جزر المالديف : فاتنة المحيط ، يهددها المحيط

جزر المالديف : فاتنة المحيط ، يهددها المحيط

تصوير : سليمان حيدر

أكثر من ألف ومائة جزيرة ساحرة ، تتناثر كزمردات يحيطها الفيروز وسط زرقة المحيط الهندى ، يعتبرها السياح جنة الاستجمام في هذا العالم ، ويخشى العلماء أن يبتعلها البحر في غضون خمسين سنة ، لا أكثر .

بدأت الطائرة التي حملتنا من العاصمة السيريلانكية كولمبو ، تخفض من ارتفعاها بعد ساعة من الطيران ، وأعلن عن دخولنا مجال دولة المالديف الجوى ، فاختفت الحدود بين الماء والسماء !

من النوافذ لم تكن هناك غير زرقة ناعمة تسبح في آفاقها سحب تئ حوافها الشمس ، وفى الأسفل تتناثر الجزر متباعدة عميقة الخضرة ، تحيطها هالات بيضاء ، وتنسرح منها هالات أوسع من اللون الفيروزى ، ثم تنبسط حولها زرقة المحيط .

بعد دقائق من الطيران في المشهد الساحر أطفئت أنوار الطائرة وأضيئت لوحة الإرشادات فعدلنا مقاعدنا وربطنا الأحزمة تهيؤا للهبوط ، لكننا لم نر من حولنا سوى الماء ، كأن الطائرة ستهبط في البحر ، دقائق أخرى من الوجل والدهشة ، ثم طمأنتنا عجلات الطائرة تلامس أرض المدرج في مطار المالديف الجوى الذي لم يكن غير جزيرة من جزر المالديف تحولت إلى مطار وكان المدرج يشغل محورها الطولى كله ، من الماء إلى الماء .

كانت درجة الحرارة كما هي دائما على مدار العام في المالديف بين 30.4 درجة م و 25.4 درجة م .

وفى صالة المطار الصغير النظيف أسفرت طوابير القادمين عن هويات أصحابها ، سياح أثرياء قدموا من أوربا وأمريكا واليابان ، وبعض رجال الأعمال ، وأزهريون جاءوا من مصر للتدريس في المعاهد والمراكز الإسلامية . وكان رجال الجمارك المالديفيون يصادرون زجاجات الخمر من السياح الغربيين ، فالمشروبات الكحولية ممنوع دخولها ، لكننا رأيناها فيما بعد في مقاصف الجزر السياحية ذات الاستثمار العالمى !

غادرنا جزيرة " هولولى " التي تشكل المطار الدولى ، وكان فندقنا في العاصمة ماليه التي أشار إليها دليلنا على مقربة نحو كيلو مترين من ساحل جزيرة المطار . جزيرة أخرى تلوح كثيفة الأبنية ، مع القليل منها الذي يتجاوز الخمسة طوابق . وبينما يذهب الناس من مطارات العالم معظمها إلى فنادقهم في الباصات أو السيارت ، ذهبنا نحن- كما سائر الناس- من المطار إلى الفندق في زورق ! فالتنقل بين الجزر المكونة لدولة المالديف إما أنه يتم على الماء بالزوارق والسفن واليهوت ، أو يتم فوق الماء بالطائرات التي تقلع وتهبط على سطح الماء ورأينا بعضها بلون أحمر ساخن تحمل اسم " تاكسى المالديف الجوى " وأخرى بيضاء مزركشة بألوان بهيجة تحمل اسم " الطائر الطنان " .

ماليه تحت المطر

كاد المطر أن يحبسنا في فندقنا الصغير بنهاية الشارع الرئيسى " ماجيد هي ماجو " في قلب العاصمة " ماليه " ، وعلى مبعدة خطوات من ماء المحيط الذي يحدق بالعاصمة الجزيرة من كل جانب .

سألت " نصير " منظم رحلتنا عن وضع المناخ ، فقال لى وهو يفتح ذراعية : " في الماضى كنا نعرف ، الآن لم نعد نعرف متى يبدأ المطر ومتى يتوقف " .

التقطت كلمات نصير بانتباه شديد ، فهى تصب في قلب موضوعى الذي قطعت من أجله هذه الرحلة الطويلة لأتأمل مصير دولة مهددة بالاختفاء تحت الماء في غضون عقود قليلة بسبب تغيرات المناخ على ظهر كوكبنا .

كان مناخ المالديف السابق مستقرا ، يحفظ أهلها مواقيت تغيراته التي تحددها الرياح الموسيمة بدقة .

والرياح الموسيمة كانت خفيفة الوطء عنها في بلدان أخرى مجاورة للمالديف كالهند .

فالرياح الموسمية كانت تهب على جزر المالديف مرتين في العام ، أولاهما تأخذ الاتجاه الجنوبى الغربى وتأتى حاملة معها المطر ، وثانيهما تهب في الاتجاه الشمالى الشرقى خفيفة تصنع الموسم الجاف والممتد من نوفمبر إلى أبريل .

ورغم أننا كنا في الموسم الجاف فإن الأمطار لم تنقطع وبطريقة يصعب التحسب لها ، فبينما الشمس ساطعة إذ بالسماء تحتقن وتغطيها السحب الداكنة وفى لحظات ينصب المطر عنيفا ، وسرعان ما يتبدد وتعود الشمس ، فننتظر احتقانا جديدا .

خطر لى أن نظافة العاصمة ماليه المشهودة ، تعود لهذه الانصبابات من الماء السماوى ، تهطل فينغسل كل شئ لكن الواقع أكثر من ذلك ، فنظافة العاصمة الصغيرة هي اختيار أهلها رغم بساطة وفقر معظمهم ، ملابسهم بسيطة تختزل أحيانا في مجرد إزار يعقد حول الوسط ، لكن النظافة واضحة تشع بها وجوه الكبار والأطفال رغم سمرتهم الداكنة الأقرب إلى سمرة أهل سيريلانكا . لن تجد من يلقى في الشوارع بورقة أو عقب سيجارة . ومقارنة بمدن آسيوية أخرى في جنوب وشرق القارة أرى أن ماليه هي الأنظف على الإطلاق .

ما بين تلبد السماء وصحوها أخذنا نتجول في العاصمة حتى يستقر الجو فيمكننا الإبحار لتنقل بين الجزر ، وتغطية ماليه بجولة على الأقدام لا تستغرق نصف ساعة على الأكثر ، من أقصاها إلى أقصاها ، فالعاصمة الجزيرة ، مالية لا تتجاوز مساحتها 1.77 كيلو متر مربع ويسكنها قرابة ستين ألفا من عدد سكان المالديف البالغ عددهم 244 ألف نسمة " بتعداد 1995 ".

أى أن ربع عدد السكان يعيش في جزيرة ماليه ، بينما الثلاثة أرباع الباقون يتوزعون على 199 جزيرة من الجزر المأهولة .

" جزيرة السلطان " هو الاسم القديم لماليه التي لم يعد بها سلاطين من البشر ، وهى بلدة متواضعة حيية الطموح في مظاهر شوارعها الصغيرة وأبنيتها التي لا تتطاول كثيرا ، والتى في معظمها مجرد بيوت بطابق أو اثنين أو ثلاثة وتحيط بكل بيت- صغر أو كبر- حديقة تطل من فوق أسوارها البيضاء النباتات الاستوائية وتتسامق في فضائلها أشجار جوز الهند التي لا تغيب عن النظر أينما وليت وجهك في جزر المالديف .

ماليه شوارع صغيرة وبيوت خفيفة ذات حدائق وأشجار جوز الهند ، وطرق مرصوفة بالحجر في المنطقة القديمة الأساسية من العاصمة ، وصفوف طويلة من الدراجات على الأرصفة أمام المدارس والمعاهد بل أمام مجمع الوزارات ذاته الذي يتكون من مبنى بسيط من خمسة طوابق بلا مصاعد ، تشغله عدة وزارات بينها وزارة البيئة التي كانت مقصدنا . أما السيارات فهى صغيرة وقليلة في الشوارع .

" لا . لقد تغيروا كثيرا " . يخبرنى زميلى سليمان حيدر بملاحظته على العاصمة التي زارها مع أستاذنا سليمان مظهر وأجريا فيها استطلاعا جميلا للعربى " منذ أربعة عشر عاما . يقول لى إن الشوارع كانت كلها ترابية ، ولا سيارات في الطرق ، وبالطبع لم تكن هناك أكشاك هواتف محلية ودولية في الشوارع ، ولم يكن هناك مبنى يتجاوز ارتفاعه مجمع الوزارات ، الذي لا يزيد ارتفاعه على ثلاثة طوابق ، الآن اختلفت الصورة . وهناك أبنية تصل إلى عشرة طوابق وبألوان تذكرك بمزاج المحيط الهندى الرائق كالأزرق والبنفسجى الفاقع والأبيض الناصع المحلى بشرائط حمراء برتقالية .

القلب القديم .. الجديد

وسط المنطقة الشمالية من المدينة هو القلب العتيق والأنيق لها ، ففيه الفيللات البديعة والأبنية الحكومية والمعاهد والمساجد وقصر الرئيس . وفى فترة لا تتجاوز ساعتين يمكن زيارة الأماكن اللافتة في العاصمة .

فهناك مسجد الجمعة الكبير أو مسجد السلطان محمد ، وهو يضم أيضا المركز الإسلامى الذي تهيمن على بنائه الأبيض الناصع قبة ذهبية تشد البصر من كل الاتجاهات ، والمسجد من الكبر بحيث يمكنه استيعاب خمسة آلاف من المصلين في وقت واحد . وجدران المسجد الداخلية مزينة بزخارف إسلامية بديعة محفورة في الخشب ورغم أن المركز الإسلامى مضى على افتتاحه أكثر من 14 عاما إلا أنه يبدو جديدا تماما لفرط نظافته والعناية به .

ميناء ماليه الداخلى الذي بنى بين عامى 1620- 1648 لا يزال حيويا وفاعلا ، والآن يشكل مع الواجهة البحرية شاطئا متعدد الوظائف ، فهناك قسم متخصص لرسوم مراكب " الدهوانى " العاملة بين الجزر ، وهناك جزء متخصص لرسوم مراكب الصيادين يواجه سوق السمك الذي رأينا فيه الصيادين يبسطون محصول صيدهم من أسماك التونة معا لتباع بالجملة ، وثمة بيغ بالمفرد ، فترى المالديفى يشترى سمكة أو سمكتين ، ويذهب بهما إلى جزء في السوق مخصص " للتشقية " . يضع سمكاته أمام " جزار " أسماك محترف ، شديد المهارة ، يرتدى قفازا من المطاط وبمدية حادة يضرب عدة ضربات طويلة وعرضية فينظف السمكة الواحدة شريحتين كبيرتين من لحم التونة الأحمر ، الذي عندما يشوى يشبه لحم الضأن أو الأبقار الصغيرة . وهم يملحونه ويدخنون ويباع جاهزا مثل أسماك " الرنجة " بكميات كبيرة . وسوق السمك توجد حوله أسواق للخضر والفاكهة والبضائع المحلية ، وكلما مضينا يمتد الميناء فنجد مرسى لليخوت وآخر للسفن الحربية . وما أن ننعطف شارعا واحدا إلى الداخل حتى نجد أنفسنا في تلافيف الذاكرة البعيدة ، قليلا ، والقريبة أيضا ، لجمهورية المالديف .

نعبر الحديقة المواجهة لوزارة الدفاع ذات الأسوار العالية البيضاء ونمر تحت علم عال وكبير للمالديف يرفرف أحمر متوهجا ، وبوسطه مستطيل أخضر يتمركز فيه هلال أبيض ناصع . وبعد خطوات نقف على أثر يؤرخ للإسلام في المالديف يدى " ميدهو زيارات " وهو مزار يذكر بالرجل الذي أدخل الإسلام إلى المالديف عام 1153م : أبو البركات يوسف البربرى . وهو داعية مغربى وصل إلى المالديف وتحكى عنه الذاكرة الشعبية أنه أبطل عمل " الجنى " الذي يخيف سكان الجزر فدخلوا الإسلام بعد أن شدتهم بركات هذا الداعية ، إضافة للقناعة بالدين الإسلامى بعد أن تعرفوا على تعاليمه السمحة .

هذا الانتقال مما قبل الإسلام إلى ما بعده شاهدناه في أثر جميل ومدهش بقب ماليه يواجه أجمل مساجد ماليه- هوكوروميسكى أو مسجد الجمعة- وهو مسجد بنى عام 1656م أثناء حكم السلطان إبراهيم إسكندر وقد زينت جدرانه الخارجية والداخلية بمحفورات جميلة من الزخارف العربية . هذا السلطان نفسه هو الذي أضاف للمسجد عام 1965م مئذنة بديعة ، اسطوانية وناصعة البياض ، يدعونها " مونارو " ( منارة ) نسخت عن شكل إحدى المنارات التي رآها السلطان أثناء زيارته لمكة عند أدائه لفريضة الحج .

ولا يفوت قلب ماليه أن يحتفظ بآثار التاريخ السياسي المعاصر وسط إضاءات التاريخ الروحى ، فثمة مقبرة لمحرر المالديف من نير البرتغاليين " محمد شاكور وفانو " الذي يحتفل بذاكره في يوم المالديف الوطني في اليوم الأول من شهر ربيع الأول كل عام . ولم يكن هذا الرجل مجرد محارب وطنى ، بل كان مصلحا أدخل الكثير من الإضاءات في نظام التعيم والنظام المدنى بالمالديف .

بضع خطوات أخرى ونصل إلى بناء صغير أنيق ذى عمارة كولونيالية يسمونه " مولياجى " كان السلطان " شمس الدين " الثالث قد بناه لابنه قبل الحرب العالمية الأولى . ولم يسكنه الابن ، لكنه تحول إلى " قصر رئاسى " بعد تحول المالديف إلى جمهورية عام 1953 .

والآن يقيم هذا القصر الرئيس محمد عبد القيوم رجل المالديف الرسمى والشعبى ، وهو أحد علماء الشريعة تخرج بتفوق في جامعة الأزهر في القاهرة ويدعونه " رجل كل الجزر " إذ يحظى بشعبية واسعة . وقد حدثنا أحد أعضاء البرلمان المقربين منه بأنه رجل خارق الذاكرة يعرف كل سكان بلاده فردا فردا بالأسم ، صغروا أو كبروا ، ولا استغرب ذلك فقد كان الأول حتى على العرب عندما تخرج في الأزهر . ولم نحظ بلقائه الممكن لأنه كان في زيارة لألمانيا أثناء وجودنا في ماليه .

جنان عائمة ... ولكن !

صغير المدينة ، الجزيرة ، العاصمة ، يظل يغرينا دائما بالمشى برغم أننا حفظنا معالمها ، شوراعها الصغيرة وأفنية البيوت التي يستامق فيها نخيل جوز الهند والمحال الصغير التي تبيع كل شئ . وصمة مجمعات تجارية حديثة رأينا واحدا منها قرب الميناء .

ومع نهاية كل جولة من جولاتنا الطويلة الدوارة على الأقدام كنا نجد أنفسنا دائما عند فندقنا في منصه تشكل نصف دائرة تطل مباشرة على المحيط ، ولا حظنا أن المنصه مرتفعة عن الشارع ويفصلها عن الماء سور أسمتنى يلف شمال المدينة كلها ، وخارج السور تتراكم الكتل الخرسانية الضخمة المتشعبة مكسرة ما يهب على الشاطئ من أمواج المحيط .

المدهش والمفزع فيما لاحظناه عبر جلساتنا الطويلة في هذه الشرفة المالديفية على المحيط الهندى ، أن منسوب المياه في المحيط يكاد يكون في منسوب الشارع ، مما يعنى ببساطة أن أقل هياج للبحر كفيل بإغراق العاصمة ، فما بالنا بما يقال عن احتمالات ارتفاع مستوى مياه البحار والمحيطات في العالم كله كنتيجة لارتفاع درجة حرارة جو الأرض ؟ ! هواجس مفزعة خاصة عندما ينطق واقع الحال بإمكان حدوثها !

كان البحر في ماليه موجودا أينما يممنا وجوهنا ، وكانت الشوارع تحت أقدامنا ، وتحت أعيننا كان التقارب الواضجح بين المنسوبين ، فماذا يفعل الحاجز الخرسانى وكاسرات الأمواج في مواجهة الرعب المستقبلى ؟

إن " سيناريوهات " المستقبل المؤسسة على معطيات ونماذج علمية تقول إن درحة حرارة الأرض- التي هي في ارتفاع ملحوظ- سترتفع أكثر ، نتيجة لزيادة تصاعد غازات الدفيئة الأرضية بسبب المحروقات وغيرها ومن ثم اتساع ثقب الأوزون . ( وإن لم يكن ذلك هو السبب الوحيد لارتفاع درجة حرارة جو الأرض ) .

يقول العلماء إن التسخين سيستمر وسيلغ عام 2025 ميلادية " أى بعد ربع قرن من الآن " حوالى درجة واحدة مئوية زيادة ، وهذه الدرجة الزيادةة شئ خطير إذا عرفنا أن درجة حرارة الكوكب منذ 18 ألف سنة " أى منذ العصر الجليدى " لم ترتفع غير خمس درجات مئوية . وفى تداعيات زيادة درجة حرارة الأرض سيذوب الكثير من جليد القطبين ، ومن ثم يتوقع أن يرتفع مستوى سطح البحر 2.34 بوصة- أى 6 سم- كل عشر سنوات ، وبمعدل يترواح بين 3- 10 سم .

وبحسبة بسيطة فإنه خلال خمسة عقود من السنين ستترواح الزيادة في ارتفاع سطح البحر بين 30- 50 سنتيمترا . وهذه العقود الخمسة هي الفترة التي يتوقع العلماء أن تختفى بعدها جز المالديف تحت سطح الماء .

لقد ذهبت إلى المالديف حاملا السؤال الأصعب على نفوس أهلها الطيبين ، فمجرد توجيه السؤال في حد ذاته يشكل ألما لا حدود له . فإذا كنت تسأل إنسانا هل ستختفى بلدك تحت سطح البحر بعد عقود قليلة ، فأنت تغمر بسيل موجع من الصور المريرة كاختفاء بيوت الأهل وشوارع الأحباب وضياع من يبقى على قيد الحياة بعد هذه الجائحة المرعبة .

ذهبت مرات إلى وزارة البيئة والتخطيط والقوى البشرية- فهى ثلاث وزارات معا- ولم أجد ترحيبا كبيرا ، وعندما نجحنا في الوصول إلى الوزير عبر وساطة طيبة من أحد أعضاء البرلمان المهمين ، هو مدير المدرسة العربية الإسلامية إبراهيم زكريا موسى ، كان الوزير يتجه إلى المطار في زيارة ، خارج البلاد وكلف أركان الوزارة المعنيين بالإجابة عن تساؤلاتنا .

الشئ نفسه حدث في وزارة السياحة وإن كانت الاستجابة أسرع في حدود معرفتهم البيئية وعلامات استفهمامها المؤثرة على السياحة التي هي اختصاصهم.

وقبل أن يتبلور المتاح من الإجابات حول هذا السؤال المرعب ، كان أن أفلتنا لبعض الوقت ناشدين الجمال الماثل والقتنة القامئة في جزر المالديف ، فانطلقنا على مياه المحيط باتجاه الجنان العائمة .

بينما كنا نهم بالاستقرار في المقارب الشراعى المزود بمحرك ديزل ، تأرجح القارب بشدة ، وسألت طاقم القارب إن كانت هناك سترات نجاة ، فأبدوا دهشة بالغة اندهشت لها ، ثم زالت دهشتى إذ انتهيت إلى أننى أتحادث مع بشر شوارعهم وطرقهم هي مياه المحيط والزوارق هي دراجاتهم وسياراتهم .

فالمالديف دولة معظمها من الماء ونسبة اليابسة فيها هي 1 % من كل حدودها بينما 99 % من حدودها مياه إقليمية . فدولة المالديف هي أرخبيل تتناثر فيه 1190 جزيرة مرجانية تنتظم في مجموعات من الجزر عددها 27 وكل مجموعة تسمى " أتول " والكلمة دخلت إلى اللغة الإنجليزية من لغة أهل المالديف المحلية المسماة " ديفى " ولا توجد بين هذه الجزر جميعها إلا 200 جزيرة مأهولة بالسكان المحليين إضافة إلى 70 جزيرة تحولت إلى منتجعات سياحية باستثمارات عالمية مختلفة .

انطلق قاربنا من الميناء على مياه صافية تبدو معها بطون الزوارق الغائضة جلية وكأنها وراء زجاج متماوج مخضر . وكانت أقرب الجزر إلينا هي جزيرة " فونادهو " المخصصة كمخزن لوقود الدولة ، وكانت مستودعات النفط الضخمة قائمة تطل من بين خضرة النباتات الاستوائية وجذوع نخيل جوز الهند .

وظاهرة تخصيص جزيرة لغرض محدد هي أمر لافت في دولة الجزر ، فهناك جزيرة " ثولو زدهو " وجزيرة " دهيفوشى " مخصصتان للصيد ، وجزيرة " كودا باندوز " تعمل كمشتل للنباتات النادرة ، كما أن هناك جزيرة بها محطة الإذاعة والتليفزيون .

بدت السماء قريبة بزرقتها المتآلفة مع فيروزية المياه ، وأخذت الجزر تأتى وتروح ، منظر ساحر كأن كل جزيرة زمردة ، بإطار أشهب ، داخل هالة من الفيروز وسط زرقة المحيط . فالجزر مسطحة بلا هضاب أو تلال ، ومعظم أراضيها لا ترتفع كثيرا فوق سطح البحر إلا بأدغال نباتاتها الاستوائية لا ترتفع كثيرا فوق سطح البحر إلا بأدعال نباتاتها الاستوائية وغابات أشجار جوز الهند فيها ، وهى سطح لحيود مرجانية تستقر على قاع المحيط ورمالها البيضاء مجرد طحين من الإفرازات الكلسية للمرجان وفى هذه الأرض تنبت الأشجار الاستوائية المقاومة للملوحة فالمياه العذبة نادرة إلا من بعض العيون القليلة في الجزر الكبيرة .

مررنا في الشمال بجزيرة كبيرة اسمها ثودو وبها راينا بقاي معبد بوذى ، وفى هذا المعبد عام 1958 تم اكتشفا تمثال ضهم لبوذا في إحدى الغرف وبداخل التمثال عثر على بعض الأوانى الفضية وسوار ذهبى ونقود رومانية يعود تاريخها إلى العام 90 قبل الميلاد مما يعنى أن هذه الجزيرة كانت معمور منذ قرابة 29 قرنا .

تأملت عدد القرون ، وتذكرت توقعات المستقبل ، التي تحدد نصف قرن كحد كاف لغرق كل شئ .

حقا البناء صعب لكن ألهدم- أى هدم- هو أسهل بكثير سواء كان بيج الإنسان أو بيد الريح أو المطر أو البحر . وقررت أن أرجئ التفكير في سؤال الغرق الكبير المتوقع لآلاف الجزر الفاتنة في القرن القادم ، بإارف نقسى في التقنةى المتجلية أمام عينى ونحن ننطلق فوق مياه المالديف وبين جزرها .

زمرد النباتات الاستوائية في الجزر ، ولؤلؤ الرمل على شواطئها ، وفيروز المياه الصافية حولها ، ورقة المحيط التي تلف كل شئ ، وحياة بشرية تترواح بين الحياة في القاع ، أو فوق البحر بل فوق السحاب . إنه الفارق بين حياة أبناء الجزر البسطاء وحياة المتجمين القادمين من كل أنحاء العالم لقضاء شهور العسل وتلقى قبلات الشمس المدارية والغوص على كنوز المرجان الملونة .

من قاع المحيط إلى ظهر السحاب

مضى بنا الزورق المالديفى التقليدى الدهوانى منطلقا في رحاب المالديف ، أى مسرعا فوق الماء الكثير ومقتربا من اليابسة القليلة المتناثرة كجزر متقاربة . وكما البلاد والمدن المختلفة تتبدى الممرات والرحبات المائية بين الجزر وكأنها شوراع وميادين بها مشاة وراكبون ومركبات ومحال ، لكن ذلك كله بمنطق جزر المالديف أى بمنطق بلد 99 % من مساحته مياه إقليمية .

وفى هذه الشوارع والميادين والطرق المائية تتسابق زوارق سريعة تنافسها الزوارق الشراعية التقليدية التي يذكرنى قيدومها العالى المقوس إلى الداخل بمراكب الفينيقيين والفراعنة ، مما يرجح أنهم مروا من هنا وتركوا آثارهم في الناس والزوارق ، وهو برهان جديد على قدم إعمار هذه الجزر ، ومن ثم إضافة لأحزان الهواجس التي تتحدث عن مستقبلها القريب ، فخمسين عاما من عمر الأمم والشعوب هي ساعة من عمر الإنسان الفرد .

كانت الزوارق تطير مسرعة فوق الماء الفيروزى والسفن تمخر بحذر عباب الممرات بين الحيود المرجانية المتسخفية تحت سطح الماء القريب ، وثمة يخوت فارهة بيضاء كانت تتناثر هنا وهناك ، أما المدهش فهو السفن التي تعمل كسوبر ماركت عائم يزود بعض الجزر السياحية بما تريد ، وهناك مراكب هي محال بقالة يلجأ إليها السكن المحليون بقواربهم لشراء حاجياتهم القليلة ، فثمة اكتفاء جميل مؤسس على القناعة لدى سكان الجزر يجعلهم شبه مكتفين ذاتيا مما عيطيه البحر ومما تمنحه اليابسة .

رسونا قليلا على إحدى الجزر القريبة من العاصمة واسمها فيليجيلى لنتفقد حياة أهلها ، بيوت بسيطة وسط مساحات مزروعة بنخيل جوز الهند وشجر الموز وأشجار الخبز ، وثمة ضريح صغير مسقوف بالقرميد وقد رشقت في زوايا سقفه رايات صغيرة بيضاء .

وفى باحة مسجد صغير كان مؤذن القرية " ويدعى مودهيمو " يعلم الأولاد الجالسين متربعين تلاوة القرآن . الناس خجولون والنساء شديدات التحفظ ، والرجال يهبطون قبل الفجر بزوارقهم لصيد أسماك التونة بالشص والحربة . ومما يصيبون تكتمل متطلبات الحياة البسيطة على الجزر البكر ، فالسمك يكون لب الطعام والخبز يصنعونه من ثمار نبات نشوى القلب ، وشجرة جوز الهند تكمل كل شئ : فمن جوف ثمارها يشربون حليبها المرطب للجوف ، ومن لبها يأكلون ويتحلون أما الجذوع فتعطى جدران وأسقف البيوت وهياكل الزوارق ، ومن أوراقها ينسجون أغطية للنوافذ وأوعية لحاجياتهم ، وما يزيد عن ذلك يبادولنه مقابل الأرز والشاى والخضر المجلوبة معظمها من سيريلانكا .

حياة بسيطة أقرب إلى التقشف ورمال الجزر البيضاء الناعمة ترحم الإقدام العارية فلا تحتاج- غالبا- إلى أحذية ، بينما درجة الحرارة المعتدلة والأقرب إلى الدفء تختز ملابس الرجال إلى مجرد إزار من قطعة قماش واحدة .

وبالطبع تختفى وارء هذه البساطة مكابدات البحر ، والريح التي تهب عاصفة أحيانا ، والمطر الساحق ، وصراعات البشر العادية التي تعنى في هذه الجزر أن تجمل عائلة كل متاعها القليل في زورق ينقلها إلى جزيرة أخرى تكون غير مأهولة في الغالب . أما أفراح الحياة فهى بسيطة أيضا وقد شاهدنا رحلة فريق كرة قدم ذهب يتبارى مع فريق جزيرة أخرى وكانت الزوارق تحمل الفريق والمشجعين وبحماس جرت المباراة ، ورغم أن الهزيمة كانت من نصيب الجزيرة المضيفة فإن الموائد مدت بطول الشارع تحية للفريق الزائر ومشجعية من الجزيرة المجاورة .

تلك هي حياة المالديفين على الجزر . لكن هناك حياة أخرى يكاد لايعرفها ، بل لا يتخيلها ، سكان البلاد المحليون ، وهى حياة السياح في الجزر السبعين التي حولتها الاستثمارات العالمية إلى مرافئ مغمورا بكل هذا السلام الجميل والوفرة المواتية على جزر كأحلام فيروزية وسط المحيط الهندى .

لقد بدأ عصر السياحة الذي أسس لمالديف جديدة عام 1972 عندما أقام مستثمرون إيطاليون منتجعا سياحيا في جزيرة كورنبا- والاسم مأخوذ عن الاسم المحلى لثمرة جوز الهند " المكورة "- وهى من بين جزر مجموعة مالية " أتول ماليه " . وبعد ذلك اكتشفت الأوربيين الباحثين عن الخيال فوق جزر خضراء وسط المحيط ، شواطئها رمال مرجانية بيضاء ، تحف بها بحيرات فيروزية ، ونخيل جوز رالهند يميل قرب حوافها باتجاه الماء نحو المزيد من الانفراد بالشمس .

وبالقرب من هذه الشواطئ تحلو السباحة والغوص في أنظف مياه بأنظف محيطات العام ، حيث تتراءى الكنوز الملونة للحياة تحت الماء في كنف الشعاب المرجانية ساحرة الأشكال والألوان .

المالديف كانت فتحا جديدا في أسواق السياحة بالغرب ، فهى سياحة تتيح الهرب من ضغوط المجتمع الصناعى وصخب المدن العصرية إلى جزر يتعلم فيها الإنسان أن يعيش مسترخيا لا يفكر في شئ غير الاستجمام ، والطعام الطيب ، وتأمل جمال الطبيعة وسط مناخ ناعم وهواء شغيف . وإن راق له السهر فليكن تحت سماء أبنوسية تتلامع فيها النجوم وعلى رمال يشدو لها وشيش البحر . كل ذلك عبر خدمات فندقية راقية جدا وذات بنية تحتية متقدمة ابتداء من تحلية المياه حتى التكييف المركزى . أما البشر أبناء البلاد فلا أرق منهم عودا وروحا واستعداد للتعاون تراهم متناثرين في صمت بين حنايا هذه الجنان متأهبين للخدمة فور أن تطلب منهم . شئ واحد لا يمكنهم تلبيته ، وهو أن يقبلوا احتساء كأس يدعوهم إليه مستجم غربى ، فالمديفى إذا عاقر الخمر يحكم عليه بالإبعاد سنة كاملة في جزيرة نائية يتعبدفيها ويكفر عن ذنبه حتى تقبل توبته .

السياحة دماء جديد ضخت وتضخ في جسد الاقتصاد المالديفى المتواضع ، لكن هذه السياحة- كما الدماء الغريبة- لها مخاطرها . فالأبنية السياحية الجديدة والسياح المتدفقو عبء جديد على النظام البيئ المرهف في جزر المالديف . فنهب الكلس المرجانى يتزايد لتلبية الحاجة لمواد بناء لتشييد الأبنية الجديدة ، وهذا يضعف الحيد المرجانى الواقى حول الجزر . كما أن الغوص السياحى يؤدى إلى موت لوامس المرجان الحى بمشى السياح عليه أو بمجرد لمسهم له .

وموت المرجان يعنى موت الحيد المرجانى أى القضاء على السياج الطبيعى للجزر في مواجهة أمواج المحيط . كما أن زيادة انسكاب النترات في مياه الصرف أدت لنمو متزايد من الطحالب البحرية الضارة .

أما المزيد من مراسى الزوارق السياحية فهى أداة لتخريب الحركة الحلزونية الطبيعية لترسيب الرمال حول الجزيرة ومن ثم تآكل الشواطئ في جانب وامتدادها العشوائى في جانب آخر .

المالديف جنة سياحية هبتها في بيئتها الجميلة المرهفة ، والسياحة بلا ضوابط تشكل تخريبا لهذه البيئة ، ومن ثم تآكلا في مستقبل السياحة ذاتها . فكأن المستقبل كله في خطر ، خطر السياحة ، وخطر المناخ ، فماذا تفعل المالديف ؟

كثير من الخوف ، قليل من الأمل

بعد دوران كثير حول الجزر ومكوث بها استقر بنا المقام في العاصمة من جديد ، ورحت أطارد من أتوسم فيه تحديد سؤالى عن المستقبل والإمساك بخيط في إجابته .

وزارة البيئة والتخطيط والقوى البشرية . وزارة السياحة . كان الوزير أن غير ماحين فأحدهما خارج البلاد ، والآخر أوكل أمرنا إلى أركان وزارته بعد أن استطعنا الوصول إليه ، وهو في المطار يتأهب للطيران في زيارة خارجية . التقيت السيد محمد زهير من وزارة البيئة ، والسيد موسى زامير حسان المحلل الاستراتيجى البيئ من وزارة السياحة .

ومن خلال اللقاءات والاطلاع على ما أتيح من مطبوعات ونشرات كانت الرؤية ، وإن ظلت مفتوحة الأفق!

إن السياحة في المالديف عمادها البيئة البحرية ، فهناك أكثر من 140 موقعا للغوص تمت بها 336 ألف طلعة غوص أثمرت أكثر من 10 ملايين دولار في سنة واحدة، ومن ثم فالمعادلة صعبة بين هشاشة البيئة ومتطلبات هذه السياحة.

اتخذت حكومة المالديف بعض الإجراءات لإحداث بعض التوازن ، فتقرر أنه مقابل كل جزيرة تستثمر سياحيا تترك جزيرة كمحمية طبيعية لا تمس . والجزر المستثمرة عددها يمثل 60 % من بين الجزر الـ 1190 في دولة المالديف ويخطط ألا تزيد خلال عقد من الزمان عن نسبة 12 % من عدد الجزر مع ما يماثلها من محميات .

من ناحية أخرى جرى تقنين يقلل عدد السياح بكل جزيرة حتى لا يشكو عبثا على بيئة الجزيرة وذلك بألا تزيد مساحة المبانى عن 20 % من مساحة الأرض . وتحديد ارتفاع أى بناء بطابقين لا أكثر .

أما عن الإجراءات البيئية الضابطة فقد تحددت في : عدم المساس بأى تكوين بيئي ، وبالتالى منع قطع الأشجار الكبيرة والنباتات النادرة على الجزر ، وإبعاد أى بناء خمسة أمتار على الأقل من خط الساحل للحفاظ على نباتات الساحل ، وتشجيع كل ما يؤدى إلى الحفاظ على الحيد المرجانى ، مثل وضع حواجز الموج ، ومنع أخذ الرمل وفتات المرجان كمواد للبناء إلا من مواقع محددة . يومنع على السياح منعا باتا الصيد إلا في أماكن وأوقات محددة والصنارة فقط ولأنواع بعينها . ويجزم إخراج الأصداف الكبيرة والسلاحف البحرية أو منتجاتها ، وكذلك الاستاكوزا وبعض الأسماك من البلاد . كما يجرى إلقاء القمامة في غير الأماكن المخصصة لها .

كل ذلك طيب ولا بأس به ، لكن ماذا تراكم فاعلين في الخوف المستقبلى الكبير ؟ ! الخوف من ارتفاع مستوى سطح البحر وغرق جزر المالديف ، التي لا يعلو معظمها أكثر من 1.5 متر فوق سطح البحر ؟ ثم إن معظمها يشبه في تكوينه الأطباق ، أى عالية الحواف ومقعرة الداخل مما يعنى غرقها ليس فقط من غمر مياة البحر لها ، بل لمجرد هبوب عاصفة بحرية من عواصف اضطراب المناخ العالمى ؟

سألت المعنيين وما تجمع بين يدى من أوراق ، وكانت الإجابة مزيدا من الأسئلة ، هل مياه البحر تعلو حقا ؟ .. إنه سؤال تفرضه درجة الحرارة التي ارتفعت وبشكل ملحوظ في العالم كله ، والمناخ الذي اضطرب ، والعواصف التي اكتسحت أكثر من مكان في المحيطين الأطلسى والهادئ ولم يعد لها غير المحيط الهندى . وحتى أعثر عن إجابة مرئية كان ينبغى أن أسأل عن تغيرات " الطوبوغرافيا " في جزر المالديف . . هل تآكلت مساحة جزيرة هنا أو هناك ؟ هل اختفت جزر ؟ هل ماتت من تصاعد الماء المالح أشجار ؟

يبدو أن عدد الجزر المالديفية لم يتفق عليه أحد فالتاجر سليمان السيرافى " عام 851م " ذكر أنها 1900 جزيرة والمسعودى " عام 916م " ذكر أنها 2000 جزيرة ، وابن بطوطة " عام 1304- 1369م" قال إنها 2000 جزيرة تعد من عجائب الدنيا . ولم يتوقف الاختلاف حول عدد الجزر على القدامى ، فالمحدثون أيضا يختلفون ، ولعل ذلك مرجعة تحديد مفهوم الجزيرة فهناك " نتوءات " مرجانية صغيرة لعل بعضهم عدها جزرا .

فإذا أردنا تحديد تآكل الأرض من واقع هجر الناس للجزر تجد الاختلاف أيضا ، فالهجرة قائمة لأسباب شتى : العواصف التي تكتسح جزرها وتحولها إلى أطلال ، والهزات الأرضية التي ترج قاع المحيط والانزلاقات الأرضية التي ترج قاع المحيط والانزلاقات الأرضية التي تجعل قطعة من جزيرة أو كلها تغوص تحت الماء . هذا إضافة للإقفار الذي يسببه اجتياح الأغراب لبعض الجزر كما حدث من هجوم أو تاميلى على جزر الأطراف .

ومن أسباب الإقفاز الغريبة ، توهم بعض سكان الجزر بوجود أرواح شريرة تهدد حياتهم فيرتكون جزيرتهم إلى أخرى . باختصار ، لم أجد في البحث عن تغيرات طوبوغرافيا المالديف ما يوثق لمأزق حالى مع ارتفاع مستوى سطح البحر . لكن المؤكد أن حرارة الأرض ترتفع ، والمناخ يضطرب ، وأن هواجس العلماء المبكرة غالبا ما تتحول إلى حقائق متأخرة .

مضت إيامنا في المالديف سريعا ، وبينما كنا نركب الزورق مغادرين ماليه إلى المطار الجزيرة ، لم يكن هناك غير الليل ، أسود في اضطراب الموج ، وأسود خلف لمعان النجوم المرتعشة في السماء البعيدة .

وأحسست بخوف شديد من انقلاب الزورق الذي يتلاعب به المحيط ، وما من أنيس غير أضواء تخفت خلفنا على شاطئ ماليه ، وأضواء المطار الذي على- غير عادة مطارات العالم- به فنار يهدى ضوؤه السفن . ووجدتنى أفكر في " الدهيفى " الذي يسكن مخيلة المالديفيين الخرافية أو " الجنى " كما يسمونه ، وهو يرتبط لديهم بكل حدث شرير خارق للعادة . وهم في مواجهته يلجأون إلى تلاوة القرآن لإحباط تدميره ، وأحيانا يلجأون إلى رجل شبه ساحر يمارس نوعا من الطقوس اسمه " الفانديثا " .

فهل ذلك " الدهيفى " أو " الجنى " ليس إلا ما تخبئته مياه المحيط في الغد؟

ألم أقل بأن بحثى عن إجابة للسؤال قد تحول بدوره إلى أسئلة؟!

 

محمد المخزنجي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




جزر المالديف فاتنة المحيط يهددها المحيط





جزر المالديف فاتنة المحيط يهددها المحيط





مسجد الجمعة الكبير ومقر المركز الإسلامي، بياض ناصع وقبة ذهبية





موقع المالديف في المحيط الهندي





منتجعات السياح جنان المحيط الهندي العائمة





شارع الميناء إطلالة على المحيط وطريق تحت بطون الدلافين





رمال حريرية بيضاء، وظلال نخيل سامقن وبحر من السلام والزرقة





زوارق بأشرعة





قوارب بمحركات





طائرات مائية في بلد 99% من كيانه الوطني ماء





مراكب الدهواني ذات قيدوم يوحي بأن الفراعنة والفينيقيين مروا بالمالديف





دراجات هوائية ونارية بلا حصر في شوارع دقيقة نظيفة لا تحتمل كثرة السيارات





قبعة تقي العجوز من الشمس بينما هامات نخيل جوز الهند تتفرد بالشمس





حيث الماء العذب قليل هكذا يكون الوضوء بلا إسراف





إبراهيم زكريا موسى، برلماني بارز ومدير المدرسة العربية الإسلامية





أبناء الجزر يستطيل بهم الوقت فيتفننون في تمضيته دون صخب





مونارو أو منارة مسجد السلطان إبراهيم عمرها أكثر من ثلاثة قرون





ثمار استوائية عند أطراف سوق ماليه





حصاد يوم من صيد التونة ثروة مالديف الحية





التونة تُسلق وتدخن وتشوى إنها بروتين المالديف الأول الوفير





من المزارع المدارية ترسل أشجار الموز بثمارها





سوبر ماركت عائم عند المفارق بين الجزر





النظافة قيمة واضحة في شوارع مالديف المسلمين ومدارسهم وكبارهم وصغارهم





وجه مالديفي بملامح من خليط أبناء المحيط الهندي وسمرتهم





حيثما اتجهت في جزر المالديف تطل على البحر





يخوت بيضاء فوق مياه فيروزية وأفق أزرق تطل منه خضرة الجزر