنعة أشد التمنع قبل أن تتخذ قرارا، فالأناة خير دائما، والعجلة من الشيطان.

وبهـذه المناسبة فإن كلمة "شيك" يقال إن أصلهـا العربي هو "صك". وقد استعملت كثيرا عند الإنجليز والفرنسيين أكثر من خمسين عاما، قبل أن يُقرها المجمع اللغوي الفرنسي ويوافق على أن توجد في معجمه.

خير الكلام: ما قل ودلّ

سئل الرسول الكريم: فيم الجمال؟

فقال في اللسان.

وقيل: خير الكلام ما لا يحتاج بعده إلى كلام.

وقال الحسن بن علي: عقل الرجل مخبوء تحت لسانه، فإذا أراد الكلام تفكر، فإن كان له قال، وإن كان عليه سكت. وعقل الجاهل من وراء لسانه، فإن هم بالكلام تكلم به، له أو عليه.

ويقول أيضا:

الناس ثلاثة: فرجل رجل، ورجل نصف رجل، ورجل لا رجل.

فأما الرجل الرجل: فذو الرأي والمشورة، وأما نصف الرجل: فالذي له الرأي ولا يشاور، وأما الرجل الذي ليس برجل: فالذي لا رأى له ولا يشاور.

 

فاروق شوشة

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات