سمير سرحان في حواره الأخير: «نجحتُ لأني آمنتُ بوحدة الثقافة العربية»

سمير سرحان في حواره الأخير: «نجحتُ لأني آمنتُ بوحدة الثقافة العربية»

تعيش القاهرة هذا الشهر احتفاليتها السنوية بالكتاب، الذي لا تذكر مسيرته في مصر، إلا ويذكر اسم الراحل الدكتور سمير سرحان، الذي حول معرض القاهرة الدولي للكتاب إلى عرس سنوي للاحتفاء بكتُب وكُتاب العرب والعالم. وبعد أن عرفه المقربون منه والقراء له، والمعجبون به أستاذًا جامعيا، وكاتبًا مسرحيا، ومترجمًا وناقدًا، قرر سمير سرحان أن يترك منصة التدريس في الجامعة، وأن يعزف عن الكتابة النقدية بشكل دوري، ويقلص من إبداعه المسرحي، ويكرِّس حياته لمهمة نبيلة في إعادة الكتاب إلى مائدة المواطن البسيط.

  • عشرون عامًا بعيدًا عن محراب الإبداع، هل عطلك توليك مسئولية الهيئة المصرية العامة للكتاب عن مسيرة وعدتنا بمترجم قدير، ومسرحي موهوب وناقد كبير؟

- والله.. لا أتصور أنني أضعت العشرين عاما الأخيرة من حياتي في العمل كموظف، فأنا اعتبر نفسي أحد المناضلين الثقافيين، وأحد الذين كانوا يجاهدون مع زملائهم لرفعة ثقافة بلادنا، ولإبقاء مستواها العربي والعالمي كما هو، وهي التي كانت ثقافة رائدة في العالم العربي.. ناضلت لاكتشاف مبدعين جدد، وتقديم أجيال جديدة من النقاد والتعريف بالأكاديميين في مجال العلوم الإنسانية، والدراما والمسرح، والأدب المقارن، والنقد الفني على سبيل التحديد.

ويظل جهدي الأهم متمثلا في احترام الكتاب واسترداد عشق عادة القراءة إلى البيت المصري، ومد خدمة المكتبات إلى القرى والنجوع البعيدة من خلال إسهامي في تنفيذ مشروع قومي كبير مثل مكتبة الأسرة، فهذه المشروعات القومية الكبيرة التي أسهمت فيها، ومنها طبعا مشروع (الألف كتاب الثاني) الذي قدم للمكتبة العربية نحو ستمائة عنوان مهم في العالم باللغة العربية، أسهمت جميعها في بناء مجتمع المعرفة وبناء الإنسان العربي.

  • وأذكر الدكتور سمير سرحان بأوائل العناوين التي قدمها للقارئ العربي كمترجم ومؤلف.. أذكره مثلا بكتاب (النقد الموضوعي) الذي كلفه به أستاذه الدكتور رشاد رشدي وصدر في قطع صغير جدا عن مكتبة الأنجلو المصرية ليعرفنا بمدرسة ماثيو أرنولد في النقد، وكذا كتاب (تجارب جديدة في الفن المسرحي) الذي أصدره له نقيب الناشرين الأسبق محمود عبد المنعم مراد عن مكتبة المعرفة، التي أسسها في شبابه وغيرهما من ترجمات وليام شكسبير بالعامية المصرية، فيقول:

- لا تنس أيضا ترجماتي لمسرحيات تنيسي ويليامز.

  • ولابد أن نتوقف أيضا عند كتابك (على مقهى الحياة) الذي يضم سيرتك الذاتية؟

- أنا أعتبره تأريخا للحياة الثقافية في الستينيات.. أو هو ترجمة حياتنا الثقافية.. وتوثيق لها من خلال ذاتي ووجدان مثقف شاب.

  • هل كتبته كعمل واحد أم كان مجموعة حلقات؟

- جاء دفعة واحدة، وتلاه (أيام العمر الجميل) الذي أعتبره امتدادا له، وقد كتبته في موضوعات تقدم مواقف أثرت في وجداني وفي رحلتي، وهي مواقف تجمع بين الخاص والعام، لذا فقد أثرت أيضا في الثقافة المصرية.

مكتبة الاسرة

  • ألست معي في أنك استطعت أن تلعب دورا لم ينجح فيه غيرك وهو كسب ثقة قمة السلطة السياسية في مصر بحيث أصبحت أحد المسئولين عن مشروع مكتبة الأسرة، والأمين العام للمجلس العربي لكتب الأطفال في الوقت نفسه الذي اقتربت فيه من ساسة عرب كبار ومسئولين عن العمل الثقافي والإعلامي في أكثر من عاصمة عربية. فأنجزت مع الشارقة مشروع دائرة المعارف الإسلامية ونفذت أكثر من أسبوع ثقافي عربي في مصر بل وأنتجت مئات البرامج الثقافية لتليفزيونات عربية في سلطنة عمان والأردن وغيرهما؟

- أنا سعيد جدا بأني استطعت أن ألعب هذا الدور وأن أجتذب أيضا المثقفين العرب إلى مصر من خلال معرض الكتاب الذي كان في وقت من الأوقات أهم حدث ثقافي يتنظره العالم العربي كله بزخمه ورواجه وجرأته وتوازن أنشطته وفتحه المجال لكل مبدع أو مفكر عربي ليتناقش ويروج لكتبه ويحلم بالمستقبل.

وأتصور أن تدريسي في بعض الجامعات العربية وزمالتي لكثير من الشخصيات المهمة في العالم العربي أسهم في مد هذه الجسور القوية بين مصر وشقيقاتها.

وعموما سر النجاح يكمن قبل أي شئ في إيماني بوحدة الثقافة العربية، وبأن لكل بلد موروثه الثقافي، لكن في النهاية نحن جميعا نشترك في موروث ديني وثقافي وفكري واحد، ولذلك مصر استطاعت أن تلعب دور الأم، ولا تكاد تجد مثقفا عربيا كبيرا إلا ويفخر بأنه درس في مصر وعاش بين أهلها ومثقفيها. ولا يزال تحقيق الشهرة والرواج مرتبطا بالانطلاق من مصر؛ فإذا نشر الكاتب في مصر أصبح مشهورا؛ وإذا قرأ قصائده في مهرجاناتها عرفه الجميع؛ وإذا لحن أو غنى أيضا. ولن أنسى نزار قباني - على شموخ قامته - بعد أن أستضفته في معرض الكتاب قال لي وهو يتصبب عرقا: «تعرف.. يا سمير هذا الجمهور جعلني أولد من جديد!!» وأنا اعتبرها شهادة عظيمة جدا لي ولمصر طبعا.

  • أنا أشهد بأنك نجحت في التعامل مع متناقضات المثقفين الذين لا يجتمعون على موقف واحد.. فكيف تسنى لك ذلك؟

- ليس من قبيل مدح الذات، لكنني أود أن أقول إن هذا تحقق لأنهم كانوا يحسبونني على اليمين، في حين أنني إنسان يؤمن بالتعددية، وبضرورة حضور تيارات فكرية مختلفة في الساحة حتى يصبح هذا البلد متقدما بحق. وتستطيع أن تفهم من ذلك لماذا نجح معرض القاهرة للكتاب على امتداد السنوات العشرين التي كنت فيها مسئولا عنه.

باختصار شديد جدا أنا شخص ليبرالي يؤمن بالتعددية، وحتى الآن أنا احترم اليسار جدا كما احترم اليمين، مادام كل منهما يتمتع بالموضوعية، لكن المشكلة في مصر تكمن في أن الجماعات الثقافية يكره بعضها بعضا على أساس أيديولوجي أو فكري، أو على أساس هذا ليس يساريا يبقى ليس منا بل ضدنا.

وقبل أن أصبح مسئولا عانيت كثيرا من هذا التصنيف، إذ اعتبرني بعضهم يمينيا فقط لأنني تلميذ رشاد رشدي الذي كان مكروها في الساحة دون ذنب اقترفه. ومع الأسف هم لا يعلمون أنني بدأت يساريا بل انتميت إلى (تنظيم حدتو) وكنت شيوعيا رسميا، وقبل ذلك كنت من (الإخوان المسلمين)، فقد نجحت جماعة (الإخوان المسلمين) في استقطابنا إليها أثناء مرحلة الدراسة الثانوية، وتدريبنا على استخدام السلاح في منطقة (الجبل الأصفر)، وكانوا يفهموننا أن هذا جزء من الدين، ولكن عندما تأكدنا من أن الدين بريء من كل ذلك وأنه يدخل في صلب العمل السياسي ومحاولة الاستيلاء على الحكم انفضضنا عنهم، وتحولنا إلى الاتجاه الآخر الذي كان قد بدأ يقوى ويستحوذ على الساحة المصرية وهو الاتجاه اليساري، وأذكر أن الذي أدخلني هذه الحركة هو الكاتب عبد المنعم صبحي، مدير تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون الأسبق.

ولكنني عندما التحقت بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب في جامعة القاهرة، وتتلمذت على المرحوم الدكتور رشاد رشدي وجدت أنني أصبحت أحسب على اليمين!! كل هذا لمجرد أنني أصبحت تلميذه وصفيه. واعترف لك الآن بفخري بأنني تلميذ رشاد رشدي وأعتقد أنه من أعظم أساتذة الجامعات المصرية الذين يمتلكون القدرة على صناعة تلميذ بمعنى كلمة تلميذ، فقد كان قادرا على استخراج أفضل ما كان كامنا في داخل كل واحد منا، وكان يؤمن بالاختلاف بين كل إنسان وآخر، كما كان ضد التلقين بدفع طلابه إلى عالم البحث، والوصول إلى متعة الاكتشاف.

لقد كان لا يكتفي بمحاضراته لنا داخل الحرم الجامعي، ولا مناقشاته معنا في مكتبه، بل كان يفتح لنا بيته، ويستقبلنا لكي نقرأ عليه محاولاتنا الإبداعية في كتابة المسرح العربي، على الرغم من أنه أستاذنا في النقد الإنجليزي والدراما. وكم كان يصبر علينا لساعات طويلة ـ حتى ولو كان العمل الذي يقرأه أحدنا غير عظيم القيمة ـ فقد كان الرجل يحترم رغبتنا في الإبداع والاستمرار، فيعلمنا كيف يكون الحوار، وكيف يُبنى المشهد الدرامي، ويتصاعد الحدث ويتأزم الموقف إلى أن يصل إلى الذروة ثم يعود لينفرج. كان أستاذا بحق، وكانت علاقتي به علاقة احترام وتبجيل.

لقد لمست هذا في السنوات الأخيرة من عمره بعد أن عدت أنت من إعارتك للخارج لتستقر في القاهرة، وكان هو قد سمح لي، بعد تخرجي في قسم النقد بأكاديمية الفنون التي كان رئيسا لها، بالانضمام إلى هذه الصفوة المقربة من تلاميذه الكبار الذين كان يستقبلهم في بيته المطل على النيل في شارع الجيزة قرب حديقة الحيوان: أنت، والدكاترة: عبد العزيز حمودة، ومحمد عناني، وفوزي فهمي، ونبيل راغب، في هذه المرحلة كان رشاد رشدي يقرأ علينا أحدث مسرحياته (حبيبتي شامينا) قبل أن تمثل على المسرح، وكنا نتابع ما يدور بينه وبين الرئيس السادات من لقاءات لتأليف كتابه (البحث عن الذات).

ولهذا وجه البعض الاتهام لهذه الشلة: سمير سرحان، ومحمد عناني، وعبد العزيز حمودة، وفوزي فهمي، بأنهم يكتبون مسرح الدكاترة في محاولة لإصدار حكم علينا كمبدعين!! على اعتبار أن ما نكتبه هو مسرح الصنايعية وليس مسرح الموهوبين!! وقد ثبت مع الأيام أننا موهوبون وأننا قدمنا للمسرح المصري أقوى نصوصه في أواخر الألفية الثانية.

الباب المفتوح

  • هل عايشت تجربة زواج الدكتور رشاد من الدكتورة لطيفة الزيات؟

- بالطبع، وقد كانت أستاذتي هي أيضا. وأشهد بأنها كانت تحظى بحب الدكتور رشاد رشدي واحترامه لها، وهي أيضا كانت تحترمه جدا وتحرص على قراءة مسرحياته، لكن لم تكن - بصراحة - تعجب به ككاتب مسرحي إعجابها به كناقد وأستاذ للأدب الإنجليزي. فكانت تسيطر عليها فكرة أنه كاتب صنايعي أكثر منه موهوبا، ولكنها كانت كأية زوجة مخلصة ترحب بنا وتستقبلنا في بيتهما وتطهو الطعام وتقدمه لنا بنفسها، ولن أنسى المولوخية بالأرانب التي كانت تقدمها لنا وهي تعلم أننا لا نمتلك القدرة على أكلها في أي مطعم مهما كان متواضعا لأننا في ذلك الوقت كنا فقراء جدا، بالإضافة إلى أنها كانت تقرأ أعمالنا وتوجهنا.

  • وماذا كان رأيه هو في الروائية لطيفة الزيات؟

- كان يعتبر أن روايتها (الباب المفتوح) أعظم رواية كتبتها امرأة في اللغة العربية.

  • وبالمناسبة هل توضح لي لماذا كان رشاد رشدي يرى أن (اللص والكلاب) أهم أعمال نجيب محفوظ؟

- لأنها رواية مركبة تركيبا دراميا وقد سمعته في أكثر من مرة يقول: «انظروا هذا عمل درامي من الطراز الأول، وليس عملا سرديا». ولم يجد حرجا في أن يواجه نجيب محفوظ قائلا: «هذا أفضل ما عندك، لأن أعمالك الأخرى تسترسل كثيرا في السرد وفي الوصف أيضا»، فضلا عن أن، في (اللص والكلاب)، اقتصادا عجيبا في التعبير وعبقرية في تركيب المشهد بشكل يقوم على الصراع الحاد بين اللص وهذا المجتمع الذي أسماه نجيب محفوظ بـ (الكلاب).

ويستطرد الدكتور سمير سرحان: لا تنس أنني تتلمذت أيضا على لويس عوض، ومحمد مندور وكانت هذه بداية اقتناعي بالتعددية. فالدكتور محمد مندور كان رمزا لليسار، في حين كان الدكتور رشاد رمزا لليمين، والدكتور لويس عوض رمزا لليبرالية.

وأنا أذكر أن الدكتور لويس كان يعقد كل يوم أحد ندوة في بيته في شارع قصر العيني يدعو إليها شباب المثقفين والمبدعين، وكان بيته هذا عبارة عن صالة كبيرة علق الكتب على حوائطها، وقد ذهبت إليه أول مرة في المرحلة التوجيهية قبل أن ألتحق بالجامعة. وقلت له أنا شاب يحب القراءة وأريد أن ترشدني إلى الطريق الذي أسير فيه، فأخرج كتابا من مكتبته يضم ثلاثية رائد التراجيديا اليونانية إسخيلوس (الأورستيا) وطلب مني قراءتها وقد كانت مترجمة إلى الإنجليزية في أسلوب صعب جدا منعني من أن أكملها، فعدت إليه في الأسبوع التالي وصارحته بما حدث فكان رده في حسم: إذا كنت لم تستطع أن تقرأ هذا العمل فلن تصبح مثقفا.

كم كان قاسيا؟

- نعم.. ولكنه كان متحديا أيضا، وهذا هو الأهم، ولعل هذا هو الذي جعلني أصمم على تحدي المشكلة وأقرأ معظم الأدب اليوناني من خلال الترجمة الإنجليزية. وللويس عوض يعود الفضل في قراءتي للأدب الإغريقي ثم أدب عصر النهضة والكلاسيكية الجديدة والأدب الرومانسي والواقعي والطبيعي، ومنه عرفت شيئا اسمه المنهج قبل أن أدرسه في الجامعة. وقد كنت حريصا على نقل هذه الخبرة إلى تلاميذي، ولكن ليس على طريقة لويس عوض الصادمة.

وقد امتدت المعرفة بيني وبين لويس عوض وتعمقت مع السنين، فكان دائم التردد على بيتي في مصر الجديدة، وكان أيضا صديقا وأستاذا لزوجتي نهاد جاد، ولإحساسه بالوحدة الشديدة كان يزورنا أحيانا عند منتصف الليل، وكان يجتر معنا ذكرياته في الحياة.

البحث عن الذات

  • والآن أود أن أسألك يا دكتور سمير، بعد طي صفحة هذه الحقبة الساداتية، هل أسهمت مع الدكتور رشاد رشدي في كتاب (البحث عن الذات)؟

- ياسيدي.. أقسم لك بأنني لم اشترك في تأليف هذا الكتاب ولا في ترجمته، فالذي كتب (البحث عن الذات) بالعربية هو الدكتور رشاد رشدي وحده؛ والذي قام بترجمته إلى الإنجليزية هو الدكتور محمد عناني وحده، تحت إشراف الدكتور رشاد رشدي. وأنا لم أشترك في هذا العمل على الاطلاق، ولو طلب مني لاشتركت.

  • لكن كيف جاء اقتراب رشاد رشدي من السادات إلى أن أصبح مستشاره الثقافي وأسند إليه مهمة عمل هذا الكتاب الذي يحمل اسمه كرئيس لمصر؟

- رشاد رشدي ظلم جدا، وكان يرى أنه يتحتم عليه الاقتراب من السلطة السياسية ليحمي نفسه ومنجزه.. ومن هنا بدأ يقترب من السادات.

  • وكيف خطط لذلك؟

- اقترح على الرئيس السادات أن يكتب هو كتابا عن الرئيس، وبعد أن تأمل السادات ذلك غير الفكرة وقال: أنا الذي سأكتب هذا الكتاب عن نفسي وسأنشره في الخارج بعدة لغات ويصدر عن كبريات دور النشر العالمية. وكلف رشاد رشدي بأن يجلس معه ليتحدث إليه خلال جلسات طويلة في بيته بالجيزة، أو في استراحة القناطر ليحكي له عن حياته، ويقوم الدكتور رشاد بتفريغ هذه المادة وصياغتها في فصول تصبح بعد ذلك هذه السيرة الذاتية للسادات التي بدأت بجملة (العسل وصل).

  • لكن كيف وصل اقتراح رشاد رشدي إلى الرئيس السادات بأن يكتب مؤلفا عنه؟

- لقد أرسل إليه خطابا، ووقتئذ كان الدكتور نبيل راغب - قبل أن يحصل على الدكتوراه - يعمل سكرتيرا صحفيا للرئيس السادات، وكان قد وضع عنه كتابا ضخما صدر عن دار المعارف بعنوان (أنور السادات رائدا للتأصيل الفكري)، ولأنه كان تلميذا قريبا من رشاد رشدي فقد توسط له عند السادات.

ويصمت الدكتور سمير قليلا ثم يقول لي متعجبًا:

ألا تلاحظ أننا تكلمنا كثيرا جدا عن رشاد رشدي؟!!

  • نعم.. لأن هذا الرجل دائما ما كان يتحدث عنك طوال سنوات غيابك عن مصر.. ولأنك تلميذه الذي نجح في أن يتجاوزه ويحقق الكثير جدا من أحلامه، عندما توليت رئاسة مجلس إدارة هيئة قصور الثقافة أضخم هيئة مسئولة عن قصور وبيوت الثقافة بطول مصر وعرضها، ثم رئاسة مجلس إدارة هيئة الكتاب، التي كان الدكتور رشاد رشدي في قمة مجده مجرد رئيس لتحرير إحدى مجلاتها (الجديد)، التي كان بعد صدور كل عدد يخشى من أن يصدر رئيس الهيئة قرارا بوقفها!!

- لكن يجب أن تراعي أيضا أنني ظلمت بسبب رشاد رشدي.

  • كيف؟

- الذين ظلموا رشاد رشدي ظلموني معه، فقد تصوروا أنني لكوني تلميذه يجب أن أكون يمينيا وقاموا بتصنيفي في خانة (اليمين) وأغلقوا كل الأبواب في وجهي رغم أنني كنت منتميا إلى اليسار المصري؛ وكأن رشاد رشدي كان جاسوسا أو عميلا للموساد. وهذا عيب اليسار عندنا، فهو يعتبر أنك إذا لم تكن معه فأنت لابد أن تكون ضده!!

اليسار المصري لم ينظر إلى الجانب المضيء في رشاد رشدي، ولم يتوقف أمام قيمته الفنية والنقدية والفكرية.. لم ير اليسار أن رشاد رشدي إنسان ليبرالي.. فهو لم يكن رأسماليا.. وحتى لم يكن ثريا.. كان رجلا يجيد التأنق على عكس ما كان سائدا في أوساط المثقفين من (البهدلة) والمظهر الرث. وقد رفضوا رشاد رشدي الذي دخل الساحة بصورة مختلفة تتسم بالأناقة والمنهجية وترتيب الفكر وعمق الثقافة.

  • الرجل الذي كان على امتداد عشرين عاما مسئولا عن الهيئة الرسمية التي تصنع الكتاب في مصر.. ماذا يقرأ؟ وهل لا يزال يبحث عن كتاب جديد ليشتريه؟

- لا أتوقف عن اقتناء الكتب سواء من المكتبات أو عبر الإنترنت، وأصبحت أعيش ساعات طويلة كل يوم أمام جهاز الكمبيوتر على شبكة الإنترنت لأنها تعرفنى ماذا يحدث في سوق النشر وسوق النقد في العالم، وماذا يشغل الدنيا من أفكار، ومع الأسف ألاحظ أن العالم يفتقر الآن إلى عمل كبير تهتز له الدنيا وباستثناء (شفرة دافنشي) لا أكاد أجد شيئا.

الكتب التي تحقق رواجا كبيرا الآن لا تخرج عن مجالات الوجبات والموضات والرجيم وإنقاص الوزن والبورصة والقضايا الاقتصادية، ولكن الساحة تخلو من اسم كبير يطل منها مثلما كان هيمنجواي، أو فولكنر، أو سارتر. وعموما أحس أن الثقافة المعاصرة أصبح يغلب عليها الآن البعد التقني والعلمي وليس البعد الإنساني، ولعل السبب في ذلك هو ثورة الإنترنت والأقمار والاتصالات.

  • إذن أصبحت زبونا من زبائن الإنترنت؟

- نعم.. ولكنني كل عام أعيد قراءة قصص تشيكوف، ومسرحيات شكسبير، فضلا عن قراءة أحدث ما يصدر في العالم، وآخر ما لفتني كتاب عن الجنون عند المثقفين وفكرة ذهاب العقل.

 

أجرى الحوار: مصطفى عبدالله

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




سمير سرحان ومصطفى عبدالله وفاروق حسني - صورة من سنوات الشباب





في إيطاليا صورة تجمع بين فاروق حسني وسمير سرحان وزوجته نهاد جاد