طرائف عربية

طرائف عربية

ثأر بثأر ودم بدم
في ذكر ما جرى عن بكر وتغلب

عز وساد كليب بن ربيعة سيد بكر وتغلب فبغى بغيًا شديدًا، وكان ينزل ربيعة منازلهم ويرحلهم فلا ينزلون ولا يرحلون إلا بأمره. وكان لمرة عشرة بنين جساس أصغرهم، وكانت أختهم عند كليب، وكانت لجساس خالةٌ تعرف بالبسوس نزلت على ابن أختها جساس، وكانت لها ناقةٌ أنكرها كليبٌ، ولما عرف أنها لخالة جساس قال: أوقد بلغ من أمر ابن السعدية أن يجير بغير إذني ارم ضرعها يا غلامٌ. فأخذ القوس ورمى ضرع الناقة فاختلط دمها بلبنها. ثم مر عليه جساس وهو واقفٌ عند غدير الماء، فقال : طردت أهلنا من المياه حتى كدت تقتلهم عطشًا! فقال كليبٌ : ما منعناهم من ماء إلا ونحن له شاغلون. فقال جساس : هذا كفعلك بناقة خالتي ! فقال له: أوقد ذكرتها ! أما أني لو وجدتها في غير إبل مرةٌ لاستحللت تلك الإبل بها.

عطف عليه جساس وطعنه طعنة الموت فلما جاء كليبًا الموت قال: يا جساسٌ اسقني من الماء، فقال : الآن ومنذ ولدتك أمك لم تعرف قيمة الماء إلا تلك الساعة. وتركه ومضى.

وحين جاء أبوه قال له : لقد طعنت طعنة لتشغلن بها شيوخ وائل زمنًا. قال: أقتلت كليبًا؟ قال : نعم ! قال : وددت أنك وأخوتك كنتم متم قبل هذا.

انطلق رهطٌ من أشراف تغلب حتى أتوا مرة والد جساس وقالوا له: إما أن تدفع إلينا جساسًا فنقتله بصاحبنا، فلم يظلم من قتل قاتله، وإما أن تدفع إلينا همامًا، وإما أن تمكنا من نفسك. فقال مرة : أما جساس فغلام، وأما همام فأبو عشرة وأخو عشرة وأما أنا فلا أتعجل الموت.

تفرقوا ووقعت بينهم الحرب سنين عددًا، ومن يومها والعربي يستحل دم أخيه العربي.

دمك وإن طال المدى

ولدت جليلة زوج كليب ولدًا فسمته الهجرس ورباه خاله جساس وزوجه ابنته فكان لا يعرف أبا غيره، وكان جساس من قتل أبيه كليبًا. وقع بين الهجرس ورجل من بني بكر كلام فقال له البكري: ما أنت بمنته حتى نلحقك بأبيك. بات الهجرس على جمر من نار، وقد لحقته حمى العار، وتيقظ بقلبه الثأر القديم. ولما علم جساس صرخ: ثائر ورب الكعبة، وحين طلع النهار أرسل الهجرس فأتاه، وقال له: إنما أنت ولدي، ومني بالمكان الذي علمت، وقد ربيتك وزوجتك ابنتي، وقد كانت الحرب من أبيك زمانًا طويلًا حتى كدنا نفنى، وقد اصطلحنا وقد رأيت أن تدخل فيما دخل الناس فيه من الصلح. فقال الهجرس أنا فاعل ولكن مثلي لا يفعلها إلا وقد ركب فرسه، وامتشق سيفه. وعندما أتيا جماعةً من قومهما قال جساس : هذا الفتى ابن أختي جاء ليدخل فيما دخلتم فيه من السلام بعد البلاء القديم. عند ذلك قال الهجرس: وفرسي وأذنيه، ورمحي ونصليه، وسيفي وحده لا يترك الرجل قاتل أبيه وهو ينظر إليه ثم طعن خاله جساس فقتله فكان أول قاتل وآخر قتيل من بكر بن وائل، وقد أدركه الثأر وشرف الدم وإن طال الزمن.

صرخة بعمورية

وقف رجل على المعتصم فاتح عمورية فقال:

يا أمير المؤمنين، كنت بعمورية وجارية من أحسن النساء سيرةً قد لطمها كافرٌ على وجهها، فنادت، وامعتصماه ! فقال لها الرومي الكافر : وما يقدر عليك المعتصم ! يجيء على جواده الأبلق وينصرك ! وزاد من ضربها.

وقال المعتصم : وفي أي جهة عمورية؟. فأشار الرجل إلى جهتها: ها هي ذي، فرد المعتصم وجهه إليها، وقال: لبيك أيتها الجارية، لبيك، هذا المعتصم بالله أجابك، ثم تجهز إليها في اثني عشر ألف فارس أبلق وحاصر عمورية حتى طال مقامه، وحين فتحها، دعا بالرجل الذي بلغه حديث الجارية فقال له: سر بي إلى الموضع الذي رأيتها فيه، فسار به، وأخرجها من موضعها، وقال لها: يا جارية، هل أجابك المعتصم ؟

ثم جعل الرومي الكافر الذي لطمها، والسيد الذي كان يملكها مملوكًا لها وجميع ماله. ومن أشعارهم في الحرب يقول أبو تمام:

السيـف أصـدق أنباءً من الكتب

في حده الحـد بين الجد واللعب

بيض الصفائح لا سود الصحائف في

متـونهن جلاء الشك والريب

والعـلم في شهب الأرماح لامعة

بين الخميسين لا في السبعة الشهب

ضربة تذهب بنسل معاوية

ضرب الحجاج بن عبدالله الصريمي معاوية وهو يصلي فأصاب فخذه وقطع له شريانًا تهدده بالموت، ولما جاء الطبيب نظرٌ إلى الضربة، فقال: إن السيف مسموم فاختر إما أن أحمي لك حديدة فأجعلها في الضربة، وإما أن أسقيك دواءً فتبرأ وينقطع نسلك ! فقال: أما النار فلا أطيقها وأما النسل ففي يزيد وعبدالله ما تقربه عيني وحسبي بها. فسقاه الدواء، فعوفي وعالج جرحه حتى التأم، ولم يولد لمعاوية بعد ذلك ولد.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات