بين الرواية والتاريخ

بين الرواية والتاريخ

في مقاله المنشور في العدد (557) أبريل 2005 من مجلة «العربي» تحت عنوان «التاريخ والرواية تفاضل أو تكامل؟» استعرض الدكتور قاسم عبده قاسم العلاقة بين الرواية كجنس أدبي والتاريخ كمنهج علمي، وهي علاقة رآها تكاملية وتبادلية، على اعتبار أن كل رواية تحمل قدرا من «التاريخية» كما أن كل كتابة تاريخية فيها قدر من الرواية، وأن كلا من المؤرخ والروائي في حاجة ماسة, كل منهما إلى الآخر عند لحظة التدوين، كما أبرز الكاتب في نهاية المقال عناصر التشابه والاختلاف بين الروائي والمؤرخ.

إن ما أود الإشارة إليه في هذه المداخلة يمس نقط التشابه التي أشار إليها الكاتب بقوله:«فالأصل أن مادة كل منهما واحدة وهي الإنسان في سياقه الاجتماعي» ص 55. وأشير هنا إلى أن الكاتب تحدث عن التاريخ من منطلق عام، ويفهم من كلامه انه أراد بذلك التاريخ الرسمي الذي تمليه قرارات السلطة، دون التطرق إلى تاريخ آخر أهمله المؤرخون واختزلوه بالموقع القيادي، وهذه العبارة للدكتور إبراهيم بيضون وردت في مقال نشره في مجلة «العربي» عدد 554 يناير 2005، إذن فما نقرأه ليس سوى تاريخ شخصيات معينة، عاشت في فترات محددة قد تكون أثرت بالسلب أو بالإيجاب في مسار أمة ما.

كما أريد أن أوضح أن ما تم استعراضه يمس فقط جوانب الأسلوب والبنية والمنهج الذي يستعمله و يسلكه كل من الروائي والمؤرخ، بعيدا عن جانب المضمون الذي يثير الاهتمام أكثر. أعود إلى كلمات الدكتور قاسم حول الإنسان في سياقه الاجتماعي كمادة واحدة لكل من الروائي والمؤرخ، فأنا أشاطر الدكتور في هذا الطرح شريطة أن يقوم بتحديد ماهية الإنسان وسياقه الاجتماعي، بمعنى آخر أن يحدد طبيعة الإنسان الذي يعالجه التاريخ والرواية داخل سياق اجتماعي ما، لأن الحديث بطريقة شمولية يسبب ارتباك الفهم.

إن اغلب من نصادفهم في كتب التاريخ ليسوا سوى ملوك وقياصرة وقادة حرب وسياسيين ومفكرين ومنظرين... أما الرواية فأغلب أبطالها أناس عاديون جدا ينتمون إلى الفئات الشعبية البعيدة عن كرسي السلطة، وهكذا نكون أمام العامل ، والفلاح والأديب والموظف البسيط ...وبالتالي لو أردنا أن نسائل التاريخ مثلا عمن صنع الأحداث المهمة التي شهدتها الإنسانية، هل هم العظماء فقط الذين قاموا بكل شيء أم أن هناك مطايا تحققت بها طموحات هؤلاء العظماء. إذن، فالرواية كجنس أدبي، بكل ما تملك من مقومات تخيلية وأسلوبية أشار إليها الدكتور قاسم في مقاله، وبوصفها بعيدة عن املاءات السلطة، تكفلت برد الاعتبار إلى هذه الفئات التي بخسها التاريخ حقها من الظهور على صفحاته.

فالرواية كما قال فيصل دراج في كتابه «الرواية وتأويل التاريخ» «تذهب إلى ثنائية الاغتراب الإنساني والبحث عن المعنى، كي تحاور الممزق والمتداعي والمعنى المرغوب الهارب أبدًا». فكيف تمثلت الرواية هذا الدور؟ الإجابة تأتي من الكاتب نفسه حين قال: «أرادت الرواية (...) كجنس أدبي هامشي بالمعنى المجتمعي أن تكتب تاريخ السلطات سلبا متوسلة مآل الإنسان المحكوم كأنها وهي تكتب تاريخ المقموعين ترد على تاريخ سلطوي لا ينقضي، وحد بين الكتابة والسلطة ولا يزال»، وبهذا تكون الرواية قد استطاعت أن ترد على التاريخ السلطوي وأن تشهد عليه وتقف منه موقف المصحح الناقد.

من خلال ما تقدم يمكن القول بأن العلاقة بين الرواية والتاريخ قد تغيرت لتكون علاقة تفاضل وتضاد بدل علاقة التبادل والتكامل التي تبناها الكاتب.

توفيق البوركي
أغادير - المملكة المغربية

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية  
اعلانات