أورهان باموق من السجن إلى جائزة نوبل

أورهان باموق من السجن إلى جائزة نوبل

أعلنت الأكاديمية السويدية في الثاني عشر من شهر أكتوبر 2006، فوز الكاتب التركي أورهان باموق بجائزة نوبل في الآداب لذلك العام. وقد سبق لمجلة «العربي» أن تناولت أهم رواياته «اسمي أحمر» في قراءة نقدية بالعدد رقم 530 (يناير 2003).

هو من مواليد 7 يونيو 1952، باسطنبول من أسرة ثرية. حصل على تعليمه في كلية روبرت، جامعة اسطنبول الفنية، ومعهد الصحافة بجامعة اسطنبول. تزوّج من آيلين تيرجين العام 1982، وتم طلاقهما العام 2001، وله ابنة واحدة هي ريا من مواليد العام 1991.

أصدر سبع روايات ترجم معظمها إلى اللغة العربية، هي: «جودت بيه وأبناؤه» (1982) وصدرت ترجمتها عن وزارة الثقافة السورية، «المنزل الهادئ» (1991)، «القلعة البيضاء» (1995) وترجمها عبد القادر عبداللي وصدرت عن دار ورد بدمشق (2000)، «الكتاب الأسود» (1997) وترجمها عبدالقادر عبداللي وصدرت عن دار المدي (2003)، «الحياة الجديدة» (2001) ترجمها بكر صدقي وصدرت عن دار نينوى (2001)، «اسمي أحمر» (2003) وقام بترجمتها عبد القادر عبداللي وصدرت عن دار المدى بدمشق 2003، و«ثلج» (2004) التي ترجمها عبد القادر عبداللي وصدرت عن دار الجمل (2005)، وله كتاب واحد عن ذكريات حياته في اسطنبول، بعنوان «اسطنبول» (2003).

ونقدم فيما يلي صورة متكاملة الأبعاد لشخصية أورهان باموق كتبها نيكولاس رو ونشرها بجريدة «ذا جارديان» بتاريخ 8 مايو 2004، لم يكتف فيها بالحوار مع أورهان باموق فقط، بل حاور عدداً من معاصريه واستشهد بآرائهم، سواء من كان منهم من الكتّاب أو النقاد أو زملاء الدراسة، بالإضافة إلى تتبع رحلة حياته من مختلف نواحيها الحياتية والفنية والسياسية والاجتماعية!

طريق الشهرة

ظهرت لوحات إعلانية، عام 1994 في مختلف أنحاء اسطنبول، تحمل هذه الكلمات «قرأت ذات يوم كتابا، فتغيرت حياتي كلها»، مكوّنة جزءا من حملة إعلانية لرواية أورهان باموق لذلك العام، والتي كانت بعنوان «الحياة الجديدة»، وكانت تلك هي العبارة الافتتاحية للرواية. لم يكن تسويق رواية شعبية بهذا الأسلوب جديدا - على الرغم من أنه كان مبتدعا هذه المرة في تركيا - لكن ما جعل ذلك المدخل غير عادي تماما هو أن كتابة باموق لم تكن قد اشتهرت بعد كمادة لحملات التسويق الضخمة.

امتدح الروائي الأمريكي جون آبدايك رواية «الحياة الجديدة» لباموق «لذكائه الهادئ وزخرفته المليئة بحيوية تذكّر ببروست». لكن آبدايك لاحظ أيضا أنه كان «من أكثر الإبداعات الأدبية غرابة بسبب جمعه بين كل من مؤلف أفضل مبيعات وكاتب طليعي».

تمتلئ روايات باموق بالحيوية مستفيدة من خداع سرد ما بعد الحداثة، كما أن عمله كان يقارن بكافكا، بورخيس، كالفينو، وجارسيا ماركيز. ويقول باموق عن ذلك «كنت مندهشا مثل أي فرد آخر بالنسبة لمبيعات رواياتي، فقد باعت روايتي الأولى «جودت بيه وأبناؤه» (1982) 2000 نسخة خلال السنة الأولي في تركيا، وباعت الرواية الثانية «البيت الهادئ» (1983) 8000 نسخة، وهو ما كان أمرًا طيبًا. ثم باعت الرواية الثالثة «القلعة البيضاء» (1985) 16000 نسخة، والرابعة «الكتاب الأسود» (1990) 32000 نسخة. ولذلك تندّرت مع الأصدقاء بأن رواية «الحياة الجديدة» ستبيع 64000 نسخة، لكنها باعت 164000 نسخة في سنتها الأولى». وهو ما كان يعتبر أسرع بيع للرواية في تاريخ النشر بتركيا، وجرى نشر روايته التالية «اسمي أحمر» (1998)، فكانت الأكبر مبيعا في تركيا على الإطلاق.

بين الأدب والمجتمع

تطلّ الشقة التي يسكنها باموق على «جولدن هورن»، ويمكن أن يشاهد قصر «توبكابي» من أحد الجوانب والكوبري المعلق الذي يربط أوربا بآسيا من جانب آخر، مع مصاحبة متكررة على فترات لصوت مؤذن يدعو للصلاة من باب الجامع المجاور. كان باموق يحاول أن يستوعب نجاحه التجاري الجديد.

يتذكر باموق «حين نشرت للمرة الأولي، كان الماركسيون والمحافظون والإسلاميون السياسيون يتصارعون كل ضدّ الآخر، ويتحاربون مع أنفسهم». ثم يستطرد قائلا «ولأنني وافد جديد رحّبوا جميعا بي، وإن كان ترحيبا به بعض الشكّ. لكن ذلك عني أنني فزت برضاء الجميع. ثم بدأ ازدهار وسائل الإعلام في تركيا، وكان الاهتمام بالكتب كبيرا»، على الرغم من أن هذا قد يساعد في تفسير ديموجرافية نجاحه، فإن عمله قد صبّ وفق شروط فنية في الروح التركية الحديثة عند المستوى الأعمق.

وكان باموق نتاج طبقة حاكمة استفادت من هذا النظام. لكن عمله كان كالعالم المحيط به، مدموغا بتراث تاريخ اجتماعي وثقافي وديني طويل.

أثر الشهرة

يشترك طرح رواية جديدة لباموق في تركيا في كثير من الأشياء مع عرض فيلم هوليودي، كما أنه يعتبر أكثر من مجرد نشر كتاب. هناك تشبّع في وسائل الإعلام، وهو طابع جدير بالاحترام خاصة مع عمله الأخير. على الرغم من تصيّد البعض له، بأنه ربما يباع أكثر مما يقرأ، فان النقد الجاد أكثر يأتي عادة من منظور القوميين اليساريين، بأنه قد تم بيعه للجمهور الأوربي، وهي نظرة ازدادت قوة إضافية بوضوح، حين فاز بمائة ألف إسترليني، قيمة جائزة امباك لعام 2003 عن روايته «اسمي أحمر».

يقول باموق «حين تتصاعد مبيعاتي، يختفي الترحيب بي من المشهد الأدبي التركي، ولم أنل أي جائزة من تركيا منذ عمر الخامسة والثلاثين. وبدأت أحصد نقدا حسودا ومؤلما، ولم أعد أتوقع أيّ مراجعات طيبة بعد الآن، لأن الكتب القليلة الأخيرة لم ينقدوا ما كتبته فيها، وبدلا من ذلك ينتقدون حملة التسويق».

رواية سياسية

يقول باموق إنّ فكرة كتابة «رواية سياسية دستويفسكية»، كانت في رأسه حين كان يعمل في رواية «ثلج»». ثم يستطرد قائلا «وفي السنوات الأخيرة من السبعينيات حاولت أن أكتب رواية سياسية حول بشر مثلي: طلاب من الطبقة العليا أو الطبقة الوسطى، الذين ذهبوا مع عائلاتهم إلى منازل صيفية، لكنهم قضوا وقتهم في التلاعب بالبنادق والنصوص الماوية، وكانت لهم أفكار خيالية حول إلقاء قنابل على رئيس الوزراء».

ومع ذلك حين استجاب الجيش لمأزق البرلمان والفساد الاقتصادي وانتشار العنف السياسي، وقام بانقلاب متوليا إدارة البلاد بشكل رسمي، التي كانت فعلا تحت القانون العسكري، كان من المستحيل طباعة مثل ذلك الكتاب.

يقول باموق إنّ 18 عاما مرّت على موضة الماركسية، «والشيء المثير للاهتمام هم الإسلاميون السياسيون. لديّ كثير من الأصدقاء، الذين يعجبون بهم سرّا. عديد من الإسلاميين السياسيين ذوي الجوهر الصلب تعلموا كثيرا من ماركسيي ولينينيي تركيا، لأن القوميين ومضادي التغريب كانوا في قلب كليهما. إنه تاريخ انثروبولوجي سري في كيف يتشابهون. لذلك قررت أن أكتب رواية أخرى. أحببت فكرة هذه المدينة التي تنعزل عن بقية تركيا بسبب الثلج، ويحدث انقلاب عسكري». تجري أحداث الرواية عام 1992، وجزء منها قصة حب، وجزء إثارة سياسية. وهي تصوّر شاعرا يزور مدينة بعيدة في شرق تركيا بذريعة أنه في مهمة صحفية. استخدم باموق الحيلة نفسها ليقوم ببحثه، وكثير من التفاصيل في الكتاب تعكس تجاربه الخاصة في مدينة قارص، متضمنة القبض عليه بواسطة الشرطة المحلية، التي كانت تشكّ في تحركاته.

جدائل سيرة ذاتية

تتضمن كل روايات باموق جدائل من سيرته الذاتية، لكن في كتابه الأكثر حداثة «اسطنبول»، الذي طبع في تركيا عام 2003، وصدر في المملكة المتحدة عام 2005، يمزج ذكرياته بشكل واضح مع أفكاره حول المدينة. ويدور أحد فصول الكتاب حول «الأغنياء»، تلك الجماعة الاجتماعية التي ولد بينها. يقول باموق «كان جدّي لأبي رجلا غنيا، وكان لدى جيل الآباء أموال كثيرة أضاعوها. كانت طفولتي ممتلئة ببكاء جدتي لأمي، لأن أبي أو أعمامي كانوا يبيعون هذا الشيء أو ذاك.

تكونت ثروة الأسرة من بناء السكك الحديدية في الثلاثينيات. كانوا مؤيدين للجمهورية التركية الجديدة، لكنهم أدبيّا كانوا يبنون الأمة. وبمضي الوقت بينما كنت أنمو، كانت الثروة تتبدد، لكن بقيت لديهم غرائز الأغنياء. وعلى الرغم من أن أموال جدي لأبي قد تبخرت، فإن أسلوب حياتنا لم يتغير، لكن كانت هناك دلائل على أن الأموال تتبدد، ودائما كانت هناك ضغائن، وكانوا يلومون بعضهم بعضًا طوال الوقت».

ولد باموق في اسطنبول في يونيو عام 1952، وتوجد منطقة مجاورة للطبقة العليا باسطنبول، التي نشأ فيها في رواية «الكتاب الأسود»: «كنت موسوسا وربّما مغرورا. أردت أن أكون مثل جيمس جويس في جعل كل تفصيل صحيحا بالنسبة للمحلات، التي كانت هناك في ذلك الوقت.

قبل أن أولد، كان لدى أسرتي بيت كبير، قصر عثماني في النهاية، تعيش فيه كل الأسرة في مختلف أجزاء المبنى مع كثير من الخدم. لكن ذلك سرعان ما انحلّ عندما أرادوا أن يكونوا غربيين، لذلك أقاموا لأنفسهم مبنى كانت الأبواب الرئيسية فيه تغلق، لكن كلّ أبواب الشقق الداخلية تظلّ مشرعة، وكان يمكنني أن أتمشى بين شقق أعمامي وأبناء عمي وجدتي لأمي. لكن بسبب تبدد المال، بدأوا في بيع الشقق، وتحركت أسرتي أخيرا إلى شقة أفضل، لكنهم كانوا يستأجرونها ولا يملكوها». وقد اشترى باموق شقة من مبنى الأسرة الأصلي، وهو يعيش هناك ثانية.

كان أبوه، الذي مات في العام الماضي، رجل أعمال و«شاعرا فاشلا» - «ربّما كان متوائما مع ثروة الجيل الثاني». مثل شخصية الأب في رواية «اسمي أحمر»، الذي كان يختفي على فترات من المنزل. يقول باموق «كان ينظر بازدراء إلى المشهد الأدبي التركي، لكنه يفكر في باريس كمكان هادئ يكون فيه، لذلك كان يذهب إليها». ثم يستطرد «كان قد تزوج مبكرا وأنجب أطفالا، وأعتقد أنه أسف لذلك. لقد أراد أن يستمر شبابه» .

ومازالت أم باموق وأخوه الأكبر، أستاذ الاقتصاد، يعيشان في المدينة. هناك توتر بين الأخوين، يقول باموق، لأنه كتب في كتاب «اسطنبول»، عن ضرب أخيه له حين كانا طفلين. «أعتقد أن ذلك يرجع بجلاء إلى نجاحي، وإلى أنني شخص سعيد لا يصحّ له أن يكتب عن أشياء مثل تلك. لكن تلك هي ثقافتنا، وكان من حقي أن أكتب عنه. وسرعان ما هوّلت وسائل الإعلام الأمر، ووضعت له عناوين رئيسية».

أيام التلمذة

التحق باموق وأخوه بمدرسة أمريكية في اسطنبول، حيث درسا باللغة الإنجليزية واللغة التركية. يقول باموق «إن ذلك النوع من التعليم يجعلك شديد الدنيوية وشديد التغرّب حتى تظلّ بشكل مناسب على صلة بأصوات الناخبين التقليديين»

يقول باموق إنه أمضى طفولته، وهم يخبرونه أن لديه موهبة في الرسم، لكن تقليد العائلة الخاص بالهندسة، كان يعني «أن تؤخذ فقط في الاعتبار أشياء مثل الهندسة والرياضيات. الديانة، للمثال، كانت شيئا خاصا للفقراء فقط. والمرّة الوحيدة التي أخذت فيها إلى جامع كانت مع خادمتي، حين ذهبت إلى هناك كي تثرثر مع صديقاتها. اعتقدت النخبة المغتربة الحاكمة أن الدين هو أحد أسباب انهيار إمبراطوريتنا العثمانية المجيدة. لكن بدءا من الستينيات رأوا أيضا أن له قوة سياسية هائلة. إذا أظهرت للناخبين أنك متديّن ستحصل على مزيد من الأصوات، ومنذ تلك الفترة بدأت الطبقة العليا تخاف من الطبقات الدنيا، وأصبح الأتراك المدنيون أكثر تدينا». كما تمّ تجاهل الفنون والعلوم الإنسانية بالمثل».

حين التحق باموق بالجامعة في اسطنبول العام 1970، كان حرم الجامعة مقاتلا ماركسيا، وكان هو إلى جانب اليسار.

«لكن على الرغم من أنني كنت أقرأ الأدب، وهناك تلك الأحزاب الماركسية الصغيرة، فإنني لم التحق أبدا بأي منها، وكنت أذهب إلى البيت وأقرأ فرجينيا وولف، على الرغم من أنه كانت لديّ حالات تعاطف، فإنني أنقذت روحي بقراءة وولف وفوكنر ومان وبروست. شعرت بالذنب، لكنني شعرت أيضا أنهم أكثر إثارة للاهتمام». كان باموق قارئا استثنائيا للروايات الكلاسيكية الفرنسية والروسية والإنجليزية منذ طفولته، وبعد ثلاث سنوات من دراسة الهندسة المعمارية، «فجأة أعلنت أنني لن أذهب إلى المدرسة بعد ذلك، كما أنني لن أرسم، لأنني سأكتب روايات».

وعورة الرحلة

يقول باموق إنه كان يأخذ «مصروف جيب» من أبيه حتى عمر 32، «لكن حتى أبي، الذي ترجم أشعار فاليري، قال إنني ينبغي أن أستمر حتى أنهي دراسة الهندسة المعمارية الغبية تلك. وعلى الرغم من أن الجناح اليساري نفسه شعر ببعض التعاطف مع الواقعية الاجتماعية المجازة لجوركي أو شتاينبك أو بعض روائيي القرية الأتراك، «كانت هناك جماعات شعر حديث ومجلات تعاطفت معها، لكنني لم أطوّر حقيقة أي صداقات أدبية في العشرينيات من عمري. كنت متكبّرا، وأزدريهم نسبيا، مفكرا أنهم مبسّطين قليلا. وبسبب من ذلك نشأت مشكلة نشر كتابي الأول». كان قد استغرق أربع سنوات لإتمامه، وهو رواية «جودت بيه وأبناؤه». «قصة بطولة لأسرة كانت حقيقية، تدور حول جده لأبيه وهو يجمع ثروته» - وعلى الرغم من أنها فازت في منافسة كي تنشر، فإن باموق استمرّ في مناشدة الناشر لمدة ثلاث سنوات أخرى قبل أن تصدر أخيرا مطبوعة. ويضحك باموق، قائلا «أن تنشر في إنجلترا وأمريكا وبخمس وثلاثين لغة، لهو أمر سهل مقارنة بالمرة الأولى للنشر في تركيا».

طوال وقت كتابة الرواية، كان باموق قد أدرج اسمه في مدرسة الصحافة فقط حتى يؤجل الخدمة العسكرية. ولكن عند بلوغه الثلاثين من العمر العام 1982، أدّى خدمته العسكرية، وحين انتهى منها تزوّج آيلين تيرجن، وهي باحثة تاريخية من سلالة روسية.

تطوّر رحلته الفنية

بعد نشر الرواية هناك في العام 1985، كتب «القلعة البيضاء»، التي تدور أحداثها في القرن السابع عشر حول عبد مسيحي مع سيده المسلم، وهما يتبادلان هويتيهما.

تحرك آل باموق بعد ذلك إلى نيويورك لمدة ثلاث سنوات، حتى تحضّر آيلين للدكتوراه في جامعة كولومبيا. وهناك التحق باموق بمدرسة آيوا للكتابة الإبداعية، ودرّس اللغة التركية لأحد الفصول، لكنه غالبا ما شغل حجرة صغيرة فوق مكتبة كولومبيا، حيث بدأ العمل في رواية «الكتاب الأسود»، التي كانت قصة معاصرة تدور حول محام يبحث في اسطنبول عن زوجته المفقودة.

يقول باموق «كان مهجعي يقع فوق ثلاثة ملايين كتاب، وكم كنت سعيدا هناك». ثم يستطرد، قائلا: «كانت هناك مجموعة جيدة من الكتب التركية، التي ترجع إلى الثلاثينيات، وكثير منها لم تفضّ صفحاته بعد. لم ينظر إليها أحد من قبل».

الناشر كيث جولد سميث - الذي يعمل الآن مع «نوف» في نيويورك- كان يعمل لحساب دار النشر الإنجليزية «كاراكانت»، أوصى صديقاً تركياً بعمل باموق، ومن خلاله أصبحت رواية «القلعة البيضاء» أول رواية تترجم له إلى الإنجليزية.

يقول جولد سميث «كان أورهان باموق دائما شخصية شديدة الجاذبية، محوطا باستمرار بهالة من الدخان، متناولا القهوة، ومتحدثا بسرعة شديدة». ثم يستطرد، قائلا «كان هناك تدفق في عمله، على الرغم من أنه كانت هناك شخصيات تلك الفترة التاريخية، لكنه كان يوجّه شيئا كامنا في جوهر ما يجري هناك إلى عالم اليوم. كان واضحا أنّه وضع أصبعه على شيء ما ينتمي إلى تركيا، لكن صداه يمتد بعيدا إلى ما وراء المكان والزمان، الذي يكتب حولهما بجلاء. إنه حقا كاتب أجيال».

الوعي بتركيته

تبيع كتب باموق على امتداد العالم، وهو يقول أن أول تأثير لهذا كان يجعله أكثر وعيا بتركيته. «كنت مندهشا أن كلمة تركي كانت تستخدم كنوع مرادف لاسمي. لقد أزعجني ذلك قليلا. إذا كتبت مقالا حول بروست أو همنجواي، فربّما أكتب أحيانا أنه مؤلف فرنسي أو أمريكي، لكن ليس طوال الوقت. يبدو أنك إذا كتبت رواية في ذلك الجزء من العالم، فإن جنسيتك ليست لها تلك الأهمية، لكن إذا كتبت رواية في هذا الجزء من العالم، فإن جنسيتك، ربما أسوأ، فحتى عرقك سيكون مهما».

مواقف سياسية

ويستطرد، قائلا «لم أكن أولي اهتماما في السنوات الثلاث أو الأربع الأولى للسياسة. هزأ الجيل السابق مني كشخص أصبح مشهورا بعد انقلاب عسكري. لقد استخدموا عملي كمنتج لذلك الانقلاب، وهو ما لم يكن صحيحا بطبيعة الحال. لكن على الرغم من أنني لم أكن عضوا في أي حزب، فإنني لاأزال يساريا مثلهم. وبينما نمت شهرتي، عرف الجيل الجديد آرائي عن أشياء كثيرة، وخاصة حول قضية الأكراد وحرية الخطاب».كان هو واثنان من الروائيين الأكراد: ياسر كامل وعزيز نسين، أول كتاب من بلد مسلم أعلنوا رأيهم في قضية الفتوى ضد سلمان رشدي. وبعد ثلاثة أيام ردّ الرئيس رافسنجاني من طهران شاكيا أن جيران إيران يؤيدون رشدي، الذي أساء للنبي. «كنت مشهورا عندئذ، لكن ليس إلى هذه الدرجة. لم يكن أحد يعرف عنواني، لذلك لم أهتم كثيرا».

بعد نجاح رواية «الحياة الجديدة»، وافق على بيع صحيفة كردية في الطريق بعد تفجير مكاتبها بالقنابل، التي افترض بشكل عام أن من قام بذلك عملاء للحكومة. وفي سنوات كثيرة من الثمانينيات والتسعينيات نشبت حرب مدنية في شرق وجنوب شرق تركيا، بين قوات الحكومة والأكراد من حزب العمال الكردستاني المنفصل. يتذكر باموق «جوّ الإرهاب» في ذلك الوقت، ويقول إنه حين حاول «يساريون وليبراليون وأكراد، ليسوا قوميين متطرفين، أن يفعلوا شيئا ضد الحرب، وأرادوا استخدامي، وافقت».

كانت النتيجة أنه سمي «مرتد» على الصفحات الأولى في الجرائد القومية، ولم تسامحه أبدا أقسام من المجتمع التركي والدولة.

بدأ باموق يكتب مقالات مثيرة للجدل في الصحف الألمانية، وفي نهاية التسعينيات وقع بيانا مع كتّاب ومثقفين آخرين، واصفين سياسة الحكومة بالنسبة للأكراد بأنها «خطأ فادح». أهدته الحكومة غصن زيتون مع وسام الدولة للفنون، لكن باموق رفض ذلك قائلا إنه إذا قبله، «فلن يمكنني أن أنظر في وجوه البشر، الذين يعنيني أمرهم».

وهو يقول الآن إن الأكراد قد خسروا الحرب، التي يعتقد أنها «كانت شرا لتركيا. كان يجب أن يكون هناك تراجع من كلا الطرفين وصولا إلى السلام».

كأن قلوبَنا خُلقت لأمرٍ فمذ أبصرن من نهوى نسينا
شغلن عن الحياة ونمن عنها وبتن بمن نحب موكلينا
فإن ملئت عروق من دماءٍ فإنا قد ملأناها حنينا


إبراهيم ناجي

 

حسين عيد