الصناعات الكويتية تنقل إلى مشارف جديدة

الصناعات الكويتية تنقل إلى مشارف جديدة

تصوير : فهد الكوح

من كان يظن ان الكويت مجرد بلد استهلاكي يستورد كل ما يحتاج إليه جاهزاً اقول له إن هذه نظرة قاصرة، وتكفي زيارة مناطق الشويخ والشعبية والصليبية وصبحان، لتسمعوا ضجيج الآلات ولتروا العمال الذين يواصلون العمل وينتجون البضائع المختلفة في أكثر من 831 منشأة صناعية موزعة في أرجاء الكويت.

سوف نقتصر في استطلاعنا هذا على منطقة صبحان التي تحتوي على أكثر من 225 منشأة صناعية وتمثل 29 % من مجمل الصناعة في الكويت ، وهذه الصناعات تنشط في مجالات مختلفة وتنتج بضائع تغذي السوق.

لن نتطرق هنا إلى الصناعات النفطية فمجالها واسع، وسوف نترك صناعات البناء ايضاً ونقتصر جولتنا على بعض الصناعات التي تقدم نموذجاً لتطور الصناعة على يد القطاع الأهلي في الكويت.

وأهمية الصناعة في هذا البلد تنبع من أنها تحدث شيئاً من التوازن في الهيكلية الاقتصادية وهي بلا شك دليل عافية عمت مختلف جوانب البلاد بعد الأزمة الطاحنة التي ألمت بالكويت ومصانعها في أغسطس 1990 وسوف تتبدى لمن يتابع جولتنا هذه آثار هذه الأزمة على الصاعة التي أزدهرت بعيد الطفرة النفطية التي عمت البلاد بخيراتها حتى أن قطاع الصناعات التحويلية خلال فترة الثمانينات حقق معدلات نمو عالية فازدادت مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من 427.3 مليون دينار عام 1980 إلى 998.0 مليون دينار عام 1989وتراجعت قيمة ناتج الصناعات التحويلية عام 1991 إلى مستويات متدنية جداً حيث هبطت إلى 155.4 مليون دينار وبدءاً من عام 1992 بدأ القطاع الصناعي بالنهوض من كبوته بشكل تدريجي .

إذا كان الكتاب أو الرحالة يحاولون اختتام أعمالهم أو رحلاتهم بالمسك فقد بدأت به جولتنا ، وكانت وقفتنا بمصنع الكويت للعطور الذي أنشء سنة 1982 وتم تجهيزه بأحدث الآلات في ذلك الوقت ومنذ 1985 بدأ فيه الإنتاج الفعلي وتم تحديث خطوطه في 1994 فصارت عالية ووصلت إلى "12" خطا إنتاجيا.

وصناعة العطور تختلف عن اي صناعة أخرى من حيث مداعبتها للذوق وتعبيرها عن الحس المرهف وتأثيرها على الحالة النفسية للإنسان إيجابياً ، ولعل تأثيرات العطور بروائحها الذكية تتبلور في شخص صاحب المصنع هاشم الخلف الرجل الهادئ والذي يفخر بجهوده التي آتت ثمارها واعترف بها خبراء العطور في العالم، يقول هاشم الخلف عن رحلته مع هذه الصناعة المميزة : يكون العمل ناجحاً إذا تضافرت فيه الهواية مع الخبرة والمعرفة، ويقتضي العمل الناجح دراسة الجدوى الاقتصادية قبل الإقدام، وهذه الدراسة بذاتها تتضمن دراسة حجم السوق والمنافس فيه ومعرفة أذواق الجمهور وهذه مهمة في دول الخليج التي تذخر بالجنسيات ولكل جنسية ذوقها.

ومن أجل نجاح العمل ينبغي توافر رأس المال والمكان المناسب، وصبحان منطقة مناسبة لقيام هذا المصنع فهي قريبة من العاصمة وقريبة من المطار الدولي وليست بعيدة عن السوق.

عطور كويتية

وبالنسبة للمستهلكين فإننا عادة نقسمهم إلى فئات أولها أبناء الدول الخليجية ونحن أدرى بأذواقهم " فاهل مكة ادرى بشعابها" ونعد من أجلهم عينات نرسلها إلى أماكن مختلفة فتعود إلينا الردود على شكل أرقام نحن نفهمهما ونترجمها غلى الواقع فعلى ضوئها نقرر، وعلى أقل تقدير يجب ان يكون المنتج المقترح مقبولاً بنسبة 40% وللحصول على هذه النسبة يجب تقديم منتج مميز.

وفي السوق الكويتية لنا منافسون كثيرون فالسوق حرة وفيها تلتقي صناعات الشرق بصناعات الغرب، ولكن كصناعة رسمية كويتية نحن الوحيدون، إلا أن البعض يصنعون العطور في منازلهم بخلطات معينة وعملهم يكون على سبيل تنمية الهواية واشباعها ، وقد لا قينا صعوبة حتى شققنا طريقنا وأثبتنا وجودنا في السوق، واليوم نجد ثقة في أنفسنا بعد هذه الرحلة التي امتدت لأكثر من خمسة عشر عاماً ونحن نتلقى الطلبات من أماكن التسويق باستمرار.

اليد العاملة في المصنع مزيج من جنسيات عديدة وعلى رأسها تقوم إدارة كويتية وخبراء فنيون كويتيون يصممون الزجاجات وملصقاتها.

ويخبرنا هاشم الخلف بتواضع شديد أنه هو الذي يقوم بتصميم التركيبات للعطور، وتصنيع العطور يعتمد على حاسة الشم التي تختلف من إنسان إلى آخر ويستورد المصنع الزيوت العطرية من مصانعها في أمريكا والدول الأوربية والهند وماليزيا.

يقول مدير العلاقات العامة ماهر عبدالفتاح : إن مصنع العطور يعتمد على السوق المحلية في تسويق منتجة ومن ثم على أسواق دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، وعملياً ينقسم المصنع إلى ثلاثة أجزاء ابرزها مصنع المياه المعطرة ومصنع ماء الورد يقدم ماء الورد الطبيعي للمواد الغذائية وما الورد المعطر الذي يستخدم لتعطير الملابس ، ولمعرفة تقبل المستهلكين للمنتج المقترح يجب دفعه للمعرض مباشرة، فالانطباع بالقبول أو الرفض يجب دفعه للمعرض مباشرة، فالانطباع بالقبول أو الرفض يظهر جلياً وبشكل واضح على قسمات وجه الزبون، وإضافة العطور السائلة التي يقدمها مصنع الكويت فهو يعتبر الأول من نوعه في مجال تصنيع العطور الثقيلة كدهن العود والورد بنظام العبوات البخاخة دون إضافة اي كحول ويمكنه تصنيع منتجات لحساب الغير بمواصفات قياسية مطلوبة . صادفت زيارتنا لقسم الإنتاج صناعة " الكولونيا" وقد شاهدنا خط الإنتاج المميز بالدقة وبإشراف مراقبين لكل خطوة.

صناعة جلدية ومنسوجات وطنية

ومن مصنع العطور انتقلنا إلى شركة المصنوعات الجلدية وكانت هذه الشركة اثناء زيارتنا تنتج الأحذية وربما يستهين البعض بهذه الصناعة أو يقلل من شأنها لأن ورشات صغيرة بإنتاجها في بعض الدول ولكن الحال هنا في الكويت يختلف اختلافاً تاماً، فليست الأحذية التي تنتجها هذه الشركة عادية وإنما تتصف بمزايا خاصة للامن والسلامة أو هي أحذية عسكرية تعرف بالبسطار وتلاقي هذه الشركة إقبالاً من جهات كثيرة تطلب هذا النوع من الأحذية ، وهي لا تبيع منتجاتها للأفراد وإنما تتعامل مع شركات ومؤسسات تقدم لها الأحذية وفق الطلب والمواصفات المرغوب فيها، وغالباً ما تكون هذه الجهات التي يتم التعامل معها شركة النفط أو بعض المعامل وبعض المؤسسات العسكرية.

وقد حدثنا مدير الشركة سعد صالح عن هذه المنتجات مبيناً أنها أحذية ذات أرضيات تقي من الانزلاق أو من الأدوات الحادة والمسامير المهملة وأما جلدها فهو بقري المنشأ والنعال " الأرضيات " مزيج من مواد ثلاث حساسة تقاوم درجات الحرارة العالية كما تقاوم الانزلاق وتقي من الأدوات الحادة ومن أجل ذلك قد يزود النعل بلوحة معدنية من قياسه توضع وسط المزيج الذي يتشكل منه.

ولدى تجوالنا في قسم الإنتاج شاهدت العمال وكل واحد منهم يعكف على قسم العمل اختص به ، فبعضهم معني بقص الجلود وفق مقاسات دقيقة ومحددة وبعدد محدد ومن ثم يحولها إلى الخياطين وبعد أن يخاط القسم الأعلى من الحذاء يحول إلى مكائن صب النعل " الأرضية" ، ومن ثم يقوم عمال مختصون بنزع وقص الزوائد والتشعبات الناجمة عن آله سكب مزيج الأرضية للحذاء وينزعون القالب بعد أن يجف المزيج أو أسفل الحذاء الذي تنفرد بصناعته المميزة بهذه الصفات شركة المصنوعات الجلدية في الكويت وأما خلط هذا المزيج فلا يكون هكذا عبثاً وإنما وفق معايير يتم تحديدها وفق معطيات وحسابات أجهزة الكمبيوتر ، والشهادات الدولية وشهادات المستهلكين تثبت جودة هذه الصناعة، وإذا كان مزيج ارضية الحذاء ثلاثي التكوين فمواده الثلاث مستوردة من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وأما المواد الأخرى فتستوردها الشركة من الدول الآسيوية وأوربا وتعتمد هذه الشركة في تسويق منتجاتها على السوق المحلية وتقوم حالياً باتصالات مع أسواق دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتقدم إليهم عينات من المنتج من أجل فتح قنوات للتعامل.

وعندما غاردنا شركة المصنوعات الجلدية توجهنا إلى شركة المنسوجات الوطنية والتي عرفت باسم "الربيع" وتبلغ قدرتها الانتاجية 300 طن سنوياً وهذه الشركة لا تزال شابه ولها من العمر "17" عاماً ولا علاقة لها بالغزل " تحويل القطن إلى خيوط" وإنما تستورد الخيوط البيضاء بلفافات تركب على المكائن، وتعمل مصانع هذه الشركة على مدار اليوم لتقدم نسيجاً جميلاً يتم توجيهه إلى آلات الصباعة ليعطي اللون المناسب للغرض المراد منه سواء كان مناشف أو أرواب حمام أو شراشف أو مناديل"غتر" أو ملابس داخلية أو وسائد وفرشا "ديباج"،وبعد الصباغة يتحول القماش إلى آلات خاصة لتجري معاملته بمواد كيميائية تثبت اللون فلا يتاثر بالغسيل ويبقى ما دام القماش صالحاً للاستخدام.

وإذا كان هذا المصنع يستورد خيوطه من باكستان أو غيرها فإنه لا يرضى إلا بخيوط ذات مواصفات خاصة وبعد الإنتاج وتجهيز البضاعة " كما يسمونها في الأسواق" يقوم بتصديرها ولكن إلى اين؟ عزام سعيد مدير المبيعات يؤكد أن كثيراً من منتجات هذه الشركة تصدر إلى أوربا وبالتحديد إلى بريطانيا كما يصدر جزء منها إلى أسواق الدول العربية الخليجية.

ومن المتعارف عليه أن "الربيع" تنتج مناشف إنجليزية الخيط ايضاً بمواصفات خاصة وجزء من منتجاته يذهب إلى قسم التطريز ليطبع على شعار معين "لوغو" وفق طلب الجهة التي ستشتري المنتج، ويتم تصميم الشعار أو الاسم المراد كتابته على جهاز الكمبيوتر وهذا الجهاز يتحكم بأكثر من عشر مكائن تطريز في كل واحدة منها ضوء أحمر يشير فيما لو حدث فيها أي خلل أو حتى فيما لو انقطع الخيط وعلى كل هذه المكائن يقف مشرف واحد يصلح شأن الماكينة التي تقف عن العمل.

وبعد أن تعد القطعة المصنوعة تكوى وتطوى وتمنح رقم الماكينة التي صنعتها ليتحمل العامل مسئولية الخلل الذي فيها بعدما يتم فحصها بدقة . وبالنسبة للخيوط المستوردة أو التي سوف يتم استيرادها فإنها ايضاً تخضع للفحص الدقيق في مختبر المصنع وبواسطة بعض المواد الكيميائية تعرف مكوناتها من القطن وغيره كما أن المخبر الموجود في المصنع قادر على تحديد نوع الخيط وسماكته، وأما المتانة فيعرفها بعض الخبراء والمهنيين عن طريق الشد، وما تبقى يحددة المخبر أيضاً مثل معرفة عملية انكماش الخيط " تقلصه" ومدى تقبله للون والعمر الافتراضي له وإلى جانب هذه الشركة توجد عشر شركات أخرى في صبحان مختصة بصناعة النسيج.

عصائر ومواد غذائية

وتقوم في صبحان مصانع للمشروبات الغازية والمياه ومن بين الشركات الكبيرة اخترنا مصنع الساير للمرطبات والذي تعرف منتجاته بالآرسي، وينتج مصنع الساير الذي افتتح في 1977 العصائر والمشروبات المرطبة الأخرى، ويركز بشكل أساسي على العصائر التي تدفع إلى السوق في عبوات زجاجية.

يقول ناجح شحاته مدير المبيعات : توجهنا نحو إنتاج العصائر ازداد وذلك بناء على رغبات المستهلكين ، وبيننا وبين الشركات الكبرى قنوات اتصال كثيرة ومنها نجلب العصائر الجديدة، ولكن المستهلكين غالباً ما يطلبون المانجو والكوكتيل والبرتقال والليمون والأناناس والتفاح، أي المشروبات التقليدية.

ويؤكد مدير المبيعات أن العصائر التي يقدمها المصنع طبيعية وتركيزها أكثرمن 30 % وأما الشراب فيكون تركيزه أقل من 30% وترسل شركة ضتمؤ الأمريكية مواد مركزة مع قائمة المكونات ويتم المزج في المصنع والذي يدعو إلى التفاؤل و أن المصنع يصدر إلى أمريكا عصير المانجو كما يصدر إلى اليمن أيضاً وهو على طريق التصدير إلى كل من لبنان والأردن ، ومصنع الساير يعتمد في تسويق إنتاجه على السوق المحلية.

في المصنع خطا إنتاج إحدهما للمرتجع وطاقته 400 صندوق يومياً والآخر لغير المرتجع والعبوات المعدنية وله نفس الطاقة، وهذا المصنع هو الوحيد في دول الخليج العربية في هذا المجال وفي طريقه لإنشاء مصنع تعبئة المياه المعدنية ويعمل في المصنع أكثر من "150" شخصاً بين إداري وفني وعامل.

وعندما جلسنا للاستراحة في المصنع قدموا لنا زجاجات من التفاح الأخضر وهو الجديد الذي طرحه المصنع في الأسواق نهاية العام الماضي، وعلى العموم فإن العصائر مقبولة في كل فصول السنة ولكن الإقبال يزداد عليها صيفاً.

وفي قسم الإنتاج رافقنا المهندس علاء عبداللطيف شارحاً لنا الطريق التي تسلكها منتجات المصنع مبتدئة من انتقال السكر إلى المرجل الكبير وانتقال الماء المعالج بالكلور حتى يتخلص من قلويته الزائدة ومن الجراثيم والبكتيريا ومن ثم يمر على فلتر خاص يصفيه من الكلور ليصل الماء إلى المرجل بمواصفات تتلاءم وإعداد الشراب وبالتأكيد فإن درجة تركيز السكر تكون موضوعة بدقة، وبعد خلط الشراب يتم الاحتفاظ به لأربع ساعات ليصفي من الهواء، بعدها يتم المزج النهائي ويساق إلى العبوات ويسخن الشراب مرتين حتى أنه عندما يصل إلى الزجاجة تكون حرارته 88 درجة مئوية وقبل ذلك يسخن حتى 92 درجة ، ويسخن شراب المانجو مرة واحدة فقط ويبرد بعد التعبئة ، والغاية من التسخين قتل البكتيريا والجراثيم التي قد تكون موجودة في السكر ويتم فحص المنتج من العصير مخبرياً ليتم التعرف على درجة تركيز السكر ودرجة الحموضة والقلوية.

ويستورد المصنع العبوات الزجاجية من السعودية أو يحصل عليها من الشركة الخليجية للزجاج ومن مصنع الساير للعصائر والمرطبات.

ننتقل إلى شركة الصناعات الغذائية "فيكو" التي تأسست في 1981 وخطها الأساسي في الإنتاج هو خط القلي، وتستورد موادها الأولية من أوربا وأمريكا ليتم تصنيعها داخل الشركة وفي عام 1985 اضيف خط إنتاج جديد وهو خط البفك "البثق" وهذا الخط لا تتدخل فيه الزيوت أو الدهون بخلاف خط القلي، وكلا الخطين يتصفان بخلوهما من تدخل الخلطات الكيميائية سواء الملونة أو غير الملونة.

وتطرح هذه الشركة منتجها في السوق المحلية وفي أسواق الدول العربية الخليجية المجاورة وفي طريقها للتصدير إلى لبنان، وداخل الشركة يتم تعبئة وتغليف المنتج وتتعامل الشركة بشكل مباشر مع الجمعيات التعاونية في الكويت ومع أسواق الجملة وأهمية هذه لصناعة تنبثق من أن الطفل هو المستهلك الوحيد أو المستهلك الأول لها ولذلك تحرص الشركة على أن تقدم وجبة صحية خفيفة يتناولها الطفل بين وجبتين رئيسيتين .

ويضيف أحمد المطوع مدير التسويق أن الشركة عضو في المنظمتين الأوربية والأمريكية للأغذية يمدانها بآخر التطورات وبأحدث ما تخلص إليه البحوث وقد حصلت الشركة على شهادة الأيزو 9002 من الـبي . إس.آي وهذه الشهادة تؤكد أن المنتج مطابق للمواصفات العالمية من حيث الجودة وهي بمثابة "فيزا" للعبور إلى أوربا وأمريكا . وفي منطقة صبحان 25 منشأة أخرى لصناعة المواد الغذائية والمشروبات والتبغ.

ولا تقتصر منطقة صبحان كما سبق أن أشرت على الصناعات البسيطة والخفيفة وإنما هي تجمع صناعي ضخم، ومن المراكز الكبيرة زرنا شركة البابطين لصناعات هياكل السيارات وفيها يتم صناعة هياكل السيارات والباصات وفي هذه الأيام تقوم الشركة بصناعة شاحنات السيارات "النسافات" وتستورد الشركة الحديد الخام ثم تقوم بتصنيع الشاحنات وتركيب نظام هيدروليكي لها، كما أنها تصنع " التناكر " خزانات الماء والبترول.

ولا تعتمد شركة البابطين على السوق المحلية بشكل مطلق وإنما تصدر إلى دول الخليج الأخرى ومعظم التصدير حالياً إلى دولة الإمارات العربية المتحدة .

وتستورد شركة البابطين المواد الخام أو الحديد غير المصنع من بولندا وبلجيكا وروماينا واليابان وأما قطع الغيار مثل الهيدروليك والمجموعات من ألمانيا وأمريكا وهولندا ويقول مدير الإنتاج بشير بدر إن التصدير والاستيراد يتمان بمنتهى السهولة واعتماداً على التراخيص الموجودة بشكل طبيعي ويعتمد المصنع على اليد العاملة الوافدة.

ويتالف المصنع من أربعة أجزاء أولها قسم التجهيز وفيها المعدات والمكائن والمقصات والمخارط وفيه يتم قص المادة الخام وتجهيزها وفق الطلب ومن ثم تقديمها إلى الأقسام الاخرى المتمثلة بقسم الشاحنات "التريلات" وقسم الخزانات "التناكر" وقسم النسافات.

وقد تأثر المصنع كثيراً بالغزو وتأخر بعد التحرير عن الإنتاج ريثما جلب العمال وأعاد ترميم ما تبقى من أجهزة وهذا ما جعله يضيع فرصاً كثيرة، ويركز المصنع على التريلات والنسافات التي تستوردها دولة الإمارات التي تشهد نهضة عمرانية.

الزجاج .. والسجاد

ومن الصناعات التي يتمازج فيها الذوق مع الدقة والشفافية والجهد مع الفن شاهدنا في صبحان صناعة الزجاج، فقد تجولنا في معارض شركة الهداية التي أنشئت على ارض الكويت في 1959 وما زالت تقدم للسوق زجاجاً يقل مثيلة في الشرق الأوسط ولقد استطاعت هذه الشركة أن تصنع مداخل البوابات مع أعمدتها من الزجاج وكذلك أحواض المغاسل كاملة وهذه صناعات جديدة لافتة للانتباه وبالإضافة إلى التصنيع فإن الشركة أيضاً تهتم بالتلوين والتعشيق وهذا الأخير يكون بالرصاص حيث يتم تلصيق الرصاص بأشكال هندسية ويمزج بالزجاج الناعم الملون، هذا قديماً وأما اليوم فيوجد المعشق بمادة شبة سائلة تحدد المراكز لوضع الألوان لكيلا تسيل عن المكان المحدد لها، وللألوان أنواع مختلفة منها الثابت ومنها غير الثابت اي الذي يتاثر بالعوامل المناخية، والألوان الثابتة يوجد منها على شكل "بودر" أو حبيبات ناعمة جداً زجاجية ملونة تدخل الأفران فتمتزج مع الزجاج الصافي معطية أشكالاً وألواناً وبهذه الحالة يكون اللون ثابتاً إلى الأبد لأنه صار من تكوينه الزجاج.

وخلال جولتنا في معرض المصنع شاهدنا أنواعاً عديدة من الزجاج والمرايا التي أعجب بها زميلنا المصور وقال إنه لم يسبق أن شاهد مثلها في الكويت وتوجه باللوم إلى مديرها الذي لم يوصلها إلى المستهلك.

ويقول أحمد سعد الدين المدير العام للشركة إنهم تعهدوا استكمال تجهيزات قصر المؤتمرات الزجاجية وغيره من المشاريع الضخمة وأكد أن المرايا مستوردة من بلجيكا وهي من نوع خاص خضع لصب نترات الفضة عدة مرات وهذا مما يطيل عمل المرأة ويزيد نقاءها وفوق نترات الفضة تصب نترات النحاس التي تغطي بطبقة من الورنيش التي تعتبر خط الحماية للمرأة، وإن كانت المرأة بهذه المواصفات فإنه تعمر بين 25 و 50 سنة ما لم تنكسر، ويفتخر مدير هذه الشركة بأن لديه آلة قادرة على جلي الزجاج وصقله بأي زاوية يريد ومهما كان حجم صغيراً بالإضافة إلى مكائن أخرى تقوم بالشطف والصقل المدور والمتعرج "الزكزاك" وهذه الآلات معظمها يعمل على الكمبيوتر.

وللسجاد "الموكيت" مصنع خاص في اكويت تأسس في 1983 وينتج أنواعاً من الموكيت مثل موكيت الممرات ذات السماكات المتعددة وموكيت المكاتب وسجاد المساجد وسجاد التشريفات وسجاد الموكيت المنتج من خيوط الأكريليك الذي يتميز بالليونة والنعومة الفائقة، ويعدد المهندس عادل خاجة مدير المصنع مراحل الإنتاج التي تبتدئ بمرحلة النسيج وتستخدم فيها ست مكائن وفيها يتم غرز الخيوط داخل الإبر على الأرضية الأولية والثانية مرحلة الصباغة وفيها تجري عملية الصباغة وفق ذوق الزبون وطلبه وتحدد الألوان بالكمبيوتر وتأتي المرحلة الثالثة وهي مرحلة التنشيف وتتلوها تسوية شعيرات الموكيت ومن ثم المرحلة الأخيرة ويجري خلالها تغرية السجاد ووضع الأرضية الثابتة، ويتمثل نشاط الشركة في صناعة الموكيت من مختلف الخيوط "الأكريليك، البوليسترن النايلون، البولي بروبيلين، الصوف المخلوط" والطاقة الإنتاجية للمصنع تقدر بحوالي 2600000 متر مربع.

وأثناء الغزو سرقت معظم المكائن ولم تبق إلا بعض الآلات القليلة وقد عانت الشركة صعوبات جمة حتى استطاعت أن تستدرك العمل واستغرقت حالة إعادة الإنشاء اكثر من ستة أشهر بعد التحرير.

ومن الصناعات المحلية ايضاً شركة مصنع الشايجي للنجارة وهي واحدة من ثلاثين منشأة في صبحان وتتبنى المشاريع الأهلية والحكومية مثل الأثاث الخشبي للأبنية ونجارة الأبواب ونوافذ العمارات ونجارة الصالونات وغرف النوم ومن أبرز المشاريع التي أنجزتها هذه الشركة نجارة بناء الشركة العالمية للمقاولات وبناء شركة شاهين الغانم في الصليبخات وفي منطقة جابر العلي وكلفة المشروعين زادت على نصف المليون دينار.

تأسس هذا المصنع منذ 35 سنة وقد شارك في نجارة معظم مدارس الكويت ومسارحها بالإضافة إلى نجارة العديد من أرضيات الملاعب والنوادي الرياضية والصالات المغلقة التي تكون في العادة من الأخشاب.

وتستورد شركة الشايجي الأخشاب من بورما ومن إندونيسيا والبرازيل وكندا ومن دول أخرى، واليد العاملة من جنسيات مختلفة والإدارة كويتية، ويحتوي المصنع على جميع المكائن اللازمة، وأما معاناة شركة الشايجي وأمثالها مما يختص بالنجارة فمن الدخلاء الذين هم ليسوا أهلاً للمهنة وكثيرا ما يشاهد المتجول دكاناً صغيراً لا يكاد يتسع لماكينة نجارة واحدة وباقي أشيائه خارج الدكان ومع ذلك فإن صاحبه يأخذ التعهدات ويعتبر نفسه مقاولاً ولكن الطامة الكبرى إن قام بالعمل فعلاً وهنا قد لا يرضى الزبون عن النجارة وقد يلاحظ فيها عيوباً بعد فترة من الزمن وحينها قد يكون الدكان قد تحول إلى محل بقالة وهجره صاحبه، ودون شك يمكن القول إن السعر الذي يطلبه ذلك المتعهد أقل مما نطلبه نحن الذين نتكبد تكاليف أكبر مقابل الجودة والإتقان هذا ما قاله المدير الفني للمصنع علي محمود سعيد، الذي أضاف مبيناً أن الأثاث لا يخرج من المصنع حتى يجئ مندوب وزارة الأسكان ويختم كل قطعة على حدة وبعد الختم تذهب السيارة محملة إلى المشروع وهناك يدقق في البضاعة مهندس مختص مسئول وقبل التركيب تطلي إطارات الأبواب- وهي التي كانت تملأ المصنع وبها ينشغل العمال- تطلى بمادة طاردة للحشرات ومن ثم تطلى بمادة طاردة للحشرات ومن ثم تطلى بمادة أخرى تقيها الرطوبة أثناء تنفيذ المشروع وريثما يتم تركيب الأبواب عليها، وبالتأكيد فإن إطارات الأبواب تختم لأنها مطلوبة من قبل جهة رسمية ووفق مواصفات ومقاسات معينة.

الإسفنج الكيماوي

وإذا كنا قد بدأنا برائحة طيبة فإن من الواجب أن نختتم جولتنا بصناعة تعبر حقيقة عن مسك الختام وهذا ما كان فقد توقفنا في " كوفوما " الشركة الكويتية لصناعة وتجارة الأثاث وهي مصنع كامل ومتكامل بما تحمله الكلمة من معنى ورأس مالها في الوقت الحالي 2.500.000 دينار كويتي وفيها أكثر من 388 موظفاً .

بدأت جولتنا بقسم التنجيد وفيه يتم تجهيز الأقمشة ومعظمها مستورد من إيطاليا وإنجلترا وإسبانيا وفرنسا وأمريكا ومنها تنجيد الديوانيات والكراسي والمكاتب وما يشابهها وإلى جانب قسم التنجيد قسم للتجميع وفيه يجري تجميع الأخشاب مع بعضها سواء بالكبس أو بالمسامير وذلك بعدما يأتي الخشب بمقاسات مطلوبة من ورشة النجارة وقسم النجارة موجود داخل الشركة نفسها وهي تستورد الأخشاب من بورما والهند وتايلاند وورشة النجارة في كوفوما حديثة جداً تعمل على أجهزة الكمبيوتر بمنتهى الدقة ومكائن النجارة كثيرة وضخمة ولكل واحدة منها مهمة خاصة فبعضها مختص بضغط الأخشاب حتى "50" طناً وبعضها يلصق الوجه المراد على الخشب وبعضها يحف القطع الخشبية ومن ثم تقوم ماكينة اخرى بالتلميع وغيرها بالقص وفق المقاسات المطلوبة وبعد تجهيز قطع الخشب وفق المقاسات المطلوبة تتحول إلى ورشة الصبغ فتدخل القطع الخشبية من بداية الورشة لتخرج مصبوغة باللون المراد ومن ثم فهنك بعض العمال ذوي المهارات اليدوية وهم يقومون بما لا تستطيعه الآله وفي عملهم إضفاء للذوق الإنساني على القطعة.

وتضم الشركة ورشة خاصة لصناعة الإسفنج الكيميائي ومكائن هذه الورشة إيطالية وتفاخر كوفوما بالإسفنج الذي تصنعه إذ إنه يبقى محافظاً على مرونته وشكله زمناً أطول وقد قاموا بصناعة قالب إسفنجي أمامنا ، فبعدما سكبوا السائل الكيميائي في الحوض غطوه لعشر دقائق وعرضوه للحرارة فانتفخ ليصير قطعة إسفنجية رائعة، ومن ثم أخرجوها من القالب ووضعوها في آله خاصة تفرغها من الهواء.

وتصنع هذه الورشة انواعاً من الإسفنج بعضها قاس جداً وبعضها طري.

وبعد أن تجهز قطعة الأثاث المنزلية او المكتبية تماماً فإنها تمر بقسم التغليف الذي يضم ورشة ضخمة تقوم بتغليفها لتقيها من الغبار، ويمكن القول إن المواد تدخل كوفوما وهي أولية لتتصنع وتتضافر وتخرج منها أثاثاً جميل المنظر مغلفاً وجاهز للاستعمال.

ومما يبعث التفاؤل في النفس جماعات طلبة المعاهد المهنية التطبيقية وهم شبان كويتيون يعملون في النجارة والصبغ ويقومون بتركيب بعض قطع الأثاث وتدربهم في الشركة يكون باتفاق بين المعهد وبينها وبذلك تقترن لديهم الدراسة النظرية بالقسم العملي، وبالتأكيد فهم لا يتدربون على القطع الأساسية وإنما على قطع وأشياء ستئول إلى التلف في النهاية .

وكوفوما يعتبر مصنعاً من الطراز الأول في دول الخليج العربية وإنتاجه أكبر من أن تستوعبه السوق المحلية، وبعد التحرير كانت المفاجأة فالمصنع خاو على عروشه فقد نهب الغزاة جميع مكائنه ومواده الأولية التي كانت في المستودع وقد استغرق وقتاً من الزمن حتى أعيد بناؤه خطوة خطوة ، ولم يعد المصنع إلى الطاقة الإنتاجية الكاملة إلا منذ فترة قصيرة ، حيث صار يدفع إلى السوق سنوياً 350 غرفة نوم، 600 غرفة استقبال، 6000 باب خشبي، 1000 م2 من المشربيات ، 500 غرفة طعام، 500 مكتب، 5000 م2 تجليد جدران و 1500 باب مضاد للحريق لنصف ساعة أو ساعة، ومنها قد أعد لمقاومة الحريق لمدة ساعتين، ولقد لقيت التجارب التي نفذت على هذه الأبواب النجاح الكامل.

ومن يتجول بين المصانع الكويتية يلاحظ حرصها على تقديم سلعتها بالمواصفات القياسية للجودة فتبدو وكأنها لا تهدف للربح بقدر ما تهدف إلى خدمة المستهلك الذي فتحت أمامه السوق على مصراعيها بما فيها من بضائع مستوردة جلبت من مختلف أنحاء العالم، وإن لم تكن هذه السلعة على متسوى عال من الجودة فما هو الضمان في وصولهما إلى أيادي المستهلكين؟ وتشرف على الصناعة في الكويت الهيئة العامة للصناعة التي تقوم بطرح الفرص الاستثمارية والحوافز الكفيلة بتحقيقها كما تقوم بتنمية وتطوير المناطق الصناعية المختلفة القائمة حالياً بالبلاد وتعمل لإحلال الصناعة المحلية بدل الواردات وتهدف هذه الهيئة إلى تنمية النشاط الصناعي في البلاد والنهوض به والإشراف عليه حتى تتحقق أهداف الاقتصاد الوطني.

ويذكرنا عيد التحرير الذي تعيش الكويت أفراحه هذه الأيام بما شهدته الصناعات كلها من اصناف السلب والنهب والتدمير أثناء فترة الغزة المريرة في 1990 ، فقد شحنت الآلات الباهظة الثمن ومعها المواد الأولية بسرعة عجيبة إلا أن الإرادة الصلبة جلعت أرباب الصناعة يجلبون المكائن من جديد بعيد التحرير وعادت أصوات هذه المكائن تشجي منطقة صبحان وغيرها بصوت يبعث التفاؤل في النفس ويبعث الأزدهار في أحد أركان الاقتصاد.

 

 

جمال مشاعل

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات