جمال العربية

"في تيسير النحو"

من بين المجالات التي شغل بها مجمع اللغة العربية بحثا ودراسة على امتداد عمره الذي يقارب الآن الستين عاما مجال تيسير النحو والصرف والكتابة العربية.

وقد حرص المجمع على أن يكفل لبحوثه ودراساته في هذا المجال أوفى قدر من المراجعة والتزكية والوقوف على الرأي العلمي السديد.

وفي مناسبة العيد الخمسيني للمجمع عام 1984، صدرت مجموعة القرارات العلمية في خمسين عاما، تضم عددا كبيراً من قراراته في أقيسة اللغة وأوضاعها العامة، وفي الترجمة والتعريب وكتابة الأعلام الأجنبية، وفي وضع المعجمات والمصطلحات، وفي تيسير النحو والصرف والكتابة العربية.

من بين قرارات المجمع في هذا المجال الأخير، ما رآه من أن الصيغ النحوية التي تعرب تمييزاً وتتفرق في أبواب كثيرة يمكن جمعها في باب واحد تيسيراً، على الناشئة، وهذه هي أمثلته:

1- أسماء التقدير وما يشبهها في الوزن والكيل والمساحة مثل: رطل زيتا، وقدح قمحا، وفدان أرضا.

2- بعد الصفة المشبهة مثل: علي حسن أدبا وكريم خلقا.

3- بعد الفعل اللازم مثل: محمد طاب نفسا، واشتعل الرأس شيبا.

4- بعد فعل التعجب نحو: ما أجمل السماء منظراً.

5- بعد نعم وأخواتها مثل: نعم شعرك شعرا، وبئس حديثه كلاما.

6- بعد اسم التفضيل: زيد أكثر من عمرو أدبا.

7- بعد كم الاستفهامية مثل: كم كتابا معك؟ 8- بعد العدد المركب والعقود مثل: أحد عشر كوكبا، واثنان وعشرون كتابا.

9- صيغ محفوظة مثل: ويحه رجلا، وياله شاعرا، ولله دره فارسا، وحسبك به كاتبا.

10- بعد الضمير المبهم في الاختصاص في مثل: نحن العرب كرام .

كما نظر المجمع في باب الاستثناء، وهو من الموضوعات التي يخطىء فيها الناشئة ويعدونها من أبواب النحو المتصفة بالصعوبة والتعقيد.

ورأى المجمع أن يعرض هذا الباب بأمثلته على الناشئة من المتعلمين في باب الأساليب على هذه الصورة.

أولا: المستثنى التام الموجب وغير الموجب يجوز نصبه نحو: نجح الطلاب إلا طالبا، وما نجح الطلاب إلا طالبا

ثانيا: في حالة الاستثناء بخلا وعدا وحاشا، يكون المستثنى منصوبا دائما على اعتبار أن هذه كلها أدوات استثناء مثل: إلا.

ثالثا: إذا كانت أداة الاستثناء (غير أو سوى) كانت الأداة منصوبة ومضافة وكان ما بعدها مضافا إليه مثل: ما جاء أحد غير علي.

أما نحو: ما قام إلا محمد وما قام غير زيد، فهو من أساليب القصر لا الاستثناء. وفي هذين المثالين تعرب " غير" وما بعد إلا بحسب موقعهما من الجملة.

***

وفي الندوة التي عقدها اتحاد المجامع العلمية العربية في مدينة الجزائر عام 1976، اتخذت عدة توصيات في موضوع تعليم النحو العربي وتيسيره، من بينها الربط بين علم النحو ومفهوم الدلالات واستخلاص الشواهد والأمثلة من القرآن الكريم والحديث الشريف والنصوص الأدبية القديمة والحديثة، والاقتصار في المادة النحوية- ما أمكن- على ما يستعمله الطلاب في حياتهم، والإبقاء على الإعراب التقديري والمحلي دون تعليل. وتراعى قدرة الطالب عند اختيار القواعد. ودراسة بعض التراكيب النحوية دراسة تحدد معانيها وتضبط أواخرها دون تعرض لإعرابها التفصيلي كصيغ القسم والتعجب والتحذير والإغراء وما شاكل ذلك، كما أوصت الندوة بترك دراسة قواعد النحو التي تستعمل في الحالات النادرة كالتنازع والاشتغال، واعتبار جميع علامات الإعراب أصلية دون تمييز بين أصلي وفرعي، والعناية بالنطق العربي ودراسة مجملة للأصوات وقصر محاولة التيسير على مرحلة التعليم العام وتذييل كتب النحو بمقتطفات لتدريب الطلاب على استعمالات الأساليب المختلفة كأساليب التعجب والنفى والتأكيد والتفضيل.

ورآت الندوة أن ما عرض عليها من مقترحات وزارة " المعارف " التعليم المصرية ومجمع اللغة العربية بالقاهرة والمؤتمر الثقافي لجامعة الدول العربية ولجنة ترقية اللغة في المؤتمر الأول للمجامع اللغوية وما أبداه مجمعا العراق وسوريا من ملاحظات وتوجيهات وما سجل في محاضر الندوة فيه مادة صالحة للبحث والتمحيص توصلا إلى صيغة مبسطة لتيسير تدريس النحو في مراحل التعليم العام.

ومن أجل أن يتحقق فكر الندوة في العمل على تيسير تعليم اللغة العربية، فقد رأت ضرورة تأليف لجنة تمثل المجامع اللغوية الثلاث في مصر والعراق وسوريا- لم يكن مجمع الأردن قد شكل بعد- مع من ينضم إليهم من المتمرسين بالتربية والتعليم في البلاد العربية، لوضع كتب تطبيقية توزع فيها المادة النحوية توزيعاً تربويا على مراحل التعليم وصفوفه، مع إجراء تجربة ميدانية في تعليم النحو طوعا لمنهج هذه الكتب، وذلك في بلد عربي أو أكثر، لاستطلاع ما تسفر عنه التجربة من أثر في التيسير، وما عسى أن تحتاج إليه من تعديل أو تغيير.

***

ولقد مر على هذه الندوة وعلى هذه التوصيات ستة عشر عاما، والحال هي الحال، والشكوى لدى ناشئة المتعلمين هي الشكوى. والانخفاض الواضح في مستوى طلاب التعليم العام واللغة العربية- خاصة عند التحاقهم بالجامعة- موضع نظر اللغويين والتربويين وتأملهم، وقد تكون التجربة التي قامت بها وحدة اللغة العربية بمركز التعليم الجامعي الأساسي في جامعة الإمارات العربية المتحدة مسعفة في هذا المجال: مجال تعليم اللغة العربية بعد أن عقدت مؤتمرها الأول- في هذا العام- حول أهداف تعليم وتعلم اللغة العربية في المستوى الجامعي، ومشكلات تعليم وتعلم اللغة العربية في مرحلة ما قبل الجامعة، وأهم المستحدثات اللغوية والتربوية في تعليم اللغة العربية.

"إنني قاتلة مقتولة"
للشاعرة جليلة البكرية

هي جليلة بنت مرة بن ذهل بن شيبان البكرية، زوجة كليب سيد ربيعة، وأخت قاتله جساس، وهي أقدم شاعرة عرفها تاريخ الشعر العربي، وقصيدتها هذه من أقدم النصوص الشعرية في العصر الجاهلي. وما روي لها من شعر يدور أغلبه حول بكائها لزوجها وتصوير المأساة التي عاشتها بعد مصرعه، وهي تتوقع في كل يوم مصرع أخيها أخذا بثأر زوجها.

ووسط معاناة الكارثتين: كارثة مقتل الزوج، وانتظار مقتل الاخ، عاشت جليلة مأساتها المزدوجة بعد أن وضعتها الصدمة في اختيار قاس، تبقى مع قوم زوجها وفاء لذكراه وحفاظا على عهده، أم تلحق بقومها نجاة بنفسها من الموقف الصعب الذي وضعت فيه؟

لكن جليلة تحسم أمرها بالرحيل بعد أن اجتمعت عليها نسوة الحي في مأتم زوجها كليب، وطلبن إليها الرحيل لأن بقاءها بينهن شماتة وعار.

ويصور الدكتور يوسف خليف في تقديمه الجميل لقصيدة جليلة عمق أزمتها النفسية الطاحنة- بين شقي الرحى- في الجزء الأول من كتاب " الروائع من الأدب العربي "، وكيف كان لقاء أبيها لها وقد رحلت الى حي قومها، فيقول:

وعلى مشارف الحي لقيها أبوها، فقال لها: ما ما وراءك ياجليلة؟ فقالت: ثكل العدد، وحزن الأبد، وفقد جليل، وقتل أخ عن قليل، وبين ذين غرس الأحقاد وتفتت الأكباد.

فقال لها: أويكف ذلك كرم الصفح وإغلاء الديات؟ فقالت: أمنية مخدوع ورب الكعبة، أبالبدن تدع لك تغلب دم ربها؟ ثم فزعت إلى شعرها تصور فيه مأساتها الحزينة ومشكلتها التي لا تجد لها حلا، فكانت هذه الأبيات:

يا ابنة الأقوام إن لمت فلا

تعجلي باللوم حتى تسألي

فإذا أنت تبينت الذي

يوجب اللوم فلومي واعذلي

إن تكن أخت امرئ ليمت على

جزع منها عليه فافعلي

جل عندي فعل جساس، فيا

حسرتي عما انجلى أو ينجلي

فعل جساس- على وجدي به-

قاطع ظهري ومدنٍ أجلي

لو بعين فقئت عيني سوى

أختها فانفقأت، لم أحفل

تحمل العين قذى العين، كما

تحمل الأم أذى ما تفتلي

أيتم المجد كليب وحده

واستوى العالي معا بالأسفل

من لحكم الناس في حيرتهم

وقرى الأضياف يوم البزل

ولإصلاح وإفساد معا

في صدى الرمح وري المنصل

ياقتيلا قوض الدهر به

سقف بيتي جميعا من عل

هدم البيت الذي استحدثته

وانثنى في هدم بيتي الأول

ورماني قتله من كثب

رمية المصمى به المستأصل

****

يانسائي دونكن اليوم، قد

خصني الدهر برزء معضل

خصني قتل كليب بلظى

من ورائي ولظى مستقبلي

ليس من يبكي ليوميه، كمن

إنما يبكي ليوم ينجلي

يشتفي المدرك بالثأر، وفي

دركي ثأري ثكل المثكل

ليته كان دمي فاحتلبوا

بدلا منه دما من أكحلي

إنني قاتلة مقتولة

ولعل الله أن يرتاح لي