مالي.. شجن إمبراطوري

مالي.. شجن إمبراطوري

ليست تنبكتو مدينة عادية، على الرغم من قامات بيوتها الطينية القصيرة. وليست مالي دولة عابرة، يمكن أن تمر بالذهن، وتمضى. فعلى تلك المساحة، التي كانت يومًا في حجم أوربا، ثم تقلصت إلى قطعة أشبه بفراشة غير متساوية الجناحين، كان هناك مجد، وكان بريق، امتد تأثيره بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر، ليس في إفريقيا كلها، بل إلى كل أرجاء الدنيا.

في مالي التي حملت اسم إمبراطورية الذهب، حل الفقر الآن، واستقر، فيما لايزال ابن خلدون وابن بطوطة والبكري يؤكدون، أن تلك الدولة التي تعاني كل أمراض النهب الاستعماري حاليًا، كانت من أكثر الممالك ثراء، يزدهر العلم في أروقة جامعاتها، ويشع الذهب، في أيدي أبنائها. فيا له من زمن، ويا لها من أحوال!!

الدخول إلى مالي، ليس كالخروج منها، فهذه البلاد التي تحرس عاصمتها ثلاثة من التماسيح، قادرة على أسر زائرها، ودفعه لنسيان سلسلة من تحذيرات تحرضه على عدم الذهاب إلى هناك دون التسلح بمجموعة من التطعيمات ضد الحمى الصفراء والملاريا والسحايا، وبما يلزم من بطاقة صحية، وعشرات من حبوب يجب ابتلاعها قبل ليلة الرحلة وأثناءها، ولمدة شهر كامل بعد العودة.

كل هذه الهواجس المزعجة، سرعان ماتزول، عندما يبدأ المرء أولى خطواته على أرض مطار باماكو، ليجد هناك ابتسامات ودودًا، تتكفل في اللحظة نفسها بدفعه إلى نسيان ما يمكن أن يكون قد أصابه من إرهاق رحلة استغرقت ساعات طويلة، منذ الانطلاق من الكويت، إلى تلك الدولة القابعة جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى، التي مازالت تجرجر بقايا سنوات غابرة، كانت فيها ملء الأسماع والأبصار، ومحط أنظار الدنيا ومحل إعجابها. لا يكاد المرء يصدق - بعد تلك الرحلة - أن إمبراطورية الذهب، التي قام حاكمها يوما خلال رحلة حج شهيرة بتوزيع كميات هائلة من الذهب في طريقه، هي نفسها الآن التي باتت من أكثر دول العالم فقرًا. لكنه التاريخ الذي لاينسى، والحاضر الذي لم يعد يرحم.

أيام من الدهشة نقلتنا عبر مالي، مدن كأنها واحات للأسطورة: جنة، تنبكتو، جاو، كيدال، ماسينا، موبتي، أسماء تغفو الآن في قعر النسيان، بعد أن كانت على مدى قرنين، مهوى قلوب الرحالة، والعلماء والفقهاء، كانوا يتوجهون إليها من مختلف الأرجاء، ساعين إلى العيش فيها، ونهل العلم من جامعاتها، فيما كان التجار يبادلونها الحبوب والأواني والورق والمنتجات الجلدية، بالذهب، والعاج، ريش النعام، العنبر وجوز الكولا، وخشب الأبنوس، غير أن أغرب ما كان يتم في هذا التبادل مقايضة الذهب بأحجار ملحية صلدة، كان الحمل الواحد من الملح في ذلك الزمن البعيد - وفقًا لما كتبه المؤرخ الأندلسي محمد بن عبدالرحمن بن حامد - يساوي حملين من الذهب.

كل ذلك مضى الآن بعيدًا، لم تبق حتى روائحه في تلك البلاد، حل الفقر والعوز، الجفاف والصهد، لهيب الصحراء القاسي، والحياة الصعبة، مكان العز والنفوذ والسطوة والجلال.

ذهبت مالي التي كانت يومًا ما إمبراطورية تمتد من الماء إلى الماء، من ضفة نهر النيجر إلى ضفة المحيط الأطلسي، وجاءت الآن مالي التي حملت اسم بهائها القديم، لتصبح مجرد واحدة من عدة دول قام الاستعمار الأوربي بتمزيق الإمبراطورية إليها، فتناثرت أراضيها الشاسعة إلى دول تحمل أسماء: مالي وغينيا وساحل العاج وبوركينا فاسو وموريتانيا والنيجر والسنغال وأجزاء من ليبيريا وسيراليون وتشاد.

لم يعد هناك أى ملمح في تفاصيل قسمات مالي الحالية، لتلك الإمبراطورية القديمة، بقي ذلك المجد الذي كانت، تتداوله كتب التاريخ، تحكي عنه مؤلفات الرحالة العرب الذين جابوا تلك البلاد وعاشوا فيها، وأخذ سحرها بألبابهم: ابن بطوطة الذي وصل تنبكتو عام 1353م، فابن خلدون، والحسن الوزان (ليون الإفريقي)، ياقوت الحموي، أبوعبيد البكري، ابن حوقل، الإدريسي، والمسعودي، وعبدالرحمن السعدى، فكانوا أول من وضع قاعدة معرفية ومصادر مكتوبة عن إفريقيا وشعوبها، اعتمد عليها الأوربيون بعد مئات السنين في تمهيد الطريق لبدء رحلاتهم الاستكشافية، التي قام بها الإنجليزي جوردون لينج العام 1826م، والفرنسي ريني كاي العام 1828م مرتديًا لباس عالم مسلم، والألماني هنري بيرت العام 1853م، والنمساوي أوسكار لينز العام 1880م، ثم الأمريكي بيركي العام 1913م، الرحلات الاستكشافية الأوربية مهدت فيما بعد لاستعمار هبط في العام 1894م، وتمكن من حلب الضرع الإفريقي إلى آخر قطرة، تاركا إياه في العام 1961م، ليعاني جفافا وألما وانهيارًا، لايزال مستمرا حتى وقتنا.

القصة طويلة، لكن أشجانها ممتدة، غير أننا حين ذهبنا إلى مالي لإجراء ذلك الاستطلاع، لم يكن التاريخ هو الهاجس، على الرغم من أنه من غير الممكن تجاهل أنه يحيط بالذاكرة من كل جوانبها. كان السفر إلى تلك البقاع هذه المرة، دافعه اختيار «تنبكتو» عاصمة للثقافة الإسلامية عن القارة الإفريقية، وفقا لما قررته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) للعام 2006، هذه المناسبة مثلت فرصة للتوجه إلى هناك، سعيًا إلى قراءة تفاصيل الحاضر في قسمات المدينة التي انزوت بعد مجد، كانت خلال أزمنته عاصمة مهيبة، ساحرة، عابقة بكل ما يؤكد أن أجدادنا صنعوا حضارة بديعة على تلك الأرض الملاصقة لتخوم الصحراء الكبرى، في وقت كانت فيه أوربا تعاني من هيمنة خرافات العصور الوسطى، ولم تكن الأمريكتان قد شهدتا قيام كولومبوس بعد برحلته، بل حتى لم يكن إمبراطور مالي (أبو بكر الثاني) الذي سبقه في الكشف قد تنازل عن الحكم، وقرر خوض مغامرة البحث عما وراء بحر الظلمات بعد. وتلك حكاية أخرى مدهشة، حدثنا طويلاً عنها البروفيسور غوث جاورا أستاذ الآداب والحضارة الإفريقية، والحاصل على وسام الشرف الفرنسي، الذي قطع جزءًا مهما من سنوات العمر في البحث عن الفرضية المطروحة بشدة، والتي تشير إلى أن اكتشاف الأمريكتين تم على أيدي المسلمين القادمين من مملكة مالي القديمة في العام 1312م أي قبل كولومبس الذي حط رحاله إلى هناك في العام 1492م. تنبكتو، جوهرة الصحراء الساحرة، كانت عاصمة لإمبراطورية تتردد في جميع أرجائها اللغة العربية، لغة للعلم والإدارة، للآداب والفنون والطب، الفقه والعلوم الشرعية، ولغة موحدة مشتركة للتخاطب بين كل القبائل، تعلمها الجميع، وتسابقوا على نهل العلم بها، من خلال جامعتها التي طالت قامتها جامعات الزيتونة والقيروان وجامعات الشرق الإسلامية الأخرى، وتوافد إليها راغبو العلم من شمال إفريقيا والأندلس وشرقها، وبلاد ما وراء النهر، وكذلك مدارسها، التي قال الوزان إن عددها فاق 180 مدرسة، وأن عدد الطلاب الذين كانوا يتعلمون فيها زاد على العشرين ألفًا، في مختلف فروع العلوم. ولعل ذلك يفسر ما ذكره السعدي مؤلف «تاريخ السودان» وهو الاسم الذي كان يطلق قديما على المنطقة التي تضم (دول إفريقيا جنوب الصحراء)، من أن أحد العلماء ويدعى التميمي، وصل في القرن 14م إلى تنبكتو برفقة الإمبراطور كانكان موسى عند عودته من رحلة الحج الشهيرة، للتدريس في جامعة سانكوري، غير أنه عندما قارن علمه بما لدى فقهاء المدينة، وجد أنه يتأخر عنهم بنحو عشرين سنة، الأمر الذي قرر معه العودة إلى مدينة فاس المغربية للتزود بالعلم.

قسمات باماكو

كانت الأمطار الغزيرة، قد استهلت موسمها، قبل أن نهبط من الطائرة، لتشكل سيولها استقبالاً حافلاً لنا في مطار باماكو، كان علينا الذهاب فيه مشيًا من سلم الهبوط إلى صالة الجوازات المتواضعة، حيث تقديم أوراقنا، وفى مقدمتها السجل الخاص بالتطعيمات الصحية. انتهت الإجراءات، وانطلقنا للبحث عن فندق نبيت فيه ليلتنا، عثرنا في النهاية على ضالتنا، هي ضالة لا بد أن يكون لديها الكثير من القناعة بأننا عابرون في النهاية، وأن ليس في الإمكان أبدع مما كان، بعد ذلك في الصباح التالي، كان علينا أن نتعرف على ملامح العاصمة، باماكو، مدينة ليس لها الكثير من سحر تنبكتو، وجنة، إنها عاصمة حديثة، لم تكن موجودة أصلاً في زمن الأمجاد، تماثيل في كل مكان، نصب تذكارية، ميادين بأسماء شهيرة، كوامي نكروما بطل استقلال غانا، والزعيم التاريخي في فترة الستينيات، يتربع منتصبًا فوق أحد الميادين، موديبو كيتا زميله، يقف أيضًا في مكان قريب من فندق السلام، وهناك في مكان آخر، صورة لرفيقهما جمال عبدالناصر، شارع يحمل اسمه، ونصب أكبر للوحدة الإفريقية، أمر يعيد إلى الذاكرة أحداث الخمسينيات والستينيات، حيث اكتمل عنقود استقلال الدول الإفريقية، تلك الفترة التي كانت فيها أسماء ناصر ونكروما وسيكوتوري وكيتا وكينياتا ونيريري نابضة، رنانة، باحثة لبلادها وقارتها عن مكان تحت شمس العالم. ذهب كل ذلك الآن، وبقي العبق صاعدًا لمن يزور مالي اليوم، فمعظم من قابلناهم سرعان ما كانوا يبدأون الحديث بالإشارة إلى فندق الصداقة الذي بناه عبد الناصر في منتصف الستينيات هدية لمالي.

لغة الضاد الإفريقية

لكن العبق العربي الذي يتنشقه زائر العاصمة المالية لا يكمن في التماثيل، ولا في الصور والفندق، فهناك أحياء بكاملها ذات أسماء أليفة، إذ لا يزال حي (بغداد) كما هو من أكبر الأحياء وأقدمها فى المدينة، تقف إلى جانبه أحياء (مصر)، (السلام)، (الحمد لله)، وطريق الشيخ زايد.

ومع أن مالي الحالية تتحدث جميعها اللغة الفرنسية، كلغة موحدة بين جميع لغات تركيبتها العرقية، فإن العربية تبرز من بين تلك اللغات، لا باعتبارها لغة لفئة محدودة من السكان لا تتجاوز الثلاثة في المائة، هم من العرب الأقحاح كما يؤكدون هم ذلك، بل لأن العربية هي لغة أعارت حروفها لبعض اللغات المحلية، فحروف لغات قبائل الفولاني والسونغاي تكتب بها، وهي أيضا يعود بها الكثير من أبناء هذا البلد - الذي يعتنق نحو 95 في المائة من سكانه الإسلام - من جامعات الدول العربية والإسلامية، التي يبتعثون للدراسة فيها، في الوقت الذي يوجد هناك عدد من المدارس المتناثرة، التي يتم فيها التدريس بتلك اللغة في مختلف المراحل الدراسية.

وعن وضع اللغة العربية في مالي يرى الدكتور محمود الزبير مستشار الرئيس المالي أنه ليس في مستوى الطموح، مضيفًا: «لدينا ثقافة عربية، أما اللغة العربية فهي تدرس في الأغلبية الساحقة من المدارس الأهلية وحتى الحكومية، كما أن للطلبة الحق في الدراسة بها، وهناك ثلاث مدارس التدريس فيها إجباري بالعربية، كما أن بكلية الآداب قسما للغة العربية، وكذلك في كلية المعلمين التي يعاني القسم فيها من قلة الدعم، مقارنة بما تحظى به أقسام اللغات، الروسية والصينية والألمانية مثلا».

يؤكد الدكتور الزبير أيضًا أن معظم من يتعلمون اللغة العربية في مالي، ليسوا ممن ينتمون إلى العرق العربي فقط، ويشير هنا إلى أن معظم المدارس الأهلية في مدينة (سيجو) التاريخية كانت كلها مدارس عربية، وقبل حلول زمن الاستعمار كانت كل المدارس في تنبكتو عربية بحتة، يتخرج فيها القضاة والمدرسون، لكن الفرنسيين سرعان ما سيطروا عليها وحولوها إلى فرنسية، غير أنه في أعقاب الاستقلال تم تأسيس عدد من المدارس العربية. ويسري هذا حتى على وضع الصحف العربية، فهذا البلد الذي سادت فيه العربية يومًا، لا تصدر فيه حاليًا وبشكل غير منتظم سوى ثلاث صحف، بسبب - كما قال الدكتور الزبير - عدم وجود قراء لها، ولكن رئيس المجلس الوطني للصحافة «سادو ياتارا»، أكد خلال مقابلة لنا معه، أنه يتم في الوقت الحالي إعداد عدد من الصحفيين الصغار في داخل المدارس وتدريبهم على إنشاء صحفهم، الأمر الذي يؤمل معه أن يكون هؤلاء نواة لإعادة الاعتبار للصحافة العربية في مالي مرة أخرى.

ويؤكد لنا الباحث في التراث الإفريقي، وسفير مالي السابق في عدد من الدول العربية والإسلامية، سيدي محمد جيري على أهمية ما نتج عن التزاوج بين الثقافتين العربية والزنجية، ويشير هنا إلى أن اللغات المحلية في مالي استعارت 75 في المائة من كلماتها من اللغة العربية، فالأعداد مثلاً في هذه المنطقة كانت تنتهي بالرقم (8)، ولكن بفضل الاحتكاك الثقافي مع العرب، أصبح ينتهي عند الرقم (9)، إلى جانب أسماء ملوك مالي مثل (مامودي) أي محمود، و(آمر) أي عمار، مؤكدًا أن مالي كانت البوتقة التي انصهرت فيها ثقافة الأفارقة التقليدية والأندلس ومصر والبربر، مما أوجد فيها مزيجًا حضاريًا مدهشًا.

مساهمة كويتية

والكلام عن وضع اللغة العربية في تلك البلاد يستتبعه الحديث عن المخطوطات، تلك التي انتشرت في طول تلك المنطقة وعرضها، وإن تركز معظمها في دولتين متجاورتين، مالي وموريتانيا، كانتا ضمن إمبراطورية مالي القديمة، فعند الحديث عن المخطوطات، تصعد إلى الذهن مدينتا شنقيط الموريتانية، وتنبكتو المالية، وهذه الأخيرة كانت تتردد عليها قوافل «أزلاي» محملة بالمخطوطات وألواح الملح، هاتان المدينتان اللتان تدفن في رمالهما حتى الآن مئات الألوف من كتب مخطوطة، سطرها الأقدمون في مختلف فروع المعارف الإنسانية، معظمها باللغة العربية، والأقل منها باللغات المحلية، وهو الأمر الذي دفع باحثًا غربيًا هو الدكتور جون هانوك، الأستاذ في معهد دراسات الفكر الإسلامى في إفريقيا التابع لجامعة نورث ويست الأمريكية إلى قضاء 40 عامًا في دراسة الإسلام الإفريقي، والبحث في مخطوطات تنبكتو، ليخرج بعد ذلك بدراسة احتلت أربعة مجلدات، خلص فيها إلى نتيجة تكشف عن أن إفريقيا قد عرفت الكتابة والقراءة والحياة الفكرية قبل أن تعرفها أوربا.

ولعل من أغرب ما أدهشنا في هذا الشأن ما سمعناه من كثيرين تجاذبنا الحديث معهم حول تلك المخطوطات، إذ أخبرونا أن العائلات في تنبكتو وبقية مدن شمال مالي التي يغلب عليها الطوارق والعرب، تعتبر تلك المخطوطات إرثًا يتم نقله إلى الأبناء، بالطريقة نفسها التي يتم التوريث بها وفقًا للشريعة الإسلامية، كما أن القبائل الرعوية، التي لا تستقر في مكان بعينه في الصحراء، تقوم بتخصيص عدد من النياق لحمل ما تملكه من مخطوطات عند ارتحالها، كما أنها وفقًا لما أخبرنا به د. الزبير - الذي كان مشرفًا على مركز أحمد بابا، وهو واحد من أهم مراكز حفظ المخطوطات في تنبكتو - كانت تلك القبائل عند الوصول إلى المكان الذي اختارته، تقوم أولاً بنصب الخيمة التي سوف تخصص للمخطوطات، وبعد ذلك يتم نصب بقية الخيام، التي سيعيش فيها أفراد العائلة.

ولمخطوطات مالي حديث ذو شجون، فعلى الرغم من كل ما يقال، فإن هناك غصة شعرنا بها في أحاديث المهتمين هناك، فهم يتحدثون عن تقصير عربي هائل، في الوقت الذي يشيرون إلى اهتمام أمريكي وإسباني متحمس للعناية بها وترميمها، وتقديم الدعم السخي للحفاظ عليها، بل ويشيرون أيضًا إلى جنوب إفريقيا التي سارعت بتكوين شراكة لنجدة تنبكتو في جوهانسبيرج، وقدمت دعمًا ماليا مهما للحفاظ على المخطوطات، على الرغم من أن غالبيتها العظمى خاصة بالعلوم الإسلامية، ومكتوبة باللغة العربية.

وفى مناسبة الاحتفالات بالعاصمة الثقافية، شهدت مدينة تنبكتو تدشين ثلاث مكتبات جديدة للمخطوطات هي مكتبات السيوطي والوانقري وماما حيدرة، وهذه الأخيرة تتم بالتعاون مع جامعة هارفارد الأمريكية، وتحتضن ما يزيد على تسعة آلاف مخطوطة، في الوقت الذي تمثل فيه مكتبة فوندو قاطي، القريبة منها، والتي يسيطر عليها الطابع الأندلسي، نموذجًا للتعاون مع إسبانيا، وهي تضم أكثر من سبعة آلاف مخطوطة، أما المركز الأهم الذي يطلق عليه اسم أحمد بابا، والذي تقوم بدعمه اليونسكو، بعد أن قامت دولة الكويت بتحمل تكلفة إنشائه، فقد تمكن حتى الآن من جمع 20 ألف مخطوطة في مجال العلوم الاجتماعية، وهذا المركز تم تحويله أخيرًا إلى معهد للدراسات العليا والبحوث الإسلامية، في أعقاب زيارة قام بها رئيس جنوب إفريقيا لتنبكتو، ويقوم بالتمويل حاليا أفراد من جنوب إفريقيا، ليسوا - بالمناسبة - من المسلمين.

وحول العدد المتوقع للمخطوطات التي لم يتم إيداعها داخل المراكز والمكتبات المتخصصة، توجهت بهذا السؤال إلى المسئول عن ملف العاصمة الثقافية، الذي أوضح أنه من الصعب إعطاء أرقام عن تلك المخطوطات، غير أنه توقع أن تكون أعدادها كبيرة بالنظر إلى أن معظم العائلات تحتفظ بمخطوطات في صناديق، فيما تقوم أخرى بدفنها تحت الأرض، الأمر الذي يتطلب مزيدًا من التوعية، للمحافظة عليها، والتأكيد على توعية الأهالي الذين لا يعرف معظمهم قيمة ما يخبئون.

حضور غربي

هذا الاهتمام الغربي المكثف، الذي يقابله تجاهل عربي شبه تام، دفعنا للتوجه إلى «مركز الدراسة والتوثيق والبحث والتكوين CEDREF» وهو مركز أنشأته سيدة أمريكية تدعى استيفاني جاءت إلى مالي وأقامت هناك، وانحصر اهتمامها في المخطوطات وصيانتها.

وفي المركز الذي أقامته قابلنا مديره «مامادو ديللو» الذي أخبرنا أن لديهم في الوقت الحالي مشروعًا لمساعدة غينيا كوناكري، مشيرًا إلى أن وفدًا من المركز ذهب إلى هناك ووجد مخطوطاتها أشد سوءًا من مالي بكثير، فقد شهدت غينيا في القرنين 17 و 18م وجود عدد كبير من العلماء الكبار الذين كتبوا العديد من الكتب المهمة، ومازالت مخطوطاتهم موجودة، حيث تسببت الأمطار الغزيرة التي تتساقط هناك في إتلاف الكثير من المخطوطات.

وتعاني المخطوطات من أن العديد ممن يحتفظون حاليًا بالمكتوب منها بالحرف العربي، قد فقدوا هم في الأصل لغتهم الأصلية، ولا يدركون قيمة تلك الوثائق، بل ولا يفهمون ما تحتويه، الأمر الذي تشهد معه تنبكتو حاليًا عمليات بيع للمخطوطات بأسعار زهيدة، قد لا تزيد في بعض الأحوال عن دولارين للوثيقة، في الوقت الذي كانت تلك المخطوطات وفق ما ذكره المؤرخون أهم سلعة يتم التعامل فيها في شمال مالي، وكان العائد منها يفوق ما تدره عمليات بيع الذهب والعاج، لم يكن ذلك قبل سنوات عديدة فقط، فحتى في الزمن الحالي مازالت تلك المخطوطات الزهيدة الثمن في تنبكتو هي نفسها التي يعاد بيعها في أوربا وتحديدًا في سويسرا بنحو ألف دولار للمخطوطة الواحدة، وفقا لما أخبرنا به الخبراء.

في هذا الإطار قال لنا المستشار في وزارة الثقافة والمالية، ورئيس اللجنة العلمية لملف العاصمة الثقافية «حامدو مقاسا» إن الحديث عن تنبكتو يرتبط دائما بالمخطوطات، فمن أجل إحياء التراث القديم كان الهدف من الاحتفال هذا العام بالمدينة هو إعادة فتح نوافذ العالم عليها، ولاختيار الموضوعات تمت العودة إلى العصور الوسطى، وكتابات الرحالة العرب الذين جاءوا إلى المدينة، ثم الرحالة الأوربيون الذين وصلوا قبل الفترة الاستعمارية، وقد وجد أن الغرب يصور تنبكتو على أنها مجرد مدينة خيالية، لا توجد على أرض الواقع، وليست واحدة من أهم مصادر الإشعاع الفكري والديني، ولذلك فهم يقولون في المثل الإنجليزي الدارج إنه (لا توجد مدينة أبعد من تنبكتو)، بما يعني أنها تعادل في أذهانهم المجهول، وأشار «مقاسا» إلى أن علماء تنبكتو الذين نقلوا أفكارهم إلى شيء ملموس عن طريق المخطوطات، كانوا يمارسون في الوقت نفسه حِرَفًا معينة، فقد كان منهم من يعمل خياطًا، ورّاقًا، كاتبًا، إلى آخر ذلك من المهن، غير أنه يجب القول إن تنبكتو لم تكن وحدها، فإلى جوارها جاو وجنة، وقد ساهمتا في جعلها حاضرة مفتوحة على الصحراء وعلى العالم الغربي عبر علاقتها بالأندلس، ثم مجيء العلماء والفقهاء من هناك للإقامة هنا، وقد ساهم اختلاط الأجناس بها في إنتاج تركيبتها من عناصر الطوارق والعرب والزنوج وبقية القبائل السودانية، في الوقت الذي كانت لها علاقات مزدهرة مع المراكز الإسلامية الأخرى.

عاصمة الثقافة الإسلامية

فى تنبكتو، سرعان ما يداخل الزائر شعور بأنه بات في مدينة تحت الترميم، البيوت الطينية التي تتكون منها، الأزقّة والقصبات، المساجد القديمة، التي كانت يومًا تستقطب الطلاب من مختلف الأرجاء، المخطوطات التي تنقض عليها الأرضة.

إنها عاصمة ساحرة، آسرة ومدهشة لإمبراطورية غابرة، لكنها في زمننا الحالي، غدت كلها، وبكل ما تحتويه، تحت الترميم.

تسعمائة عام هي عمر تنبكتو، وهي الفترة التي شهدت فيها المدينة صعود نجمها وأفوله مرات عدة، غير أن أريج مجدها لايزال شاخصًا في صفحات تاريخ، كان يعتبرها يومًا في مقدمة مدن العالم، وهي التي احتضنت الهاربين من الجحيم في أعقاب سقوط الأندلس، فوجدوا الأمن والاستقرار فيها ورغد العيش، وإلى جوارهم عاشت جاليات عربية جاءت من بلاد المغرب ومصر وغدامس الليبية، الأمر الذي ساهم في تشكيل أجواء تسامح، تم عبره تبادل قيم وأفكار، وخلق مناخ حضارى رائع.

لكل ذلك، اعتبرت منظمة اليونسكو أن تنبكتو التي تأسست في القرن الحادى عشر، والتى يقول أهلها باعتزاز إنها تضم 333 وليًا صالحًا تحيط قبورهم بالمدينة، محمية يجب الحفاظ على ما تحتويه من تراث إنساني، وكان أن تم في العام 1988 إدراج مساجد جينجري بير وسيدي يحيى ثم سانكوري، و 16 قبرًا وضريحًا في المدينة القديمة ضمن قائمة التراث العالمي، ومسجد سانكوري الحالي كان جامعة عريقة في عصر الازدهار، فيما كان مسجد جينجري بير صرحًا لعلوم الفقه والشريعة، بعد أن بناه الإمبرطور كانكان موسى بعد عودته من رحلة حج شهيرة، التي جلب خلالها عددًا كبيرًا من الفقهاء والمدرسين والقضاة، فيما أحضر معه أيضا عند العودة المهندس الغرناطي أبا اسحاق الساحلي، الذي أسند له مهمة البناء، مكافئا إياه بأربعة آلاف مثقال من الذهب.

الاحتفالات التي تواصلت في تنبكتو بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية للعام 2006، بدأت في فبراير الماضى بحفل انطلاق رمزي في العاصمة باماكو، لكنها في الشهور التالية شهدت - وعلى فترات متباعدة - إقامة منتديات وأسابيع لعرض التراث الثقافي الوطنى، ثم ورشات تدريبية حول صيانة وترميم تراث المدينة، ومحاضرات ومسابقات، على أن تنتهى الاحتفالات مع نهاية ديسمبر 2006، المستشار في وزارة الثقافة والمشرف العام على ملف العاصمة الثقافية عمر سوماري أكد لنا أن الاحتفالات شهدت إقامة أسابيع ثقافية، كما نظمت سلسلة من المحاضرات عن الصحافة والمتاحف والطاقة المتجددة، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن ما كان قد تم التخطيط له، قد أعاقت الموارد المالية تنفيذ بعضه، غير أنه أكد أن تلك الاحتفالات تزامنت أيضًا مع حملة عالمية لاختيار العجائب السبع الجديدة، والتى يتنافس للفوز بها نحو 200 موقع، تم اختيار 21 من بينها تنبكتو، على أن يتم إعلان النتيجة النهائية في السابع من يوليو عام 2007، الأمر الذي يتطلب في رأيه القيام بحملة ضخمة لتعزيز موقف المدينة، لما لذلك الاختيار إن تم من أهمية في حماية تراثها والتعريف به.

أكبر مسجد في العالم

وإذا كانت تنبكتو ذات الأكواخ والبيوت الطينية، قد تم وضعها تحت رعاية منظمة اليونسكو، فإن مدينة أخرى في مالي هي «جنة» قد تم تصنيفها في المكانة نفسها، و«جنة» تلك التي تضم المسجد الجامع، وهو يعد أكبر مسجد في العالم مبني بالطوب اللبن، كانت هي الأخرى في الزمن القديم مركزًا تجاريًا وتعليميًا ودينيًا مزدهرًا، لاتزال حتى الآن تستخدم الطين، ويرفض أهلها حتى مجرد إلقاء القوالب الطينية بعيدًا عند هدم أي من بيوتها، معتبرين أن إعادة استخدام تلك القوالب ضرورة لإبعاد أى شرور يمكن أن تصيب صاحب البيت، ولجلب «البركة» أيضا إليه.

وجنة تلك المحاطة بالمياه من جوانبها، تبعد عن تنبكتو بنحو 400 كيلو متر، وقد ظلت دائمًا في مختلف المراحل التي مرت بها البلاد توأمًا للمدينة الأشهر، ولا يمكن لزائر تنبكتو إلا أن يزورها، خصوصًا حين يكون قادمًا من باماكو، لكن الأمر يزداد صعوبة في موسم الأمطار، الذي جاء وصولنا إلى مالي متزامنًا معه، فالمياه التي تختلط مع أتربة الطرق، سرعان ما تتحول إلى عجائن شديدة الخطورة، تتطلب انتباهًا من السائق، الذي يكون عليه أن يقطع منذ بداية رحلته من العاصمة إلى نقطة الوصول ما يتجاوز الـ 1300 كيلو متر في طريق زلق، الأمر الذي يستوجب معه التوقف في الطريق للمبيت عدة أيام في «موبتي» و«جنة» و«بانديجارا» قبل الوصول لتنبكتو.

أمام «جنة» ومبانيها الطينية، لابد أن يتوقف المرء مذهولا من تقلب الأزمان، فهذه المدينة التي كانت تضم أهم منجم للذهب في إفريقيا، تعايش هذه الأيام بؤسا مؤلما، حيث مظاهر الفقر لاتحتاج إلى من يشير إليها.

فلكيون بدائيون

غير أن أغرب ما يمكن أن يصادفه المرء وهو في طريقه إلى تنبكتو، هو قبائل الدوجون التي تعيش منذ آلاف السنين، في كهوف وفوق هضاب ومرتفعات، يتم الوصول إليها عبر مدينة «موبتي» الواقعة في منتصف المسافة ما بين باماكو العاصمة وتنبكتو، والتي لابد من المرور عليها عند الذهاب والإياب، ومشاهدة مسجدها التاريخي، والتمتع بلحظة الأصيل، حيث قرص الشمس فيها هو الأكبر من نوعه عن أى مكان آخر في العالم.

من «موبتي» هناك ما يحرض المرء على الذهاب إلى منطقة بانديجارا التي تقطنها قبائل الدوجون، تلك التي مازالت تعيش في القرن الحادي والعشرين بطريقة الأزمنة البدائية نفسها، كان الأمر يتطلب 70 كيلومترًا فقط، يتم قطعها بحذر، قبل الوصول إلى تلك المنطقة الصخرية المرتفعة، التي يقيم أبناء القبيلة في أعلاها أكواخهم، ومعبدهم الذي يضم تماثيل جحرية يمارس فيها البعض منهم طقوسا وجد عليها الأسلاف. والدوجون يتوزعون على عدة قبائل، ظل لكل منها آلهتها، غير أن الأغلبية في الوقت الحاضر باتت تعتنق الدين الإسلامي، فيما ظلت عاداتهم كما هي، يشترك فيها من دخلوا الإسلام أو من بقوا على ديانتهم القديمة، فالـ «هوجون» وهو الرجل الذي يتم اختياره زعيمًا، وفقًا لما يحظى به من درجة العلم، لديه الكلمة العليا على كل أفراد القبيلة، ومجلس المستشارين لايزال حتى اليوم ينتخب من بين أفرع القبائل، لكن الأغرب هو الطريقة التي يمارسون بها حياتهم، فالغالبية منهم مازالوا يقضون النهار بأكمله داخل كهوفهم المنحوتة في قلب الصخور، أو يبنون أكواخهم فوق الجرف الحجرى، فيما تنطلق جموعهم عند حلول الظلام، لتبدأ يومها استرشادًا بضوء القمر، أو بمعرفة الأصوات عندما يكون الظلام دامسًا، وفي الليل يدب حتى الفجر نشاط السوق، ويتم بيع وشراء المنتجات، التي هي في معظمها نابعة من الأراضي التي برعوا في زراعتها.

المدهش في هذه القبيلة هو معرفتها المتوارثة بعلوم الفلك، وهو أمر لايزال يثير الذهول لدى الغرب، فهؤلاء القوم شديدو البساطة، لديهم معلومات فلكية لا يعرفها غيرهم من البشر، ولاتزال ذاكرتهم تحتفظ بها منذ آلاف السنين.

تحدثوا عن معلومات فلكية، ووصفوا أجرامًا سماوية، تحتاج إلى مناظير عملاقة لكشفها، وواحد من تلك الأجرام لم تلتقطه عدسة كاميرا إلا العام 1970، والآخر لم يعرف عنه أحد شيئا إلا العام 1995. ومنذ أن تعرف عليهم الغربيون، باتت منطقتهم على رأس جدول رحلات القادمين إلى مالي، حتى أن زعماء العالم يمرون في العادة على تلك المنطقة، وقد زارها الرئيس الفرنسي جاك شيراك قبل فترة قصيرة، لمشاهدة الدوجون وهم يخرجون في الظلام ليبدأوا نشاطهم اليومي.

زنوج وبربر

على نهر النيجر الذي يعد ثاني أكثر الأنهار في إفريقيا طولاً بعد النيل، والذي يمتد في مالي نحو 1600 كيلومتر، حاضنا مدن سيجو وموبتي وتنبكتو وجاو، ويشطر باماكو نصفين، يوجد جسران، الأول يطلق عليه «الشهداء»، والثاني جسر الملك فهد، نهبط من هناك، لتقابلنا أسواق تقليدية تفترش حواف الشوارع، بائعات لثمار المانجو والبابايا، وصيدليات على الأرض تباع فيها الأدوية غير العشبية، نصل إلى السوق الوردي، ثم السوق الأحدث، الذي بنته الحكومة لامتصاص البائعين الجائلين، اسمه (هال دي باماكو)، لكن لا إقبال على ارتياده، نمرّ بمحلات يمتلكها لبنانيون، ومطاعم، وأسواق مركزية، نصل بعد وقت إلى سوق باماكو الكبير، ازدحام على الرغم من صهد شمس الظهيرة، نهرب منه إلى المسجد الكبير، نلمح عدم العناية، لا سجاجيد في المسجد المتسع، ولا أبسطة، قطع مهترئة يصلى فوقها العباد، ويجلسون بعد ذلك في حلقات للحفظ وتبادل الدروس. ومالي التي تتشكل تركيبتها السكانية من ثلاثة أصول: زنجية، وعربية، وبربرية، يتفرع كل منها إلى قبائل عديدة، وفيما يتركز الزنوج في الجنوب ويعملون بالزراعة والصيد، فإن البربر والعرب يوجدون في الوسط والشمال والمهن الرئيسية لهم تنحصر في الرعي والتجارة. أما الزنوج فيمثلون الغالبية العظمى من سكان مالي، وينقسمون إلى عدد من القبائل منها الماندينج التي تمثل 40 في المائة من السكان، ويتفرع عنها مجموعة قبائل أكثر شهرة: البامبرا، والمانديكا، والجولا والسونينكي والبوزو، والسينيفو والدوجون والبوبو.

ومن الزنوج أيضا قبائل السونغاي وتشكل 12 في المائة من السكان، والفولانيون وتبلغ نسبتهم 10 في المائة من السكان، أما العرب والطوارق فيشكلون 3 في المائة وغالبيتهم من البدو الرحل. الوجود العربي في مالي لم ينقطع في أي فترة. ويشير عدد كبير من الرحالة والمؤرخين العرب إلى كثافة هذا الوجود في أسواق ممالك غانة ومالي والصنغاي، وما كان يتمتع به العلماء والتجار والدعاة العرب من مكانة لدى أباطرة وملوك تلك الدول، فقد كانوا مستشارين ومترجمين، ووزراء ووعاظاً، وقضاة، وكتبة رسائل للحكام.

لكن، أين أحفاد هؤلاء، أو بقايا العرب في مالي في الوقت الحالي؟ أخبرنا أحمد محمد سالم، وهو أحد هؤلاء الأعراب وعمل لمدة طويلة باحثًا ومنقبًا عن المخطوطات: إن العرب الذين يعيشون حاليًا كمجموعات كبرى في شمال مالي (تنبكتو وجاو)، هم من بني حسان، من أصول القبائل التي تحدرت من صعيد مصر، في القرن الخامس الهجرى (بني سليم وهلال ومعقل وعامر) التي تحدرت من برقة شرقًا حتى وصلت إلى المحيط الأطلسى، ولايزال هؤلاء يتكلمون لغتهم العربية باللهجة الحسانية، التي يقول محدثنا إنها من أقرب الدارجات إلى الفصحى العربية، وأغلب هؤلاء من البدو، ولكن الكثير منهم في الوقت الحالي انتقلوا إلى المدن وعملوا في التجارة. ويؤكد محدثنا أن العرب دخلوا هذه البلاد بين القرنين الأول والثالث الهجريين كتجار، ولم يستتب الأمر لهم إلا في القرنين الخامس والسادس الهجريين، عندما اعتنق أمراء تلك البلاد الإسلام، وحينها لم يستطع هؤلاء التجار إشباع حاجة أهل البلاد للعلوم الشرعية، فهم تجار لا علماء، أدخلوا الإسلام، وبنوا المساجد، ولكنهم غير قادرين على إيصال العلم الشرعي وأمور الفقه، ولذلك استجلبوا العلماء من دول الشمال العربية، وكذلك الكتبة والأئمة والقضاة.

ومن الآثار العربية الشهيرة مسجد في تنبكتو بنته امرأة عربية هو «سانكوري»، وكذلك مسجد سيدي يحيى بن عبدالرحيم الشريف الأندلسي. أما المدن التي انصهر فيها العرب واختلطوا مع أهلها، فمنها تنبكتو، جاو، جنة، نيامني، وكذلك باماكو، حيث تصاهر التجار العرب مع القبائل الأخرى، وبقيت ذريتهم هناك إلى الآن، ولايزال هؤلاء يفتخرون بعروبتهم. وعن الوضع الحالي يقول إنه ليس لدينا سوى 3 مدارس لتعليم العربية منذ نحو 30 سنة، أما الموجود حاليًا وبكثرة فهي المحاظر القرآنية (الكتاتيب) وحفاظ القرآن فيها كثيرون. وحاليًا فإن العرب يعملون في رعي الإبل والغنم، ويقومون بإيصال القوافل التجارية بين موريتانيا وشمال مالي وجنوب الجزائر. وإذا كان العرب قديمًا قد سيطروا على مناجم الملح في «تغازة»، فإنهم هم الذين يقومون حاليا بإيصال قوافل الملح المستخرج من «تاودني» الواقعة على بعد 750 كم شمال تنبكتو على ظهور الجمال، ليوضع في قوارب، تقوم بنقله بعد ذلك إلى مدينة موبتي، ومنها إلى دول غرب إفريقيا، وبعد أن كان هذا الملح يثمن قديما بوزنه ذهبًا، فإن قيمته الحالية هبطت كثيرًا، تمامًا، كما هبطت الإمبراطورية من عليائها، وباتت قانعة بالانزواء بين صحراء لاهبة، ومناخ قاس، وبقعة من الأرض فرض عليها ألا تتصل ببحار، وأن تقنع ببقائها في هذا الخلاء، مجرد فراشة نائمة، يلفحها اللهيب، ويقتلها الظمأ.

 

زكريا عبد الجواد

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




صورة الغلاف





 





باماكو مدينة حافلة بالنصب التذكارية والتماثيل، فهي مازالت تعيش زمن الستينيات ومازالت تحتفي بعبق تلك الأيام.. هنا نصب يرمز للوحدة الإفريقية يزدان به أحد الميادين





مشهد عام للعاصمة المالية في أحد صباحاتها المشمسة حيث تبدأ الحرارة في الارتفاع ولا يقدر على كسر حدتها مطر ولا ظلام





في تلك البلاد تكثر البائعات الجائلات، حيث الحصول على الرزق يحتاج إلى مشقة ويتطلب قدرة هائلة على الاحتمال





صورة لجمال عبدالناصر على أحد الشوارع التي تحمل اسمه داخل عاصمة مالي... ولاتزال ذاكرة الستينيات عامرة.. في مالي





أحد الميادين المتسعة في بلد يسعى من جديد للبحث عن مكان له، بعد أن تبدلت الأحوال والأزمنة، وتحولت الإمبراطورية القديمة إلى دولة منزوية في خريطة





حيثما تنتقل في مدن مالي تجد المخطوطات بانتظارك. كنوز من المعرفة والعلم كتبها أجدادنا، تصرخ فينا أن نهب لنجدتها





حيثما تنتقل في مدن مالي تجد المخطوطات بانتظارك. كنوز من المعرفة والعلم كتبها أجدادنا، تصرخ فينا أن نهب لنجدتها





حيث يغيب العرب عن ساحة الاهتمام بكنوز مكتوبة بلغتهم، يأتي الآخرون للحفاظ عليها والبحث عن المزيد منها... فيا لها من مفارقة





طوارق شمال مالي، تغير الزمن وظلوا هم يتمسكون بتقاليدهم الصارمة، وطقوس حياتهم الفريدة





للفروسية مكانها في مهرجانات كثيرة تشهدها مالي وتستعرض فيها القبائل بقايا فنونها المتوارثة





بائع من الطوارق داخل محله في السوق القديم داخل العاصمة باماكو





للأقنعة في مالي سحرها، ورموزها، تستوي في التعامل معها كل مكونات التركيبة الإثنية وإن بدرجات مختلفة





التماثيل ليست مجرد أعمال فنية في مالي، إنها لدى بعض القبائل تكتسب سمات العقيدة





الدوغون.. واحدة من أغرب القبائل على سطح الأرض، وأكثرها احتفاءً بالأقنعة حيث لكل قناع رمز ورقصة. هنا مشهد لأحد المهرجانات التي أقيمت في «بانديغارا»





مشهد آخر لاحتفالات الدوغون.. تلك القبيلة التي مازالت تثير دهشة علماء الإنثربولوجيا و... الفلك





صباحًا يتوجه البائعون رجالاً ونساء إلى الأسواق انتظارًا لما يمكن أن يجود به بيع المصنوعات التقليدية من عوائد





في تنبكتو تنتشر المقابر والمساجد المبنية من الطين، وعلى الرغم من مرور السنوات لاتزال في أماكنها.. صامدة





قبيلة البوزو التي تستوطن ضفة نهر النيجر حيث صيد الأسماك هي المهنة المفضلة، وحيث يمكن للنساء الإفادة من المياه في غسيل الملابس





مسجد سيدي يحيى بن عبدالرحيم الشريف الأندلسي في تنبكتو أحد أشهر ثلاثة مساجد وأقدمها





الدكتور محمود الزبير مستشار الرئيس المالي





البروفيسور غوث جاوارا.. أستاذ الحضارة الإفريقية





عمر سوماري مسئول ملف العاصمة الثقافية





حامدو مقاسا رئيس اللجنة العلمية للعاصمة الثقافية





السفير سيدي محمد جيري الباحث في التراث الإفريقي





أحمد محمد سالم، عربي من قبيلة بني حسان





رغم الجفاف وقسوة المناخ فإن شعب مالي يعد من أكثر شعوب الأرض عشقًا للألوان





في إحدى حدائق العاصمة.. ثمة تحريض على «القراءة» واعتناء بها





مسجد جينجري يير في تنبكتو، واحد من أهم وأكبر المساجد الطينية في العالم