الموتُ في بيروت

الموتُ في بيروت

هذا هو الموتُ الذي يُقالُ عنه الموتْ
بارودةٌ
دبّابةٌ
بارجةٌ
طائرةٌ
وألفُ ألفِ صوتْ
لكنّني أنا الذي نجوتْ
رأيتُ قبّةَ السّماءِ
تحت ساعديَّ
فاتّكأتُ فوقها
سمِعتُ ضجَّةَ الهواءِ
فانتحيتْ
وبعد أنْ خجلتُ أنْ أظلَّ هكذا
بغيرِ خطوةٍ لدى الذين ينظرون ما فعلتُ
أو بغير صورةٍ
بغير بُهْرجٍ وصيتْ
رسمتُ خطَّتي
فملتُ نحو نقطةٍ بيضاءَ في قلبي
كأنها يدٌ
وهِئتُ وارتميتْ
كان الهواءُ ساخنًا
لم أحسَب الخوفَ الذي قطعتُهُ
لم أعتمدْ على ما في خزانتي
من أوّلِ اليأس
ولا أظنُّ أنني غفوتْ
وبين موضعٍ عَرفتُه
وموضعٍ أكادُ أستبينُه
أسلمتُ خاتمي
فكان أنْ تلقَّفَتني الأرضُ
أطبقتْ عليَّ كفَّها اليمنى
فبتُّ مثل نُطْفةٍ
شَققتُها
وعندما نَمَوْتُ
صِرْتُ مضغةً
شَققتُها
وعندها نَمَوْتُ
صِرْتُ جسميَ الذي قد كنتُهُ
ولمّا أنْ أكملتُ أعضائي جميعها
عَدَوْتْ
وفي الطريق نفسِها رأيتُ ما رأيتْ
الماءْ
والجماجمَ الخضراءَ
والقبورَ
والثرى
جميعُ ما رأيتُه في مدنٍ
تكاثرتْ على حدودِها
ظلالُ موتاها
وكلّما اقتربتُ منهمو
تحوَّلوا إلى خوذَاتِ أعداءٍ
ومغدورين
يبحثون عمَّا يُشبهُ امتثالَهم
للطينِ أو للريحِ أو للوقتِ
عمَّا يُشبهُ الطّوافَ حول البيتْ
هذا هو الموتُ الذي يُقالُ عنه الموتْ.

 

عبدالمنعم رمضان